ذكريات الشاه الخاصة ورد فعل المحاورين الأجانب عليها

جعفر كلشن روغني
ترجمة حسن حيدري

2021-2-22


مع صدور كتاب "مهمة لوطني" لمحمد رضا بهلوي في سبتمبر 1960، والذي يمكن اعتباره سيرته الذاتية ومذكراته، أثيرت لأول مرة قضايا لم يتم ذكرها من قبل. فقد اعتبر نفسه ووفقاً للمادة 35 من الدستور الإيراني أنّ نظامه الملكي "هدية إلهية"، كان يعتقد أنّ الله قد اختاره وأعطاه مهمة حكم أرض إيران وشعبها. كرر مراراً وتكراراً أنّ الله قد كلفه بمهمة التحكم في مصير الشعب الإيراني. وهو الذي يسنّ له الشرعية الدينية.

بالإضافة إلى التفسيرات المذكورة أعلاه والتي يعتبرها الشاه بأنّ سلطته تتجلى في الجوهر الإلهي، فقد ذكر في كتابه ثلاث ذكريات يحضرها ثلاثة أئمة وعدد من كبار الشيعة. وبصورة أدق، يتحدث عن حلم وشعورين ومشاهدات حدثت له في سن 6-7، مما يبرر شرعيته في الحكم. نحن لا نخطئ في القول إنّ هذه الذكريات كانت ذريعة لإضفاء الشرعية لحكمه على الإيرانيين.

أثارت هذه المذكرات، التي أشار إليها الشاه نفسه بـ "الإلهام" و"الأحلام" و"الوحي" و"المظاهر الروحية" و"الجوانب العرفانية" لحالته، ردود فعل عديدة بسبب تكرارها وإعادة سردها. استمرت ردود الفعل حتى العام الأخير من حكمه. في العديد من المقابلات مع الصحفيين والمراسلين وكتّاب السير غير الإيرانيين، روى لهم، ورد من أجريت معهم مقابلات على المذكرات.

لفهم كيف كانت ردود الأفعال، من الضروري أولاً إعادة قراءة هذه الذكريات الثلاث وفقًا لنص (مهمة لوطني) ثم سنلقي نظرة على ردود أفعال السيدة أوريانا فالاتشي (أكتوبر 1973) ومارجريت لينغ (1975) وأوليفييه وارين (1975-1976) الذين أجروا مقابلة مع الشاه آنذاك.

يروي محمد رضا بهلوي في الصفحات 80-82 من الكتاب "بعد فترة وجيزة من تتويج والدي مرضت بالتيفود وكنت أعاني من الموت لعدة أسابيع، وقد تسبب هذا المرض في ضجر شديد ومعاناة والدي الحنون. خلال هذا المرض الصعب، دخلت دائرة من العوالم الروحية الخاصة التي لم أكشفها حتى يومنا هذا. في إحدى ليالي المرض الحرجة، حلمت بمولاي الإمام علي (عليه السلام) وهو يمسك بسيفه الشهير ذو الفقار، ويجلس بجواري ويحمل كوباً في يده المباركة، ويأمرني بشرب السائل الذي كان في الكوب الذي أشربته. وفي اليوم التالي توقفت الحمى وتعافيت بسرعة.

في ذلك الوقت، على الرغم من أنّ عمري لم يتجاوز السبع سنوات، فكرت في نفسي أنه قد لا تكون صلة بين هذا الحلم وشفائي السريع، ولكن خلال نفس العام، حدث لي حدثان آخران كان لهما تأثير عميق للغاية تأثير على حياتي الروحية. في أيام الطفولة، كنا نذهب إلى خطوة أحد أحفاد الأئمة (عليهم السلام) مع عائلتنا كل صيف تقريباً، وهي واحدة من الأماكن النظيفة والممتعة من حيث المناخ على منحدرات ألبرز. للوصول كان علينا السير في طريق متعرج ومنحدر أو على ظهور الخيل. في إحدى الرحلات، بينما كنت جالساً أمام سرج أحد أقاربي الذي كان ضابطاً، انزلقت قدم الحصان فجأة وسقط كلانا من الحصان. أنا، الذي كنت أخف وزناً من الآخرين، اصطدم رأسي بقوة بالصخور الصلبة وغير المستوية وأغمي علي. عندما استعدت وعيي، فوجئ رفاقي بشدة أنني لم أصب بأذى. كان عليّ أن أكشف لهم أنه أثناء سقوطه من الحصان أمسك بي أبي الفضل العباس (عليه السلام) إبن الإمام علي (عليه السلام) وحماني من الإصابة. لم يكن والدي حاضراً عندما حدثت هذه الحادثة، لكن عندما أخبرته القصة، لم يأخذ قصتي على محمل الجد ولم أرغب في مجادلته بسبب نفسياته، لكن لم يكن لديه أدنى شك في حقيقة رؤية أبي الفضل العباس (عليه السلام) إبن الإمام علي (عليه السلام).

الحادثة الثالثة التي لفتت انتباهي أكثر في عالم المعنى كانت في اليوم الذي كنت أسير فيه مع مدربي بالقرب من قصر سعد آباد الملكي في زقاق مبلط بالحجارة. فجأة رأيت رجلاً بوجه سماوي، وظهرت حوله هالة من نور، مثل وجه السيد المسيح بن مريم (عليه السلام) الذي خلقه رساماً غربياً. في ذلك الوقت، ألهمتني مواجهة خاتم الأئمة القائم (عج). لم يدم لقائي مع صاحب الزمان (عج) أكثر من بضع لحظات وإختفي عن الأنظار وأذهلتني تلك الرؤية. في ذلك الوقت، سألت مدربي بلهفة، هل رأيته؟ أجاب مدربي في دهشة: مَن؟ لا يوجد أحد هنا. لكنني كنت مقتنعاً جداً بحقيقة وصحة ما رأيته حتى إنّ إجابة مدربي العجوز لم يكن لها أدنى تأثير على إيماني ... على أي حال، منذ أن كان عمري يتراوح بين 6-7 سنوات، اكتسبت إيماناً واعتقاداً ثابتاً أنّ الله العظيم كان يعينني باستمرار. لقد منحني الإيمان بهذا إشباعاً خاصاً للقلب والطمأنينة، ولهذا السبب أحياناً عندما أزن إرادتي ضد إرادة الله تعالى، أشعر بقلق شديد وأتساءل عما إذا كانت إرادتي خاضعة أو مستقلة، وكلما كانت العناية الإلهية والقوة الإلهية في حمايتي، فإنّ هذه العناية الإلهية تستند حتماً إلى السبب والنفعية. أجرت الصحفية الإيطالية أوريانا فالاتشي مقابلة مع الشاه لمدة خمسة أيام في أكتوبر 1973. أجرت محادثة صعبة معه وطرحت المزيد من الأسئلة عندما لم تكن راضية عن إجابات الشاه. في تلك المقابلة، قال الشاه مراراً وتكراراً بأشكال مختلفة رداً على أسئلة فالاتشي أنه تم اختياره لمهمة ما: أنا أؤمن بمن أنا وماذا أفعل، "أعتقد أنّ لديّ مهمة يجب أن أنجزها، وأنا مصمم على القيام بذلك، دون ترك العرش لايمكن تحقيقها". ذلك اليوم أمر به الله، وليس من يتمنون موتي"، "أنا ملك قبل أن أكون إنساناً. ملك مصيره تنفيذ مهمة ما".

ثمّ، وفي جزء آخر من إجابته على أحد أسئلة فالاتشي، أشار إلى قضية فاجأت فالاتشي. وقال الشاه: الشاه الذي لا ينبغي أن يحاسب على ما يقوله ويفعله، يشعر بالوحدة الشديدة. ومع ذلك، أنا لست وحدي على الإطلاق. لأنّ القوة التي لا يراها الآخرون تصاحبني، وهي عبارة عن قوة عرفانية. وذلك عندما تصلني رسائل دينية وعقائدية! "أنا متدين للغاية وأؤمن بالله... أعيش مع الله منذ أن كنت في الخامسة من عمري عندما ألهمتني بعض القضايا!" سألت فالاتشي، "إلهام جلالتك؟!"  فقال الشاه نعم. "الالهام والمظاهر" وسألت فالاتشي مرة أخرى متفاجئة: "من أين؟" وحول ماذا؟"

في هذا الوقت، يبدو أنّ أسئلة فالاتشي للشاه المتكررة أربكته بشكل كبير. لأنه رداً على ذلك، خلط بالخطأ بين المذكرتين الثانية والثالثة المقتبستين في كتابه وسلم فالاتشي مزيجاً من الاثنين قائلاً: من الأنبياء. أنا مندهش لأنك لم تعرفي. يعلم الجميع أنني قد ألهمت. حتى أنني كتبت هذا في سيرتي الذاتية. لقد ألهمتني مرتين عندما كنت طفلاً. مرة في الخامسة من العمر والمرة الثانية في السادسة من العمر. لأول مرة رأيت صاحب الزمان (عج) الذي غاب حسب ديننا ليعود يوماً ما وينقذ العالم. في ذلك اليوم تعرضت لحادث وسقطت على صخرة وكان هو الذي أنقذني. لقد وضع نفسه بيني وبين الصخرة. أعرف هذا لأني لم أره في المنام؛ بل في الواقع. الواقع المادي. هل تفهمين؟ لقد رأيته، نعم رأيته . الذي كان معي لم يره ولا أحد سواي يراه. لكن أخشي أن لا تدركين ما أعنيه".

"لا، أنا لا أفهم ما تقصده،" قالت فالاتشي، التي كانت لا تزال مندهشة من كلام الشاه ولم تفهمه: "بدأنا حديثنا بشكل جيد للغاية، ولكن الآن قضية الإلهام والمظاهر ليست واضحة للغاية بالنسبة لي".

قال لها محمد رضا بهلوي بفخر، الذي يبدو أنه لم يتخيل مثل هذا الشيء من فالاتشي: "لأنك لا تصدقيني. أنتِ لا تؤمنين بالله، أنت لا تثقين بي. هناك الكثير ممن لا يؤمنون. لم يؤمن والدي ولم يصدقني ودائماً ما كان يسخر مني. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من الاحترام الضروري، كثيراً ما يسألني عما إذا كنت قد شككت يوماً في أنّ هذا كان مجرد وهم. وهم الطفولة؟ ودائما أجيب: لا. لا. لأنني أؤمن بالله وأعتقد أنّ الله قد اختارني لأقوم بمهمة ما. كانت إلهاماتي معجزات أنقذت البلاد. لقد أنقذت سلطتي البلاد، لأنّ الله كان قريباً مني. أريد أن أقول: ليس من الصواب أن أنسب لنفسي كل الأشياء العظيمة التي قمت بها من أجل إيران. لنقبل أنني أستطيع القيام بذلك، لكنني لا أريد ذلك. لأنني أعرف أنّ هناك من دعمني. الله. هل تفهمين ذلك؟"

أجابت فالاتشي التي لا تزال غير قادرة على فهم كلمات الشاه الوهمية: "لا. لكن هل هذه الإلهامات حدثت فقط في فترة الطفولة، أم في مرحلة البلوغ؟" أجاب الشاه: قلت هذا فقط عندما كنت طفلاً. في مرحلة البلوغ لم أفقد الأحلام أبداً، ولكن بشكل حصري. على فترات من سنة أو سنتين وحتى سبع أو ثماني سنوات. على سبيل المثال، كان لدي حلمان خلال 15 عاماً. سألت فالاتشي بدهشة "ما هي أحلامك؟" فأجاب الشاه: "أحلام دينية تقوم على العرفان! أحلام رأيت فيها ما سيحدث في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر، وبعد شهرين أو ثلاثة بالضبط حدث ذلك. لكن لا أستطيع أن أخبرك عنها. لم تكن مرتبطة بي شخصياً فحسب، بل كانت مرتبطة بالشؤون الداخلية للبلد، وبالتالي يجب اعتبارها أسرار دولة.  لكن قد تفهم بشكل أفضل إذا استخدمت كلمة عاطفة بدلاً من كلمة حلم. كما أنني أؤمن بمشاعر القلب".

ثم وصف الملك نجاته من اغتيال 4 فبراير 1949 بأنها معجزة وقال: "أنا أؤمن بالمعجزات. عندما تتخيل أنني أصبت بخمس رصاصات، واحدة في الوجه وواحدة في الكتف وواحدة في الرأس واثنتان في الجسم، وآخر رصاصة بقيت ولم يعمل المسدس، عليك أن تؤمني بالمعجزة. كم عدد حوادث تحطم الطائرات التي تعرضت لها ونجيت دائماً بسبب معجزات وعناية الله والأنبياء. أرى أنّ فهمك واستنباطك متأخر جداً. وقالت فالاتشي رداً على تصريحات الشاه الخاصة والخارقة للطبيعة: "حتى أكثر من ذلك. أنا مندهشة حقًا. لأنني أواجه شخصية لم أتوقعها من قبل ولم أكن أعرف شيئاً عن هذه المعجزات والإلهامات. (فالاتشي، ص 151-154)

كان أحد النقاط البارزة في مقابلة فالاتشي هو الأسئلة وكيفية طرحها إذ أثارت غضب الشاه. كما كتبت مارغريت لينغ في بداية كتابها: "بعد المقابلة التي أجريتها مع أوريانا فالاتشي، كان من الواضح أنّ الشاه كان مستاءاً ومتوتراً. حذرني العديد من السياسيين في طهران ولندن من أنه إذا كنت أرغب في ألا أطرد من جلالة الشاه في منتصف المقابلة، فيجب أن أختار أسئلتي وعباراتي بعناية شديدة وأفكر في كل كلمة. (لاينغ،ص5) ما لم يفعله فالاتشي، لم يقبل ولا يقبل كل ما قاله الشاه. ومن هنا جاء غضب الشاه وارتباكه. بالطبع، كان الشاه نفسه مستاءً من الطريقة التي أبلغ بها فالاتشي وكتب تلك المقابلة، واعتقد أنّ فالاتشي قد أبلغت بطريقة ما عن محتوى تلك المقابلة حتى تتمكن من النيل منه (لاينغ،ص259).

مارغريت لينغ، مؤرخة إنجليزية تبلغ من العمر 25 عاماً كان من المفترض أن تكتب كتاباً ترويجياً عن سيرة الشاه، تمكنت أخيراً من إجراء مقابلة معه في أكتوبر 1975 بعد 16 شهراً من المراسلات. بالطبع،  قبل إجراء مقابلة مع الشاه، أجرت مقابلة مع أسد الله علم، وتاج الملوك (الملكة الأم)، وفرح بهلوي، وسمعت أوصافاً لسلوك الشاه وأفعاله. لذلك، نقلاً عن حديث لعلم، يشير إلى مكانة ألوهية الشاه عن طريق علم على النحو التالي: "عندما سألت السيد أسد الله علم، هل يعتقد أنّ الشاه، أحد أعظم الجنرالات القوميين في العالم، قد جعل الجنرال ديغول نموذجاً له في الحياة السياسية؟ أجاب وزير البلاط: له شخصية مستقلة جداً. حيث كيف يمكن لرجل هو ظل الله على الأرض ونائبه لتحقيق ما يأمر به الله أن يختار لنفسه نموذجاً من بين الآخرين؟ "(لينغ، ص 15) كما تزعم الملكة الأم أنّ الله يحرس إبنها، وتعتقد أنّ الشاه ليس وحده في العالم لأنّ الله تعالى معه دائماً." (لاينغ،ص57).

في مقابلة مع لينغ، أكّد محمد رضا أيضاً على وجود مهمة إلهية وقال: "أنا نفسي أشعر بأنني مقدر أن أفعل الأشياء بمشيئة الله. لقد تم تحديد هذا الأمر، وسأبقى هنا حتى نهاية هذه المصائر. "بالطبع لدي القليل من الحق لنفسي، لكن لدي الكثير من الإيمان." سألته لينغ: "هل تعتقد أنّ سنوات حياتك محددة سلفا؟"  فقال الشاه: أظن ذلك؟ أنا متأكد." إذا لم يكن الأمر كذلك، فكم مرة كان عليّ أن  أموت لحد الآن؟"(ص196).

في مقابلة مع لينغ، روى الشاه قصة الذكريات الشهيرة، وإن كان ذلك بمزيد من التفصيل. بعد سماع هذه المذكرات، كتبت لينغ في كتابها: "يمكنه أن يجادل في نفسه وكأنه الوحيد الذي بدا لهؤلاء القديسين، وليس لأي شخص آخر. وبهذه الأفكار نشأ فيه هذا الشعور الداخلي بأنه شخص مميز ومختار! وهذه الثقة الباطنية، أعطت تدريجياً الشعور الأول بالاستقلالية والقوة التي لا داعي لها لعالم وحيد داخل محمد رضا ... وهذا الشعور بالهدوء والطمأنينة بداخله، والذي كان بلا شك صريحاً وصادقاً، إلى حد ما متعصباً وجافاً، في السنوات التالية من الحياة، أصبح نوعاً من الإحساس بالإرسالية فيه، وعلى الأقل هذه البرودة والجفاف في سلوكياته، أصبح سلاحاً للتعامل مع الأخطار. حتى ضد الاغتيالات العديدة التي ارتكبت ضده. فهو لا يعتبر نفسه مخلوقاً يؤمن بالأقدار المفوض فحسب، بل إنه يشعر أيضاً أنّ هذه الأقدار تقع في ظل الحماية الإلهية. نتيجة لذلك، على الرغم من أنّ شخصية محمد رضا بهلوي كان لها دائماً جانب عملي قوي ونهج جيد للوقائع في شبابه وحياته، إلا أنه سمح دائماً لله والقديسين بمساعدته بأي طريقة ممكنة. في السنوات الأخيرة، كان موضوع أحلامه وأفكاره مفيداً جدًا في حياته السياسية. بعد تجارب الطفولة المذكورة أعلاه والتي يسميها "الأحلام والآراء والتخيلات"، لم يعد لديه أحلام، ولم يكن لديه أمل في مثل هذه الأحلام . [على حد تعبير الشاه] لأنني علمت الآن أنّ لديّ اتصال بعد ذلك التعليق، علمت أن كان هناك إتصال موجود!

سألته هل تشعر بالأمان؟ أجاب بهدوء ومرح: نعم أعتقد ذلك. أعتقد أنّ الشخص الوحيد الذي صدقني بلا شك في موضوع أحلامي كانت محققة هي الوالدة ... وقال: "نعم، أخبرتني بها وكنت سعيداً جداً لسماع هذه الأشياء. سألت الشاه إذا كان والده يخشى يوماً ما أن يأخذ ابنه كل شيء فجأة ويلجأ إلى رجال الدين. كان صامتاً بشكل ملحوظ ثم أجاب: أعتقد أخيراً نعم . كان خائفاً".

تتابع مارغريت لينغ الكتابة أنه يبدو أنّ رضا شاه، من أجل منع ابنه من دخول مكان آخر غير ما يحبه،  استخدم مدرسة منزلية تُدعي السيدة أرفع، والتي كانت سابقاً راقصة، لتعليم اللغات الأجنبية. قامت بتدريس الشاه، وأيضاً بتعديل خطط منزله وطعامه، حيث اعتاد المطبخ الفرنسي، وغرست فيه ثقافة المعيشة الأوروبية، ولعب دوراً مهماً في تربيته الأوروبية. (ص68-70)

أوليفييه وارين، المحاور الفرنسي الذي يصف نفسه بأنه "من ذوي الخبرة في مقابلة الوزراء ورؤساء الدول"، تحدث مع الشاه لعدة ساعات وأيام في 1975-1976. وفي حديثه إليه، ذكر الشاه مرة أخرى الجانب العرفاني من حياته، قائلاً: "أنا أؤمن حقاً بما أفعله، وهذا يعني أنني أعيش ما أفعله" (ص 136، 137). ثم، كما هو الحال دائماً، تنفس الصعداء لوجود الله في حياته ووصف البقاء في قصة 4 فبراير عام 1949م بمعجزة إلهية وقال: "في هذه القصة، يمكن رؤية يد الله فقط" (ص 139). كما أكد أنه أعتقد أن كل شيء قد تم الاعتناء به". (ص 132)

ثم أجاب الشاه على سؤال المحاور حول أصل قبول وشرعية نظامه الملكي. سأل وارن: "هل يعتبرون الملوك أنفسهم مبعوثون من قبل الله؟ أي من يستمد من الله قوته وشرعيته؟ رداً على علاقته العرفانية بالله، أضاف الشاه أنه شعر بذلك. أنا شخصياً شعرت بهذه العدالة الإلهية المذكورة في الدستور" . الطبع، يواصل الإجابة بلا خجل على السؤال التالي للمحاور. تساءل وارن، بغض النظر عن هذه الشرعية الخاصة بالملوك، لكن العالم ليس مجبراً على تصديقها، على أي أساس يؤسس الملوك شرعية سلالتهم؟" لأنه في النهاية كان نوعاً من الانقلاب الذي أوصل رضا شاه إلى السلطة". أجاب الملك بغطرسة وفخر: "نعم، ولكن هذا ما يقال عن كل العائلات. ورد في الدستور أنّ الملكية هي هبة إلهية قدمتها لنا الأمة "(ص 128-129) الجواب الذي كان واضحاً تماماً ليس إجابة مقنعة للمحاور ولن يقبله أحد.

في مقابلة مع أوليفييه وارين، أشار الشاه إلى الذكريات المذكورة أعلاه ووصف كيف أصبح، "الإلهام، الأحلام، والتجارب النفسية". أدى ذلك إلى أن يسأل وارن أنّ هذه القضايا كانت نتيجة تعاليم دينية محددة: "ما نوع التعليم الديني الذي تلقاه الشاه من قبل؟ هل كان للشاه معلم خاص؟ أجاب الشاه لا... لكنه أشار إلى وجود مهن دينية من جانب والدته وفي أسرته وتربيته المدرسية. "عندما تحدث الشاه مع من حوله عن هذه المظاهر، هل اعتقدوا بها على الفور؟" سأل وارن مرة أخرى. قال الشاه: البعض نعم. لكني لم أتحدث مع والدي. كنت أخشى أن يقول لي شيئاً محبطًا لأنه لا يؤمن بمثل هذه الأحداث والمظاهر. (ص 33 و 34)

ما يمكن استنتاجه من المقابلات هو أنّ كلمات الشاه لم تكن مقبولة على ما يبدو من قبل المحاورين، ومع معرفتهم بالشاه، لم يتمكنوا من اعتباره شخصاً متديناً ومستسلماً لمثل هذه الروابط المتعالية. جدير بالذكر أنّ وجه الشاه الشهير في العالم كانت زوجته، ونشرت مقالات كثيرة حول هذا الموضوع في الصحف الأوروبية والأمريكية البارزة. الصور المنشورة له، تحيط به النساء، تسلط الضوء على هذا الشخص وتؤكد على الرغم من أنه يحكم أرضاً يسكنها مسلمون، إلا أنه هو نفسه ليس لديه التزام بالقضايا الدينية الأساسية وعلى الأقل لا يهتم بها - المحافظة على مظهره الديني كملك مسلم. وهكذا، فوجئ القائمون على المقابلات بادعاءات الشاه الدينية.

نقطة أخرى مهمة في هذه المذكرات والمقابلات هي ما إذا كان يؤمن حقاً بما قاله. هل اعتبر حقاً نفسه مختاراً من الله ليحكم الناس ويمنح نفسه حقًا؟ هل اعتبر نفسه حقاً أنّ لديه مهمة إلهية وهل كان لديه إيمان عميق بها؟ أم كان كل هذا عرضاً للدماغوجية والتظاهر لتقديم تبرير ديني لحكمه؟ أليس لأنه كرر هذه الكلمات مرات عديدة، فقد أوجد لنفسه إيماناً بهذه الأمور وله مهمة ورأي واختيار؟! أليس كل هذا وهم ملكي؟ يبدو أنّ الفهم العميق لأسباب احتجاج وثورة الشعب ضد الشاه يمكن أن يكون إجابة دقيقة لهذه الأسئلة. طبعاً جدير بالذكر أنّ هناك العديد من المظاهر الوهمية والخيالية في كتابات وأقوال الشاه.

 

المصادر

--------------------------

ـ بهلوي محمد رضا، مهمة لوطني، طهران، 1976.

ـ فالاتشي، اوريانا،المقابلات، ترجمة غلامرضا إمامي، دار برك للنشر، 1998م.

ـ مارغريت لينغ، مقابلة مع الشاه، ترجمة أرديشير روشنكر، طهران، دار البرز للنشر، الطبعة الثانية، 1993.

ـ وارن، أوليفييه، الأسد والشمس (مقابلة مع الشاه)، ترجمة عبد المحمد روح بخشان، طهران، أمير كبير،  1977.

 

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2310


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة