مهران، مدينة المرايا ـ 22

خسرو محسني
ترجمة: حسن حيدري

2022-3-31


في مايو عام 1986م، ذهبت إلى خسرو آباد لتفقد القوات المتمركزة على خط الفاو. كان الطقس حاراً جداً. كان العرق يسيل على وجهي. عندما كنت على وشك ركوب قارب، رأيت أحد أفراد الباسيج في مدينتنا، إسماعيل زند إقطاعي. بعد التحية قال:

ـ يا من تذهب إلى خط الفاو، أرسل تحياتي وسلامي إلى أخي منصور وقل إنّ إسماعيل قا ل:مشتاق للقائه ودعه أن يمر هنا لألتقيه.

قلت له:

ـ بالتأكيد سأبلغه بذلك وسأرفق منصور معي إلي هنا كي تلتقيا بإذن الله.

ويا ليت...

  ذهبت علي متن قارب نحو الفاو. وقفت للحظات في مكان أقامته وحدة جهاد ورامين اللوجستية لكي أستريح قليلاً. كانوا يوزعون العصير والتمر والبوظة علي المقاتلين. شرب العصير في تلك الحرارة التي بلغت 40 درجة سانتيغراد كان له طعم خاص.

    بعد الراحة، مررت بالفاو بسيارة تويوتا  كانت بحوزتي، وبعد عبوري طريق الفاو- البصرة، وصلت إلى خط جيشنا. ذهبت لشباب وحدتنا. زرت كل الخنادق. رحب بي مقاتلو الخندق بالكومبوت والماء والفاكهة. في تلك الحرارة كانت نفسياتهم سعيدة جداً. على الرغم من أنهم ظلوا على هذا الخط لمدة شهر، لم يكن لديهم أي شكاوى. بعد زيارة الخنادق ذهبت إلى وحدة الدوشكا وإلى خندق "منصور زند إقطاعي".  كان منصور يتلو القرآن في الخندق.  بعد السلام والتحية، جلست بجانبه وقلت إنّ إسماعيل - أخوه - جاء أيضاً إلى الجبهة. كان سعيداً وأراد أن يأتي معي إلى خسرو آباد لرؤية أخيه. كانت الساعة الثانية بعد الظهر عندما خرجنا من الخندق. في الوقت نفسه، ألقى منصور، الذي كان ذاهباً إلى أعلى الساتر، مفتاح السيارة نحوي وقال:      

ـ أخرج السيارة من الساتر لكي نذهب من هنا.

    شغلت سيارة الجيب وخرجت من الملجأ. نزلت إلى الخندق الواقع فوق الساتر. كان منصور جالساً بداخلها أيضاً، يشاهد الساتر العراقي بالكاميرا. ناداني وقال:        

ـ تعال هنا إلي أعلي الساتر، الدبابات العراقية في حال تغيير أماكنها.

    ذهبت على الفور إلى قمة الساتر. بالنظر إلى الساترالعراقي، رأيت أربع دبابات ومركبة من طراز إيفا تخرج من الساتر وتتجه إلى يساره. كما أطلق جميع الشباب الموجودين في الصف النار عليهم. في تلك اللحظة نزل منصور خلف مدفع 82 ملم وأطلق عدة رصاصات. أصابت إحدى الرصاصات السيارة وأضرمت فيها النيران. وصلت الدبابات بسرعة إلى الجزء الخلفي من الساتر. أنا ‌ بجانب منصور كنت أنظر إلى الكاميرا الأمامية. في تلك اللحظة، رأيت من جهة اليمين نيران تلتهم دبابة. قلت لمنصور أن يعتني بنفسه.     

قامت الدبابة بإطلاق النار نحونا. للحظة قفزت إلي أسفل الساتر، لقد استهدفت طلقات الدبابة خندقنا وتناثرت الشظايا في كل مكان. كان منصور يجلس إلي جانبي. ناديته:

ـ منصور! منصور! قُم يا منصور.

لم ينهض من مكانه. كانت يديه باردة جداً. فجأة نظرت إلي رأسه.

ـ يا حسين!

أخذت شظايا رصاصة الدبابة نصف رأس منصور معها. وضعنا جثته في سيارة الإسعاف وأتيت إلى أروند. كنت حزيناً جداً. كنت أتساءل ماذا أقول لإسماعيل شقيقه. كان دائم الوضوء. وكان منصور نائب رئيس وحدة صواريخ المعسكر. جاء شقيقه إسماعيل إلى الجبهة قبل شهرين، وخلال تلك الفترة، لم يتمكن الشقيقان من رؤية بعضهما البعض. ذكرى منصور وتلك الذكريات الخضراء جعلتني أتذكر أبيات حافظ:

ذكري تلك الذكريات الخضراء، لا تفارق بالي

وهناك لا حل إلا بالتضحيات...

كنت أقوم بتعليم الشباب  في المعسكر علي القضايا العسكرية لمدة شهر. في إحدى الليالي في الساعة 7 عندما كان الطقس حاراً جداً، كنت جالساً في غرفتي تحت مكيف الهواء. رنّ الهاتف. التقطت الهاتف؛ كان الحاج مهدي زندي. طلب مني الحضور إلى مقر المعدات. كان واضحاً من صوت الحاج مهدي أنه لا بد أن يكون لديهم أخبار سيئة. توجهت على الفور إلى مقر لواء العتاد. وكان عدد من قادة وحدات المعدات حاضرين هناك. الحاج مهدي كان يبتسم دائماً. لكن في تلك اللحظة، رأيت وجهه حزيناً ومكتئباً. أظهر الشباب أيضاً بجباههم المغبرة أن شيئاً سيئاً قد حدث. الصمت الثقيل والنظرات الغامضة جعلت هذا الشك الخافت في قلبي يصبح يقيناً بأن هناك أخباراً لا تسر خاطر الجميع، فسألت جاله:

ـ ماذا حدث؟ً

ـ لا أعلم.

بدأ الحاج مهدي زندي الحديث بالصلاة علي محد وآل محمد. كان قلبي ينبض. كنت أرغب في معرفة ما حدث. كنت أفكر حين قال السيد زندي:

ـ إخوتي الكرام! أريد أن أبلغكم بخبر سيء.

وكانت الأنفاس تتقطع في صدورنا واحمرت وجوه الأشخاص الحاضرين في الاجتماع. تابع زاندي: القوات العراقية هاجمت مدينة مهران وتمكنت من إخراج المدينة من أيدي الجيش والاستيطان فيها.

يُتبع...

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 1844


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة