القائد في مسجد الكرامة

مليحة كمال الدين
ترجمة: هادي سالمي

2021-1-16


 

يقع مسجد الكرامة في مشهد بالقرب من ضريح الإمام الرضا (عليه السلام) وكان آية الله خامنئي معروفاً بإمام الجماعة الدائم لهذا المسجد من ديسمبر إلى مارس 1973. خلال الفترة التي كان فيها إمام جماعة مسجد الكرامة، حوّل صلاة الجماعة إلى ذكرى لا تُنسى للمصلين من خلال التركيز على النقاط كانت تبدو بسيطة. ما تقرأه أدناه هو روايات شفهية من هذه الفترة التي اختزل فيها التاريخ الشفوي لمسجد الكرامة من كتاب "مسجد القائد".

يمكن تقسيم علاقة آية الله خامنئي بمسجد الكرامة إلى أربع فترات. تتعلق الفترة الأولى بما قبل تحويل بناء الكرامة إلى مسجد، أي السنوات 1965 إلى 1973م، حيث لم يكن هناك إمام جماعة ثابت. الفترة الثانية من أكتوبر إلى مارس 1973 حيث كان يذهب بداية لعدة أيام فقط طيلة الأسبوع الواحد للمسجد، وبعدها أصبح تدريجياً الإمام الرئيسي للمسجد. حتى بعد مارس 1974م، على الرغم من منعه من إلقاء المحاضرات في مسجد الكرامات من قبل السافاك، فقد حافظ على علاقته به. الفترة الرابعة بعد المنفى أي أكتوبر 1978 حتى يونيو ذلك العام.

كانت إحدى النقاط البارزة في تأدية الصلاة من قبل آية الله الخامنئي كإمام في مسجد الكرامة هي الطريقة التي تفاعل بها مع الشباب والمراهقين. يقول مرتضى عطائي في هذا الصدد: في كل المساجد كان الشباب مرفوضين، ولكن من سمات هذا الرجل العظيم أنّ معظم الذين انجذبوا إليه هم من الشباب والمراهقين. كان من المهم جداً بالنسبة لهم أن يتحدث معهم، إنهم مراهقون ويبلغون من العمر أربعة عشر أو خمسة عشر عاماً، كنّا نسير بجانبه، بسخاء كبير، واعتقدنا أنهم كانوا أصدقاء لنا لسنوات.[1]

يقول آية الله خامنئي نفسه في خطاب من مذكراته عن تلك الفترة: "ذات يوم ذهبت للصلاة ورأيت أحد هؤلاء الشباب ذوي الشعر الدهني يأتي ويجلس في الصف الأمامي بجوار رجال الدين وتجار السوق والرجال الطاعنين بالسن. شعرت أنّ هذا الشاب لديه ما يقوله لي .. تقدم لي وقال: سيدي! هل يجوز لي الجلوس في الصف الأمامي؟ قلت ولمَ لا؟ أنت مثل البقية. قال إنّ هؤلاء السادة يقولون فيه هناك مشكلة. قلت إنهم يتحدثون لأنفسهم. هذا الشاب لن يغادر هذا المسجد بعد الآن. هذا الشاب سيصبح ملتزماً في تأدية واجب الصلاة".

ومن الجوانب الإيجابية الأخرى لوجوده في ذلك المسجد تلاوته الطيبة والرائعة. قال عباس سليمي نمين: "أصبح مسجد الكرامة تدريجياً مزدحماً للغاية". والسبب في ذلك صلاة آية الله خامنئي كانت جذابة. في أيام شبابه، كانت قرائته جميلة جداً ... ". [3] ويقول السيد حسين شفيعي دارابي: "كانت هذه القراءة جذابة للغاية. وهذا يعني أنّ أكثر من 35 أو 36 عاماً، على سبيل المثال، قد مرت منذ ذلك الحين، ولكني ما زلت أشعر بحلاوة تلاوة صلواته" [4]. كانت القراءة العربية الصحيحة والتقيد بقوانين التجويد وتلاوة الثناء والسور على شكل تلاوات جديدة وجذابة للناس لدرجة أنّ محمد جواد اعلمي يقول إنّ أحد البسطاء قال إنه يذهب ليصلي خلف ذلك "رجل الدين الفنان".[5]

آية الله خامنئي يزور الضريح الرضوي المقدس خلال فترة رئاسة الجمهورية - الراحل غنيان كرئيس مراسيم البقعة الرضوية إلي جانب آية الله خامنئي

وفي هذا الصدد، اتخذ المرحوم عبد الرضا غنيان وأعضاء مسجد الكرامة مبادرة شيقة لبث صوت تلاوة صلاته والاستماع إلىه من قبل جميع المصلين، وبدلاً من استخدام مكبر، قاموا بتركيب ثلاثة ميكروفونات أمامه. يقول المرحوم غنيان: أتيت وتركت ثلاثة مكبرات صوت للصلاة لم تكن تستعمل في مشهد بهذه الطريقة إطلاقاً. يوجد ميكروفون على الأرض، وواحد للركوع، وآخر للوقوف. حتى نهاية المسجد كانت جميع المصليات في غرف الكرامة يسمعن صوت الصلاة [6].

ومن الآثار الأخرى لهذه الممارسة تسجيل تلاوته وممارسة القراءة الصحيحة بها. يقول المرحوم غنيان: جاءوا من طهران وقالوا رحم الله والديك. سجلنا شريط هذه الصلاة، وسنأخذه إلى طهران ونتركه لنسائنا وأطفالنا وزوجاتنا. تعلم درس الصلاة بشكل جميل. لم يعد يريد أن يقرأها على أجنبي ليسمع صوتها [ثم يصحح]. [7]

كان هناك عمل آخر لآية الله خامنئي في هذا المسجد هو الصلاة مع الخطبة. ولعل أحد أسباب تحولهم إلى إلقاء المحاضرات بين الصلاة وبعدها هو منعهم من الذهاب إلى المنبر الذي رافقهم لعدة أيام. أدت جهوده في نقل التعاليم الدينية إلى إلقاء خطاب بعد إقامة الصلاة، والذي لم يكن يعتبر منبراً. ويقول حجة الإسلام عجم في هذا الصدد: لما مُنع من ارتقاء المنبر، كان يقرأ حديثا بعد الصلاة.  حيث يتحدث عن فكرته عبر الحديث. [8] يقول مهدي والي بور: "ينبغي علي سماحته عدم التحدث، أي كان ممنوعا من ارتقاء المنبر. لكنه ولأسباب ما يقوم ويتحدث بين الصلاتين وعندما يستجوب من قبل عملاء النظام، يقول: لم أرتقي المنبر، بل تحدثت قائماً. لا يمكنهم استجوابه في كل يوم، لأنّ هناك حشوداً غفيرة من المصلين معه".[9]

من ناحية أخرى، ألقى آية الله خامنئي خطباً كل يوم تقريباً من أيام الأسبوع أثناء إمامة الصلاة في مسجد الكرامة. وقد قال بنفسه عن هذا الأمر: "بعد فترة كنت أذهب إلى ذلك المسجد [الكرامة] وربما كل أسبوع تحدثت هناك لمدة ست ليالٍ وتجمع الكثير ...". [10] ومن سمات محاضراته في تلك الأيام الابتكار في أسلوب المحاضرة باستخدام الوسائل التعليمية، وتقديم ملخصات مكتوبة للموضوعات، ومراجعة موضوعات سابقة، وإضفاء متعة على الجمهور لفهم القرآن. تضمن محتوى هذه المحاضرات أيضاً مواضيع تبدو بسيطة، وموضوعات مدمجة من المعتقد الأخلاقي والسياسي، وقضايا مستحدثة وأجوبة للشبهات الشائعة، وموضوعات مصنف، بالإضافة إلى موضوعات أثارت الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع. [11]

----------------------------------------

[1] مقابلة مجلة المسجد مع مرتضى عطائي.

[2] السيد علي خامنئي، خطاب في لقاء مع مسؤولي العقيدة والسياسة في قوة الشرطة، 12 يوليو 2005م.

[3] مقابلة مكتب دراسات الجبهة الثقافية الإسلامية مع عباس سليم نمين ، 17 مايو 2015.

[4] مقابلة مكتب دراسات الجبهة الثقافية الإسلامية مع سيد حسين شفيعي دارابي، 13 ديسمبر 2015.

[5] مقابلة مكتب دراسات الجبهة الثقافية الإسلامية مع محمد جواد أعلمي، 1 سبتمبر 2014.

[6] مقابلة مركز وثائق الثورة الإسلامية مع عبد الرضا غنيان.

[7] نفس المصدر.

[8] مقابلة مكتب دراسات الجبهة الثقافية الإسلامية مع علي عجم، 14 سبتمبر 2014.

[9] مقابلة مكتب دراسات الجبهة الثقافية الإسلامية مع مهدي والي بور، 3 سبتمبر 2014.

[10] مقابلة القناة الثانية للإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية مع آية الله السيد علي الخامنئي، 21فبراير 1985.

[11] مأخوذ من كتاب مسجد القائد، التاريخ الشفوي لمسجد كرامة، أنصاري زاده مرتضى، دار راه يار للنشر،2020م. ص 206-162.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2573


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة