الليلة ثلاثمائة و ستون من الذاكريات
إعداد: ليلى رستمي
2024-12-25
أقيم برنامج ليلة الذكريات رقم (360) في الأول من شهر شهريور عام 1403 تحت عنوان "ذكرى شهداء الأسر الغُرباء" تخليداً لذكرى 12 شهيداً غريباً من مدن محافظة طهران المُختلفة وذلك في قاعة "سورة" في مركز فنون الثورة الإسلامية. في هذا البرنامج، قام كلٌ من العقيد مجتبي جعفري و محمد جواد زمرديان و المهندس سعيد أوحدي بمشاركتنا ذكرياتهم. وكان داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكريات تلك.
كان الراوي الأول في ليلة الذكريات هو العقيد مجتبى جعفري من مواليد 1339شمسي. لقد كان عمره 19 عاماً عندما دخل الكليّة العسكرية. ومنذ العام 1362 إلى العام 1367 كان حاضراً بشكل مستمر في الجبهات، ثم تم أسره في العامين الأخيرين من الحرب. لقد كانوا ستة إخوة، أحدهم كان ضابطاً في حرس الثورة حيث التحق بالجبهة منذ أوائل الحرب و بقي فيها ثلاث سنوات لكنه أصيب و عاد. الأخ الثاني ذهب إلى الجبهة تطوعاً في بداية الحرب، بينما ذهب الأخ الثالث تطوعاً أيضاً لكن بعد "عمليات كربلاء 5". استُشهد الأخ الرابع في عمليات "والفجر 8"، كما خدم الشقيقان الآخران، وأحدهما راوي هذا البرنامج، ضمن صفوف جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقد تم أسر هذين الأخوين معاً ثم تم تحريرهما. إن راوي البرنامج هو مؤلف كتاب "جهنم تكريت"[1].
في بداية حديثه، نقل لنا الراوي إحدى الذكريات عن لسان العقيد شوشتري فقال: كنا 30 إلى 40 شخصاً عندما تم أسرنا. لقد قيدوا أيدينا من الخلف و جمعونا في ساحة حتى تأتي شاحنة أو عربة صغيرة و تُقلّنا إلى خلف خطوط العدو. فجأةً هبطت مروحية عراقية على بعد 200 متر منّا و قفز منها شخصان و اتجها نحونا ثم قاما باختيار جنديين من بيننا بشكل عشوائي و اقتادوهما إلى المروحية. قال العقيد شوشتري: "لقد قلت في نفسي أنه من الجيد نقل الشخص الذي يؤسر إلى خلف خطوط العدو بطائرة هليكوبتر، فنحن الآن نجلس هنا و ربما نصاب بنيران صديقة أو بنيران العدو". نعم، أخذاهما على متن طائرة هليكوبتر ثم ارتفعت المروحية حوالي 150إلى 200 متر عن سطح الأرض ثم فتحوا باب المروحية و ألقوا بالجنديين إلى الأسفل و قد تقطعا إلى أشلاء أمام أعيننا، ولا ندري هل وجد أحدٌ لهم أثراً أو وجد جسدهم الطاهر أم لا.
وأضاف الراوي: قال العقيد جعفر رجبي، وهو شخصٌ طويل القامة: تم أسرنا في عمليات "كربلاء 6" وقد قيدوا أيدينا ثم قالوا: "اسلكوا هذا الطريق إلى العمود رقم 1 حتى تصلوا إلى مكان ستأتي فيه شاحنة أو عربة صغيرة لتُقلكم". وبينما كنّا نسير، سمعنا صوت إطلاق نار، نظرنا فرأينا أحد الأطفال ملقى على الأرض و هو مضرجٌ بدمائه ولم يسمح العراقيون لأحد بالإقتراب منه فقلت في نفسي لايوجد هنا مظاهر صراع أو ألغام فكيف يُمكن للشخص أن يسقط هكذا! لقد كنت طويل القامة، نظرت فرأيت جنديين عراقيين يجلسان على التل و يتراهنان مع بعضهما البعض، على سبيل المثال: هل يمكنك إطلاق الرصاص على هذا الرتل الطويل من السجناء الإيرانيين! هل يُمكنك إصابة ذلك الشخص طويل القامة! هل يُمكنك إصابة ذلك الشخص السمين! هكذا استُشهد شبابنا. كانوا شهداء غرباء، نعم لقد كانوا في الحقيقة شهداء غرباء.
أضاف الراوي: أخذونا إلى المعسكر رقم 19 في تكريت. كنّا 400 ضابط إيراني مفقود حيث لم يكن لدينا أي اتصال مع العائلة و لم تكن العائلة تعرف ما إذا كنّا أنا وأخي جرحى أو استشهدنا أم أننا أحياء! في المقابل، لم نكن نعرف شيئاً عن عائلتنا أيضاً. كان هناك طيار هليكوبتر اسمه برويز طلوعي فقد أسنانه في العراق، ذهبنا و تكلّمنا مع العراقيين وقلنا لهم حتى الأسنان السليمة لا تستطيع أن تقطع خبز "الصمون" الخاص بكم، فكيف يستطيع العبد لله هذا الذي ليس له أسنان أن يأكل هذا النوع من الخبز؟! قالوا: "وماذا نفعل؟" قلنا: "حسناً، اذهبوا و ضعوا له طقم أسنان صناعية. لقد قمنا بتركيب 5620 سناً صناعياً للأسرى العراقيين في إيران، على الأقل خذوا شخصاً واحداً فقط و بهذا سنتمكن لاحقاً من أن نقول للأجيال القادمة أن العراقيين قدموا لأحدنا أسنانا صناعية" فأجابوا: "حسناً، يجب أن يذهب إلى المستشفى صباح الغد." وعندما قالوا فليذهب إلى المستشفى غداً صباحاً، جلسنا في المصحّة ليلاً و فتحنا الطبقة العلوية من حذائه الرياضي ثم كتبنا عناوين و أرقام الهاتف الخاصة بأربعمئة ضابط إيراني على الإطار الأبيض الموجود في أسفل ورقات الصحف ثم قمنا بإخفائها داخل الحذاء الرياضي و بعدها قمنا بخياطته.
قاموا بمرافقته إلى المستشفى، ثم حكى لنا أن الطبيب قام بفحصه ثم قال له: "لكي نتمكن من أخذ قياسات القالب لأسنانك عليك أن تأتي عدة مرات إلى المُعكسر، وهذا أمر صعب علينا و فيه خطورة لذلك يجب عليك البقاء في هذا المستشفى." قال: قلت له: "أنا أسير، و أنا جاهز لفعل ما تُريد." و عندما خرج الطبيب من باب عيادته سأله الجندي العراقي الذي كان واقفاً: "هل رأيت الصليب؟" لم يفهم الطبيب المُراد من السؤال لكنه هزّ برأسه مؤكداً ذلك. ولأجل ذلك قاموا بإرساله إلى غرفة السجناء المسجلين لديهم و الذين كانوا يتعافون من أمراضهم ضمن المستشفى. وهناك تحدثون مع المرضى و عرف منهم من كانوا؟ ثم قال لهم: "نحن الأسرى الموجودون في المعسكر 19 في تكريت" بعدها فتح حذاءه الرياضي و أعطاهم أسماء الأربعمائة أسير إيراني.
بعدها عاد هؤلاء المرضى إلى معسكراتهم و إحدى تلك المعسكرات كان معسكراً بإسم "تكريت 5" و في الليل عندما جلسوا معاً قالوا : "يا سادة، دعونا نقرأ هذه الأسماء و كل من يعرف صاحب أحد هذه الأسماء فليقُل لكي نكتب رسالة إلى أهله نُخبرهم بها أنه على قيد الحياة". قرأوا إسميّ مجتبى جعفري و محسن جعفري فرفع أحدهم يده و قال: "أعرف هؤلاء. هؤلاء من ساكني منطقة وارامين". ثم سأل أحدهم "هل يوجد بيننا أحدٌ من وارامين؟" فرفع شخصان أيديهما أحدهما هو الطيار أحمد وزيري و الآخر هو الشهيد حسن هداوند ميرزايي ثم كتب هذان الشخصان رسالة سريّة و ذهبا بها إلى القائد حيث أخبراه من خلالها أن محسن و مجتبى هما على قيد الحياة.
عاد الطيار أحمد وزيري إلى الوطن لكن حسن هداوند ميرزايي، مثل كل المُحررين الذين عادوا إلى وطنهم في عام 1369شمسي، كان يُجهّز نفسه للحرية عندما أخرجوه من المعسكر ليلاً و عذبوه كثيراً إلى درجة أنه مات تحت التعذيب. لايوجد شهادة أكثر غربة من هذه الشهادة، لأنه أسيرٌ تم تسجيله ضمن القوائم و كانت عائلته تنتظره. في الصباح أدخلوا جثمانه إلى المخيم، وكُتب على صورته: "الأسير الإيراني المرحوم حسن ابن آقاگل ميرزايي". لقد أجبروا أسرى المعسكر على التوقيع على أن الشهيد حسن هداوند ميرزايي مات موتاً طبيعياً وذلك كشرط لكي ينالوا حريتهم. أخبرني الأسرى الذين وقّعوا أننا وقعنا مُجبرين حتى استطعنا نيل حُريتنا.
في عام 1382 شمسي عندما عاد آخر أسرانا أعطى ضابطٌ عراقي عنواناً لأحد السجناء الإيرانيين حيث قال إنني أعلم المكان المُحدد الذي دُفن فيه، اذهبوا و أخرجوا جثته ثم أرسلوها إلى إيران، وبالفعل فقد سلموها في مطار مهر آباد. كنت حينها قائداً للفدائيين من القوات البرية في الجيش وقد أرسلت العقيد أحمد حيدري إلى هناك ممثلاً. الجُمل التي سأقولها الآن قالها ممثل مؤسسة الشهيد، قال سيادة العقيد: "ذهبت لأرى إن كان كل ما أرسله العراقيون ليس سوى حفنةً من العظام التي قدموها لنا على أنها رُفات الشهيد، لقد أزلت البلاستيك عن هذا الشهيد عندها خطر لي أنه إذا لم يكن أحدٌ يعلم أن هذا الشخص قد مات، سيظن أنه نائم! و إذا علم أنه ميت سيقول أنه ميت منذ 48 ساعة!" هذا ما قاله ممثل مؤسسة الشهيد للعقيد أحمد حيدري. و قد أخبرني العقيد حيدري أيضاً أنه وضع يده على وجه هذا الشهيد فأحسّ بنعومة و لطف و دفء بشرة وجه هذا الشهيد.
[1] جحيم تكريت.
عدد الزوار: 23
جديد الموقع
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.