نظرة على كتاب "جمعة لاهيجان السوداء"

قصف 29 من شهر سبتمبر 1941م في لاهيجان بحسب شهود عيان

محمد قاسمي بور
ترجمة: حسن حيدري

2021-5-31


 

بينما انتظرنا جميعاً سقوط  الإعلانات علينا من الطائرة، رأينا فجأة جسماً أسود يتهاوى نحونا. صاح أحد الشباب والذي أعتقد أنه رضا ماهيار، "قنبلة!".. في الليلة السابقة، أُعلن في الراديو أنه إذا تعرضتم للقصف، فحاولوا أن تلقوا بأنفسكم في حفرة أو قناة أو نهر ماء. رميت بنفسي على الفور في الماء على جانب الشارع أمام دار أخوت للضيافة. فجأة سمع صوت مروع لقنبلة تنفجر، ولم أسمع شيئاً في الحقيقة لبضع دقائق، وكان ذلك بسبب شدة الانفجار وصوت القنبلة.

المقطع الذي قرأته هو جزء من ذكرى لأحد شهود قصف لاهيجان يوم الجمعة 29 سبتمبر عام 1941م، ونقلاً عن كتاب "جمعة لاهيجان السوداء".

بعد ما يقرب من ثمانين عاماً من احتلال الحلفاء لإيران، نُشر كتاب "جمعة لاهيجان السوداء" هذا الربيع بجهود طويلة الأمد لباحث صبور. يقدم الكتاب سرداً رائعاً وغير مقروء للأيام التي تلت احتلال الجيش الأحمر السوفيتي للأراضي الشمالية لإيران للقارئ المهتم بالتاريخ الشفوي لإيران. على الرغم من تسليم خطاب ترك المخاصمة من قبل الحكومة الإيرانية إلى السفارتين السوفيتية والبريطانية في طهران صباح 28 سبتمبر، واتصالاتها الفورية بموسكو ولندن وإعلانها الرسمي عبر الإذاعة والصحافة، لكن وفي اليوم التالي، وبشكل مفاجيء، قاموا بأعمال عسكرية معادية سجل من خلالها الجيش الأحمر  مشاهد دامية بقصف مدينة لاهيجان بشكل عنيف وقاس من الجارة الشمالية الغازية لإيران آنذاك.

كتاب "جمعة لاهيجان السوداء" الذي يحمل عنوانا فرعيا " قصف 29 من شهر سبتمبر 1941م  في لاهيجان بحسب شهود عيان" له بنية بسيطة ولكنها دقيقة. مقدمة موجزة لدوافع وبداية اهتمام السيد علي أميري بالموضوع الرئيسي لكتابه، والذي يبدأ بنجاح زيارته لمتجر صغير في لاهيجان في أوائل الثمانينيات. يشير المؤلف إلى سماع روايات فريدة من سنوات الحرب العالمية الثانية في متجر البيع بالتجزئة القديم في المدينة من لسان كبار السن. واعتبروا الغزو الروسي للاهيجان وقصف هذه المدينة أكثر الأحداث مأساوية في حياتهم.

فيما يلي نجد أنّ عملية تسجيل المذكرات الشفوية للرواة والشهود على قصف لاهيجان في29 من شهر سبتمبر 1941م   بدأت بعد عدة سنوات وفي أوائل عام 2009م واستمرت حتى منتصف التسعينيات.

بعد المقدمة، وخلال ديباجة شاملة وطويلة نسبياً (47 صفحة)، تمّ سرد سياق الأحداث السياسية والاجتماعية التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية وغزو إيران من قبل قوات الحلفاء في 29 من سبتمبر لعام 1948م والوضع في جيلان خلال الأيام الأولى من الاحتلال من قبل الجيش الأحمر وكيفية المقاومة، كما تم دراسة المقاومة قصيرة المدى لفيلق جيلان 11 باستخدام مصادر مكتوبة ووثائق منشورة في الكتب.

الجزء الرئيسي من الكتاب بعنوان "الجزء الأول: المذكرات"، يعرض بجدية نتاج المحادثات والمقابلات الميدانية باستخدام أسلوب التاريخ الشفوي، ويتبع رواية الرواة والشهود الأحياء.

في قسم المذكرات، يتم توفير إمكانية سرد مستقل ومنفصل لكل من الذين تمت مقابلتهم وشهود حادثة تفجير لاهيجان في 29 ستمبر عام 1948م. حيث قام مؤلف ومنظم المقابلات، بحضورهما النشط والبحثي في ​​بداية كل قصة، بتقديم الراوي بالتفصيل وتبادل المعلومات الضرورية حول حياته مع القارئ. تقدم الروايات المستقلة 12 من الرواة والشهود العيان الناجين من حادثة التفجير أمثلة مقروءة ومقنعة للتاريخ الشفوي منذ حوالي ثمانين عاماً قبل التاريخ الإيراني المعاصر. الرواة الذين تمت مقابلتهم جميعاً في العقدين التاسع والعاشر من حياتهم. يأسف القارئ الحريص والذكي، بعد قراءة مذكراته، وبناءً على المعلومات التي قدمها المؤلف، لأنه في عام نشر الكتاب ربما كان اثنان منهم فقط على قيد الحياة، حيث معظم الرواة فارقوا الحياة خلال التسعينيات وقبل نشر الكتاب. تصور مرير وحزين يؤكد أهمية "الوقت" والحاجة إلى  سرعة الحركة والعمل في الوقت المناسب لتنفيذ مشاريع التاريخ الشفوي.

يروي مضمون روايات الجزء الأول أوضاع المواطنين العزل في مدينة لاهيجان الذين تعرضوا للهجوم والقصف من قبل قاذفات الجيش الأحمر في الأيام الأولى للعدوان العسكري من قبل الجارة الشمالية وفي الأيام التي تعرضت فيها الحكومة المركزية للهجوم. أصرت إيران على ترك أي صراع عسكري. المذكرات الدقيقة بتفاصيل معظم الرواة تجعل هذا القسم جذاباً للمهتمين بالتاريخ والثقافة والفن. وروى أحد رواة هذا الباب، ويدعى إديسون مالك شاه نظريان أحد الأرامنة في لاهيجان، حيث كان عمره 9 سنوات يوم الحادثة قائلاً: كنت في المنزل صباح الجمعة عندما سمعت صوت طائرة تحلق في السماء وصعدت بفضول إلى السطح لمشاهدة الطائرات وهي تطير. رأيت ثلاث طائرات متعددة المحركات وعلى متنها عدة ركاب تقترب من شارع رشت إلى الجبل الأخضر في ساحة لاهيجان. كان ارتفاع الطائرة منخفضاً جداً لدرجة أنه كان من الممكن التعرف على الطيار بمعداته بالعين المجردة. كانت طائرات ذات محركين متجهة إلى المسبح، وفي طريق العودة رأيت جسماً صغيراً يسقط على الأرض. في غمضة عين، تردد صدى صوت حفيف، وفي اللحظة التالية تحول إلى اللون الأسود.  في تلك اللحظة، بدأ الناس بالاندفاع من الساحة الرئيسية للمدينة وازدحموا حول الساحة الرئيسية في وقت قصير. ركض البعض إلى السوق. تحطمت النوافذ الكبيرة في صيدلية فروردين، التي كانت بالقرب من منزلنا تماماً. كان صوت تحطم نوافذ الصيدليات عالياً لدرجة أنه لفت الأنظار لمدة دقيقة ... ومن بين المصابين في تلك اللحظات نجل علي زاده راستان، الذي كان يمسك بطنه أمام الموقع الحالي لصيدلية فرخزاد، أمام محل عيسى بخش، بجوار زقاق مسدود. عندما نظرت عن كثب، رأيت أمعاءه كانت بارزة وتوفي هناك. من أعلى المنزل، رأيت أحد سكان المدينة، ويدعى علي دارابي، وكاد عظمه يخرج من ذراعه وكانت النساء يركضن وهن يصرخن. يمكن التعرف بسهولة على بياض عظامه. بعد لحظات، رأيت دراجة بها رجل يلتقط آخر أنفاسه، نُقل من زقاقنا إلى مقبرة سيد محمد يمني.(ص113)

في الجزء الثاني، بعنوان الملحقات، نجد معلومات هامشية مثيرة للاهتمام حول الحدث التاريخي لقصف مدينة بلا دفاع. تقديم أسماء الشهداء وجرحى القصف، استشهادية شكر أهالى لاهيجان للطاقم الطبي ودائرة صحة لاهيجان الموجهة الى وزير الصحة بعد قصف 29 سبتمبر 1948م، اعلان القوات السوفيتية للشعب الايراني، تقرير قائم مقام مدينة رشت لوزارة الدولة... حيث تعتبر من ضمن العناوين التاريخية المثيرة للإهتمام في الفصل.

الوثائق التاريخية المعروضة في قسم الملحق، مثل الرواة في قسم المذكرات، لها قيم اجتماعية وأنثروبولوجية جيدة وهامة في إعادة القراءة والتعرف على حدث حرب تم فرضه على الأشخاص العزل في المدينة. على سبيل المثال، جهود السكان والمصابين والجرحي في حادث القصف لتقدير وشكر رئيس المدينة للخدمات الصحية والطبية المقدمة لإنقاذ واسترداد ضحايا القصف وتنظيم الاستشهاد بالتوقيعات والبصمات وكان رائعاً جداً.

ويعرض في الجزء الثالث من كتاب "الجمعة السوداء في لاهيجان" عنوان الوثائق والصور وصور شهداء التفجيرات وشهود ورواة الكتاب والمسؤولين الإداريين في لاهيجان عام 1948م.

"كتاب جمعة لاهيجان السوداء"، هي أول دراسة مستقلة لأحداث سبتمبر 1320عام 1948م حيث تركز على الجغرافيا والمدن المحددة للمناطق المحتلة في إيران في ذلك العام، والتي تستخدم أسلوب وطريقة التاريخ الشفوي وطريقة المقابلة لتحليل حدث ميداني علي جدول الأعمال. ولقد نجح السيد علي أميري، الباحث الشاب والمتواضع في هذا العمل، في تجميع وإعداد كتاب خالد من المذكرات الشفوية لأهالي لاهيجان خلال أيام الاحتلال خلال الحرب العالمية الثانية، بعيداً عن الضوضاء وبصبر مثالي.

كما أدى استخدام فهرس الكتاب إلى تسهيل البحث والاستكشافات البحثية للباحثين المهتمين.

تم تقديم كتاب "الجمعة السوداء في لاهيجان" لمكتب الثقافة ودراسات الاستدامة في مركز جيلان للفنون ونشرته منشورات نيكوآفرين في أبريل 2021م وفي 1000 نسخة وبسعر 500000 ريال للمهتمين بالتاريخ الشفوي لإيران.

-----------------------------

[1] بائع تجزئة

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2184


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة