ليالي الذكريات في نسختها الثلاثمائة والثانية

خرمشهر وسيد صالح موسوي برواية الذكريات

مريم رجبي
ترجمة: حسن حيدري

2019-7-6


خاص موقع تاريخ إيران الشفوي، أقيم برنامج ليالي ذكريات الدفاع المقدس في نسختها الثلاثمائة والثانية، مساء يوم الخميس 23 مايو لعام 2019 في صالة سورة  بدائرة الفنون. قام كل من سيد عباس بحر العلوم ومرتضي سرهنكي ومحمد جواد سبحاني بالتحدث عن ذكرياتهم في الحرب الإيرانية العراقية.

مع صالي في خرمشهر

كان  الراوي الأول للبرنامج سيد عباس بحر العلوم. حيث قال: "أنا اليوم هنا لكي أتحدث عن بسالة وشهامة رجل يسمّي سيد صالح موسوي. رجل لم يبلغ السابعة عشرة من عمره في الأيام الأولى من الحرب في خرمشهر ويجلس الآن على كرسي متحرك ويعاني من تلف في الدماغ. إنه غير قادر على التحدث بشكل صحيح و لا يستطع أن يحرك يديه أو قدميه. في تلك الأيام حين كنّا قلة، كان سيد صالح موسوي حاضر كالجبل الأشم. شاب يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً وخلع قميصه ووضع الآربي جي علي كتفه ويتصيد دبابات العدو العراقي في أزقة وشوارع مدينة خرمشهر. وهو يعاني من عدم الإهتمام في الوقت الراهن. في ذلك الوقت الذي كان سيد صالي [1] يتصيّد الدبابات العراقية، وكنا قلة. تحدث الشهيد آويني عن سيد صالي بشكل جيد. لقد نزع سيد صالي ملابسه وقال العديد من المقاتلين: لماذا خلع ملابسه؟ يقولون بأنّ هناك عادة إذ يخلع الجميع ملابسهم في مدينة خرمشهر! قلت حينها: هل تعلمون لماذا خلع ملابسه؟ هو كـ سيّده الإمام الحسين (عليه السلام) ذهب لمعانقة الشهادة! يضخ روح التضحية والفداء في نفوس باقي المقاتلين، حتي خلع ملابسه لكي يبقي خفيف الوزن ولا يعيقه شيء آخر. في ذلك الوقت، دون الملابس وحافي القدمين وبيده الآربي جي، في كل مكان توجد الدبابات العراقية، ستجد سيد صالي لهن بالمرصاد.

كنت أعرف سيد صالي منذ الطفولة، من أبناء سوق صفا، الزقاق الواقع خلف دائرة القضاء. عندما كان هو في سن السابعة، كان عمري إحدي عشر عاماً. خرجنا في الصباح الباكر برفقة إخوته سيد طاهر وسيد غلام وعدد آخر من أبناء الحي. كان في وقتها موسم الصيف. عبرنا من الجسر. كنا على بعد حوالي 10 إلى 15 كم من المدينة. ذهبنا إلى قرية على طريق آبادان - خرمشهر. كان لدى سيد صالح أقارب هناك وأخبرنا بأن نذهب إلى تلك المنطقة. كنا من الصباح حتي ظهيرة ذلك اليوم خارج من المنزل. كانت العائلات تشعر بالقلق وأعطت أسمائنا ومواصفاتنا لإذاعة آبادان حتى أدركوا أين كنا في فترة ما بعد الظهر. عند العودة، ركب سيد صالح مع والده علي متن دراجة هوائية وكان يضربه باستمرار.عندما عدّت أنا إلي البيت، كانت الإذاعة تبث خبر فقداننا، فرح الكل بعد عودتي إلي المنزل، لكن بعدها قاموا بضربي.

في الحرب، كنت في أماكن كثيرة مع سيد صالي. كانت معركة السكك الحديدية حوالي في 9 من أكتوبر لعام 1980م. في العاشرة إلى العاشرة والنصف صباحاً، جاء الشهيد جهان آرا وقال: إذهب مع فريقك إلي ساحة السكك الحديدية. سألته: ماذا يجري هناك؟ قال: دخلت كتيبة دبابات عراقية علي محطة السكك الحديدية وتريد الذهاب إلى الميناء ودخول المدينة من الجانب الآخر. في ذلك الوقت، كنا في الحرب بشكل مجموعات تضم كل واحدة منها ثمانية أفراد. ذهبت إلى محطة السكك الحديدية مع مجموعة من المقاتلين. في ذلك الوقت، كانت السيارات قليلة جداً وكنا نقطع الطرق مشياً علي الأقدام. سرنا حوالي ثلاثين إلى أربعين كيلومترا في ذلك اليوم. كنت  أنا من يحمل الآر بي جي. وصلنا إلى محطة السكك الحديدية. كانت الساعة حوالي الثانية عشر ظهراً. كنا بالقرب من منازل شركة السكك الحديدية. قلت لبهنام محمدي: يا عم! إذهب وآتينا بكمية من الماء من فضلك، نشعر بالعطش الشديد. قال: هنا نعاني من شحة المياه، لا توجد مياه تكفينا. قلت له: بئر أو حوض ماء و... ذهب بهنام وبعد نصف ساعة عاد وبيده دلو ما. حيث حمل معه في ذلك الدلو مياه آسنة برائحة كريهة. يا عم هذا ما وجدته. لقد شربت تلك المياه من شدّة العطش وبعدها أصبت بمرض في المعدة. أريد أن أقول نحن كنّا نقاتل بظروف استثنائية في ذلك الوقت، لم يكن هناك ماء أو طعام. لا أتذكر على الإطلاق أننا تناولنا الإفطار في يوم من الأيام. عندما أتذكر تلك الأيام من المقاومة [قبل سقوط خرمشهر]، أشعر بالسعادة جداً لأننا بقينا في تلك الأيام، وقاومنا ولم نغادر المدينة.

كانت الساعة الثانية والنصف حتى الثالثة بعد الظهر. عبرت الكتيبة خط السكة الحديدية ودخلت ميناء خرمشهر. قاومت مجموعة واحدة في الميناء، وكانت مجموعة واحدة متمركزة في سوق شيطان، والمجموعة الثالثة، أي مجموعتنا، كانت في منطقة السكك الحديدية. لقد تمت محاصرة العراقيين ولم يتمكنوا من الخروج. عند الساعة الثالثة ظهرا، رأيت سيد صالي وهو يحمل الآربي جي علي كتفه وقال: الوضع سيء للغاية. جائت كتيبة من الدبابات ومن المحتمل أن نقوم بتفجيرها و أن تدخل الكتيبة الثانية إلي ساحة المعركة. عندما كنا ننظر نحو المسلخة، رأينا دبابة لقيادتهم تقترب من ذلك المكان. في ذلك اليوم جلس سيد صالح وثنى ركبتيه في وسط الشارع ووضع الآربي جي علي كتفه. كما جلست أنا ومعي الآربي جي بالقرب منه. أطلقنا النار علي تلك الدبابة وتوقفت عن السير نحونا. ذهبنا إلي الأمام ورأينا أنّ الدماء تسيل لكن لا أثر للجثة. أيقنّا أنه شخص أصيب بنيراننا وهرب. في هواتفهم اللاسلكية، كانت هناك دائماً رسالة مفادها أننا محاصرين. لقد قصفنا خطوطهم اللاسلكية بوابل من الرصاص وأبطلنا مفعولها تماماً. عدنا إلى محطة السكك الحديدية. كانت ملحمة تدور هناك. لقد دخلت حوالي 25 دبابة. تم إغلاق طريقهم وأرادوا العودة. في حوالي الساعة الخامسة والنصف عصراً، ظهرت الدبابات واحدة تلو الأخري. أي دبابة تظهر، نواجهها أنا وسيد صالح بالآربي جي. تحترق الدبابات واحدة تلو الأخري. بعد ذلك اليوم قال آية الله [صادق] خلخالي، أنّ خرمشهر تبقي خرمشهر وليست المحمرة وكان يُشير إلي دبابات تم استهدافهن من قبلنا في ذلك اليوم.

ذكرياتي الأخري مع سيد صالي تعود في التعرف علي مدينة خرمشهر وبعد سقوطها. قال الشهيد حسن باقري الذي كان قائداً لإستخابرات العمليات آنذاك: نريد جولة استطلاعية من مدينة خرمشهر ونريد أن تقدمون تقريراً مفصلاً عن تحرك ومواقع العدو. عدنا من جلسة كانت قد عقدت في منطقة (گلف) بالأهواز حيث كانت تعقد في كل أربعاء و قدمنا ذلك التقرير للشهيد جهان آرا وما كان يدور هناك. قال ما الذي تريد أن تعرفه للقيام بذلك؟ قلت: سيد صالح. في ليلة قبل القيام بالإستطلاع، توجب علينا أن نذهب من جانب هذا النهر إلي الجانب الآخر الذي كان العراقيون متواجدون فيه وأن نستخدم الحبال لتلك المهمة. أخذت الحبل في الليل وعبرت النهر وربطته علي أعمدة محل لبيع الحلويات وعدت من. كان فصل الصيف. في اليوم التالي انتظرنا حتى الليل ثم نتحرك. دخلت أنا و سيد صالي وشخص آخر داخل القارب. لم نتمكن من استخدام محرك القارب لأنّ العراقيين لاحظوا وجودنا. لهذا السبب قمنا بسحب الحبل إلى العدو للمضي قدماً. دخلنا المدينة بعد لحظات. بعد ثمانية أشهر، لم يكن لدى أي شخص اخبار ميدانية عن المدينة، ولم ولا أحد يعرف مكان حقول الألغام والفخاخ للعدو. نمنا في الخط العراقي ليلاً. نجد دائماً مكاناً متروكاً وننام فيه لكي لايشك العدو. كنت مستيقظًا وحذراً خوفًا من الأسر. في الصباح، عندما استيقظ البقية، أبلغنا القائد لاسلكياً بأننا الآن في الخط العراقي. نريد أن نذهب على الخط ونجد الطريق لدخول المدينة. أبلغناهم أننا من قواتهم حتي لايطلقوا النيران علينا. كانت تفصلنا حوالي 150 إلى 200 متر مع العراقيين. في الساعة الثانية بعد الظهر ذهبنا ورأينا أنّ العراقيين أقاموا ساتراً على جانب الطريق وقاموا بإنشاء ألغام مضادة للأفراد. لقد فعلنا هذا، وعدنا ونمنا في نفس الأنقاض حتى الصباح. حل غروب الشمس وعبرنا النهر مرة أخرى وأبلغنا الشهيد جهان آرا أنّ الوضع علي هذه الحالة، قال يجب عليكم الذهاب إلى خلف الخط العراقي وإعطائي تقريراً مفصّلاً.

بعد بضعة أيام، ذهبنا ثانية أنا وسيد صالي والشهيد محمد رضا ربيعي وعبرنا من النهر حيث رأينا ساتر العراقيين، لكنه ونظراً لو وصلنا في الليل، لم نرّ هل العراقيين ورائه أم لا؟ أمسك سيد صالي حجراً ورماه وراء الساتر وقال: إذا كانت هناك قوات عراقية، ستكون لهم ردة فعل وسينتبهون لتواجدنا. رمي ثلاثة أو أربعة أحجار، لكن لم تكن أي ردة فعل، حينها أدركنا أنه لا وجود للعراقيين، عبرنا الساتر وذهبنا إلي عمق المدينة. في الليل ذهبنا إلي مكتب إتحاد المخابز في خرمشهر. لقد شمّت الكلاب رائحتنا من بعيد وبدأت تنبح علينا. مرة أخري قضّي السيد صالي ومحمد رضا ربيعي ليلتهم فوق سطح البيت وأنا أحرس للصباح خشية من حدوث أي مكروه! سرنا في الصباح نحو العمق واستقرينا في منزل. قلت لهم سأذهب نحو الطابق العلوي لأري ما يحدث هناك. عندما ذهبت إلي الأعلي رأيت مجموعة من العراقيين يسيرون نحو النهر مقتربين منا. نقلتُ الخبر للسيد صالي وقلت له أنهم آتون لتطهير المدينة. قمنا بفتح باب الغرفة وتموضعنا نحن الثلاث فوق سطح الغرفة حيث نسمع دقات قلب بعضنا البعض. كنّا نقرأ آية الكرسي باستمرار وننظر إلي باب الغرفة. من سوء حظنا دخلت القوات العراقية إلي تلك الغرفة. قال أحدهم: أريد أن أصعد إلي الأعلي وقال آخر: قد نتعرض للخطر ولربما تطلق علينا النيران. استغرق الأمر حتي غروب الشمس ولم يصعد أحد منهم إلي سطح الغرفة. لقد اتخذنا قراراً بإطلاق النار عليهم حين دخولهم إلي ذلك المنزل وأسرهم فيما بعد. عدنا حين المغرب نحو النهر وكان بيدي مصباح يدوي. في الأزقة، حفرالعراقيون أمام كل أبواب البيوت خنادق للتموضع فيها. كانت في نهاية الزقاق، الكلب ينبح ويتحرك بسرعة نحونا. قررنا الدخول لأحد المنازل ونختبئ وراء حائطه حتي يذهب الكلب. جلسنا في المنزل خلف الجدار ورأينا الكلب يهدأ ولم يعد نسمع له صوتاً. قلنا، أين ذهب هذا الكلب؟ بمجرد أن أخرجنا رؤوسنا من وراء الجدار، كان ذلك الكلب وراء الجدار ونبح أمام وجهي تماماً. كدتُ أن أصيب بجلطة من شدّة الخوف وأصدقائي كانوا يضحكون علي ما حدث لي. كنت غاضباً جداً وكنت أركض وراء الكلب. هرب وكنت أبحث عنه في كل مكان.  كان الكلب بمثابة مساعدة طارئة، لأنه جعلنا نتأخر ووصلنا متأخرين إلى الشارع لتمر السيارة العراقية. في الواقع، بمجرد وصولنا إلى الشارع، وقبل ثوانٍ قليلة مرّت السيارة العراقية من هناك. كان لدينا فيلم جيد من المدينة، وبعد ذلك، جاء السيد هاشمي رفسنجاني إلى الأهواز، وعرضناه عليه وقلنا له: هذا الفيلم سري للغاية، وقد أظهرنا فقط قادة الفيلم لمعرفة كيف هو الوضع. بعد أيام قليلة، في صلاة الجمعة في طهران، تم التعرف على مقاتلي خرمشهر وتحديد هويتهم، وقد التقطوا صورة للعراقيين الذين يدمرون خرمشهر".

 

التسعة عشر شهراً التي قضاها العدو في خرمشهر

كان الراوي الثاني للبرنامج، مرتضي سرهنكي، مؤسس مكتب الأدب وفن المقاومة. حيث قال: "هذه  الكلمات القليلة التي أقتبسها من الأسرى العراقيين في إيران. تقريباً حتى الأيام الأخيرة عندما كان الأسرى العراقيون هنا، لم تنقطع علاقتنا معهم. كان هناك العديد من السجناء الذين تم أسرهم في خرمشهر وكانوا في عدة مخيمات. لقد نقلوا إلي أشياء مكتوبة في كتبهم. ربما لم يسبق له مثيل في العالم أن يكتب أسير حرب في دولة  وينشر كتاباً، لكن هذا ما حدث في إيران، وكتب الأسرى العراقيون الذين كانوا في إيران حوالي 64 إلى 65 كتاباً وذهبوا من هنا وتركوا لنا ذكريات عديدة. لقد نقلت بعض النقاط التي نقلها العراقيون إما في كتبهم أو في ذاكرتي. كان العراقيون لمدة 19  شهراً في خرمشهر. كان من بين الأشياء التي قاموا بها فتح مكتب لصرف العملات في خرمشهر. لم يرغبوا في إزعاج جنودهم وأخذ الأموال التي سرقت من المصارف والمتاجر والمنازل إلى البصرة والعمارة وبغداد ، وتحويل الريالات الإيرانية إلى الدينار في تلك المدينة. لهذا السبب قام العراقيون بفتح مكتب لصرف العملات لكي تمتلئ جيوب جنودهم ليقضوا بها أوقاتاً ممتعة، إذاً قام العراقيون بعمل وهو إنشاء مكتب لصرف العملات.

في أحد الأيام تحدثت مع ضابط شاب كان أسيراً في المخيم. قال: "كنت لحوالي تسعة عشر شهراً أو أقل في خرمشهر، وأستطيع أن أقول أني أصبحت أكثر أفراد العالم يعاني من الأرق والسهاد. كنت خائفاً باستمرار. ولم أنم حتى ليلة واحدة بأمان في خرمشهر داخل كيس النوم. كنت خائفاً مما يجري. لا أحد يعلم ما هي ليلة خرمشهر؟ ماذا فعلنا في ليالي خرمشهر؟ لا صباح في ليالي خرمشهر علي الإطلاق. كان هناك ضابط يسمي جبار وهو من فرقة المغاوير. بالرغم من أنه كان أسيراً، لكنه يتمتع بجسم رياضي. كان يقول أنه لم يهدأ يوماً في خرمشهر ولم ينم ويستقر علي الإطلاق. كان يقول:  كنت في إحدي الليالي مسؤولاً عن فرقة الحراسة. ارتديت ملابسي بهدوء. أخذت معي حزامي ومسدسي. كنت أنظر للأطراف بدقة فائقة. كان الطقس حار جداً. بداية خلعت قميصي ومن ثم فانيلتي. فجأة انتبهت أنني خلعت جميع ملابسي وبقى الحزام والمسدس. جاء جندي من فترة الإجازة و أوصل نفسه ليلاً. جاء إلي الأمام ليقدم التحية العسكرية وحينما وجدني بتلك الحالة، جلس علي ركبتيه وانثني وأصيب بجلطة ومات فوراً!

كان هناك طبيب عراقي يدعى الدكتور ليث. ذات مرة، سألته: أين يقع هذا الشارع الرئيسي في خرمشهر الذي يتحدث عنه جميع الأسري؟ هذا الطبيب العراقي تركياً ومن كركوك، وتحدثنا معاً اللغة التركية. قال:  الشارع هو (خيابان) و الشارع الرئيسي هو ما يطلق عليه بالفارسية (خيابان اصلي). كنت أظن أنّ اسم الشارع هو رئيسي وذلك لأنني لا أعرف العربية علي الإطلاق. كما هو حالي الآن لا أعرف عنها ومنها شيئاً. أي كلما جري هو في الشارع الرئيسي و كنت أظن أنّ ما يحدث هو في الشارع الرئيسي (خيابان اصلي)! هذه من ضمن الأخطاء التي ارتكبتها. إذا قرأتم ذكري من ذكريات العراقيين وكان مكتوباً فيها (خيابان رئيسي)، فلتعلموا أنه كان من أخطائي لاغير.

الشيء الآخر الذي أريد أن أشير إليه هو الحفاظ على هؤلاء الأسرى العراقيين. كان الأسرى العراقيون يعاملون بشكل جيد من قبل  الجيش الإيراني، وكان الطعام الذي يقدم لهم أفضل بكثير من الطعام الذي أكلته في مكتب صحيفتي الخاصة، بالطبع، عندما ذهبت إلى المخيم، قمت بتناول الغداء مع السجناء العراقيين. كان الغداء أيضاً يقدّم لقائد الحامية وقائد المعسكر، والضباط، وجنودنا والسجناء، كما تناولت أنا كصحفي.

القائد العراقي، الذي حرر مقاتلوننا خرمشهر منه، يسمي أحمد زيدان. قبل بضعة أيام، كان العقيد خميس مخليف يترأسهم، لكن مصدر القصة كان يدور حول أحمد زيدان، الذي ذهب أمام عيني علي الألغام وفكر الجميع أنه قد قُتل، حيث إنه لم يقتل. خبر مقتل أحمد زيدان دمر كل شيء كانوا يمتلكونه. لقد ظنوا أنهم فقدوا قائدهم حقاً وأنّ العراقيين أنفسهم لقد أصبحوا مشتتين.

بعد أن حرر مقاتلونا خرمشهر، كانت هناك بعض النقاط في التصريحات التي أصدرها الجيش العراقي للجنود العراقيين. إحدى تلك النقاط هي أنّ الجيش العراقي قال إنّ خرمشهر كانت مثل وسادة ترغد عليها البصرة. هذه هي ما تمثله لنا! قال أحد الضباط العراقيين إنّ الخبراء المصريين والجزائريين وحتى الألمان جاءوا وشاهدوا الجدار الدفاعي الذي كان في خرمشهر وقالوا: هناك حاجة إلى جيش عصري ومتطور لكسر هذا الجدار الدفاعي، وإيران تفتقر إلى مثل هذا الجيش، لذلك، خرمشهر ستبقي إلى الأبد لكم. أعلنت الإذاعة العراقية عن حالة الطقس في المحمرة وخرمشهر عندما أعلن الطقس في الموصل والبصرة والعراق!

بعد أن حررنا مدينة خرمشهر، استدعى صدام قادته، وكانت الكلمة الأولى التي أمر بها صدام هي أنني لم أر أي رجل أمامي. إنّ نساء شارع النهر أكثر شرفا منكم. سئل لماذا لم تستخدم الأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين؟ قال أحد القادة إنّ قواتنا كانت قريبة من الإيرانيين، إذا استخدمنا أسلحة كيماوية ضد الإيرانيين، فإنّ جنودنا سيتضرروا أيضاً. يجيبهم صدام هل من الأفضل موت جنودكم أو فقد المحمرة؟ متى تعود لنا المحمرة؟ من هذه اللحظة، لا تأخذ هذه الاعتبارات بنظر الإعتبار، استخدم الأسلحة الكيميائية أينما دعت الحاجة، ولا تقلق بشأن جنودك. الأمهات العراقيات سيلدن لك، لا تقلق!"

وأخيراً قال سرهنكي عن سيد صالح موسوي: "إنّ سيد صالح هو أسد جالس الآن علي كرسي متحرك. لقد رأيت سيد صالح هنا وفي مدينة خرمشهر.لا يمكن تثمين جنود الحرب أبداً. يحظون في كل مكان من العالم بالإحترام. في كل مكان من العالم، إذا رأيت رجلاً عجوزاً يلقي ميدالية على صدره، فسيفتح الباب أمامه أينما ذهب. لقد رأيت هذا. كنا نذهب إلى لينينغراد. كان هناك مسجد. أربعة إلى خمسة رجال جاءوا مع مقاعد قابلة للطي. تم تشكيل الصف الأول من صلاة الجماعة في هذا المسجد من قبل جنود فترة الحرب، وفتح الناس الطريق أمامهم".

الروح العظيمة التي استسلم لها العدو

كان الراوي الثالث لبرنامج ليالي الذكريات في نسختها الثلاثمائة والثانية هو محمد جواد سبحاني. حيث قال: "في 22 من سبتمبر لعام 1980م، وفي تمام الساعة 12، اتصل وزير الدفاع العراقي بصدام وقال له: لقد هجم شبابنا. قال له صدام: سنقصم ظهر إيران بعد نصف ساعة من الآن! وصلت 192 طائرة وقصفت 19 مدينة ومطاراً، حتى أعلن العراقيون أنّ الطائرات الإيرانية الأخرى لا يمكنها التحليق في السماء ثانية.  في 22 أيلول (سبتمبر)، الساعة الواحدة والنصف، توافد إثنا عشر فيلقاً  و خمسة عشر فريقاً مستقلاً إلى بلادنا مع ثمانمائة مدفعية وخمسة آلاف دبابة. قال صدام سوف نسيطر علي خرمشهر في يوم واحد، وخوزستان في ثلاثة أيام وإيران في أسبوع إلى أسبوعين، وعند مقابلته، قال: "سيكون الانتهاء من المقابلة في الأهواز!"

كان جيشنا وقواتنا الجوية يتألقان أثناء الدفاع المقدس. قال أحد القادة إنّ الإمام الخميني اتصل بنا. صدم الجميع ماذا سيحدث؟ في غضون أسبوع، دخل العراقيون من مائة إلى 120 كيلومتراً على بعض المحاور . الإمام وأمام كل هذه الهجمة الشرسة قال: جاء سارقون ورمي حجارة وهرب ثانية، سنصفع صدام صفعة موجعة لايمكنه النهوض منها أبداً. قال الإمام وسط هذا الجمع، هل خاف المقاتلون مما حدث؟ إذا كان من المقرر أن تضعوا أسلاكاً شائكة حول مدينة طهران، يجب أن تحاربوهم وأن لاتعطوهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم.

كان هدفهم الأعلى هو القضاء على الثورة الإسلامية، وتفكيك خوزستان، وضم جزء من خوزستان إلى العراق. لقد كتبوا في كتبهم أنّ المحمرة عادت إلى الوطن الأم! لم نكن مستعدين. لقد قدمنا 2600 شهيدا قبل 22 من سبتمبر، وذلك في الاشتباكات الحدودية، وأيضاً في المواقع الحدودية بالمدفعية. مع هذا العدد من الشهداء، تم أسر وجرح العديد من قواتنا. أفاد أحد الأصدقاء بأنّ لدينا ألفي شخص بالقطار إلى الأهواز ولم يكن لدينا سوى خمسون بندقية. جاءت هذه الذكري من السيد محسن رفيق دوست، الذي قال: دعى الشهيد كلاهدوز قوات الإمام التي كانت في حرس الشاه قبل الثورة واتصل بي قائلاً: أطلب منكم ألف بندقية ج 3 لقوات الحرس الثوري. ليس لديّ هذا العدد.كما قدمت قوات الجيش يد العون لنا أيضاً. سألت واجابوني بأنه يجب علي بني صدر أن يكتب رسالة. سألت أين بني صدر الآن؟ قالوا: في مدينة دزفول. قال: ذهبت بسرعة فائقة ووصلت إلي هناك. وصلت ورأيت السيد محمد غرضي والذي كان محافظاً لمحافظة خوزستان، كان واقفاً. سألته: ما الذي يجري هنا؟ قال: كانت لبني صدر جلسة استغرقت ثلاث ساعات ولم يكن كرسياً شاغراً لأجلس عليه. انتظره يخرج من الإجتماع. يجب أن أتحدث معه حول أمر ما. كما انتظرته أنا وعندما خرج من الإجتماع، قلت له أريد ألف بندقية ج 3. قال إذهب واطلب هذا من أسيادك. سألته: من هم أسيادي؟! إذهب واطلب هذا من الشهيد بهشتي وآية الله خامنئي وآية رفسنجاني.كان السيد رفيق دوست لبقاً جدا حيث قال له: نعم هؤلاء هم أسيادي، لكن السلاح بيدك أنت ويجب عليك أن تقدمه لنا في الوقت الحالي. قال: أنا لا أعطيك أي شيء، إفعل ما يحلو لك. قال السيد رفيق دوست: ذهبت إلى سائق سيارته واستلقيت أمام السيارة. كان من ضمن لوجستيات الحرس الثوري والذي أصبح فيما بعد وزير الحرس الثوري. سأل بني صدر: ماذا تريد مني؟ قال رفيق دوست: إذا لم تعطيني السلاح لن أغادر مكاني. قال إنه قد كتب لهم أن يمنحوني ألف بندقية ج 3. كنت سعيداً بالعودة، وعندما وصلت إلى طهران، رأيت أنّ الإخوة قالوا إنّ بني صدر اتصل بنا وقال إنني كتبت له ولكن لا تعطوه السلاح! قال آية الله السيد أحمد الخميني، نحن استلمنا تسعة آربي جي منه بالتماس وقلنا ونحن فرحين أن ترسل هذه الأسلحة لقوات الحرس الثوري!

قاتل المقاتلون أمام الدبابات وبشكل فردي ووجهاً لوجه. لقد قاوموا 34 يومًاً. كان صدام، قد هاجمنا بكل ما لديه من دروع وقدرا، قالوا سنحتل في يوم واحد يوم خرمشهر، وثلاثة أيام خوزستان و سنحتل بين أسبوع إلى أسبوعين كل إيران. أعلن قائد الجيش العراقي أنّ قواتي يجب أن تفتح أحذيتها في طهران! أظهرت جميع الحسابات هذا أيضاً. من ذهب إلى مقارعة هؤلاء الأعداء؟ كانوا أناس مجهولين ومازال هناك منهم مجهولين. على سبيل المثال، ما الذي سمعناه عن الشهيد محمد حسن شريف قنوتي طوال هذه الفترة؟ لقد كان رجل دين  مقاتل وثوري  قبل الثورة. ذهب الناس بشكل عفوي ودافعوا عن خرمشهر. الأمم المتحدة أعلنت العراق المعتدي بعد عشر سنوات. طوال هذه الحقبة، عندما قاتلنا العراقيين في 1609 كيلومترات، في مقاطعاتنا الثلاث إلى الأربع، قاتل ضدنا ما يقارب 20.000 من رجال العصابات. يكفي 20 ألف مقاتل لانهيار حكومة. أعلن الحزب الديموقراطي أنّ لديه اثني عشر ألف محارب. في جميع غابات كردستان وغرب أذربيجان وفي جزء من كرمانشاه، واجهنا هذه المشكلة. كان لمنظمة كومالا ثمانية عشر مجموعة. جميعها قاتلت ضدنا. أينما ذهبنا  كان هناك لغم أرضي وصراع مستميت. مشينا على الطريق وذهبنا في الغابات حيث أطلق الآر بي جي وأصاب سياراتنا. من استطاع أن يتحكم بهذه الأمور؟ هؤلاء الشباب هم أبطال هذا البلد والجيش والتعبئة الشجاعة وهذه القوات لا حصر لها. لقد أزالوا  العدو وطردوه من أرض الوطن ببسالة وشجاعة.

لدي ذكري سأحكيها. سلّم خمسة عشر ألف أنفسهم في نهاية الحرب. قال الإمام إنهم سيعودون إلى أحضان الأمة. على سبيل المثال، سألناهم: ما هي الحروب التي شاركتم فيها؟ قالوا: "لقد كنت في عشرة إلى عشرين حرباً!"  سوف يمنحونهم  الدواجن أو الجرار ليستقطبونهم نحوهم، قاتلنا  حوالي خمس أو عشر سنوات! تحدث أحد حراس الحزب الديمقراطي إلى حراس السجن بأنهم أدانوا السجناء حتى الموت. أخبروا أحد القادة الديمقراطيين أن يخبرنا بشيء من ذكريات الباسيج. "كان لدينا أربعمائة معتقل في أيدي الحزب الديمقراطي في السجن الحكومي. حاكم القاضي الديمقراطي أحد أفراد الباسيج. أولئك الذين لديهم بطاقة الحرس لا يُحاكمون، تم إعدامهم على الفور! أخبر ذلك القاضي أحد أفراد الباسيج البالغ من العمر 16 عامًا أنك مرتزق. قال ذلك الشاب الباسيجي: "ايها القاضي!" يا وزير عدل الحزب الديمقراطي! افتح الحقيبة وشاهد الدولار الأمريكي والدينار العراقي في حقيبتك أم في جيبي؟ لقد جئت للدفاع عن هذه الأمة والدفاع عن هذا الشعب الكردي، من أين أتيت أنت؟! قال القاضي بلغة كردية في سجن دوله تو: "أشعر أنه من المؤسف قتل هذا الشاب. كتب خطاباً  قال فيه: اصطحبوه إلى سردشت ثم أطلقوا سراحه ليذهب. هذه الروح العظيمة  انقذته من الإعدام".

تم تكريم سيد صالح موسوي في برنامج ليالي الذكريات في نسختها الثلاثمائة والثانية كما تم تقديم كتاب (روشناي خاطره ها) من تأليف مرتضي سرهنكي.

---------------------------

[1]في تلك الأيام، كان يطلق المقاتلون على سيد صالح موسوي "صالي".

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2670


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة