تدريس التاريخ الشفوي

الإدراك الأولي، قبل البدء

تحرير وإعداد :كلستان جعفريان
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2021-6-5


قبل الشروع في "بداية جيدة"، من الأفضل الإنتباه إلى أهمية "المعرفة الأساسية للراوي" من الواضح أنه لا يوجد شخص عاقل يدخل في موضوع أو مشروع دون دراسة، لكن القائم بإجراء المقابلة قد يذهب إلى الراوي بسبب تقديره لذاته العالية، حتى دون كتابة أسئلته مسبقاً. على الرغم من أنّ الإعتماد بالنفس وعدم الاعتماد على الورق يمكن أن يكون إيجابياً، إلا أنه قد يكون ضاراً في بعض الأحيان. الدخول في تفاعل ومحادثة بشريين، مثل دخول غرفة مظلمة في منزل مجهول، يتطلب الحذر والإدراك الأولي. تُكتسب هذه المعرفة الأساسية من خلال الملاحظة أو القراءة أو الاستفسار ممن حولك أو استدعاء الراوي. في بعض الأحيان، قد يكون طرح سؤال قصير حول خلفية الشخص المعني أو تخصصه أو عمره أو حالته مفيداً للغاية. إنّ أحد أهم العوامل في معرفة الراوي المبكرة هو المعرفة المسبقة بصحته الجسدية. إذا كان الراوي معوقاً، فنحن بحاجة إلى أن نعرف مسبقاً القيود المادية التي نواجهها. بهذه الطريقة، يمكننا ملاحظة هذه القيود منذ بداية المقابلة. على سبيل المثال، عندما نعلم أنّ الراوي لديه عين اصطناعية أو أنّ السمع منخفض، فإننا نختار كيفية الجلوس، وزاوية الجسم، وزاوية الرؤية، بطريقة تجعل الرؤية والسمع تجعله في أغلب الأحيان طريقة مريحة له.

يعد الإدراك الأولي، بالإضافة إلى البدء، مؤثراً أيضاً في اختتام وتحديد مدة كل جلسة من جلسات المقابلة. تمت مناقشة تأثير الإدراك الأولي على ختام المقابلة في مقال بعنوان "استنتاج جيد".

بداية جيدة

أحد أهم أجزاء مقابلة التاريخ الشفوي هو "البداية الجيدة". يمكن القول إنّ البداية الجيدة هي خمس مصير العمل بأكمله، والذي ينتج عن "السؤال عن ماذا وكيف" وإيجاد المكان المناسب للبدء. في الواقع،  يمكن التعبير عن أهمية البداية الجيدة في المقابلة بالمثل القائل "إذا وضع المهندس المعماري اللبنة الأولى بشكل معوج، سيستمر اعوجاجها حتي الثريا". يعتبر الموضع الصحيح للبنة الأول في استمرار العمل أمراً حاسماً. لا يمكن تحقيق مهارات بدء جيدة إلا من خلال الخبرة. تماماً كما أنّ الرجل العسكري ماهر في التصويب، والتعرف على الأسلحة، وما إلى ذلك، كما هو الحال في إطلاق النار، أو تماماً مثل الطيار الذي يتمتع بخبرة طيران تبلغ 3000 ساعة لا يمكن مقارنته بالطيار الذي لديه 300 ساعة من الخبرة في الطيران، فإليكم هنا المحاور التي كلما زاد عدد المقابلات التي أجريتها، كانت البدايات أفضل. بعبارة أخرى، مثل السائقين والطيارين والعسكريين، يصبح المحاورون ماهرون في عدد الساعات التي يجرون فيها المقابلات. ومع ذلك، سنحاول فيما يلي الحصول على نظرة عامة على ميزاته من خلال دراسة الأجزاء الرئيسية لبداية جيدة:

1) ترقيم وتحديد ملف المقابلة

الهدف من التحديد والترقيم يعني أنّ المحاور يذكر معلومات بسيطة ولكنها أساسية حول المقابلة في بداية التسجيل.

ـ وقت المقابلة (في أي تاريخ وفي أي يوم وفي أي ساعة؟)

ـ إسم الراوي (مع من)

ـ موضوع المقابلة (حول ماذا؟)

هذه ليست سوى بعض البرامج المشتركة لإعداد الأهداف والتي يمكنك استخدامها في بداية المحادثة. في الواقع، تحول هذه معلومات ملف المقابلة إلى "وثيقة شفهية". بعبارة أخرى، فإنّ انعدام وجود أي من هذه المعلومات الأساسية في البداية يقلل من "أصالة" ملفنا. وقت المقابلة مهم لأنّ كل يوم وساعة يختلفان عن اليوم والساعة الأخرى ولهما أحداث ومتطلبات خاصة بهما. يجب أن يكون الراوي، مالك الذاكرة، معروفاً حتى يكون ملفاً وثائقياً، وأخيراً، فإنّ التعبير عن الموضوع لا يثير فقط الموضوع الرئيسي للمحادثة في عقل الراوي، ولكن يمكن استخدامه لاحقاً لتقييم مقابلة. على سبيل المثال، موضوع المحادثة هو "ذكريات الحرب" . يبقى أن نرى ما إذا كانت المقابلات والأسئلة قد تقدمت نحو تحقيق القضية المذكورة أم لا. على عكس هذه الحالات الحيوية الثلاث، يمكن القول إنّ ذكر مكان المقابلة واسم المحاور والمناسبات، وما إلى ذلك، غير ضرورية وما إذا كان قولها أم لا سيعتمد إلى حد كبير على ذوق الشخص الذي يجري المقابلة.

فيما يتعلق بالمكان الذي تمت فيه المقابلة، يجب أن يقال إنّ المكان مهم عندما يكون مرتبطًا بموضوع المحادثة. على سبيل المثال، تريد التحدث عن "تاريخ ترميم مسجد قلعة تبريز" ووضعه داخل صحن المسجد. هنا يرتبط مكان المقابلة بالموضوع، لذلك من المهم ذكر المكان. لكن إذا كان المكان مجرد مكان متفق عليه: مكان للقاء، مثل مكتب أو منزل، فليس من الضروري ذكره.

عدم ذكر اسم القائم بإجراء المقابلة لا ضرر منه. يمكن استرداد اسمه لاحقاً في المستندات، ولكن من ناحية أخرى، تمنح هذه المقدمة التي تبلغ مدتها من 20 إلى 30 ثانية الراوي مزيداً من الوقت قبل بدء المحادثة حتى يتمكن من التفكير في الأمر مرة أخرى.

إنّ ذكر المناسبات، وإن لم يكن ضرورياً، يستغرق بعض الوقت وقد يؤثر لاحقاً على فهم أفضل للجو، والحكم على المقابلة وتحليلها ونقدها. على سبيل المثال، يمكننا أن نبدأ على هذا النحو: "في الليلة التاسعة الحسينية، 29 أكتوبر 2017م، نحن في خدمة السيد ... موضوع المحادثة ...".

1) السؤال المناسب لبدء المقابلة

بناءً على المعرفة التجريبية، من الواضح أنه يجب تجنب السؤال العام في المقابلة. لا يُسمح للراوي بالتحدث بشكل عام ويجب على القائم بإجراء المقابلة الرد عليه. لكن كبداية جيدة، من الأفضل اختيار سؤال عام بشكل هادف. بهذه الطريقة، دون الإخلال بذاكرة الراوي والمواد التي أعدها بالفعل للبدء بها (آيات ، أحاديث ، إلخ)، نسمح للراوي أن يبدء بمقدمة وجيزة وأن يعلن الراوي عن حضوره عن طريق ذلك.

ـ إذا كانت لديك نقطة، ابدأ. قل ما تراه مناسباً.

ـ اخبرنا قليلا عن نفسك. هل تستطيع التعريف بنفسك؟

هذه ليست سوى بعض الأسئلة المناسبة للبدء بالمقابلة لتحديد الأهداف التي يمكنك استخدامها. اعتماداً على عدد الأشخاص، هناك طريقة للبدء. تستند الأسئلة اللاحقة على إجابة الراوي على هذا السؤال الأولي العام. تماماً مثل السائق الذي يجلس خلف عجلة القيادة، يربط حزام مقعده، ويضبط المرايا الأمامية والجانبية، ويضع فرملة اليد في وضع السكون، ويبدأ ويتحرك بالسرعة المناسبة. يقترب بحذر من الطريق الرئيسي من الجانب ويتحرك على الطريق الرئيسي بسرعة معقولة وبكل اطمئنان وهدوء. يبدأ رويداً رويداً ومع الأسئلة التالية، مع زيادة السرعة تدريجياً، فإنه يقترب من الموضوع الرئيسي ثم ينتقل بثقة وهدوء نحو تحقيق الموضوع.

من الواضح أنّ المقابلة يجب ألا تبدأ بأسئلة مركبة. هذا يعني أنّ القائم بإجراء المقابلة لا ينبغي أن يلقي مجموعة موجزة من الرغبات والاحتياجات على الراوي في السؤال الأولي ويتركه مرتبكاً.

ـ من فضلك قدم نفسك وأخبرنا أين ولدت وكم لديك من الأشقاء وكيف انضممت إلى حركة الدفاع المقدس؟

هذا مثال على سؤال غير مناسب لتبدأ به. الراوي مرتبك في مواجهة السؤال من أين يبدأ وأي سؤال يجيب. بالإضافة إلى ذلك، قد يرغب في تلاوة آية أو حديث قد أعده بالفعل في ذهنه. فبعد إعلانه عن حضوره سأل: معذرة ما هو السؤال؟ وسيقول القائم بإجراء المقابلة، "أين ولدت؟" وبعد 50 دقيقة على سبيل المثال، يسأل الراوي: "كيف انضممت إلى حركة الدفاع المقدس؟"

دراسة "بداية" مقابلة حقيقية

" بسم الرب الشهدا و الصديقين. الجلسة الاولى في 29/9/2017م الساعة 23:10 نحن في خدمة الحاج سماحة السيد ............... بادئ ذي بدء ، أود أن أطلب منك تقديم سيرتك الذاتية. قدم نفسك بإيجاز لنستكمل مقابلتنا".

هذا مثال حقيقي لبدء مقابلة لا يذكر فيها اسم الراوي لأسباب أخلاقية. كما نرى، في القسم الخاص بتعريف الملف، يتم تضمين "موضوع المقابلة". قبل السؤال عن السيرة يجب ذكر موضوع المحادثة. على سبيل المثال، نحن في خدمة الحاج ......... للحديث عن "ذكرياته عن حقبة الدفاع المقدس" أو "تجارب تربية الأبناء والأحفاد".

ـ نتائج البداية الجيدة

«البداية الجيدة» لها عواقب تؤثر على استمرار العمل.

يمكن للبداية الجيدة أن تنقل "المقابلة" إلى "محادثة". "المقابلة" هي مجرد عنوان واسم عقد. هنا، المقابلة هي التاريخ الشفوي وليس لها علاقة بما يشار إليه في وسائل الإعلام بالمقابلة. يعد الفشل في تحويل المقابلة إلى محادثة مشكلة منتشرة يمكن أن تحدث لعدة أسباب - وليس مجرد بداية خاطئة. غالباً لا يدخل المحاورون مجال كلام الراوي أو يدخلون متأخراً بسبب التواضع واحترام الراوي. وبهذه الطريقة، لا يتم طرح الأسئلة في المكان والزمان المناسبين ، و"الحديث" لن يكمل "بالتحدث". ولكن إذا حدثت هذه البداية الجيدة، يمكن أن تكون "المقابلة" على المسار الصحيح وتتجه نحو "الحديث والتحدث"، مما يعني أن يتحدث شخصان مع بعضهما البعض بشكل هادف.

تساعد البداية الجيدة المحاور على البقاء في وضع "المرشد". يقال على نطاق واسع أنّ القائم بإجراء المقابلة هو الوسيط للمقابلة، ولكن من الناحية العملية، يمكن للراوي تحويل المقابلة عن الطريق الرئيسي ومعالجة المشكلة. لا يهم إذا كانت الراوية عجوز أم شهيد أو قائد عسكري رفيع المستوى. إنه قادر على أخذ الأمر من القائم بإجراء المقابلة والتحرك في أي اتجاه يريده، مع أي قاعدة اجتماعية أو أي خلفية ثقافية. في هذه الحالة، تتدفق المحادثة كما هو متوقع، "سأطرح سؤالاً على المحاور وهو سيجيب". حيث لن تمضي قدماً. ومع ذلك، فإنّ البقاء كمرشد هو مسألة متعددة الأوجه ومعقدة - سنناقشها بالتفصيل في مقال آخر، كيف تبقى مرشداً. لكن من المؤكد أنّ البداية الجيدة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على المتحكم الذي يتحكم في المقابلة.

البداية الجيدة تذكر الراوي بموضوع المحادثة. يؤدي تكرار موضوع المقابلة أثناء تحديد الملف وبتسجيل واضح إلى تذكير الراوي بالموضوع رسمياً مرة أخرى ويفكر فيه مرة أخرى في الفرصة التي وجدها ويكيف عقله معها. [1 ]

-------------------------------------

[1] مأخوذ من ورشة التدريب على التاريخ الشفوي التي أدارها محمد قاسمي بور في تبريز، اكتوبر 2017م.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2492


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة