مرت 274 خطوة من "ليالي الذكريات"

الذكرى التي باحَ بها لأول مرة

نازنين ساسانيان
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-12-1


خاص موقع التاريخ الشفوي، أُقيمت الجلسة 274 من سلسلة برامج ليالي الذكريات، عصر الخميس الماضي في المركز الفني. وتحدث في هذه الفعالية كل من محمد مجيدي ومحمد إبراهيم بهزادبور وأمير حسين حجت.

 

ذكرى عن الأسر

وتحدث بداية محمد مجيدي من مدينة ملاير. وذكر أنه عاد للتو من كربلاء ثم تطرق الى حكاية ذهابه الى جبهات الدفاع المقدس قائلاً: "قبل أيام من ذهابي، رأت أمي حلماً أنّ العراق هجم على إيران ولم يأخذ من قريتنا غيري. وفي الليلة السابقة كنا قد أعددنا خطة للذهاب من المسجد للجبهة، ولكنه قلب الأم الذي يرسل الرسائل. وبعد محاولتين للذهاب الى الجبهة استطعتُ الذهاب بعد أن زورت جنسيتي. كُتب أمام الباص "ليس السفر ذهابك من مصر الى بغداد/ الابتعاد عن الذات رحلة الرجال". حُفر في ذاكرتي هذا البيت منذ النظرة الأولى. شغل ذهني في الطريق من همدان وحتى أهواز هذا البيت ومنام أمي."

وأوضح الأسير: "جُرحت في المرحلة الثانية من عمليات كربلاء 5 في سن 15 عاما في الرأس والصدر ثم أُسرتُ. فقدتُ الوعي من شدة الألم. حين افقتُ وجدت بجانبي عراقيين. رموني خلف السيارة وأخذوني الى مشفى هارون الرشيد. أينما نظرتُ أرى تعبوي في الغرف يأخذ أنفاسه الأخيرة ويتوسل كل واحد منهم بمعصوم. كان صراخهم يسكت الواحد بعد الآخر وبقيت وحدي. بعد مضي ثلاث أيام أخذوني الى غرفة العمليات. حين استيقظت كانت يدي مقيدة على السرير."

وأكمل قائلاً: "لم تطلعني الممرضة على العملية، قالت: "قيدناك لأنك لم تكن تنام مرتاحاً." في الوقت الذي حان خروجي من المشفى وصل أحد أبناء مدينتي وكان يعاني من جراح شديدة. قال كنتُ في البصرة وأُسرتُ. حتى تلك اللحظة لم أكن أعلم أين أنا. حين خرجتُ من الباب كان الصحفيون مستعدين. ولأني كنتُ أرتدي الدشداشة استدرتُ لتكون الكاميرات خلف ظهري. من دخل في حوار معهم تعرفوا عليه في إيران، ولم أكن منهم."

وقال أيضاً: "بعد فترة من السير من البصرة أخذ ضابط قلادتي وأخذني الى بغداد أنا وأنصاري، قائد لواء 25 كربلاء وضربه. ومن كان في الباص ضُربوا، ولكنهم كان يصرخون من صراخي. أردتُ تحمل الضرب لكي لا أصرخ، ولكني ولأني خرجتُ للتو من غرفة العمليات لم يكن الأمر بيدي. وصلنا الى بوابة الاستخبارات العراقية ولم يكن بمقدوري السير وحملنا أسيران. ولكن الضابط رماني وضربني بمؤخرة البندقية. كان الضابط كبير الجثة ويده مثل الرصاص. حين وقعت الصفعات على وجهي، لم أكن أر ولا أسمع. وضعونا في سيارة لنقل اللحوم في فصل الشتاء. لصقت أجسادنا بالحديد. في ذلك البرد، أوسعونا ضربا الى حدّ سقوط عدة منا في نفس المكان شهداء."

وقال مجيدي: "كان معسكر 1 أول معسكر للمفقودين." وقال: "لم نكن نجرأ على قول إننا مرضى. لو قلنا، أسناني تؤلمني، سوف يقلعون السن السالم ويتركون المتضرر. كان أكثر الأسرى مرضى، نفسي أنا أبتليتُ بأمراض سيئة. الى درجة حين أعادوني مرة أخرى الى المعسكر، ظنّ الجميع وصول أسير جديد لهم. بالطبع المرض كان عمدي للقيام بمهمة."

وأضاف: " كتب أربع أسرى أسماء كل أسرى المعسكر على زاوية البطانية وأخذوه للحدود. ولكن قُبض عليهم في الحدود. منذ هروبهم وحتى عودتهم، طال الأمر أربع أيام وكنا نضرب فيها. في الغروب، لم تبق قوة في الأسرى الذين يُضربون. قلتُ: أريد أن ألعب دورا. قالوا: هم غاضبون من قضية الهروب وسوف تُضرب بشدة، لا نأيد ما ستفعله ولكن لتفعل ذلك. صليتُ المغرب. وكان التلفاز يعرض زلزال مدينة رودبار. طلبتُ من الشباب أن يقولوا أنني من الشمال ورأيتُ بيتي. درتُ في الغرفة وصرختُ. أخذني الضابط ومعي ثلاث أشخاص ليضعوني في زنزانة انفرادية. بكى الضابط عليّ في الخارج وطلب أن يحضر لي دواء."

وقال مجيدي في نهاية حديثه شارحاً ذكرى عن أحد أركان حزب البعث. إذ كتبها في مذكراته: "كنتُ في مكتبي حين وردني اتصال من الحزب وطلبوني. سلموني في المكتب المركزي ملفا وبطاقة. بطاقة وقلادة لإبني كان يدرس في أمريكا وعاد للعراق. في الطريق قلتُ لنفسي ليعن الله أمه. رأيتُ الجنازة، عرفتُ أنها ليست لابني، ولكني قلتُ إنها جنازة ابني. خرجتُ من المدينة لترك الجثة، ولكني لم استطع. تقدمتُ، ولكن هناك شئ منعني. تقدمتُ حتى وصلتُ الى كربلاء. كان هناك قبر جديد بين الحرمين. دفنتُ الجثة هناك وقرأتُ الفاتحة لأول مرة. لم أقرأ الفاتحة حتى لأبي وأمي. في زمن تبادل الأسرى عاد إبني وقال: أُسرتُ في الشلمجه. أعطاني تعبوي ماء وثياب وأخذني مني قلادتي وبطاقتي تحت رجائي. قال: البارحة عدنا من مهمة ونمتُ هنا. رأيت في النوم سيدة تدخل وتقول: جئتك لأزف لك خبرا سوف تدفن بالبطاقة والقلادة الى الأبد في كربلاء بجانب إبني الحسين (ع)."

 

حتى آخر لحظة ...

وتحدث في سلسلة ليالي الذكريات محمد إبراهيم بهزادبور مؤكداً على "ما أنا إلا عضو صغير وسط الكبار." وقال: "هناك ذكريات بعدد الذاهبين الى الحرب. هناك ذكرى لكل لحظة ونكتفي بذكر ما حدث لنا. كان لدينا صديق استشهد اسمه محسن تقي زادة. قبل بدأ عمليات والفجر قال لي أمرا حدث فيما بعد. قال: رأيت نفسي في الحلم أركب أجنحة الملائكة وأطير وأقول يا الله أنت قلتَ "فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" . حتى استشهد لواء كميل في والفجر عطاشى ووصفهم الإمام الخميني (ره) إنهم ملائكة الله. وقد اتضحت بعض أسرار الشهداء فيما بعد."

وأكمل قائلا: "قال لي صديقي مسعود: كل من يقف هنا سوف ينال الشهادة. وقبل بدأ العمليات، حين قراءة دعاء كميل، بكى مسعود بشدة. حاولنا منعه فقال: ما دخلكم، دعوني احدث مولاي. بعد ذلك قال لي: رأيتُ الإمام الحسين (ع) تلك الليلة بعني وقلتُ له: أريد أن أفديك. وكان من ضمن الشهداء الذين لم يقعوا على جثثهم بعد 10 سنوات. لدينا الكثير من الأسرار عند هؤلاء الشهداء والأسرى و..."

وقال بهزادبور عن أهمية الفاو: "كنتُ في عمليات والفجر 8 ضمن لواء الحمزة. طال الأمر ما يقارب السبعين يوما. حين فقد صدام الفاو، فقد الكثير من قواته النخبة. وجمع ما تبقى منهم ودربهم ليفتحوا الفاو. كان هناك ممر ترابي يمتد 400 مترا بيننا وبين العراقيين. يراقب الممر 30 شخصا نهارا وفي الليل هناك مجموعتان تتكونان من 70 شخصا. عرفنا أن العراق يريد الهجوم. أطلقنا النار حتى ال12 حتى اطمئننا أنهم لن يهجموا. ولكن بعد ذلك لاحظنا حركة تتجه الينا، واتضحت المواجهة في النهار. أراد العراقيون أخذ الفاو حتى أروند رود. أصيب أحدهم في قلبه لكنه لم يمت. أمره القائد أن يتراجع فأجابه: وهل أنت من أمرني بالحضور الى الجبهة لتطلب مني التراجع الآن؟ الإمام هو من طلب مني، وسأبقى حتى آخر لحظة. ومازال مثله من الشباب في العراق وسورية."

 

ما الذي بقي ولم نره؟

وتحدث ضمن سلسلة ليالي الذكريات الوثائقي أمير حسين حجت قائلا: "كان تصوري عن الجبهة هو سوف ندخل في مكان فيه قذائف ونار وأصوات وحرب، ولكن حين دخلنا، كانت المنطقة الحربية صامتة وهادئة! حين وصل بنا الباص الى المنطقة الحربية، لم نتوقع أنّ هذا المكان جبهة حربية. بعد ذلك اطلعنا على جزئيات المنطقة. المكان الذي قصدناه كان عقبة فرقة 20 رمضان."

وأضاف: "أهم ذكريات تتعلق برجل عجوز. كنتُ في 16 حين ذهبت. نمنا في خندق. حين استيقظتُ، كان يقف بجانبي شخص بملامح عجيبة. سألته: من أنت؟ قال: أنا نوري. كان حالقا للحيته بعكس البقية. عرفتُ فيما بعد أنه بابا نوري، أبو الفرقة المستقلة. كان بابا نوري عجائبيا. كان يحمل دائما بيده آلة حلاقة ويحلق للجميع. لأنه كان يؤمن بالنظافة في الجبهات."

وقال مضيفاً: "في الوقت الذي دخل فيه قوات جديدة الى لوائنا، كان يحدثهم بابا نوري ككبير اللواء في العمر: إقرؤوا آية الكرسي، لن يحدث لكم شيئ، الكثير من عوائلكم تنتظركم. كان الشباب يقسمون ويقولون أنّ الرصاص يمرّ بجانب بابا نوري. كان ما يحدث يثير لدي أسئلة وسألت بابا نوري عنه عدة مرات. وكان يتهرب مني دائما. سألته لفترة طويلة عن سر آية الكرسي. بتنا صديقين. قال في أحد الأيام إما كان مجبرا أو من الضجر: "يا فتى! عاهدتُ الله، وكنتُ أرجوه، ولم أخبر أحدا، وها أخبرك وحدك ولا أرضى أن تخبر أحدا." لم أبح بما قاله لي ولا مرة. قال بابا نوري:" كنتُ منذ أول الحرب في جبهة القتال، وطلبت من الله ألا يحدث لي شئ حتى نهاية الحرب، ولكن ألا أعود بعد الحرب." سألته" ماذا تعني؟ قال" ألا تفهم. طلب الشهادة هو طلب متعالي، ولكن ماذا يعني طلب الحياة في مثل هذه الأجواء؟ قال: أنا كبير في السن وعشتُ حياتي، أنت لا تعرف ما يدور هنا! حين قال ذلك تغيرت نبرة صوته. كنتُ أفكر طوال هذه الأعوام بجملته ما الذي تعنيه؟ ما الذي كان يراه ونحن لا نراه؟"

 وشرح حجت شهادة بابا نوري قائلاً: "كانت عمليات بيت المقدس 7 في الشلمجه. كان الجو حارا جدا. بعد مرور ثلاث أيام فقدَ الشباب وعيهم. سأل السيد شريفي في صباح أحد الأيام: "لماذا لم يوقظنا بابا نوري للصلاة؟ جدوه لي." نادى علينا أحدهم ورأينا فوق تلة رمال جسد ساجد جهة القبلة وشظية ضربت جبهته، وقد بات شهيدا. لم يجرأ أحد للصعود لهتحلق الجميع حوله ينظرون له. من الممكن أن كل اللواء جاء الى طهران لتوديعه. في أثناء الدفن، كانت ابنة بابا نوري تقول: هذا أبوك وليس أبي!"

وقال: "بعد أن دفن عدتُ للبيت." وأضاف:" سألني أصدقائي عن السبب. فقلتُ لهم: لقد انتهت الحرب وحدث ذلك. كلما فكرتُ في الحياة أتذكر بابا نوري. في تلك الأيام حين أقبض على الكاميرا أفكر ما الذي سأطلبه من الله؟ وكيف سأعيش؟ طلب مني بابا نوري ألا أذكر هذا الأمر لأحد. بعد كل تلك الأعوام ها أنا أبوح به."

النص الفارسي
 

 



 
عدد الزوار: 4755


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة