الروايات النسائية من ممرضي الدفاع المقدس

ذكريات سهيلا فرجام فر من الأيام الأولي للدفاع المقدس

مع نظرة علي كتاب الأحذية المتجولة (كفش هاي سرگردان)

إعداد: عطية محمدي
ترجمة: هادي سالمي

2020-11-14


سهيلا فرجام فر هي واحدة من النساء اللواتي يرتدين الملابس البيضاء إبان فترة الدفاع المقدس والتي عملت كممرضة في الخطوط الأمامية للمدينة. مذكرات سيرتها الذاتية، بأسلوب بليغ مع وصف تفصيلي، تجعل من كتاب الحذية المتجولة (كفشهاي سرگردان)أشبه بقصة مقروءة. رواية الراوي للأيام الأولى لغزو حزب البعث لإيران مثيرة للاهتمام:

"..على الرغم من أننا رأينا أشخاصاً يفرون من المدينة بشكل مجموعات كل يوم، لكن ما زلنا نقول إنهم ربما سيعلنون صباح الغد أنّ الحرب قد انتهت! في المنزل كان الحديث يدور حول الذهاب أو البقاء. مر أسبوع على بداية الحرب. اشتد القتال في مدينة خرمشهر وكان العراقيون يتقدمون إلي الأمام ... في مساء نفس اليوم، أخذنا الوالد إلى المنزل لأخذ أشياء صغيرة ومفيدة. قال فقط، "اجمعوا أثاثكم". ما لم يقال في هذه الجملة الكثير الكثير ..." (ص33و34)

صوت أبي جعلني أنتبه لنفسي، "أسرعي يا فتاة، التقطت أمي على الفور حقيبتها اليدوية. ذهبت إلى خزانة ملابسها. التقطت الأشياء التي كانت ستأخذها ووضعتها في الحقيبة. ثمّ، على عجل من أمرها، أخذت عدة صور تذكارية من الحائط ووضعتها في حقيبتها ... تجولت أمي في المنزل مرة أخرى. ألقت نظرة أخرى على حياتها المرتبة.

شعرت بمدى صعوبة ترك ذلك المكان، كان أبي محقاً في أنه ينبغي علينا أن ننأي بأنفسنا وعرضنا وأن نغادر المنزل عاجلاً. أخذت نفساً عميقاً. مع كل وجودي، أردت أن أشعر برائحة منزل والدي. غادرنا المنزل. ذات مرة، شعرت أنه في آلاف الأماكن في المدن الحدودية لإيران، غادرت آلاف النساء بيوتهن والدموع في أعينهن. سألت أمي أبي: "هل قمت بإغلاق النوافذ؟ هل أغلقت الأبواب جيداً؟ أخشي أنه...مرة أخري سمعنا صوت الإنفجار. لقد ذهبنا ولم نعلم أننا لن نعود مرة أخري لمنزلنا علي الإطلاق!" (ص36و37)

في نهاية إجازة الأمومة، اضطرت السيدة فرجام فر إلى ترك طفليها الصغيرين مع عائلتها والذهاب إلى مستشفى دزفول مع زوجها: "كانت المنطقة مزدحمة وتقصف بإستمرار. قلت لعلي: "لقد إشتقت للإطفال كثيراً". كنت متعبة بشكل كبير. سلمت علي علي وذهبت صوب منام النساء، نهاية قسم الأسرة....

كنت في مكتب التمريض صباح الغد في الساعة السابعة. راجعت القوائم ووقعت على إحصائيات الموظفين الحاضرين وأرختها: 6 أكتوبر."(ص58و59)

سمعنا أصوات قوية جداً. كان صوت الانفجار من مسافة قريبة. بعد أقل من ربع ساعة، استؤنف القصف. وملأ الجو صفارات الانذار ونيران المضادات وصوت الطائرات العراقية. وبعد دقائق، نقلت سيارات الإسعاف الجرحى. وقالوا: "واضافت إنّ "طائرتا ميغ عراقيتين هاجمتا انديمشك وأطلقتا اربع صواريخ على مناطق سكنية بالمدينة". ذهبنا على الفور إلى غرفة الطوارئ ... وأحضروا رجلاً مصاباً بجروح خطيرة. أمر طبيب الطوارئ على الفور بنقل المصاب إلى غرفة العمليات. بدأ الفريق الطبي في غرفة العمليات العمل. في الوقت نفسه، كانت هناك إمرأة تصرخ من شدة الألم، لأنها علي شرف الولادة. أمر طبيب الطوارئ بنقل المرأة إلى غرفة الولادة..  كان الفريق الطبي في غرفة العمليات يعمل على الرجل. أصيب المريض بجروح بالغة. الجراحان يواصلان الجراحة في نفس الوقت ... لم تكن مجدية. مات الرجل. بعد ساعة تم إبلاغ المرأة بوفاة الرجل. دخلت منيجة غرفة العمليات وضحكت وأخبرت الطبيب بصحة الطفل. كان للطبيب وجه لطيف. قال: "نعم".  طفل يتيم! هذه قصة أخرى في حد ذاتها!" (ص 60و61)

ومن الروايات الشيقة في الكتاب زيارة رئيس الجمهورية آنذاك بني صدر للمنطقة في 13 أكتوبر:

" إنّ الجميع مشغولون منذ الصباح. كنا نحاول ترتيب أقسامنا. وكان من المقرر أن يزور الرئيس المستشفى مع بعض المرافقين له ... وفي نفس اليوم، قام الرئيس آنذاك الدكتور بني صدر ومعه رئيس الوزراء محمد علي رجائي وأعضاء المجلس الأعلى للدفاع بتفقد مستشفي قاعدتنا والجرحى. كان الموظفون جميعاً مرهقين، وهم يعملون بأسرع ما يمكن. تم الحديث عن السيد بني صدر والسيد رجائي ليلا في محل إستراحتنا.

أصبحت مدينة دزفول، التي كان عدد سكانها في يوم من الأيام حوالي مئتي ألف نسمة، معزولة أكثر فأكثر. مرة أخرى، كان العراق يقصف ويطلق الصواريخ على دزفول من الأرض والجو. في وقت قصير دمرت مئات المنازل والمتاجر ولم يبق منها سوى الحجر والحديد. كان الناس غاضبين والنساء تبكي. كان الأطفال خائفون والرجال يلعنون هذه الممارسات الجائرة. بعد الإعلان عن الحالة الحمراء، دخلت سيارة الإسعاف ساحة المستشفى. لقد جلب العديد من الجرحى. نظرت إلى ذلك الطفل المصاب بجروح بالغة. كان الطفل يحمل بيده كوباً من الحليب وبالأخري علبة مكسرات. وقد قطعت الشظية جزءًا من وجهه. حدقت في الطفل. كم كان يشبه ولدي، ولكن أصغر منه. لقد اشتقت له. أخذت الطفل من والدته.  ذهبت على الفور إلى غرفة الطوارئ. قال الدكتور زرآزوند: أرسلوه إلى غرفة العمليات حالاً! حالة طوارئ. " سلمت الطفل إلى طاقم غرفة العمليات. كانت والدته تمشي خلف غرفة العمليات وهي تبكي. وبعد  فترة من الزمن خرج الدكتور زماني من غرفة العمليات وقال: "لم يستطع تحملها. وافته المنية."  لقد خرجت من ذلك المكان. كانت والدة الطفل جالسة على الأرض، مكتئبة ومشوشة. وتساءلت "أختي، العملية لم تنته بعد!؟"

إنّ الأمر كما لو أنّ لساني كان عالقاً في أسفل حلقي. هزت رأسي  كانت سلبية. سمعته يقول بصوت خافت، "كم من الوقت استغرق؟" الحمد لله كان طفلي قد تغذى جيداً، "وإلا فلن يطيق إجراء هذه العملية المطولة!"

جلست على الأرض بجانبها. كنت أرغب في مواساتها، لكن ماذا كان علي أن أقول لها؟ وتساءلت بحدة "هل انتهت العملية ...؟" مددت يدي إليها. عانقتها وبكيت. بكت والدة الطفل أيضا. وضعنا رؤوسنا على أكتاف بعضنا. لم نتبادل الكلمات". (ص78)

الكاتب لديه أيضاً قصة مثيرة للاهتمام حول الأجواء في طهران في تلك الأيام:

".. سلمت الجريحين إلى مستشفى طُرفه وعدت إلى المنزل في ظل طقس طهران الممتلئ بالدخان دائماً. كان الناس يتجولون في الشوارع بملابس مكوية ونظيفة. لا يوجد أي شبه هنا مع الأجواء في جبهات القتال. ولم توجد أي ملامح للملابس الملطخة بالدم.  كانت وجوههم تبتسم. كانت السيارات تقل المسافرين... ركبت سيارة أجرة وقلت: "سيد خندان". نظرت إلي الخارج. كان الطقس غائماً. كانت السماء مليئة بالأحداث. أخيرا أمطرت. تذكرت محارباً قال، "الأمطار في الجنوب تتسبب بالفيضانات. نبني الخندق بكل الجهد، فهو يمتلئ بالمطر". ثم سنبقى بلا خندق! لقد وصلت بالفعل إلى وجهتي. كنت أسير من الطابق الثاني إلى الطابق الثالث عندما أتاني مدير المجمع بجسم سمين وشعر أسود وقال بعد التحية: " سيدتي معذرة، شقتك مزدحمة للغاية. يوجد دائماً عشرة أو اثني عشر زوجاً من الأحذية الكبيرة والصغيرة في الجزء الخلفي من شقتك. أرجو أن لا يكون هذا خارج الإحترام والأدب. هذا يقلل من وجهة المجمع السكني. "يرجى التفكير في هذه الأحذية المتجولة في أسرع وقت ممكن!".

قلت له :"أمراً وطاعة، سأقوم بما أمرتني به".

كان لكلماته وقعاً كبيراً عليّ في تلك اللحظة: "أحذية متجولة، منزلة المجمع... برستيج المجمع...احذية متجولة!"

جاءت هذه الكلمات إلى ذهني فجأة، وتذكرت بشكل لا إرادي محارباً جريحاً بساقيه المتقرحتين. وأوضح لي أنه حتى لا يلاحظ العراقيون صوت خطواته ولكي لا تنكشف العملية، كان يتجول في خنادق ومعسكرات العراقيين لمدة يومين حافي القدمين على أرض خوزستان الساخنة من أجل تنفيذ مهمته الاستطلاعية بكفاءة.  حينها كنت أصارع نفسي قائلة. يا تري من هي الأحذية المتجولة؟الأحذية الموجودة خلف شقتنا السكنية أو أحذية مقاتلي الجبهة؟!..."(ص 130 و129)

كتاب (كفش هاي سرگردان) تم نشره لأول مرة في عام 2007 في 175 صفحة وفي غلاف ورقي من قبل منشورات سورة مهر، والتي تم نشرها في الطبعة السادسة في عام 2014 بسعر 14000 تومان. معظم ذكريات هذا الكتاب مخصصة لتفجيرات دزفول وجرحى المدينة والمحاربين آنذاك. يعتقد الراوي أنه في جميع أجزاء القصة، تعامل مع تاريخ الأحداث والشخصيات بواقعية كبيرة، وفي التعبير عن جميع محتويات هذا الكتاب، لديه أفكار قيمة وهادفة في ذهنه. من ناحية أخرى، بسبب الألفة في الكتابة والتواصل مع شخصيات القصة، أصبح هذا العمل ملموساً وموضوعياً وخلق نوعاً من التقارب والقرابة للقارئ.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2116


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة