حوار مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية الأسبق في بغداد، مهدي بشارت

ما لم يقل عن محاصرة ال 40 شهرا في السفارة/ القسم الرابع

خطب صدام في كلية المستنصرية ثلاث مرات و تطرق الى حرب القادسية

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-1-13


حوار مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية الأسبق في بغداد، مهدي بشارت
 

ما لم يقل عن محاصرة ال 40 شهرا في السفارة/ القسم الرابع

خطب صدام في كلية المستنصرية ثلاث مرات و تطرق الى حرب القادسية

 

صادف مهمة الدكتور زندفرد في بغداد أصعب الأيام قبل الثورة و بعدها في إيران. و خاف العراقيون من عبور عدم الاستقرار الى العراق. و للوقوف أمام المد و في نفس الحال القيام بالاصطياد في الماء العكر، قاموا بتحركاتهم. زاد التصادم على الحدود و وصلت تقارير أن العراقيين زادت حركتهم على الحدود في المناطق الحدودية و قد أرسلوا أسلحة الى داخل إيران و خاصة الى محافظة خوزستان. و إن كان العراقيون محافظين على سلامة السفارة الإيرانية في بغداد و القنصليات في كربلاء و البصرة مع مراعات الضوابط الدبلوماسية و عدم التدخل في الشؤون الداخلية، و لكن ضاقت دائرة محاصرة السفارة و القنصلية و المدارس الإيرانية في العراق و زادت أيضا عمليات مراقبت الإيرانيين و تصاعد كل هذا بعد قيام الثورة.

رغم كل الاضطراب و التحولات قبل الثورة و بعدها في إيران، كانت الأجواء في بغداد هادئة. بعد الثورة، كان الجميع ينتظر و خاصة السفير الأوامر من طهران و هم على استعداد للتغيير و كنا لا نشك في أن القادمين لن يكونوا من القدماء. سنحت أفضل فرصة لتقديم طلب للانتقال الى المركز و ترك جهنم بغداد. كان في بداية فبراير 1979 أو بداية مارس 79 حين أرسلت طلب نقلي الى طهران و لأن الجواب لم يصل، و بعد شهرين تابعت الموضوع و جلست منتظرا.

في بداية مايو 1979 وصل خبر تعيين أول سفير و هو سيد محمود دعايي كأول سفير للجمهورية الإسلامية في بغداد. لم أكن أعرفه و لا رأيته، و لا حتى سمعت باسمه. سألت عنه فقالوا لي: أنه عالم دين شاب، ثوري و متشدد و قبل سنوات كان هو و من يشاركه فكريا يحملون فكرة غسل السفارة. قلت لنفسي: " القادم إذن أفضل مما نحن عليه الآن!" كان زملائي قلقين. دخل السيد دعايي في 15 خرداد بغداد و استقبل بصورة رسيمة في المطار. تعامل مع الجميع هناك بحرارة، و امتنع عن مد يده فقط لشخص من أعضاء السفارة، و لم يكن موظفا في وزارة الخارجية، و كان فعلا ولّد تعجبا.

و أقيم حفل عشاء بمناسبة وصول السفير في السفارة. و في اليوم الثاني جاء اليّ و قبل أن أذهب اليه في مكتبه جاء الى مكتبي. كان يتصرف معي بحميمية و ود و كأننا نعرف بعض منذ سنوات. سألني عن وضع السفارة و الزملاء و شرحت له الوضع و قلت له لقد قدمت طلبا لنقلي الى طهران و من المحتمل أني سوف أغادر هذا المكان. قال: " لن تذهب الى أيّ مكان! قبل مجيئي الى بغداد اطلعت على ملفات كل موظفي السفارة و ليس فيهم أحد ليست " ورقته صفراء" إلا شخص واحد." ( لم أسأله و مازلت لا أعلم ما معنى الورقة الصفراء ما هو، قد يكون دلالة على التعاون مع الساواك .) و سألته عن رأي مساعد الوزير حسن معتمدي عن منح السفارة أعضاء جدد و قال: " الكادر الحالي جيد و أوصى ألا تغير تركيبته."

الخلاصة، في الأيام الأولى، كل ما كنت أظن عن السيد دعايي تبخر و كنت امام انسان ذكي، يحب الخير و واقعي و يمكن أن يكون قاطعا و دقيقا، و يمكنه الاستماع للرأي الآخر و كلام الحق و تقبل الواقع، و إن لم يكن يؤمن بها. كل يوم يمر، يتعرف موظفو السفارة على فضائله الأخلاقية و خاصة رجوليته في مساعدة الآخرين.

طوال الأشهر التسع من مهمة السيد دعايي في بغداد، حدث أمران أثرا على العلاقة الإيرانية العراقية بصورة مباشرة: الأول، جلوس صدام حسين مكان أحمد حسن البكر و تصفية الجهاز الحكومي بدموية، الثاني: سقوط السفارة الأمريكية في طهران بيد الطلاب و أسر الدبلوماسيين الأمريكيين. في صيف 1978 قدم رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر استقالته بحجة المرض أو الأفضل أن أقول أزيح من مكانه و قبض صدام حسين على رئاسة الجمهورية و مجلس الثورة و القوة العسكرية و بعد مدة قصيرة قام بتصفية معارضيه بدموية و خاصة بعض الأعضاء المهمين في مجلس الثورة و من يعاضد أحمد حسن البكر فكريا  أو من يحسب معتدلا، أو من لا ينحني رأسه له، و سلم القتل و الذبح لأصدقائه. و على هذا باتت هناك أرضية لتفعيل برامج خطرة من هذا الرجل المجنون و الدموي و العدو الاول لإيران.

في 4 نوفمبر 1979 احتل جامعيون السفارة الامريكية في طهران و أسروا 52 دبلوماسيا و موظفا في السفارة .... و تحول هذا الامر للدولة العراقية الى طمئنة ليقبضوا على موظفي السفارة الإيرانية في بغداد بكل سهولة و هدوء. العراقيون في الحقيقة يريدون بحجر واحد اسقاط عصفورين، يضغطون على إيران، و يضمنون سلامة أعضاء سفارتهم في طهران، لأن هناك كلام سرب من قبل شخصيتين غير حكوميين و لكنهما أصحاب نفوذ في طهران عن أن الدور قادم بعد السفارة الأمريكية هي السفارة العراقية...

في الأشهر الستة الثانية من العام 1979 ساءت الاوضاع بين البلدين و قامت الحكومة العراقية مستغلة أزمة الرهائن و الجدل السياسي الإيراني الداخلي و استغلال بعض التصريحات الإيرانية غير المدروسة، مضافا الى ذلك قامت بالتحرك ضد إيران و توسيع دائرة تخريب العلاقات العربية الإيرانية و بث إدعاءات مغرضة. في سبتمبر 1979، ظهر صدام حسين كلاعب مدافع عن دول الخليج الفارسي و تطرق الى موضوع الجزر الثلاث و بعد ذلك بأيام قام سفير العراق في بيروت في حوار مع صحيفة " النهار" بالتطرق الى إعادة النظر في اتفاق الجزائر و أضاف بوقاحة على إيران إعادة كل حقوق العراق في شط العرب و " التعامل بعدل مع الأقليات الإيرانية."

مع تصاعد تدخلات العراق في القضايا الداخلية الإيرانية و العمليات التخريبية من قبل عوامل تتكأ على الدعم المالي و العسكري العراقي في المحافظات الغربية الإيرانية و خاصة في خوزستان و كرمنشاه، أغلقت القنصلية العراقية في كرمانشاه و خرمشهر و في البصرة و كربلاء أغلقت القنصلية و قلّ أعضاء السفارة العراقية في طهران و كانت السفارة الإيرانية في بغداد ضمن جدول العمل. و حددت إيران أيضا علاقتها بالعراق على مستوى قائم بالأعمال العراقية و طلبت من السفير العراقي ترك الاراضي الإيارنية في ظرف أيام. و قام العراق بالرد و على هذا انتهت مهمة السيد دعايي في فبراير 1980. حتى الحظة ارتفاع الطيارة التي حملته كنت قلقا، قلق من قيام العراقيين بعمل جديد و لكن مرت الامور بخير. منذ تلك اللحظة، قيدت يدي أمام جبل من المشاكل في أرض العدو.

و لتسجيل التاريخ يجب ذكر أن السيد دعايي قام بالكثير من أجل تحسين العلاقات بين البلدين و جهد أن يقف أمام تصاعد المواقف بين إيران و العراق. و لكن و كأن هناك فيضان قادم يجرف كل شئ معه و هناك من يشعل النار. منذ عملي في بغداد في نهاية فيراير 1980 و حتى نهاية أغسطس 1983 حين تركت العراق، عشت أصعب فترات حياتي و أقساها. لا تلخص الأحداث التي جرت علي و على زملائي و سوف ألخصها هنا ببعض الأحداث.

حادثة عجيبة لوالد و والدة زوجتي

في مارس 1980، جاء الدكتور أولياء و زوجته ( والد و والدة  زوجتي) الى العراق، و القصد من الزيارة هو العلاج و الذهاب الى لندن لرؤية ابنهما. و بسبب التشديد في الإجراءات المتخذة ضد الإيرانيين و التابعين لها، أوصلته بسيارتي الى المطار و بعد انهاء المعاملات القانونية و الجمركية، و حتى تركهم الصالة الى الطيارة كنت برفقتهم. كان الليل في نهايته حين اتصل علي اخو زوجتي من لندن ( الدكتور جليل أولياء) و قال لم يصل أبي و أمي الى لندن و لم يكن اسمهما ضمن قائمة الركاب. و مباشرة اتصلت على وزارة الخارجية العراقية معترضا و طلبت توضيحا عن وضعهما. قال من خلف السماعة أنه لا يعلم بالأمر و وعدني أنه لو حصل على خبر سوف يتصل بي أو بالسفارة، و لكن كذبه كان واضحا. و إن كان من الناحية الأمنية عمل خطر، إتجهت أنا و أحد موظفي السفارة من المواطنين العراقيين ( السيد عبد الحسين بني آدام) الى مكان التوقيف. كنت أرى شاحنات مملؤة بالرجال العجزة و النساء و الاطفال  المعتقلين يأخذونهم الى مكان مجهول. في النهاية بحثنا في ثلاث كراجات و هي مخصصة للمعتقلين و لكن هل الدكتور أولياء و زوجته هنا أم لا.

لم تسفر الاتصالات على وزارة الخارجية العراقية عن نتائج و لم يجيبوا على الرسائل. بعد ثلاث أيام جاء اتصال من الدكتور اولياء أعلن فيه عن وصوله الى طهران. بات واضحا أنه و زوجته مع إيرانيين آخرين كانوا في الطريق الى لندن نقلوا من المطار الى الكراجات و لم يقدموا لهم غير الماء و الخبز و في اليوم الثاني نقلوهم هم و آخرين بشاحنات قرب حدود سومار و أنزلوهم و قام هذا الرجل المحترم و الكبير بالسن و المريض بالسير عدة كيلو مترات حتى وصلوا الى مخفر الشرطة الحدودية الإيراني. قالت المقامات العراقية بعد ذلك أنهم لم يتعرفوا عليهم، و لكن على العكس، يعرفونهم جيدا و قاموا بذلك عمدا لاثبات عداوتهم معنا أقدموا على مثل هذا العمل القبيح.

الأمل و التعذيب و طرد الإيرانيين

كان لدينا حفل في السفارة  إبريل  1980. رأيت أن المدعويين الاجانب قلة من حضر منهم الحفل و أكثر الدبلوماسيين لم يكونوا رفيع المستوى أي لا سفير و لا قائم بالأعمال. حسب ما أذكر لم يحضر مسؤل عراقي رفيع المستوى.

صحيح أنه بعد أسر الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران، قلت علاقاتنا مع الكثير من الممثلين السياسيين في بغداد و وقفت الدول العرابية مع تصاعد المواقف بين إيران و العراق مع الدولة المضيفة، و رغم ذلك كان عجيب بالنسبة لي هذا الموقف الفاتر. جاء القائم بأعمال السفارة الباكستانية و سأل: هل سمعتم الخبر؟ قلت: كنت مشغولا بأعمال الحفل، هل حدث شئ؟ قال: حدثت عملية اغتيال لمساعد رئيس الوزراء طارق عزيز حيث جرح هو و عدد من الطلاب  و قتل طالبان. و كشف العراقيون أن من نفذ العملية عراقي من أصول إيرانية و قالوا قد قتل من قبل حراس طارق عزيز. هذا الحدث، كانت حجة مناسبة لصدام حسين ليعلن عن خطته المشؤمة و الخطرة على إيران و ينفذها. كان صدام في ذلك اليوم في مدينة قريبة من الحدود الإيرانية، و ضمن تلميحه الى القادة الإيرانيين قال سوف نقطع كل يد تمد على العراق و نحن مستعدون للحرب. في اليوم الثاني في جامعة المستنصرية أقسم ثلاث مرات أمام الطلبة أنه سوف ينتقم لدماء القتلى و تطرق الى حرب القادسية.

منذ تلك الليلة، قامت الحكومية العراقية بالتشدد و مراقبتنا بشدة. حين خرجنا من السفارة، واجهنا رتل من السيارة التي لا تحمل لوحات و مع تحرك سيارتي، سارت أمامي سيارة و خلفي أخرى. حين وصلت البيت كان محاصرا من قبل العسكر. و واجه زملائي نفس الموقف. حتى أن زوجتي و طفلي و مربيته كان يرافقهم رجل من الأمن في كل خطوة.

يتبع...

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4613


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة