مدرسة التاريخ الشفوي" 8”
يجب أن يكون تحرير محتوى التاريخ الشفوي قريباً من أسلوب الشخص الذي تتمُّ مقابلته
إعداد: مريم اسدي جعفري
2024-11-26
بحسب تقرير للموقع الإلكتروني للتاريخ الشفوي الإيراني، قام الدكتور مرتضى رسولي بور و برعاية جمعية إيران للتاريخ بشرح موضوع "التدوين في التاريخ الشفوي" و ذلك في النصف الثاني من شهر مُرداد الشمسي وقد تم ذلك على شكل أربع لقاءات عبر الإنترنت. وفيما يلي، سيتم عرض مقتطفات من هذه المحاضرات.
أهمية "التحرير الفني" خلال تدوين التاريخ الشفوي
في هذا الصدد، يتم التحرير ضمن ثلاث خطوات. الخطوة الأولى هي حصول التعاون مع الشخص الذي تتم مقابلته أثناء إعداد العمل. وفي الخطوة التالية يجب تصحيح المقابلة و مراجعتها لجهة إذا ما كان منطق التواصل في موضوعات المقابلة قد تم احترامه أم لا. وأخيراً، ينبغي إعداد المقابلة من حيث أسلوب الكتابة و المبادئ الفنية. في السابق، كانت المؤسسات المسؤولة عن الطباعة و منظمات الأبحاث محدودة العدد ولهذا السبب كان الباحث يتحمل عبء الكتاب ومن ثم كان الناشر مسؤولاً عن الإلتزام بالمعايير العلمية و الفنية و إعداد الكتاب للنشر، أما الآن فإن هناك مؤسسات مختلفة تقوم بخطوات الإعداد و التحرير. في مجال التاريخ الشفوي، نادراً ما أرى أن الشخص الذي يُجري المقابلات بشكل مستقل هو ذاته من ينشر الكتاب، في الغالب يقوم هؤلاء بالتعاقد مع مؤسسات مختلفة لكي يتم نشر كتبهم، أو إذا كان هناك طاقم عمل مختص و ذو خبرة في مجال التحرير، فإنه يقوم بمهمة مراجعة و تحرير أنشطة التاريخ الشفوي و تصحيح النص.
ننتقل الآن إلى مراحل تحرير أعمال التاريخ الشفوي. في بعض الأحيان نبحث في عملية التحرير من وجهة نظر فنية أي الوجهة التي تتضمن معرفة و رعاية شكل الخط. يُقصد بذلك أن النص يجب أن يكون ذو شكل موحّد. على سبيل المثال، في جزء محدد من النص، لا يجب كتابة كلمة "لا يجوز" بشكل منفصل وفي جزء آخر من النص نكتبها بدون فاصلة "لايجوز". كذلك الحال، يجب أن يكون المُحرر على دراية بالترجمة الصوتية و علامات الإعراب و كيفية تنظيم الإرجاع. كما أن تدوين أسماء الأعلام، يجب أن يكون في كلّ من اللغتين الفارسية و الإنجليزية هو ذاته. على سبيل المثال، لا ينبغي أن تبدأ الكلمة الإنجليزية بحرف كبير في مكان ما و بحرف صغير في مكان آخر!.
إن مقابلات التاريخ الشفوي، خاصةً تلك التي لها جانب تاريخي، تحتاج إلى سلسلة من الصور لإضافة نوع من الأدلة. إن أحد أفضل المصادر في هذا الخصوص هو ذات الشخص الذي تمت مقابلته، فمعظم الأشخاص الذين تتم مقابلتهم لديهم صور للموضوعات التي تمّت مناقشتها وهذه الصور هي خير دليل يدعم أقوالهم. في بعض الأحيان، لايكون بحوزة هؤلاء وثائق تدعم رواياتهم، لذلك يجب على من يقوم بإجراء المقابلة مراجعة مراكز الوثائق و الحصول منها على الصور أو المستندات ذات الصلة ثم المضي قُدماً في العمل. هناك طريقة أخرى هي الشبكة العنكبوتية، إذ لايكاد يوجد شيءٌ واحدٌ لايُمكنك الحصول عليه عند البحث عنه في الإنترنت.
الخطوة التالية التي لا يعتبرها البعض من خطوات التحرير -ولكنني أعتبرها كذلك- هي تصميم العمل أي من المهم جداً تحديد المكان الذي يجب أن تأتي فيه الوثائق في منتصف الكتاب مثلاً أو في نهايته إذ يجب تحديد مكانها المناسب.
النقطة التالية هي أن يكون لديك مقدمة تتناسب مع حجم المحتوى. على سبيل المثال، عندما يكون لديك مقابلة مكونة من 50 صفحة ستُصبح 20 صفحة بعد التحرير، فلا يجوز لك كتابة مقدمة من 10 صفحات. أما بالنسبة لكتاب مكوّن من 200 صفحة مثلاً فيجب أن تكون لديك مقدمة من أربع أو خمس صفحات على الأكثر و يجب ألّا نتجاهل هذا التناسب. يجب أن توضّح في المقدمة موضوعات المُقابلة و عدد اللقاءات و الحالة التي أحاطت باللقاء و ضرورة التطرّق لهذا الموضوع أو ذاك أثناء اللقاء وسبب اختيار عنوان الكتاب، كل ذلك يجب ذكره. كما يجب التقديم للشخص الذي تجري المقابلة معه بإيجاز حتى تكون مكانته و شأنه واضحة للجمهور. يجب ألا ننسى أيضاً أن العديد من الأشخاص يختارون الكتاب من خلال قراءة المقدمة و رؤية جدول المحتويات (الفهرس) و العنوان الموجود على الغلاف و زخرفة مجموعة الكتب فيصبحون بذلك مهتمين بالنص، لذلك عندما لا تُراعى هذه الأمور أثناء إعداد الكتاب فلن تتوفر الجاذبية اللازمة لقراءته.
"تحرير المحتوى"
المرحلة التالية من التحرير هي "تحرير المحتوى" و هنا يجب علينا القيام بعمل دقيق و حساس. فيجب أن ننتبه إلى كل من حريتنا في العمل من جهة و الحدود المُعطاة لنا في التاريخ الشفوي من جهة أخرى. فإن هذا العمل ليس مثل تأليف كتاب ففي التأليف تكون جميع أجزاء الكتاب و محتوياته هي نتيجة لعقل المؤلف، لكن التاريخ الشفوي يقتصر فقط على تصريحات الشخص المُقابل لذلك لا يمكن أن نخرج عن هذا النطاق و نطبّق ذوقنا و تفنُنا لكي نُغير في أسلوب الشخص الذي نقوم بمحاورته، ولهذا السبب فإن لكل مقابلة قواعدها و ضوابطها الخاصة و لايمكن أن نقوم بتحرير محتوى جميع المقابلات بنفس الطريقة. على سبيل المثال، إن أسلوب الشخص الذي تتم مقابلته هو أسلوب تحاوري بامتياز، لذلك يجب أن يكون أسلوب تنظيم النص و التحرير الخاص بك يعتمد على أسلوب الحوار. أي يجب اتباع اللغة الفصحى و معايير الكتابة، لكن في المُقابل يجب أن تكتب بكل بساطة إذ إن نوع تعبير الأستاذ الجامعي يختلف تماماً عن نوع تعبير البائع الذي يتحدث عن عمله، فيجب أن يظهر هذا النوع من الإختلاف في التعبير عند تحرير المحتوى. وعندما تقوم بتنظيم كلماتهم، يجب أن يكون لديك أسلوب كتابة مُتسق و مُتناسق.
كل أثر أو عمل هو عبارة عن رسم تخطيطي لأسلوب معين و يجب أن يُرى أسلوب كلام صاحب ذلك العمل من خلال كتاباته. لذلك ليس للمحرر الحق في إعطاء الأولوية لأسلوبه في الكتابة على أسلوب كلام المؤلف. إن المعيار في ذلك هو الأسلوب الذي يفرضه علينا الشخص الذي تتم مقابلته، على أنه يجب عدم التغاضي عن تصحيح أي نقص لغوي أو أخطاء نحوية. وإذا كُنت بحاجة إلى توضيح بشأن مطلب غير كامل، فعليك الرجوع إلى المصادر الموثوقة كما يجب عليك أيضاً تصحيح الأخطاء النحوية و تلك الأخطاء التي تُبعد النص عن الدقة، لكن لا ينبغي أن يضر كل ذلك بأسلوب كتابتك.
من جهة أخرى، تقضي أدبيات المجاملة بأن يُرسل المُحرر النص الذي تم تدوينه أو صفحات منه على الأقل إلى الشخص الذي جرت المقابلة معه و أن يطلب رأيه. عليك أن تكون أميناً عند تحرير النص، لأن الحفاظ على الحُرمة الشخصية للشخص الذي تُجرى معه اللقاء من حيث التعبير و أسلوب الكلام يُعتبر ضرورة مهمة، لكن بشكل عام عليك اتباع اللغة الرسمية (الفُصحى) و المعايير المُحددة لها في أسلوب الكتابة.
هناك العديد من النقاط التي تجب رعايتها عند تحرير المحتوى، وحذف بعض العبارات هو أحد تلك النقاط. إذ يجب حذف و إزالة بعض المحتوى الذي لا يؤدي إلّا إلى زيادة حجم العمل و كذلك يجب حذف التعليقات التي قد لا تكون صالحة للنشر، و طبعاً يجب أن يتم ذلك بإذن الشخص الذي تتم مقابلته. أما إذا لم يسمح بذلك فلك أن تقول له: إن هذا المقال يسيء إلى مصداقيتي ولا أستطيع أن أقتبس أو أنقل منك مقالاً ليس له أي صحة أو مصداقية. وهنا بطبيعة الحال عليك أن تُظهر الجانب القوي و الجدّي من شخصيتك. فربما يكون الشخص الذي أجريت معه المقابلة قد ارتكب خطأً ما، لكنك أنت الذي ستفقد مصداقيتك.
كما يجب كذلك إزالة و حذف التكرار و الإستطرادات غير الضرورية و التعبير عن القضايا و المسائل غير التقليدية و كذلك أيضاً بالنسبة للمجاملات غير المناسبة و المحتوى الذي لم يلعب فيه الشخص دوراً مهماً و التعليقات أو الملاحظات الضعيفة التي لا أساس لها من الصحة و المحتويات غير الموثّقة التي تُعتبر توضيحاً لما هو واضح.
النقطة التالية في تحرير المحتوى هي "التقليل و التلخيص" و "نقل المحتويات". ينبغي هنا تلخيص الأدلة و الإقتباسات الزائدة عن الحاجة و كذلك تلخيص الإسهاب غير المُبرر. كما يجب نقل محتويات كل جزء من المحادثة إلى الأجزاء المرتبطة به لتحقيق انسجام النص و تماسكه، لأنه في بعض الأحيان غالباً ما نقوم بالتحدث بشكل غير متناسق. في أحيان أخرى يجب أن يكون الإقتباس مذكوراً في الحاشية السفلية، على سبيل المثال، قام الشخص الذي أجريتَ معه المقابلة بإيضاح مسألة ما رأيت أنه من أجل الحفاظ على منطق الإرتباط الكلامي في النص ينبغي نقلها إلى الحاشية السفلية للورقة حتى لا يفقد القارئ استمرارية المحتوى.
الموضوع التالي في تحرير المحتوى هو "التحويل". ففي بعض الحالات، لكي لا نأخذ الكثير من وقت القارئ و نُهدره، من الضروري تحويل الإقتباسات المباشرة و الطويلة إلى شكل اقتباسات تقع ضمن محتوى النص. بشكل عام، إن الإسهاب في النص هو أمرٌ غير مناسب و لايوجد سببٌ لذكر ذات المحتوى في المحادثة. في بعض الأحيان يمكنك ذكر جزء منه ثم الإشارة لكي يتم الرجوع للباقي منه.
"التصحيح و التعديل"
النقطة التالية في تحرير محتوى مقابلات التاريخ الشفوي هي التصحيح و التعديل. في بعض الأحيان، تتطلب الآراء النهائية أو المجادلات القابلة للتأمل إستقراءً معيناً و أدلة موثّقة. هنا لا يمكننا أن ننقل مثل هذه المسائل طبقاً لكلام الشخص الذي أجريت معه المقابلة دون ذكر الدليل و المُستند. بل علينا أن نذهب إلى الأدلة المتاحة، في بعض الأحيان يكون هناك دليل على ذلك يُمكنك الركون إليه لكن في أحيان أخرى تحتاج تعليقات الأشخاص في المقابلة إلى شرح، ولإزالة الغموض يجب أن نوضح كل ذلك في الحاشية السفلية.
بالإضافة إلى ذلك، في بعض الأحيان قد يحتاج النص إلى إضافة. عندما يُعبّر الشخص الذي تتم مقابلته في مكان ما أثناء اللقاء عن جملة أو شيء ما من كلمات أحد الأشخاص من أصحاب الرأي بشكل غير كامل أو يسهو عن ذكرها، يجب عليك إكمالها بشكل يتناسب مع فهم و إدراك المُتلقي. إذا تقرر أن حدثاً ما أو وجهة نظر لأحد أصحاب الرأي تحتاج إلى توضيح، فيجب عليك استكمال ذلك بعد التنسيق مع الشخص الذي تتم مقابلته.
"المراجعة و التصحيح"
حتى في أعمال الأشخاص المعروفين بالدقّة العلمية، لابدّ كذلك من إجراء المراجعة و التصحيح. ففي بعض الأحيان يتم ذكر آية قرآنية أو بيت من قصيدة أو رقم الصفحة أو سنوات الميلاد و الوفاة أو سنة إنشاء مؤسسة ما بشكل غير صحيح.
"ضبط النظم و الترتيب و أسلوب العمل" هو آخر شيء في مجال تحرير المحتوى. إن كل نقطة أو مُلاحظة يجب أن تُذكر في مكانها. كما يجب أن تكون المصطلحات و المعادلات و الترتيب الأبجدي أو الترتيب الموضوعي و كذلك السنة و الوقت ضمن النص موحدّة. وإذا كان هناك مثل هذه الإختلالات في المقابلة، فيجب تصحيحها.
عند تحرير محتوى المقابلات، يجب علينا الإستفادة من المصادر الموثوقة. ويجب ألّا نحيد عن موضوع البحث و علينا أن نتجنب الحواشي الزائدة و كذلك أن نكون واضحين في تعبيرنا. كما يجب أن يكون المحتوى و البنية و التعاريف و المصطلحات موحدّة. و يجب كذلك أن يكون النص خالياً من التناقضات، و بكلمة واحدة يجب أن يضيف التحرير قيمةً للنص. فلاشكّ أن المقابلة التي تتم طباعتها بدون تحرير لاتحتوي على هذه الخصائص، لذلك عليك أن تتذكر أنه بإجراء عملية التحرير فإنك تقوم بإعداد نص يمكن الإستناد إليه لمدة 50 عاماً، وهذه هي بالطبع القيمة التي يمنحها التحرير للنص.
المُلاحظات النهائية
إن الغرض من التحرير اللغوي هو إصلاح الأخطاء النحوية. إن تصحيح الإنحرافات عن اللغة المعيارية، و إزالة الغموض و التعقيد من أجل تحقيق الوضوح و سلامة التعبير، و إزالة التعبيرات الساذجة و إعطاء الوقار للكلمات، كل ذلك هو من جُملة الإجراءات في التحرير اللغوي.
لا يمكننا أن نعتبر أن هناك تعليمات أو وصفة واحدة لتحرير التاريخ الشفوي، إذ أن التحرير اللغوي يتطلّب معرفةً لغوية و تمتعاً بذائقة لغوية. يجب عليك إظهار شخصية الشخص الذي تجري المقابلة معه بشكل جيد. كما يجب أن يحصل القارئ على صورة حقيقية و مُطابقة للواقع للشخص الذي تتم مقابلته. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المحرر أن يضع في اعتباره دائماً أن كل نص تاريخي شفوي يعود إلى صاحب الأثر و يتم نشره باسمه لذلك ليس لدينا صفة أو صلاحية الإنشاء عند تنظيم و إعداد النصوص الشفوية، لكن رغم ذلك لايُمكن إنكار أننا أضفنا لها قيمة و يمكننا بالتالي تصحيح أخطائها النحوية. إن تصحيح الأخطاء و إزالة الإضافات و مراعاة قواعد اللغة الفارسية لا يعني تغيير لهجة الكتابة، إذ يجب أن تحترم الأسلوب و أن تكون جديراً بالثقة و أن تتجنب التصنّع و التقيّد والتكلّف. إن التاريخ الشفوي ليس مكاناً للإستفاضة. كما أن التقاليد التي تحكم البحث التاريخي لها مبادئ معينة لا ينبغي تجاوزها.
عدد الزوار: 26
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.