أول ليلة من ليالي الذكريات في العام الجديد، انطلقت مجازية

رواية طبيب ومؤدي خفة اليد عن فترة الحرب

مرين أسدي جعفري
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-5-2


أقيمت ليالي الذكريات الثلاثمائة والثانية عشر في أول ظهور للعام الجديد، مع مذكرات محارب وكاتب كتاب "أغاني رجل يمارس خفة اليد" وطبيب من فترة الدفاع المقدس.

خاص موقع التاريخ الشفوي الإيراني، أقيمت هذه الليلة أونلاين داخل موقع آبارت. وشارك كلّ من عبدالرضى طرازي والدكتور سعيد مرزبان.

وأدار الحوار مهدي صالحي طارحا أسئلة. وتحدث بداية "عبدالرضى طرازي" مؤلف "أغاني رجل يمارس خقة اليد" وقال:

من اللافت لنا أن نستضيف محارب في اطار طبيب ماهر وفنان. وضّح لنا هذا الأمر.

لم يكن عملنا هكذا في بداية الحرب. وأحببت كلّ الحقول الفنية بعد الحرب، وقد وسّعت هذا الحب للفن. دخلت صدفة مجال خفة اليد، وبات عملي الاحترافي.

إذاً لم تكن تمارس خفة اليد في فترة الدفاع المقدس. صدر كتابك تحت عنوان "أغاني رجل يمارس خقة اليد". حين يأتي في كتاب خفة اليد، يُطرح سؤال ما الذي حدث في فترة شبابك ليحصل الكتاب على هذا العنوان؟

وعلى ما ظهر غي العنوان، الكتاب ليس عن خفّة اليد. بل هو ذكرياتي عن الجبهات الغربية والجنوبية وكردستان ودعمه مكتب أدف وفنّ المقاومة للحوزة الفنية طوال 6 أعوام، وسبب هذه التسمية هو، الشاب الذي لم يصل بعد إلى السن القانوني، وبخطأ عجيب من مركز التعبئة، وبدلا من إرساله إلى مركز التدريب، تمّ إرساله إلى الجبهة. كنتث حينها في الرابعة عشر ومن الصدف أني شاركت في أكبر عمليات فترة الحرب، الفتح المبين. والآن شاب لم يدخل أي تدريب عسكري ولم يحمل السلاح بل لم يلمسه، يشارك في عملية بهذا الحجم الكبير. ولأنه يفقد التجربة بالتأكيد ستحدث له أمور خطرة حتى أنها للقارئ، قد تكون مضحكة، ولكن يمكن تسمية هذه الاحداث بالكمديا السوداء. ولكنه يعبر من كلّ هذه المخاطر، وهو أمر يشبه خفّة اليد.

نودّ أن نتعرف على ذكرى من فترة الشباب وأن تتحدث لنا عن تلك العمليات.

كلّ السنوات التي قضيتها في الجبهة ذكريات. وهذا ما يحدث مع كلّ محارب وجاء قسم منه على صورة كتاب في 400 صفحة كما حدث معي. ولكننا وطوال 8 أعوام من الحرب المفروضة، حصل على انتصارات كبيرة. كان لدينا فتح الفتوحات وأفراح. ولكنها ليست كلها واقعية. في الجانب الآخر من العملة هناك هزائم وأحزان. خذه من أوامر التراجع للخلف حتى تراجع نفس القوات. يكشف الكتاب بصورة سهلة وشفافة عمّا حدث، ولا يأبى من قول ما أخافه. شارك في كلّ عمليا الغرب والجنوب وكردستان، يتحدث عن الخوف الذي أصابه. ولكن دائما يتغلب على خوفه. يقع الكاتب في مواقع صعبة جدا ولا تحتمل ويلوم نفسه لماذا جاء إلى الجبهة وحين يتحدث مع نفسه، يمكن للقارئ الإطلاع على دواخل الكاتب... "ألم يكفي مشاركتك كلّ هذه الأعوام في الجبهات؟... لماذا جئت هذه المرة؟ لن تعود بجسد سليم هذه المرة. هذه هي آخرتك".... حتى القوات التي تعبر من جانبه وتتتراجع للخلف، قد يقولون ما شاء الله أيّ شجاعة هذه! ولا يعلمون أنه يقول لنفسه ليتني مثلهم ويمكنني التراجع. لو كنتُ اجلس الآن، فأنا مجبر. جلس القائد وعليّ الجلوس بجانبه. من الذكريات التي كان لي فيها دور، هي ارسالي للجبهة دون تدريب. في كوبه، أرسل الشباب مجددا. طوال الطريق، تحدثوا عن ذكرياتهم والاحداث التي وقعت. ليس لديّ ما أقوله. بينما كنتُ كثير الكلام وشاب ساخر، وعليّ الآن الجلوس مثل شاب مؤدب، كانت هذه الازدواجية صعبة عليّ، ولكني استطعت تمثيل هذا الدور، حافظتُ على شخصيتي ولم يفطن أحد منهم أني دون تجربة. قال  أحدهم: "يا سيد طرازي والىن حدّثنا عن ذكرى منك". قلت: "لقد جئت في السابق إلى دوكوهه". قال: "ولكن دوكوهه تقع في خلف الجبهات. حدثنا عن الجبهات". ولأغيّر الموضوع، تحججت للخروج من عربة القطار؛ كنت أركب القطار لأول مرة. بعد فترة، قررتُ الرجوع للعربة. وكنت لا أعلم بأنّ عليّ حفظ رقم العربة. طال بي البحث لساعة كاملة لأجدها. قال الشباب: "أين ذهبت؟ كنا نستغيبك. وقلنا بالتاكيد انه ذهب للمطعم ليتعشى". للتو فهمت أنّ في القطار مطعم. قلت: "لا. ذهبت لأرى صديق قديم. وقفنا في الممر نستعيد الذكريات". وهكذا لم أفضح نفسي. وصلت إلى مرحلة استلاح الأسلحة والدخول في العمليات.

أُرسلت خطأً في عمر 14 عاما إلى قلب الحرب، ثمّ تحملت الصعاب. تعود لتراجعهم. صحيح؟

نعم. في اليوم الذي ذهبت فيه إلى مقر التعبئة، كنت أريد إرسالي لمعكسر التدريب. ولكن حصل خطأ عجيب، ووقعت ضمن المجموعة المرسلة إلى الجبهة. وبينما كنت اخرج سألت شخصا كان يهم بالدخول: "أخي. هل يمكنني رؤية الورقة التي معك؟" وجدتُ أبعاد ورقته مثل أبعاد ورقتي. ونفس التاريخ والنص. قلت: "إلى أيّ معسكر تدريب سيرسلونك؟" قال: "لن نذهب للتدريب. نحن ضمن المرسلون مجددا للجبهة". انتظر الشخص الذي يليه. وهنا عرفتُ أني أرسل خطأ. من جانب كنتُ فرحا جدا أني تجاوزت فترة التدريب الصعبة ومن جانب آخر كنت متحمسا ومتخوفا.وزعوا الأسلحة في بستان نخل. كانت جديدة. ينظفونها ويعيدونها. حتى انهم يطلقون رصاصة في الهواء. لقد استلمتث الآن بندقية ولم أرَ في حياتي بندقية إلا في مقر التعبئة، كانوا يضغطون على أماكن محددة فيها وتتحول إلى قطع. طيب! هذا أمر سهل، حولتها إلى قطع ولم اتمكن من جمعها. كان احد الشباب يراقبني قال: "ماذا حدث؟ لماذا تتصارع معها؟" قلت: "أعتقد أنّ فيها مشكلة". أخذها مني، وابتعدت عنه لأقف بجانب شجرة وراقبته. ما غن أنهى تركيبها، عدت إليه وقلت: "انتهيت؟" قال: "لا مشكلة فيها". قلت: "لقد تركت عملي وأتيت إليك لأساعدك". وحدث معي امر ىخر. بعد استلام الأسلحة، كنا في الخطذ الأمامي. وجُرحت. جرحتني قذيفة وتركت ثقبا في يدي. أخذوني بسيارة اسعاف. قلت لنفسي: "يا مسكين! حفظت نفسك حتى الآن وعليك التراجع". طوال الطريق كنت اخاف من ردة فعل شباب المسجد. في المشفى الصحراوي اخبروني أن الشظية قد خرجت. وعدت مرة اخرى للجبهة، بعد ثلاث أيام، وجدتث الشباب يضعون مكبرات صوت موجهة للعراق ويأذنون. أخبرتهم اني أريد أن أئذن. أذنت وعدت. رماني بعض الشباب الواقفين في الصف بالحجارة. قالوا: "لقد فضحتنا!" قلت: "ماذا حدث؟" قالوا: "لقد نسيت أن تقول حيى على الصلاة". وفي مرة كانوا يحفرون خندقا. طلبوا مني: "والآن أنت من سيتقدم، حتى لو أسرت سيدعونك العراقيون. سيقولون هذا من أضحكنا حين رفع الأذان". ولني صغير في السن، كانوا ينالون مني. فلأذكر قصة عن السردار كوثي (السردار إسماعيل كوثي). اولا احتار العدو من قائد يتقدم إلى هذا الحدّ. لا وجود في العالم لقائد جيش يتقدم مثل تقدم في قلب العدو. وقد كانوا يتجسسون على لاسلكينا، وقد عرفوا بتقدم القائد ولديهم حدد مواقع. لذلك استهدفوه بشدة.في عمليات والفجر 8 في منطقة الفاو، حين كان القائد يريد التراجع، كنت أسبقه لأعد السيارة وحين يركب فيها، أبتعد عن المنطقة لنخرج من تحت النار. في أحد الأيام رافقني صديق. وحين ترجل الحاج من السيارة بقرب نهر أروند، قال: "يا عديم الضمير لماذا تقود هكذا؟ الحاج تؤلمه رجله!". قلت: "لم اكن اعلم أنّ الحاج تؤلمه رجله. كان هدفي..". وعاد الحاج كوثري وركب معنا. قلت: "آسف يا حاج لم أكن اعلم بألم رجلك". قال: "لا مشكلة. علمت أنك سائق من درجة 3". وقد كانت الدرجة 3 موضة. ليس هناك درجات إلا واحد وأثنين. وهناك أمر آخر، لن تعرف الفرق بين الجندي والقائد، تتشابه الوجوه.

السيد طرازي كنت لفترة حامل لاسلكي مع الشهيد دستواره. لو كان عندك ذكرى عن تلك الفترة.

 كان الشهيد دستواره رجلا يمزح كثيرا. رافقت فترة طويلة. طرأ أمر لي فقررت العبور من الفاو لأروند. وحين دخلت الخيمة وجدت الشباب يعدون كلمة الليل. حين رأوني فرحوا كثيرا. قالوا لي: "عرفنا كل الرموز التي طلبها الحاج رضا من أسلحة وعتاد. ولكن تك تك لم نفهمها وليست ضمن قائمة الشفرات لدينا". قلت لهم: "تك تك ليس شفرة. هي ماركة شوكلاته ويطل أن تحضروا منها الكثير".

شكرا السيد طرازي. لو كانت لديك كلمة تضيفها.

يا سيد صالحي لم تكن هذه ذكريات، بل ما يعتصرني من الداخل. نسمع في الذكريات أننا في ليالي العمليات يهرب العراقيون منا حين يسمعون صوت تكبيرنا. لم يكن الأمر كذلك. وليس الامر حين نقترب من العدو ونكبّر، فيضع العراقيون أسلحتهم على الأرض ويتركون الخنادق. ليس كذلك. حصل أن وقف جندي عراقي واحد أمام لواء منا ومنها ما حدث في قمة 1904. كنا نكبّر في العمليات. كان أمرا قياديا وتحوّل إلى تيكتيك. ولكن العدو لم يهرب. لماذا؟ لسبب واحد. لأنّ جندي عراقي وقف برشاش كبير وحيدا أمام لواء، ليبقى على قيد الحياة. وقد يقول البعض، إذا أراد الحياة لماذا لم يهرب؟ شكّل العراقيون فريق موت في الخلف. أيّ جندي يهرب، سيسقط ميتا أمام هذه المجموعة. ولكن إذا قاوم، فهناك واحد بالمائة أن يبقى على قيد الحياة. دخل العدو واحتل الكثير من المناطق، حتى لم تعد تفصله إلا 5 كيلومترات عن الاهواز. فهل ركضنا خلف العدو مكبرين؟ وهم هربوا؟ إذا كان الامر هكذا لماذا طالت الحرب 8 سنوات؟ من أين جاء كل هؤلاء الشهدا؟ تحررت تلك المناطق بدماء افضل الشباب. تحررت شبرا شبرا من يد العدو، مضمخة بدم الشهداء. حين نقول ما شرحتهن نحن نحرف تاريخ مقاومة شعب كامل ونسلمه للجيل القادم. اعتقد مثل هذه الامور تقلل ما فعله شبابنا وتذهب جهودهم هباء. كان شبابنا المتطوعون يقفون أمام جيش معد جيدا شيج له تاريخ ونظم ومنسجم. كان جيش ابعث من أقوى الجيوش في المنطقة. كانت أمريكا وإسرائيل تعطيه استشارات. سلمته ألمانيا أسلحة كيمياوية. قدمت له فرنسا وبريطانيا، معلوما تاستخبارتية. لو انتصرنا على مثل هذا الجيش تحميه الدول العظمى وتسلحه، فقد كان بجهود الرجال وتضحياتهم وقدموا أرواحهم من اجل إيران. وأرجو من الناس فهم هذه التضحية.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2556


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 

الأكثر قراءة

نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة