في حوار مع بتول قيومي

بمال حلويات تحرير خرمشهر أحضرنا ثياب غرفة العمليات

حاورتها: فائزة ساساني خاه
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-9-14


 

طوال السنوات الثمان للدفاع المقدس، حين كان الرجال يحاربون في الخطّ الأمامي العدو، كانت النساء في المنازل والمساجد والمراكز الثقافية لاعداد العتاد والثياب وما يحتاجبه المحاربون. ولدت بتول قيومي (المعروفة بشعباني) في قهرود كاشان، وكانت طوال سنوات الدفاع الثمان تعمل في إعداد ما يحتاجه المحاربون مع نساء أخريات في طهران. التقاها موقع تاريخ إيران الشفوي وحاورها.

متى بدأتِ في دعم الجبهات؟

حين بدأت الحرب وهجمت الطائرات العراقية على مطار مهر آباد، ذهبت إلى مدرسة ابنتي ورأيتُ كيف بكى مدير المدرسة والمعلمون. قالوا لقد بدأت الحرب وانتهينا. قلت لهم: "يجب أن نرى ما يمكننا القيام به". عدت للبيت وقررت تبديل بيتي إلى مقر لدعم الجبهات. كنت حينها عضوة في التعبئة. كان لديّ موعد في مقر مالك الأشتر القريب من نهاية شارع خاوران، ذهبت لأرى ما أستطيع تقديمه. سألت المسؤل هناك: "ماذا تحتاجون؟" قال: "مربى وسكر وخبز جاف وطعام يمكن ارساله للجبهات".

كان منزلنا في شارع القوات الجوية. سرت مسافة طويلة ووقفت أمام منزل الجيران سائلة إياهم هل لديكم سكر؟

كنتُ اعرف النساء في ذلك الحيّ، وإذا لم أكن على معرفة بهن أدخل واسطة لتقديم نفسي. كنا نعد المربى في منزلي. وكانت مساعدات الناس كبيرة بشكل إمتلأت فيها ساحة البيت والغرف بالسكر.

كنت حتى الساعة الثانية فجرا مع أمّ الشهيد كريم شاهيان- التي ماتت ولها الرحمة- نسكر قطع السكر ثمّ مضعها في صناديق. وبتراب قطع السكر تعدّ المربى.

ذهبتُ في يوم إلى المقر لأرى ما يمكنني تقديمه لهم، قالوا لا يعطي بني صدر الأسلحة للقوات المسلحة، ونحتاج لاعداد قنابل المولوتوف إلى قناني. إجمعي لنا قناني ولكن لا تخبري أحدا. سرتُ عدّة شوارع مخبر السيدات بجمع القناني. كنا نجمع القناني ونعدّ الغداء ثمّ تقوم خمس نساء بوضع كلّ ستة قناني في كيس ونضعها في سيارة لنقلها.

جمعنا قناني حتى بات بيتنا معروف ببيت القناني. في يوم ذهبت لجمع القناني، أتت لنا سيدة من شارع كوكاكولا وهو بعيد عن منزلنا. وحين ترى ساحة البيت وسخة والأواني مرمية بجانب الحديقة، تقوم بغسلها والتنظيف وتقول لأطفالي: "قولوا لأمكم أنني قد جأت من أجل رضى الله لمساعدتكم. ولم أجد إلا غسل الأواني والساحة". خجلت كثيرا. ولم أره أبدا لأشكرها.

كم عدد النساء اللاتي كن يترددن على منزلك؟

مساحة بيتنا 150 مترا. امتدت فعاليتنا فيه ثلاث أشهر ثمّ قام الحرس والتعبئة باستئجار شقة في شارع بيروزي وحوّوله إلى مقر وطلبوا منا العمل فيه. بقينا هناك سنة حتى قالوا لنا طلب منا صاحب الشقة أن نتركها.

كيف استمرت نشاطاتكن؟

قال لي في يوم الحاج قدوسي إمام جماعة مسجد علي (ع) الواقع في شا رع مقداد، وكان نشطا جدا وقد استشهد أحد أبنائه في الحرب وزوجته كانت تساعدنا: "هناك بيت في شارع مقداد اذهبوا إليه هل يناسبكم". ذهبت للبيت ورأيته. صالته كبيرة جدا، قلت: "صالته جيدة جدا ولكننا نحتاج إلى غرفة أخرى". وجهّز لنا غرفة أخرى. جمع صاحب البيت السجاد وبدأنا نشاطنا. قالوا لنا ابقوا هنا ثلاث أشهر حتى نجد لكنّ مكانا أفضل ولكننا بقينا هناك طوال السنوات الثمان من الحرب المفروضة.

هل كان البيت لشخص؟

نعم. منزل شخص باسم عباس محرر. انسان خيّر ونشط قبل الثورة ضدّ الشاه.

هل كان للمكان اسم خاص به؟

نعم كان اسمه في البداية الزينبية ولكن فيما بعد حلمت إحدى السيدات بأن نغيّر اسمه إلى مركز السيدة الزهراء (س).

ما هي نشاطاتكم في ذلك المكان؟

نقوم بأعمال عديدة. من الخياطة والحياكة حتى إعداد المربى واللوازم الصحية. في إحدى المرات أعددنا وجبة "الألوية" حتى نرسلها بالسيارت المجهوة بالثلاجات إلى الجبهات. أرسل لنا الجيش والحرس رسالة شكر.

يحضر السيد محرر طنّ تين ونضعها مع المسكرات في أكياس. ولا نمس واحدة منها. وكانت زوجة محرر تعمل معنا.

كنا نطبخ الآش في الباحة. ونبيعه في يوم الثاني والعشرين من بهن في ميدان آزادي ويشتريه الناس بمبلغ أكثر مما يستحق ونرسل المبلغ للجبهات.

كم عدد السيدات اللاتي عملنا معكن؟

بين خمسين ومائة. ولأذكر هنا أنهن كن على نوعين. جاء قسم منهن للمركز وقسم آخر يعمل في المنازل.

كيف كان هذا التعاون؟

لم يكن مكان في المركز للجميع. وبعض النساء لا يمكنهن الخروج من المنازل. يحضرن قماش لخياطته لأخذه إلى كردستان والمناطق الباردة. أو نقوم بالحياكة. أذكر أنّ مخزنا قرب حرم عبد العظيم قد قُصف وجاء رجل وقال لنا: "أخمد رجال الإطفال النار ولكن الأقمشة مبللة وتعفنت، فماذا نفعل لها؟" قلت له: "أحضرها وسنستخدم ما سلم منها". كانت رائحة الأقمشة فظيعة ولكننا عملنا عليها.

وتعود إحدة ذكرياتي إلى تحرير خرمشهر. جاء حينها أحد القادة وقال: "أسرنا ثلاثين ألف عراقي ليس لديهم ثياب داخلية. سنحضر القماش لكنّ فهل تخيطونها؟" أجبته: "لا يمكنني أن أطلب من أم وزوجة شهيد أن تخيط ثيابا للعراقيين، سأخبرهن أنها للجبهات". قال: "فكرتك أفضل". ولم أكذب إنها للجبهات. أحضر لنا شاحنة أقمشة وبعد ثلاث أيام صلمنا الثياب الداخلية.

كيف أعددتن حقائب الاسعافات الطبية؟

من أعمالنا إعداد الضمادات. وكنت حساسة جدا على النظافة. أخبرونا أنّ قماشة الجينز تقف أمام تسرب الدماء، جمعنا بنطلونات الجينز وأعددناها كضمادات بعد تعقيمها وغليها ووضعها تحت أشعة الشمس. غسلتا الجينز حتى امدت يديّ. لم يخطر على بالي أن أشتري قفازات.

كم كانت أعمار السيدات اللاتي عملن معك؟

ولدت العام 1957. كنتُ شابة حين اندلعت الحرب. كان الكثير منهن في سني والأكثر أكبر مني. يقول البعض كان للرجال دور في الحرب بعكس النساء. أرسلت بعض النساء أزواجهن وأبناءهن للحرب وعملنا خلف الجبهات.

تعاونت معنا زوجة الشهيد شعرباف والسيدة رضائي وهي زوجة أمّ ثلاث شهداء. يعود البعض منهن بعد اسبوع من شهادة أبنائهن للمركز ويبدأن العمل. تعاونت معنا أمّ الشهيد شاهي صفي وأمّ الشهيد بابائي.

هل جمعت مالا للجبهات؟

نعم. في العام 1982 حين فتحوا خرمشهر وزّع الناس من الفرح الحلويات. كان لديّ حقيبة خضراء آخذها معي. أذهب للمنازل وأقول لهم هل تريدون توزيع الحلويات لتحرير خرمشهر اعطوني بدل ذلك المال لثياب غرفة العمليات. وساعدنا الناس، بعض النساء تبرعن بذهبهن.

هل تقام كل النشاطات في المركز؟

لا. أخذونا في مرة إلى المدارس لمساعدتها واستمر لأيام والحقيقة تعبنا. كنا نحمل أكياسا لا يستطيع الرجال حملها. حملت الكثير من هذه الأكياس حتى اضطررت لإجراء عملية على ظهري.

من نشاطاتنا الأخرى التعاون مع جامعة العلوم والصناعة. لمواجهة الغاز، استوردوا الكثير من الحقن.وكنا نعدّ الحقن لتؤخذ إلى الجبهات ولا تكسر. في إحدى المرات كانت تظاهرات للطلاب وقفت أمامهم وقلت لهم: "يستشهد الشباب في الجبهات. أنتم تقفون على دمائهم!" وتفرقوا. وقال لي أحد مسؤلي الجامعة: "ماذا قلت لهم؟ مهما حاولنا تفريقهم لم يهدؤوا!".

كان المنافقون نشطون في تلك الفترة هل صادف وأن واجهتيهم؟

في إحدى المرات كانت النساء تعدّ المربى. ودخلت علينا سيدة محجبة وقالت: "هل تعدون كل هذه المربى. حينها سيلعب الشباب بها كرة قدم في الجبهة!" أجبتها: "لعب كرة القدم أفضل من أن يقول العراقيون بأنّ الإيرانيين ليس لديهم ما يأكلوه. هذه ليست من ميزانية الحرس، ميزانية الناس. آخذ المال من الناس وأصرفها من أجل الجبهة". قالت السيدة المسؤلة عن المركز: "هل تعرفين من كانت؟ إنها قائدة مركز التعبئة. لماذا تحدثت معها هكذا؟" قلت: "لتكن من تكن. لقد أجبتها".

بعد ثلاث أشهر جاءت مسؤلة المقر وقالت: "كيف عرفت أنّ تلك السيدة سيئة؟" قلت: "لم أعلم!".

قال: "خير ما فعلت. كانت منافقة. ينشط زوجها في الجبهات وكان يعمل كقائد عسكري".

متى يبدأ عملكن في المركز ومتى ينتهي؟

من الساعة السابعة حتى الثانية عشر ظهرا. أعود للبيت وأعدّ الطعام ثمّ أذهب مرة أخرى للمركز زأبقى حتى الساعة السابعة والنصف مساء. كان لديّ حينها طفلان. كنا أربع عوائل.

كم يوم تعملين في الأسبوع؟

طوال الاسبوع. وإضافة لذلك في يوم الجمعة نذهب أحيانا للمجروحين في المستشفيات. ونأخذ لهم على حسابنا الخضروات. وفي مرة وجدنا جرحى عراقيين في المشفى. وزرناهم، قال أحدهم: "أريد سكرا". قلت: "تناول الشاي مع قطع السكر". لم يكن حينها سكر ونقضي شهرنا بكيلو لحم.

وأذكر ذكرى مضحكة من الزيارات. ذهبت لزيارة الجرحى وقالت صديقة لي: "أنتن أميات ولكني أحمل شهادة دبلوم. أنا سأتقدم وأنتن خلفي". وتقدمتنا وقالت لجريح: "أخي في أيّ جبهة كنت؟!" ضحك الجميع وقالن الكلام لا يحتاج إلى علم ودراسة.

هل عارض زوجك هذا الحجم من النشاط؟

كنت انظم برنامجي. أستريح قليلا. أعدّ العشاء مساء. وأغسل الثياب بيدي. ولم يكن الوضع مثل الآن تعدين في يوم سمك واليوم الثاني دجاج. كنا نكتفي بالبقوليات والطمامطم.

هل كانت برامج دعم للنساء المتعاونات معك؟

تعمل كل النساء مجانا. وتهدى النساء كلّ ستة أشهر مثلا حجابا. يهدي أحيانا الجيش هدايا لهن.

حتى متى استمر نشاطك؟

حتى نهاية الحرب. انقطعت فترة فقط حين ولدت فتاة. وبعد أن اشتد عود فتاتي عدتُ للعمل حتى نهاية الحرب.

شكرا لك وشكرا على اتاحة الفرصة لموقع تاريخ إيران الشفوي.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2302


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة