قسم من الكتاب (هؤلاء الثلاثة و العشرين شخصا) تحت الطبع:

كيف انقضى شهر رمضان على الثلاثة و العشرين شخصا؟

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2015-10-18


حدث عدة مرات أن يدخل أحد الحراس العراقيين عديم الأخلاق قبل أذان الإفطار بنصف ساعة، الى داخل الزنزانة ساكبا الماء على الأرض. ثم ينظر إلينا، يضحك، و يخرج. في مثل هذه الظروف، أكثر الغاضبين هو الحاج، بيد أنه لا يجرأ على الإعتراض و لا نحن نملك قوة المعارضة.

 

أسر عمليات بيت المقدس في العام 1982، و هي العمليات التي حررت مدينة خرمشهر ، أسر فيها عدد من الشباب الإيراني في البصرة على يد القوات العراقية. يتشكل فريق الثلاثة و العشرين في معظمه من شباب كرمان و كان الأمرغريب جدا  بالنسبة للعراقيين في بداية الحرب، شباب في مثل هذا السن يشاركون في الحرب. كانت أعمار الفريق تتراوح بين 16-13 عاما و أكبر فرد بينهم عمره 19 عاما. و كان على هؤلاء الشباب مثل بقية الأسرى الذهاب الى المعسكرات، عزم صدام بعد رؤية مشاهد هؤلاء الشباب استغلال حضور الشباب في الحرب و العمل على الحرب النفسية ضد إيران.

و دليل هذه الحرب النفسية هو، كانت خسارة العراقيين في عمليات بيت المقدس فادحة و حاولوا تلافي هذه الخسارة، فقد قال صدام حسين قبل هذه العمليات لو استطاعت إيران تحرير مدينة خرمشهر سأقدم مفتاح البصرة الى إيران. و حين خسر البعثيون خرمشهر، حضروا هذا المشروع لتلافي خسارته و نسب إلينا الأكاذيب في الصحف العراقية.

و قد قامت هذه المجموعة بالاضراب عن الطعام لمواجهة هذه الحركة و لمدة خمس أيام لم يلمسوا إلا الماء، و أصروا على أن الطريقة الوحيدة لكسر الإضراب عن الطعام هو عودتهم الى أصدقائهم في المعسكر و ترك مثل هذه الألعاب النفسية، قال لهم أحد الجنرات العراقيين هل تريدون لعب دور البطل و تمثلون دور (باباي سانيز) و لكن لتعلموا سوف تموتون في السجن من الجوع و لن يسمع أحد صوتكم.

(هؤلاء الثلاث و العشرون) هو عنوان كتاب ذكريات أحمد يوسف زاده أحد الشباب الإيرانيين  الذي كتب ذكرياته عن أسره مع زملائه و سيصدر عن دار سورة في 408 صفحة.

و بمناسبة شهر رمضان المبارك لنقرأ سويا قسما من هذا الكتاب المؤثر المتعلق بصيام الأسرى الإيرانيين.

( اليوم الأول من شهر يوليو 1982 المصادف لليوم الاول من شهر رمضان المبارك 1413 في العراق. إمتدت فترة أقامتنا في سجن بغداد الى أكثر من شهر و من الناحية الشرعية يمكننا إقامة الصلاة بصورة كاملة و أن نصوم، طرحت الموضوع على صالح و طلب هو من العراقيين أن يحضروا الغداء و العشاء في المغرب حتى نفطر بوجبة و نتسحر بالأخرى. لم يقبل العراقيون، و لكن الرجل العجوز العربي حين لمس اصرارنا و ذلك في صيف بغداد و في تلك الزنزانة الضيقة، أوصى صالح عدة مرات أن يتراجعوا عن موقفهم و لكن صالح رفض.

صمنا اليوم الأول بصعوبة، كان العطش صعب و يحتاج الى طاقة، و لكن على أي حال مع صوت مدفع الإفطار انتهى كل شئ و فطرنا، في العراق يعلن عن موعد آذان المغرب عبر اطلاق المدفع، في الأيام الأولى الى أن يطلق المدفع تكاد أرواحنا أن تخرج من أجسادنا.

الشيخ العربي لم يكن يصوم ولكنه ينتظر أكثر منا موعد آذان المغرب، في كل يوم و قبل صوت المدفع بثلاث ساعات يعدّ عكسيا و يقول لمنصور: ( منصور بقيت ثلاث ساعات.)

كنت أعلم بوقت الآذان دون العد العكسي للعجوز، حين يمر شعاع الشمس من نافذة الزنزانة واقعا على الجدار، و لحد وصوله الى جانب باب الزنزانة يقطع المسافة بساعتين، و حين يصل الى آخر محطة له و هو يتلاشى نسمع صوت إطلاق المدفع من خلف النافذة.

تقلّ قوة هذا الشعاع الضوئي مع كل لحظة و حين يقطع نصف طريقه يعود الرجل العجوز الى منصور قائلا: ( منصور ساعتان .) كلما اقتربنا من موعد الافطار ترتفع إعلانات الرجل العجوز.

  • منصور ساعة واحدة !
  • منصور، نصف ساعة!
  • منصور، ربع ساعة!

و حين يحين موعد مدفع الافطار ينظر الرجل العجوز بحب لا يوصف الى افطار منصور و بقية الشباب.

في اليوم الثالث حين بقي طلبنا بالثلج أو ماء بارد في الترمس دون رد، تحرك عباس بور خسراني لأعداد الماء البارد، علبة الحليب الخالية التي جعل منها الضابط الطهراني أثقالا مازالت في الزنزانة، يعود عباس ظهرا من الحمام مالئا العلبة بالماء، يلف عليها مخدة و يبللها و يضعها تحت تيار المروحة، يخلف هواء المروحة دوائر صغيرة على سطح الماء و على هذا يحضر ماء افطارنا البارد، و إن كانت حصة الواحد منا ما يعادل فنجان صغير و نعود مجبرين الى السطل الذي يملأه صالح من الحنفية.

في اليوم الرابع من رمضان مع اقتراب وقت الغروب دخل صالح و بيده قنينة عصيربرتقال، رفع القنينة تجاهنا و قال : ( يا شباب، هذا أيضا عصير الافطار.) قلنا له :(  من أين يا صالح؟ ) ضحك و قال: ( من صفقة السجائر مقابل العصير. )

كان يعطي العراقيون صالح كل يوم سجائر، و في شهر رمضان حين كان صائما جمع سجائر و بادلها مع الجنود العراقيين المسجنونين بجانبنا، و قد هربوا من الجبهة ، كان يبيع عليهم السجائر بقيمة جيدة و بالمبلغ اشترى عصير البرتقال.

في ذلك اليوم حين غربت الشمس خلطنا عصير البرتقال في قنينة الماء، أخذ منصور نصف كأس من العصير للرجل العجوز، و لكنه أصر على أن يشرب منصور العصير، قبل الرجل العجوز العربي بعد إلحاح منصور على شرب العصير، إنحنى جهة صالح و همس له بشئ، إلتفت إلينا صالح و قال : ( أتعلمون ماذا يقول الحاج ؟) قلنا: (لا) ، قال صالح: ( يقول إذا كان الأطفال الإيرانيون بهذه الطيبة فكيف الحال مع كبارهم! ) .

إستمرت قنينة ماء عباس بور خسروني في ثباتها يوميا تحت المروحة حتى العصر، و لكن هذا الماء البارد لا يكون من نصيبنا دائما، حدث عدة مرات أن يأتي أحد حراس السجن العراقيين عديم الضمير قبل الإفطار بنصف ساعة و يدخل الزنزانة و يشرب القنينة ، ثم ينظر إلينا و يضحك و يخرج. في مثل هذه المواقف يغضب الحاج أكثر منا كلنا، و لكن لا هو لديه جرأة الإعتراض و لا نحن لدينا قوة المنع.

في أحد أيام رمضان أحضورا كل السجناء العراقيين الى سجننا، هذا التغيير لم يكن بصورة دائمة، أرادوا تنظيف سجنهم، و كان الأخ عبد النبي ضمن السجناء الداخلين حديثا، لقد وجد الواحد منهم الآخر و احتضنوا بعض، قدم عبدالنبي أخاه لنا و قدمنا له، في الساعتين التي قضاها السجناء العراقيون معنا زادت ضحكات عبدالنبي و عبر الكلمات الفارسية القليلة التي تعلمها أخذ يتحدث معنا بصوت عالي و بهذا شعر أمام أخيه و أبناء وطنه بالفخر.

تجمع السجناء العراقيون داخل سجننا و ذلك قبل الظهر في الثالث و العشرين من شهر رمضان و أمرونا بالاستعداد للتحرك بسرعة، لم نكن نعلم الى أين سنتجه، لا صالح و لا حراس السجن يعلمون الى أين سيأخذونا، كان عبدالنبي و رضا و الرجل العراقي العجوز مستعدون بدمع الوداع، حين علمنا أن صالح سيحضر معنا فرحنا، كنا نأمل أننا سنقصد معسكر الأسرى، كانت هدية لنا و خاصة لصالح الذي قضى عشرة أشهر في الأسر و في التعذيب، كان مكانا كبيرا و يمكن لكل الأسرى تبادل الحديث و أن يستحموا سويا و يقفون تحت أشعة الشمس، كنا نأمل فقط أن يتحقق هذا الأمر، لم يقل لنا أحد أننا سوف ننقل الى المعسكر.

ودعنا عبدالنبي و الرقيب رضا و الرجل العربي العجوز، و خرجنا من السجن مع دعاء الرجل العجوز، في بداية الزقاق المخيف، الذي ضربت فيه حد تورم و بقيت آثاره الى هذه اللحظة على جسدي، لم تكن سيارة الفان المعهودة كانت تقف سيارة استيشن سوداء في انتظارنا.

لم نصدق أن العراقيين يريدون حشر ثلاث و عشرين شخصا فيها، و لكنهم فعلوا ذلك، أجلسوا صالح في المقدمة و حشرونا بالقوة في سيارة الاستيشن، وفيها حاجز حديدي بيننا و بين السائق، أقفلوا الباب، كانت شمس تموز تضرب سطح السيارة وكأننا كنا في تنور حار.

تحركت السيارة بنا و هي تعوي، خرجنا من بغداد، بدأ الأمل يداخلنا أننا نتجه الى المعسكر، نسير بسرعة في طريق شمالي بغداد، و نكاد نختنق من الحرارة و قلة الاكسجين، غطانا العرق و كدنا نفقد وعينا حين انحرفت السيارة عن الطريق و دخلت في ثكنة عسكرية كبيرة، مررنا من شارع ترابي، توقفت السيارة أمام بناء أبيض يفتح بابه الكبير على جدران كبيرة، تحيط البناية نباتات شوكية متيبسة، تناهى إلينا صوت يا كريمي من بعيد ثم صمت مطلق، كأن جميع المخلوقات تضامنت لجعل الجو قابض على قلوبنا حين دخولنا منزلنا الجديد، توهمنا أن هذا هو المعسكر الموعود، و لكن ليس هناك أي شباهة بين هذا البناء الصغير الفاقد للروح و بين المعسكر الذي سمعنا عنه، إنتظرنا فتح الباب الكبير بشوق لندخل خلف الجدران هذه.

إنفتح الباب، تحركت السيارة الى وسط البناء و وقفت، ترجلنا بأرجل تعبة، و على خلاف تصورنا لا يوجد أي أسير في هذا البناء، تصورت أن الأسرى نائمون في غرفهم لكن تصوري كان خاطئا.

عادت السيارة التي أحضرتنا، بقينا نحن و صالح و بضعة جنود عراقيين المسؤلين عن حراسة المكان، أشار علينا الجنود العراقيين و تبادلوا الحديث عنا، على الظاهر أنهم رؤونا على الشاشة عدة مرات و لم تكن وجوهنا غريبة عليهم.

في كل ضلع من البناية هناك أربع غرف بأبواب مقفولة، و هناك ورود حمراء في بداية ممر الدخول و بجانبها برميل ماء صغير و ما حولها ندي.

كنا عطشى و صائمين، أنقذنا صالح و قال لقد خرجنا من حد الترخص و على هذا يمكننا الافطار، مع سماع هذه الفتوى في نفس اللحظة شربنا من البراميل ذات المياه الحارة و الوسخة و الصدئة، أمرنا بعد ذلك جندي نحيف آثار الجدري واضحة على وجهه أن ندخل للغرف، غرف أصغر من غرف سجن بغداد، جلسنا متلاصقين في الغرف الحارة، حدثنا صالح عما دار بين الحراس العراقيين في السيارة.)

المصدرالفارسي



 
عدد الزوار: 3936


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة