محرم في قم

حوار: حسين روحاني صدر (1)
ترجمة: هادي سالمي

2020-9-1


يتحدث الحاج حسين سليماني وهو من تجار محافظة قدرس رضوي وشارك في الثورة الاسلامية ومن خدمة العتبة حاليا، يتحدث عن أربعينيات القرن الماضي وكيف كانت تقام مراسم محرم في مدينة قم:

كانت تُقام مراسم العشرة الأولى من محرم بقيادة الحاج يدالله علي شاهي مع تلامذة المدارس وعوائلهم لنصب الخيام وتكايا اليزديين على ساحة، وهي أرض وقفية منذ فترة طويلة لمعزي عشرة محرم وصفر، وكنا نساعدهم. وكان الحاج عبدالحسين خزاعلي، من مسؤلي تكية عربستان (في بازار حسين آباد على الجهة اليمنى) وهو من تجار السوهان المعروفين ويقع أمام مسجد الإمام الحسن العسكري (ع). وكان شريكا مع ميرزا علي سليماني، عمّ أبي، في مخبز. كانوا أمناء، وكان الناس يسلمونهم مبلغا من المال للعشرة الأولى من محرم.

في اليوم العاشر تشتد الفعالية. نأخذ خيولا وجمالا إلى صحن الحرم. كنت أذهب إلى تكية بستان القطن، أحد تكايا المدينة النشطة وتقع في زقاق نو. يقود هذه المجموعة السيد عباس ناظم زادة، من شيوخ وثقة المدينة وتاجر بقوليات معروف، ويبيع ما تحتاجه بقية التكايا بأسعار مناسبة.

كل حارات مدينة قم في تكايا. كان أصغر مامكار، رئيس الاستخبارات في المدينة، يعرف ما يجري في التكايا والحارات. يقف عقيد على تقاطع البازار، ويدير حركة المجموعات، لكي لا تحدث صدامات. أثناء الحركة إلى الحرم، في غيابه تتشاجر المجموعات أثناء تسابقها؛ يخرجون الاعلام من الأعمدة ويتشاجرون بها. بعد انتهاء شهر محرم يأتي البعض إلى الشيوخ، يأخذون الموكب للحارات لارضاء الطرفين. في الخامس من محرم، يقوم البعض من تكية اليزديين وعربستان بالاتحاد لمواجهة زحام تكية السيد حسن. مع مرور الوقت تمّ جمع اعانة لليزديين ووضعوا لهم سقفا للخروج من حالتهم السيئة. تذهب في شهر محرم المجموعات إلى الحرم ويقصدون منزل السيد أبو الفضل توليت مصباح. لمنزله بابان؛ يدخلون من باب ويخرجون من الآخر. كان يجلس على كرسي ويرى حركتهم. وكل مجموعة يراها كبيرة، يشير إلى مساعده خليل، الذي يقف بجانبه، ليسلم المجموعة 100 تومان. ويخرج خليل خان ظرفا المال ويسلمه لهم. ثمّ يذهبون للعشاء.

كان يدعو كلّ يوم عاشر بجانب منزله، وهو مكان كبير (مجمع رضائي حاليا)، مشرفي المجموعات والهيئات والتجار والعلماء والطلاب والمدرسين والفلاحين، ويقدّم لهم دجاج بالزعفران والأرز. في ليلة كنت مع المدعوين وهم يتسارعون على الجلوس. قلت: إنّ المائدة كبيرة فما سبب كل هذا التدافع! وانتبهت حين جلست إلى أنهم يأخذون الدجاج ويضعونه في صحونهم. وكان يستمر العزاء حتى نهاية شهر صفر.

ويتذكر الحاج على اسلامي مواجهة رضا شاه مع علماء الدين ومنع المجالس الحسينية في محرم وصفر ويقول: وصل بالوقوف أمام مجالس العزاء إلى درجة إلى أني أرسلت رسائل صباحا إلى بقية المجموعات أن يخرجوا من منازلهم متحججين بالذهاب إلى الحمام. فإذا سألك شرطي عن جهتك؟ أخبره بأنك ذاهب للحمام. وعلمته طريقة الطرق على الباب ليفتحوه لكل من يعرف تلط الطريقة. وبعد شروق الشمس يتفرق الجمع الواحد تلو الآخر".

اتخذتُ قرار أنا وأمّي لشراء منزل. من حسن حظنا اشترينا منزلا مساحته 230 مترا لآية الله علوي، صهر السيد الكلبايكاني ونسيب السيد صافي، في زقاق اليزديين خلف البازار بمبلغ تسعة آلاف تومان. ودفعت القسم الأكبر من المبلغ أمي ببركة حياكة السجاد.

كنا نعقد أكثر الجلسات الدينية في ذلك المنزل. معنت الحكومة التطبير في يوم عاشوراء. طلب منا عدد من عرب النجف، يقيمون في قم، أن يقيموا هذه المراسم في منزلنا؛ يأتون إلى منزلنا ويبدؤون بقراءة المقتل. وبعد الانتهاء من صلاة الصبح يصرخون بيا حسين ويمشون دوائر في باحة المنزل حتى يصلون إلى حالة خاصة؛ لأنهم يحملون سيوفا كبيرة جدا وليست متداولة؛ كانت الدماء تسقط على الجدران. وبعد هذه العملية، يتدخل ثلاثة أشخاص حاملين عصيّ طويلة، يضعونها تحت السيوف لقطع الضرب ويداون الجرحى. أقيمت هذه المراسم لعامين في منزلنا.

كانت مراسم العزاء في يوم عاشوراء يوما خاصا. كان شمر هذه المراسم، أصغر شمر، خادم مسجد نو الواقع أمام الشيخان، لديه منزل حقير في منطقة عربستان ويمزح دائما قائلا: من يقوم في هذه المراسم بدور الأسرى أو الأئمة المعصومين في ثياب فاخرة، وضعهم المالي جيد ببركة تربة الإمام الحسين (ع)؛ ولكن هذا الشمر الملعون حتى لم ينقذ مريدا واحد له.

بمناسبة عشرة محرم وصفر دُعي منذ فبراير 1973 وحتى 1974 وبمقترح من متديني قم، السيد إبراهيم حسيني من قبل التجار، والسيد عبد الكريم هاشمي نجاد من طلاب ومدرسي حوزة مشهد لتقديم خطب ثورية أمام ميدان البلدية الجديد. في إحدى الجلسات وعلى رأس الساعة 11 دخل السيد هاشمي نجاد. تحدث بداية صاحب المجلس عبر مكبر الصوت قائلا ليس لدى الحضور حقّ في اطلاق شعارات ثم ذهب السيد هاشمي نجاد للمنبر. وبعد قراءته القرآن المجيد قال: اليوم سأحدثكم عن نظام الاسلام السياسي. كان الرسول الأكرم (ص) قائدا دينيا وقائد حكومة؛ ولكن أخبركم بأنّ هذه آخر خطبة لي في قم. وإذا إن شاء الله لم يحدث حدث سأتحدث معكم. وأضاف: على كلّ كائن حيّ أن يكون حرًّا. لو زرعت نبتة في مكان مناسب سترى كيف تنمو؛ ولكن إذا كان مكانها غير مناسب أو حصل مانع، لن تنمو أو كمثال، لو كان هناك حمل حرّ وآخ مقيد فما هو الفارق بينهما. حياة الانسان ونمو محدود. من ناحية الفكر العلمي لو كانت حرية في حكومة استبدادية ممكنة حرية البيان وحرية دينية لدعي الناس للاسلام. سمعتم أنّ الرسول الأكرم (ص) كان يشارك دائما أهل المدينة المائدة، يشاركهم حياتهم. قال الرسول الأكرم في آخر حياته من على المنبر: معاشر المسلمين، أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قِبَلي مظلمة فليقم فليقتص مني، ام من بين المسلمين شيخ كبير وقال في يوم كنت راكبا ناقتك وأردتَ أن تضرب تاقتك بالعصى فضربتني وأناـ وأنا لست براضٍ عنك. فقال الرسول (ص): ما هو طلبك حتى أعمل به. فقال الرجل العربي: عليّ ضربك بالعصى. فقال الرسول: نفس العصى في البيت. فأرسل بلال ليحضر العصى. وسلمها الرسول للعربي وقال: اضرب. وقبّل الرجل العربي كتف الرسول بدل ضربه. نعم، لهذا يقال الحرية التي كانت في الاسلام. هل تجدون مثل هذا في كل الدول أم لا؟ هل هناك شخص مثل الرسول أو يحكم مثل الرسول وعليكم أنتم كمسلمين أن تأخذوا حقكم دائما. في الحكومة الاسلامية دائما الناس أحرار وأحرار في البيان ويمنع التملق؛ ولكن نرى العكس في الحكومة الاستبدادية كلما كان الشخص متملقا زادت مكانته.

وقال حول وفاة ابن الرسول الأكرم (ص): حين توفي إبراهيم ابن الرسول الأكرم (ص)، انكسفت الشمس. ظنّ الناس أنّ الكسوف من أجل الرسول ولكنه لم يقبل مثل هذه الفكرة الخاطئة. مثل هذه اللإكار الخاطئة نجدها عند العثمانيين وأتباع معاوية؛ والنظام الاسلامي على عكسهم. في الأيام التي كنت فيها هنا خطيبا سلمني الناس الكثير من المواضيع؛ وأحدها طلب بتقديم كتاب السيد جمال ليقرأ الناس أكثر ويعرف كيف أوقع الاستعمار بسيد جمال. أخبروني لماذا تقيمون يوم عاشوراء؟ لكي نحذر من يوم عاشوراء حيث أوقعوا بالسيد جمال وآخرين.

وضعتُ مع بعض أصدقائي في البازار برنامجا للذهاب إلى النجف في يومي التاسع والعاشر من محرم، لرؤية آية الله الخميني. وكنا نتابع مع جمع من أساتذة مدرسي الحوزة، الخطب في عشرة محرم وصفر في المساجد المهمة في البازار. كان أهمّ مسجد بالنسبة لنا، مسجد الإمام، ويتولى شؤنه الحاج الشيخ مرتضى الحائري اليزدي. في تلك الاعوام كان السيد آل طه من الخطباء ذوي الذاكرة القوية، في يوم وفاة الإمام السجاد (ع) نقل خطبته الشهيرة وترجمها من العربي للفارسي. وقال بين الخطبة عن يزيد يطلب من المؤذن أن يؤذن حتى يمنع وصول كلمة الإمام ولا ينهض الناس ضدّ يزيد؛ وطلب السيد آل طه من السيد إبراهيم حسيني (2) أن يؤذن الأذان الذي طلبه يزيد من مؤذنه، وينادي بصوت عالي وقام بذلك وولد حرارة بين الجمهور.

تنصب كلّ عام من أول محرم وحتى الأول من الربيع، خيمة خارج منزل السيد البروجردي وتحاط بالسواد. وبعد محرم تجمع الخيمة وتوضع في المخزن للعام القادم. في أحد الأيام اعطة شخص مبلغا لرجل كان يعمل هناك. لم يجد الرجل مكان ليخفي فيه المال ويضعه وهو مرتبك بين طيات الخيمة. يجمع المشرفين عن الخيمة الخيمة ويضعونها في المخزن. ومن شدّة خوفه لم يخبر أحد بما حدث. وفي العام الجديد تفتح الخيمة وتيقط الأموال منها.

 

  1. ماجستير تاريخ إيران والعصر الإسلامي، خبير الوثائق والنصوص الثقافية في المكتبة الوطنية.
  2. توفي في 7/10/2018.

النصّ الفارسي 



 
عدد الزوار: 2074


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة