محب للرجل السماوي

لمحة عامة حول كتاب (هما)

فريدون حيدري مُلك ميان
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2021-6-14


(هما) هي مذكرات هما شلباف زاده (زوجة العميد الشهيد محسن أميدي) شارك في كتابتها ربابة جعفري وجمشيد طالبي من مجموعة الأعمال الفنية المكتوبة في محافظة همدان. وتم نشر الطبعة الأولى عام 2020م عن منشورات سورة مهر في 384 صفحة و 1250 نسخة.

يبدأ الكتاب بمقدمة لمكتب دراسات الثقافة والاستدامة بعنوان "تكريم صغير"علي جبينه. ثم بالترتيب: مقدمة علي كتّاب المذكرات، وأيضاً يتم إلحاق الفصول الأربعة من نص المذكرات، كما  تُلحق الفصول الأربعة لنص المذكرات، والتي ينقسم كل فصل منها إلى عدة أقسام، وتُعرض في النهاية.

تبدأ القصة بحلم صادق لفتاة تبلغ من العمر ست أو سبع سنوات: "كل شيء كان حقيقياً. صاح ديك الجيران، وها هي عيناي مفتوحتان. لم أكن نائماً ... لم أرد تصديق أنّ الرجل المحترم الذي بيده الشمس لم يعد معي، لكنني ما زلت أشعر بدفء كيانه ... نهضت من المرتبة ودفعت الملاءات عن قدمي. كان كلام الرجل يدور في رأسي. أغمضت عيني وضغطت على أصابع قدمي. عاد الشعور بها. فتحت عيني ببطء. تم جمع كل الأصابع العشرة. فتحتهم ببطء. كل شئ كان حسب ارادتي كانت ساقاي ترتعشان."سبزقبا " قد قام بعمله". (ص19و20)

تسحب الفتاة الصغيرة يديها الصغيرتين على ساقيها. عاد الشعور حقًا إلى قدميها. أعني، الآن يمكنها المشي والركض واللعب مثل الأطفال الآخرين؟ بقيت في دهشة عما حدث لها؟! قالت لنفسها إنها بعد هذا الحلم الجميل ما زالت تعاني من الكوابيس، ربما كان الأمر كله مجرد نوم مضطرب. لكن بعد ذلك رآها الجميع تمشي: والدها وأمها وأختها و ... كل الجيران والأسرة. الآن كان الجميع يسأل عن القصة: "هما! " أقسم عليك بالله أن تخبري الجميع من البداية!" وسرعان ما انتشر خبر شفاء قدمها بين أسرة شالباف. أرسل العم غلام رسالة من نفس المسافة التي ذهب إليها في نفس الصباح الذي غادر فيه منزلهم في الأهواز، وغادر إلى دزفول، ضريح سبزقبا، حيث يمكنه أن يشفي هما وينذر شالاً أخضر. طلب العم غلام من سبزقبا أن يشفي ابنة أخته أمام الله. لم يكن الأمر كما لو أنّ ساقيها كانت فاقدتين للحركة.

في اليوم الأول من أكتوبر، أخذت والدة هما ابنتها من يدها وذهبت معها إلى المدرسة. كان اليوم الأول وأرادت مرافقة ابنتها. عندما قرع جرس المدرسة، ركض جميع الأطفال في منتصف الفناء ووقفوا وراء بعضهم البعض، ووضعت الأم يدها على رأسها ومرت بين الأطفال الذين اصطفوا في صف حتى وصلت إلى الصف الأول. شيئاً فشيئاً، كان يشعر بمشاعر المدرسة... أخيراً، جاءت مشرفة المدرسة والمديرة وعدد قليل من النساء الأخريات. كانوا جميعاً دون حجاب وكانت هما مستاءة قليلاً في قلبها. وقفة المديرة خلف الميكروفون ورحبت بالجميع.

هما، مثل كل الأطفال، ردت علي التحية. وأخيراً، كان بابا علي (جدها) دائماً يقول: "التحية واجبة ومن يرحب بك فعليك إجابتها". كما قال بابا علي: "أمر الله في القرآن جميع النساء أن يحجبن ويسترن شعرهن وأجسادهن عن غير المحارم". عندما كانت المديرة تتحدث، كانت أفكارها تدور حول هذه الأشياء. فقط في المدرسة أدركت الاختلافات بين أسرتها وأسرة النساء. تكوّن في ذهنها ألف سؤال وهي تريد أن تذهب وتطرحها جميعاً على البابا علي.

قبل يوم أو يومين، عندما رأى البابا علي قرطاسيات مدرستها، قال لها: "يا هما "ادرسي جيداً لتكونين شخصاً مفيداً لبلدك. وأرادت أن تكبر في أسرع وقت ممكن لتتمكن من خدمة شعب بلادها.

ذات مرة، سلمت السيدة المشرفة في المدرسة ورقة لـ هما. استمارة موافقة ولي الأمر على العضوية في مجموعة أناشيد المدرسة. تركض طوال الطريق إلى المنزل وسلمت الورقة لوالدها. يتجهم بابا محمد عندما يدرك ماهية البطاقة. ثم يضعها على الأرض ويضع يده على رأس ابنته. أنت فتاة حكيمة! تذكري في اليوم الأول الذي عدتِ فيه إلى المنزل من المدرسة، قلت إنّ المديرة والمشرفة ليسا متحجبتين! أنت بنفسك كنتِ مستاءة من هذا الأمر. تذكرتي؟! الآن هل تعرفين ما هي مجموعة الأناشيد؟ لا يوجد حجاب في هذه المجموعة! يشارك الفتيان والفتيات معاً في برامجهم. ثم، إذا كنت تريدي الذهاب، فلن يسمحوا لك بالذهاب بحجاب. قاعدتهم هي أنّ الفتيات يجب أن يكن جميعهن عاريات. الآن الخيار لك ..." (ص 53)

حسنًا، ستمر الأشهر التسعة كيف ما اتفق. الآن يمكنها القراءة والكتابة بسهولة. فلما أظهرت سجلها لجدها وهي تقول: نجحت بمعدّل عشرين!

يبتسم بابا علي وينهض من مكانه. يضع يده على كتف هما ويُقبّل جبهتها. ثم يلتقط كتاباً من الرف ويضعه بجواره ... ينظر إليها من أعلى نظارته ويفتح الكتاب ويقلب الصفحة ويسلمها إلى هما ويقول: "الآن دعيني أرَ إذا يمكنك قراءة هذا الكتاب لوالدك". وقد شرح ما في الكتاب من أحكام الشريعة والصلاة وما إلى ذلك. "من الآن فصاعداً، يجب أن تأتي وتقرأي لي هذا الكتاب!"

تأخذ هما الكتاب من بابا علي وتحمله معها إلى المنزل. في المساء عندما يعود والده من العمل، يبدو أنه يعرف ما حصل. كانت سعادة الأب واضحة في عينيه. الآن عرف أنّ هما تستطيع قراءة الكتاب بنفسها وتجد سبب العديد من الأشياء التي قالها لها من خلال كتاب توضيح المسائل.

وهكذا، تنتهي سنوات المدرسة الابتدائية ... ثم المدرسة الإعدادية ... وأخيراً دخلت المدرسة الثانوية.

في حين أنّ جدها هو واجهة المجتمع وأسرار العالم الخارجي. كنت قد كبرت وكان بابا علي يأتي ليشرح لي كل ما سمعته في المسجد عبر وعاظ المنابر. من ناحية أخرى، وشعرتُ أنه إذا سمعت شيئاً ما، يجب أن أفهمه بنفسي حتى أصدقه. كانت المدرسة الإعدادية مليئة بالأحداث والأشخاص جعلوني أشعر وكأنني لم أعد هما السابقة التي تريد فقط اللعب، لكن عندما دخلت المدرسة الثانوية، بدا الأمر كما لو أنّ هذا الشعور قد اكتمل وشعرت بأنني مثقلة بتلك الأحداث والأشخاص. بشكل عام، تغيرت وجهة نظري للأحداث والأشخاص من حولي. ربما كان بلوغ سن البلوغ أحد الأسباب ومنذ ذلك الوقت أصبحت وجهة نظري لهذه القصص هادفة. عندما تحدثت والدتي معي حول مراعاة الأحكام النسائية". (ص60و61)

لكن أجواء المدرسة كانت مغلقة وخانقة. لا يمكن للمرء أن يتحدث إلى أي شخص على الإطلاق عن القضايا والمعتقدات الدينية. إذا أراد شخص ما التحدث عن مثل هذه الأشياء  فلن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يسمع مدير المدرسة وسيعاقب بشدة. في بعض الأحيان، إذا تحدث شخص عن مثل هذه القضايا، سيتعرض للتوبيخ والإهانة أمام جميع الطلاب. هما، والتي تخصصت في العلوم الإنسانية، كانت أكثر تعرضاً لهذه القضايا. كان لديها العديد من الدروس وكان لكل درس معلمه الخاص. ومع ذلك، كان هناك تغيير كبير يلوح في الأفق.. بدا أنّ إصرار الشعب على الإطاحة بالشاه كان جدياً، وكلما زاد الضغط ازداد هذا التصميم قوة.

وهكذا، مع مرور الوقت وعندما كبرت هما وأقرانها، دخلوا أكثر في قلب القصة.

«لم يعد الناس كما كانوا من قبل. لقد غيروا جميعاً وجهات نظرهم وكان رد فعلهم أقوى على السياسات القمعية للشاه وعصابته". المعارضة نزلت بالفعل إلى الشوارع، وكل من شارك في المظاهرات فقد خاطر بحياته... من ناحية أخرى، كان عدد الطلاب في المظاهرات يتزايد يوماً بعد يوم).ص67و68)

أصبحت المظاهرات والمسيرات الشعبية أكثر انتشاراً. خلال هذه المسيرات، التقت هما ببعض الطلاب الثوريين وتعاونت معهم. ربطها بشكل غير مباشر بالمناضلين ومن خلاله اطلعت الأخبار الحقيقية، لكنها لا تفهم أسمائهم ورموزهم أبداً. الصراع في ذلك الوقت يتطلب نوعاً من عدم الكشف عن هويتهم. يطلقون على انفسهم الإخوة والأخوات لأسباب أمنية.  تقرأ المزيد وتشاهد وتسمع المزيد. الآن لا شيء يمكن أن يجعلها عاجزة، وبكت، مما يجعل إرادتها أقوى. يدفعها ضغط العمل أحياناً إلى الابتعاد قليلاً عن جو الدرس. ومع ذلك، تتعهد بعدم ترك أي شيء يتسبب لها في الانقطاع عن المدرسة.

بعد 13 من نوفمبر، أصبحت المدارس متعثرة حيث أدي ذلك بإغلاقها كاملاً. لكن "هما" وصديقاتها لا يفوتن فرصة التواجد معاً. يلتقين في المسيرات.

عندما أجبر الشاه أخيراً على الفرار من البلاد، تدفق الناس إلى الشوارع وابتهجوا. نزلت أيضاً هما مع والدتها وشقيقتها الشوارع، وانضموا إلى الناس. الشارع مليء بالثوار يحملون جريدة بعنوانها كبير: رحل الشاه.

وكان في اليوم الثاني عشر من شهر فبراير عناوين الصحف: جاء الإمام.

"لقد تغيرت الأمور وتغيرت طريقة لبسنا في المدرسة. كنت أرغب في افتتاح المدرسة في أقرب وقت ممكن وسأذهب إلى المدرسة بزي إسلامي. أعادت المدارس فتح أبوابها بعد عيد النوروز. "بعد كل هذا البعد عن المدرسة، كان لدي شغف اليوم الأول من شهر اكتوبر". (ص99)

أكتوبر قادم مرة أخرى والسنة الثالثة من المدرسة الثانوية قادمة. تم تحديد الغرض من دراستها ... ليست ببعيدة عن الجامعة. قلبها يريد أن يُقبل دون تأخير في امتحان القبول. في نفس العام، تمت دعوتها إلى المعسكر الأيديولوجي للجمعيات الإسلامية في البلاد.

في العام الأخير، عندما كانت تستعد للذهاب إلي المدرسة، وفي اليوم الأخير من الصيف، كانت الدبابات العراقية تتجه نحو الحدود الإيرانية. طائراتهم تقصف عدة أجزاء من الأهواز، بما في ذلك المطار.

« في البداية اعتقدنا أنّ حرب الأيام وتنتهي. لكن لا يبدو أنّ هناك أي تحسن. سقطت خرمشهر. سقطت مهران في أيدي العراقيين، مثل العديد من المدن الحدودية الأخرى. كانت آبادان أيضاً تحت حصار البعثيين. لقد كان وضعاً محزناً. كان خبر سقوط خرمشهر بمثابة أتعس يوم. "كانت آمالي تتبخر. وكنت قد بدأت للتو في الاعتقاد بأنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن يتم تحرير هذه المدن». (ص 113-114)

عندما تدرك أنّ الحرس الثوري في الأهواز بحاجة إلى أخوات متطوعات، ستذهب مع آخرين للمشاركة في أعمال الدعم. القصف علي المدن يتصاعد يوماً بعد يوم، في الأهواز ودزفول وأماكن أخرى. صفارات الإنذار، وصوت صفارات الإنذار لسيارة الإسعاف، وصفارات الإنذار المضادة للطائرات، كلها ​​تعلو، ولا أحد منهم يشعر بالرعب كما كانت في الأيام الأولى. منذ ذلك الحين، تذهب إلى مقر الأخوات. وهي مسؤولة عن أرشيف الحرس الثوري الإيراني. يجلب الجندي كل صباح مجموعة من الصحف ومهمتها هي الفصل بين العناوين وأهم الأخبار. ثم كانت تقوم بلصقها على لوح مصنوع من قطعة سجادة. في بعض الأحيان تذهب إلى العباسية وتطبخ المربى مع النساء وتعلبها للمقاتلين.

الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. العراقيون ما زالوا يتقدمون. لقد وصلوا إلى الحميدية. والدة هما تصر على نقل والد الفتاة (هما وأختها) إلى مكان آمن. لكن هما تريد البقاء في الأهواز وعدم الذهاب إلى أي مكان. ترى نفسها جندية تخدم خلف الجبهة مباشرة. ومع ذلك، توافق على المغادرة بإصرار من والدتها ودموع والدها. هذه لحظات صعبة. "المدينة التي ولدت فيها، تكبر، تتعلم القراءة والكتابة، تحدث ثورة في شوارعها، لم تعد مجرد مدينة، أصبحت جزءاً من الوجود، تصبح من ضمن لحمك، فكيف يمكنك أن تضعها جانباً وترحل عنها؟". (ص120)

أخيراً يصعد الجميع بالقطار معاً إلى بروجرد ومن هناك يصلون إلى نهاوند ويقيمون في منزل أحد أقاربهم.

تفكر هما في العمل في جهاد نهاوند. في النهاية، ستكون مسؤولة عن أرشيف جهاد نهاوند. تعتقد أنّ الله كان معها في كل مكان. كان كل شيء يسير على ما يرام. بعد أن تمكنت من العمل في الجهاد بسهولة، لم تكن والدتها قلقة من ذهابها بمفردها إلى مدينة غريبة.

الآن هذا الوضع الجديد يتسبب في ازدهار عملها الشاق. تشعر بالارتياح على أمن عائلتها وسلامها وقلقها الوحيد هو عدم معرفة مصير والدها الذي عاد إلى الأهواز.

تحب بيئة عملها الجديدة. تقضي أوقاتاً طيبة مع التعبويات في الجهاد. إنها سعيدة بقضاء وقتها في مساعدة الناس والأنشطة وراء الجبهات. "نشأت صداقة بيني وبين أخواتي الجهاديات والتعبويات في وقت أقرب مما كنت أعتقد. صداقة دائمة. شاركنا آلام قلوبنا وكنا نصبر بعضنا. كانت علاقتي ببنات نهاوند بمثابة نوع من الراحة من الابتعاد عن أخواتي في الأهواز. لكن هذا لم يجعلني أنسى الأهواز ووحدة أخوات الباسيج التابعة لها. كنت لا أزال على تواصل معهن. ظللت أتصل بهن، وبقدر ما أستطيع  آخذ أخبار المنطقة الجنوبية عبر الهاتف. أود أن أسمع آخر الأخبار من أبنائنا ومواطنينا هناك". (ص167)

بين أبناء نهاوند، علاقتها بنوشين أميدي حميمة للغاية. كانت نوشين تعبوية، ومسؤولياتها في الباسيج تجعلها على علم بمعظم أخبار الحرب. العمل معها يذكر هما بأجواء الفتيات في مقر الأهواز. شقيق نوشين مسؤول أيضاً عن باسيج مدينة نهاوند. كان شاباً ثورياً قبل الثورة ونشط جداً بعد الثورة.

لقد سمعت عنه كثيراً قبل أن أراه. في وقت لاحق، عندما رأيته، أدركت أنّ ما قيل عنه لم يكن بدون سبب. كان يأتي إلى الجهاد وكنا نعقد اجتماعات مشتركة. يتحدث بهدوء. كان لديه شغف خاص بالحرب والجبهة وكان المقاتلين مهمين للغاية بالنسبة له. عندما تحدث عن حرب ومقاومة الشباب في الجبهة، تنتابه مشاعر حسينية، وشعرت بهذه الحالة من وجهه الملتهب. في الجلسات الأولى، أدركت أنه ممن تنتقل أرواحهم إلى أماكن أخرى، أي تسير في عالم المعنى، وهذا العالم ومظاهره ليست مهمة جداً بالنسبة له. كانت خطاباته نارية نوعاً ما، وعندما جلست للأخير لإستماع خطبته، كان يأخذ قلبك وراء السواتر في الجبهات. كلماته اللطيفة والحنونة ونبرته تأسرنا حتى نهاية الاجتماع، ولم أفهم كيف قضى الوقت الذي قضينا فيه معه. عندما يأتي شقيق نوشين إلى الجهاد، بدا الأمر وكأنه لم يُحسب من زمن هذا العالم، كان الوقت يمر بسرعة البرق". (ص168)

ومن المفارقات أنّ نوشين تتقدم لخطبة هما لأخيها. لا تعرف هما لماذا اختارها شقيق نوشين. تشعر أنها لا تتحمل البقاء في الجهاد. عليها أن تذهب إلى المنزل وتخبر والدتها بكل شيء ... لكن والدتها تقول: "إذا فكرت في الأمر، فليس لدي ما أقوله حتى تكتشف من هو المتقدم لخطوبتها". أنا أثق بك. أطلب لوالدك أن يأتي من الأهواز. حتى أخيراً ذات يوم تسمع هما كلمات مباشرة من شقيقة نوشين: "رفيقتي في الحياة! أقول كل شيء صراحة حتى تتمكني من التفكير بشكل جيد، وأجبي لاحقاً. هذه هي الصفات التي أريد أن أقولها أن كانت لديك، لكني سأنهي الجدل حول نفسي. عملي لدرجة أن احتمال وقوع ثلاثة أحداث دائماً ما يدور في ذهني: الإصابة، الأسر، الشهادة! ... (ص192).

وتشعر هما أنّ السيد محسن أميدي، وهو يتقن نبرة صوته، وله لحن خاص. في مكان ما تكون كلماته بطيئة وفي مكان آخر تكون حازمة وصارمة. هما ليست فتاة عاطفية لكنها تعترف بأمانة في مصداقية كلماتها. ترفع رأسها وترى السيد أميدي قد احمرت أذنيه ووجنتيه أثناء حديثه. تعتقد أنه حتى الرجال النبلاء يخجلون عندما يكونون في مثل هذه المواقف، بغض النظر عن مدى شجاعتهم وكفاحهم. لكن عندما أراد السيد أميدي التعرف عن وجهة نظرها، هما وبالرغم من أنها تعلم عن قرب أفكارهما لكنها تقول: "السيد أميدي! نحن لم نمر بظروف جيدة.. أنتم في نهاوند أسرة مرموقة.. لا يمكن لأسرتي أن توفر المهر في ظل هذه الظروف التي نمر بها بسبب الحرب المفروضة.. يجب عليك أن تفكري بهذه الأمور". (ص196) وتقرر أن تتعرف الأسرتان قبل أي شيء آخر...

لكن حدث ما كان غير متوقعاً. كانت تقام دورات تدريبية للأخوات. في المناورة الأخيرة وعندما طلب منهن اطلاق الرصاص، أصابت طلقة من الخلف رأس نوشين وخيّم الحداد علي الجميع.

لكن بعد مرور بعض الوقت، يتحقق حلم الشهيدة نوشين أميدي من خلال وساطة الكبارومن حوله، ويقيم هما ومحسن مراسم بسيطة ويتزوجان. يقضي العروس والعريس بعض الوقت معاً ويذهب محسن إلى الجبهة من تحت القرآن الذي تحمله هما. بعد ثلاثة أو أربعة أيام من مغادرة محسن، وصلت رسالته الأولى من المنطقة. منذ ذلك الحين، جرت عمليتان كبيرتان في المنطقة الغربية. جلبوا بعض الشهداء. قرأوا أسمائهم. اسم محسن ليس بينهم .... محسن نفسه يعود الى هما.

تذهب هما ومحسن في رحلة. رحلة لمدة أربعة أيام إلى مدينة مشهد المقدسة.

عندما عادت إلي نهاوند، بقي محسن لبضعة أيام ليأخذ قسطاً من الراحة. يهتم بشؤون الحرس الثوري ويزور أسر الشهداء ويذهب إلى الجبهة مرة أخرى. لكن بعد فترة عاد من المنطقة. لديه بعض الأعمال التنسيقية في المدينة.

بعد عام ونصف العام، عادت عائلة هما إلى الأهواز. تم نقل محسن إلى كرمانشاه. تذهب هما معه ويعيشون هناك.

بدأ ربيع 1983 بشكل مثير للريبة في كرمانشاه. يغادر محسن عادة في الصباح لكنه لا يعود. ثقب إطار محركه عدة مرات. في النهاية، تم نقل محسن من كرمنشاه إلى همدان بسبب قضايا تتعلق بالتهديد .في أواخر الخريف، حزمنا أمتعتنا مرة أخرى وتركنا أنفسنا بين يدي الله وانتقلنا إلى همدان. (ص262)

لكنهم ينتقلون مرة أخرى إلى همدان من نهاوند ويعيشون في منزلهم الجديد. لكن هذا السكن لا يدوم طويلاً لأنهم ما زالوا يجمعون الأدوات المنزلية ويحضرونها ويتركونها في منزل والد محسن، وهذه المرة يذهبون معاً إلى المنطقة: منطقة سربل ذهاب.

لكن من الآن فصاعداً، سيصبح وجودهم وأنشطتهم في المنطقة بعيداً بشكل تدريجي وحتى اتصالاتهم ستكون محدودة.

واضاف ان"عدة عمليات جرت في تلك الاشهر وكانت كتائب انصار الحسين في حالة تأهب. بعد عملية بدر نادراً ما رأيت محسن. حتى أنه لم يتصل بل أرسل لي أحياناً رسالة كانت درساً في المقاومة والتضحية بالنفس ... "(ص281).

قبل أن يستقر أخيراً على أرض مجنون الحارة ويصبح سماوياً، كتب محسن إلى هما في إحدى رسائله: "... حقًا، لولا الإسلام والله وما يتعلق بهما، هل يمكن أن يفصل الرجل عن زوجته ؟ لكن كلما تعمقت في التفكير، كلما رأيت أنه في هذا الانفصال يصبح الإنسان أكثر حباً "لأنه بهذه الطريقة يعرف الإنسان الله ويكتشف قيم الله التي هي أصل كل المحبة والعواطف ...".

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2157


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة