القربي في المنفي - 1
أمين كياني
ترجمة: حسين حيدري
2020-11-23
في أبريل 2019م تسببت موجة من الأمطار على موجتين في الفترة من 25 إلى 29مارس وأيضاً في الفترة من 31 إلى 2 أبريل في حدوث فيضانات وأضرار في مدن محافظة لرستان، وتمّ الإبلاغ عن أضرار مثل الانهيارات الأرضية وغمر أجزاء من مدن دورود وخرم آباد ومعمولان وبل دختر. بعد الفيضانات في هذه المناطق، وبالإضافة إلى مؤسسة الإسكان للثورة الإسلامية وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحرس الثوري، تم إرسال أفراد على شكل مجموعات جهادية إلى لرستان لمساعدة ضحايا الحادث.
ما سنقرأه أدناه هو الجزء الأول من رواية إحد الجهاديين المتواجدين في هذه المنطقة لأيام طيلة نشاطه هناك.
كان ذلك ظهر يوم الجمعة وكنت في حيرة من أمري. اتصلت بأصدقائي في الصباح ،إما هواتفهم مغلقة أو خارج التغطية. بعد حوالي أربع ساعات، رد صديق على هاتفه الخلوي. وبعد التحية قال: "أمين، بطاريتي سينفد شحنها، ستنتهي ، قل لي بسرعة!"
ـ أريد المجيء إلي منطقة بل دختر ولا أمتلك أي وسيلة.
ـ ممقرر مجيء أبناء حي دورود. سأقوم بالتنسيق معهم.
لقد اتصل جواد وهومن أبناء مدينة دورود. قمنا بالتنسيق وكان من المفترض أن أنتظرهم عند مدخل مدينة خرم آباد أمام شرطة طريق كمالوند عند الساعة 2. وصلوا في التوقيت المقرر. بعد تحية سريعة مع زميل جواد، انطلقنا في سيارة بيجو. كان جواد شاباً مهذباً ولطيفاً جداً. بدا جاداً ويعمل بجد. في المرة الأولى التي اتصل فيها بزوجته، علمت أنه متزوج وبعد إنهاء المكالمة، قال إنّ لديه أيضاً طفلة صغيرة. تم إغلاق الطريق من خرم آباد إلى بلدختر إثر الفيضانات. ذهبنا من الحزام إلى طريق جسر زال السريع. لم تفرض رسوم الطرق السريعة رسوماً على سيارات الإسعاف، كما أنها لم تفرض رسوماً علينا. أصبحت صديقاً مقربا لجواد. سألت، "أخي هل هذه لك؟ فأجاب: "نعم" . كانت سيارة البيجو أحياناً تتوقف من زيادة الطين والوحل. كانت لوحة القيادة والمكبح اليدوي مليئان بالكعك والبرتقال والكيوي. كلانا ننظر إلى الأمام بصمت.
لفترة من الزمن، ترك جواد الإنتباه من الطريق ونظر إلي لوحة القيادة وقال: "عندما تفتح بوابة لوحة القيادة سيرتفع ضغطك بعدها". فجأة فتح بوابة لوحة القيادة، فوجدت هناك قارورة شاي [1] وصببت قدحين من الشاي لكلانا وبدأنا بدردشة ثنائية. للحظة تركت النظر من عدّاد السيارة و قلت لجواد:
ـ أخي جواد هل تنتبه الآن إلي عدّاد [2]السيارة؟ لقد ارتفع حتي الخط الأحمر.
ـ نعم أنتبه له. أنا قلق من ذلك الأمر أيضاً. لم أضغط عليها بهذا الشكل لغاية الآن.
بعد توقف قصير وعندما أخذ نفس عميق قال: "فداء لك". عندما وصلنا إلي مدينة بل دختر، حينها تناولنا كلّ الفواكهة. أخذت الشمس أنفاسها الأخيرة، مما أظهر لنا هيكل المدينة وعظمتها من بعيد. كان خط ناقلات أفراد الجيش، ورافعات الحرس الثوري الإيراني، وعربات الشرطة جلياً. لم أكن أتوقع أن تبدو المدينة هكذا على الإطلاق. كانت بمثابة رحلة إلى أعماق التاريخ المعاصر. قبل نحو 35 عاما في جغرافية خرمشهر! حتى الآن لم أر أي آثار للدمار بهذا الشكل علي محيا هذه المدينة، لكن الشوارع كانت مغطاة بالطين والتراب. توافد العديد من القوات على المدينة. الجيش والحرس الثوري والشرطة والوحدة الخاصة والقوة الجهادية العامة. دون توقف في المدينة، ذهبنا مباشرة إلى قاعة أمين. غلب الظلام على النور عندما وصلنا إلى القاعة. كانت القاعة نظيفة ومرتبة لحفلات الزفاف والاحتفالات. وكان اسم القاعة أمين. حيث كتب في أسفل اللافتة دالوند، بالحروف الصغيرة واللون الأصفر. ربما كانت القاعة مملوكة لأمين دالوند. نزلنا من السيارة .قمت بجولة حول القاعة لعلي أحصل علي معارف.
دخلت فناء القاعة. كانت الكراسي مرتبة على الطاولات وفُرشت أرضية القاعة بسجاد فاتح. رأيت وحيد قهرماني. كما هو الحال دائماً، كان لطيفاً ً ومبتسماً ومألوفاً. قال إنهم جاءوا مع سجاد في سيارة خاصة. كانت لحيته طويلة وشعره واقع علي أذنيه وهو ذلك الرجل المقاوم والخالد. كان سجاد الأخ الأكبر لوحيد.. بطريقة ما، كنا نعتبر أبناء حيّ واحد. صلينا وتناولنا العشاء. كنا مستلقين ونتحدث. لم يسمح وحيد لأحد بالتحدث. تحدث لمدة خمس وأربعين دقيقة. غفوت في منتصف حديث وحيد.
في الصباح خرجنا من القاعة مع وحيد قهرماني وبعض الشباب. قبل ذلك تم تسليمنا من مستودع المقر كرك ونشافة، كتب أمين المستودع اسمنا ولقبنا. وقعنا على الورقة. غادرنا القاعة في سيارة نيسان زرقاء وتوجهنا إلى الحي المتضرر. لم أكن أعرف بل دختر ولم أعرف أحيائها. عبرنا من ميدان.
عبرنا شارعاً عريضاً وتجاوزناه قبل أن نصل إلى النهاية. بعد عبور الجسر والمرور بساحتين، استدرنا يميناً. في نهاية الزقاق الثالث، توقف النيسان عن الحركة. نزل الجميع. نزلت أنا أيضاً. أدرت رأسي وحدقت إلي تلك المنطقة.
ـ بعد ما رددت بعض الكلمات مع نفسي، قلت لوحيد لماذا الأوضاع هنا علي هذا الشكل؟
عبس وضحك بشفتيه الضيقتين والطويلتين وقال:
ـ علي سبيل المثال، جاء كالسيل!
كانت المنازل في الطين. كان سوط الفيضان يجلس على أجسادهم العزل. كانت الأرصفة والشوارع والأزقة والأفنية كلها مغطاة بشكل موحد بالطين واصبحت ذات مستوي واحد. لم أفهم الفيضان، لكنني لم أعتقد أنه سيكون بهذه الوحشية.
ـ قلت لوحيد كم سيستغرق تنظيف المدينة من الطين؟
ـ لا أدري، لكنني علي ثقة أنه سيأخذ وقتاً طويلاً. في رأيك كم سيستغرق من الوقت؟
ـ لا أدري ولربما ستة أشهر. لعل وعسي أكثر من هذه الفترة.
سرنا مع خمسة أصدقاء في زقاق في شارع رسالت بالقرب من نهر كشكان. كان رجل في منتصف العمر يفرغ الطين والماء مع زوجته. ذهب وحيد قهرماني نحوه وسلم عليه وردا عليه جواب السلام. لم يطلبلا منا تقديم مساعدة ولا نحن استأذنا منهم. مسك وحيد تلك الآلية و ساعده ليتكأ علي جدار فناء منزله.
ـ سيدي إذهب ونحن سنقوم بتنظيفه.
ـ قال الرجل وهو مبتسماً:
ـ سأساعدكم أيضاً.
ـ لا عليك.. اذهب ونحن سنقوم بتنظيفها. اطمئن من ذلك الأمر.
نظر الرجل إلي زوجته. ضحكا الإثنان وذهبا.
تم تقسيمنا إلي مجموعتين. مجموعة بيدها كرك والثانية بيدها شفاطات. كان عدد الذين لديهم شفاطات كثر ويفوق المجموعة الأخري. قام الأخوة الذين بيدهم كرك بتنظيف الطين الموجود في الشوارع والفريق الآخر كان يقوم بتجقيق ما يتبقي منه. لقد كان حميد ورضا منشغلان بالتنظيف داخل الأزقة وكان معهما اثنين من أفضل الطاقات المتواجدة في المدينة. كان أحدهم سيد جواد طالب حوزوي من طهران والثاني مهدي جامعي من طهران. كان من المقرر أن يقوم من يحمل الكرك بتنظيف ما يتبقي من الطين الموجود في الشارع، أي تنظيف جيد، وما يتبقي يتم جرفه بالشفاطات. استغرق العمل حوالي ساعتين ونصف الساعة. خلال هذا الوقت، كان علينا أن نعود في كل مرة نضرب فيها الكرك ونرد علي كلمات شكر الرجل والمرأة أصحاب ذلك المنزل... لقد أربكونا وشكرونا بما فيه الكفاية. تم الانتهاء من العمل، ولأنّ المياه كانت مقطوعة، كان لا بد من فرك طبقة رقيقة من الطين على الفسيفساء. قلنا وداعاً وغادرنا المنزل وسط كلمات طيبة من مالك المنزل. كان هناك منظر مثير للاهتمام داخل الزقاق. كانت معظم البيوت مفتوحة أمامهم، وخرجت الطاقات الجهادية بكثافة من المنزال. قال محسن: "اللهم ارزقنا عائلة رائعة تحتاج الكثير من المساعدة".
لم تمرّ دقيقة علي دعاء محسن حيث تم استجابته من قبل البارئ عز وجل. وذلك في أعلي درجاته. لقد فُتح الباب وخرج من المنزل شاب في مقتبل العمر وكانت بيده مجرود بلاستيكي منشغل بتنظيف الطين من بيتهم. سلمنا عليهم ودخلنا في البيت. فرح ورحّب بقدومنا. دون أيّ حديث إضافي بدأنا بالعمل وتنظيف الطين. بعد ذلك قام ذلك الشباب بإدلاء كلمات الشكر والإمتنان. لقد انشغل محسن بعدد من المزهريات. كما قام بوضع المزهريات بشكل متسلسل علي سقف المرافق. وجدت المجموعة استراتيجيتها بدون أي تنسيق. كما كان هناك شاب مسك الكرك وقام بتنظيف البيت قدر استطاعته. كان هناك قفل معلّق في صالة الضيافة. سأل وحيد:
ـ إفتح صالة الاستقبال، ممكن أن تكون مليئة بالزهور أيضاً؟
قال ذلك الشاب بعد الإدلاء بكلمات الشكر:
ـ شكراً لك، لا توجد كمية كبيرة من الطين هناك، سنقوم بتنظيفها بأنفسنا لاحقاً.
بعد إصرار وحيد قام بفتح الباب. انحبست الأنفاس في الصدور!. "إلهي لماذا الوضع علي هذا المنوال!". ما الذي جلبته السيول والطين والوحل للمنزل! كان من الصعب أن نتصور ذلك. واصطفت آثار ماء طيني على الحائط على طول الجدار لمسافة مترين. كان الإصرار علينا وإنكار صاحب المنزل. في النهاية تفوقت قوتنا عليه، لأننا كنّا ثمانية أشخاص وهو بمفرده. كان من المفترض أن نقوم بتنظيف المنزل. للوهلة الأولى، قدر أننا بحاجة إلى عربة وعادة نحضر عربتين بسيارة النيسان التي كانت تقلنا. ذهب محسن داخل الزقاق وعاد بعربة جديدة. كانت هناك أربعة سجادات [3] بمقياس 12 متراً بكثافة 1200! مفروشة علي الأرض. قمنا بجمعها ووضعها إلي جانب تلك العربة. حاولنا أن نرفع السجاد ونحن تسعة أفراد ولكن نتمكن من ذلك!. قلت مازحاً: "هذه علي ما يبدو لايمكننا أن نرفعها من مكانها". للمرة الثانية حاولنا رفعها وهذه المرة تمكنا من ذلك. بصعوبة بالغة رفعنا السجادة ووضعناها داخل العربة، لكنها انقلبت. حاولنا جاهدين للمرة الثالثة. أصبح محسن مسؤل العربة وأمسكها بقوة حتي لا تنقلب مرة أخري. كما كان حميد يذكر الأخوة دائماً ويقول لهم: "أخوتي عندما ترفعونها بقوة، إرفعوا ظهوركم إلي الأعلي. وقفوا علي أرجلكم وارفعوها أيضاً". قال محسن الذي كان يحمل مقابض العربة بقوة في يديه ضاحكاً: "حميد، لقد شاركت مرة في مسابقة رفع الأثقال وأنت في المركز الثالث من بين ثلاثة أشخاص. تم إبعاد تسعة أشخاص قسراً بعد أن كنا ثمانية. لكن هذه المرة رفعناها بسهولة أكثر من المرة السابقة وألقيناها على الشاحنة. اتضح إنه في المرتين السابقتين واحد أو ربما اثنين من الشباب، نعم ...
تحرك محسن وحدقنا نحن الثمانية في السجادة الثانية. في أقل من دقيقة عاد محسن بشاحنة فارغة وتذمر حزيناً مازحا مثل الرجل الحديدي: "العربة ليست هدفي!" ذهبنا ورأينا العربة قد سقطت من إرتفاع يقدر بـ 30 سانتيمتراً. بعد إحضار العربة الجديدة وتفريغ السجاد وإخراجها من المنزل، ذهبنا إلى المطبخ. وضعنا جميع أدوات المطبخ واثنتين من غرفهم في ركن الصالة ووضعناهم تحتها. التصق الطين في المطبخ ولا يمكن تنظيفه على الإطلاق. تحرك محسن وجلب كمية من طين الزقاق وسكبه على أرضية المطبخ. أثناء نقل الأثاث، تحدث محسن مع إبن صاحب المنزل. أخذ حفنة من اللوز من الخزانة وقال له:
ـ لا يهمني سبب عدم قيامك بجمع التلفاز [4] والكمبيوتر [5] وأشياء أخرى، فهي كلها فداء لك. لكن يا إلهي، ليس من المؤسف أنك تركت هذا اللوز الهندي هنا!
ضحك الشاب ولم يقل شيئاً. قد صرخ عليه محسن قائلاً:
ـ كم سعر كل كيلوغرام منه!
الكل ضحك علي موقف محسن حيث كان ينظر للوز بحسرة.
استلقينا على أرضية الصالة متعبين ومرهقين في الليل. وقف رجل قصير في منتصف العمر بداية القاعة. صرخ بصوت خفيض لطيف:
ـ إخوتي الكرام أجلسوا معاً حتي نضع مائدة الطعام... فديتكم نفسي.
لقد جلسنا بالقرب من بعضنا. وضعوا مائدة إستهلاكية وجلسنا جميعاً. كان العشاء عبارة عن عدس وأرز. كنا منهمكين بتناول الطعام حيث أخرج سجاد قهرماني معلبات سمك ووضعها أمامنا علي المائدة. كانت وجبة جيدة مع العدس والأرز. سألته:
ـ أيها الكربلائي، هل قمت بغليان معلبات السمك؟[6]
ـ لا والله، أين سأقوم بذلك.[7]
لديّ ذكريات مؤلمة من التسمم الغذائي. خفت ولم أتناول من معلبات السمك علي الإطلاق. لكن قام محمد بتناولها كفرس النهر.
في الصباح الباكر، وحسب روتين الأمس، بدأ وحيد والأصدقاء أمس بتنظيف المنازل من الطين وباقي المخلفات في نفس المكان. عدنا إلى القاعة ظهراً وتناولنا الغداء وصلينا. ودع وحيد ومن معه وعادوا إلى خرم آباد. ذهبت أيضاً إلى موقع مهمتنا بعد الصلاة. هذه المرة جاء دوري للانضمام إلى سيد محمد جواد ومهدي. كانوا شباباً مهذبين وصالحين. كان معظمهم من الطلاب في الحوزة وجامعة طهران. لقد كسر مهدي يد الكرك في تمام الساعة 4 عصراً وهي الحالة الثانية. حيث قال: "لأول مرة في حياتي أمسك كركاً". كان يضع مقبض الكرك حتي المنتصف بالطين وهو يتوكأ عليها! كانت قبضة الكرك ضعيفة وتنكسر بسرعة. كان مهدي بنظارته المدورة ووجهه النحيف وشعره غير المنظم ويشبه كثيراً طلاب كلية الفنون. لكنه يدرس في مجال الكهرباء بجامعة شريف. كان قلقا على إمتحاناته. حيث جاء إلي بل دختر بعد مضييّ ستة فصول. عدت من البعثة في المساء. بعد غسل يدي ووجهي وتناول الشاي والتمر، لبست حذاءاً وتجولت قليلاً داخل الصالة. كنت جالساً بفارغ الصبر على درجات مدخل القاعة. اقترب شخص ضخم. حدقت فيه ورآني وابتسم من بعيد. جاء نحوي، وقمت أيضاً من على الدرج وذهبت لاستقباله. سلمنا علي بعضنا البعض وجلسنا على الدرج. قال حسين إنه جاء بمفرده بسيارته الشخصية. في تلك الليلة، وبعد تناول العدس، بقينا مستيقظين حتى الساعة الثانية ليلاً، وتناولنا الشاي وتحدثنا حول مواضيع مختلفة. كان حسين أحد أبناء الحي الذي أسكن فيه وعضواً منتظماً في نوادينا الليلية في حديقة الزهور لشهداء خرم آباد. كنا نجتمع ليلتين أو ثلاث في الأسبوع بجوار قبور شهداء مدينتنا. تحدثنا وضحكنا. في بعض الأحيان ينشد أحد الشباب ونبكي. كان لحسين شقيقان أكبر منه. كنت أعرف وستي. كان لديه محل لتغيير الزيت للسيارات في منطقتنا، ويساعده حسين في مهنته.
ـ حسين هل بقي شقيقك وحيداً في تغيير الزيت؟
أصبحت عيناه الصغيرتان أصغر وقال:
ـ نعم إنه وحيداً الآن لكن لم أتمكن من البقاء في خرم آباد وأتيت إلي هنا.
كان الهواء رطباً وكان الجو بارداً في منطقة بل دختر. كانت تمطر. أثناء النوم، كنا مستلقين على السجاد على أرضية الصالة. كانت البطانيات شحيحة. منذ الطفولة وحتى اليوم، كانت لديّ طريقة في ادخال الدفئ. أضع يدي في منتصف ساقي وأضغط الساعد على صدري، تماماً مثل الجنين! أحاطني البرد وعانقني بإحكام. بغض النظر عن مقدار محافظتي علي نفسي، لم يمر مرور الكرام. لم أعرف متى غفوت. استيقظت لصلاة الفجر ورأيت بطانية فوقي! لا أعرف من ألقى بطانيته فوقي. شعرت بالغيرة منه وغبطت مشاعره.
في الصباح، وبعد تناول الإفطار، تم إرسالنا إلى المكان في سيارة نيسان زرقاء مع حسين سيم بُر وأمين كرمانشاهي، وقد بتنا أصدقاء. كان أمين في العسكرية وبقي أسبوعين من خدمته العسكرية في جيش كرمانشاه. قال إنني غيرت السيارات أربع مرات من كرمانشاه. لم يكن هناك طريق مباشر ودفعت أجرة مضاعفة. قال أمين:
ـ شكراً للأخ حسين يكتا. ذهب إلي مكان جيد. أخذ كرفانة أثناء زلزال سر بل ذهاب، لكن هناك أفضل بكثير من هنا.
توقف النيسان ونزلنا. عملنا حتى الظهر تقريباً، وبعد ذلك عدنا إلى القاعة وفقاً لقانوننا غير المكتوب، والذي صادف أنه مخالف لقانون المخيم. بالطبع، عدت أنا وحسين فقط، وبقي أمين عند الظهر مثل الشباب الآخرين. كانت القاعة مزدحمة للغاية. تجمعت في القاعة كتيبة طلابية بقيادة سيدي، بوجه مستدير وشعر غالب علي محياه. مررنا بكتيبة الطلاب. دخلنا الصالة. كان الصف الأول عبارة عن طاولة عريضة. جلسنا وأكلنا. بقينا ليرفع الأذان. تناولنا نصف كوب شاي بعد الغداء عندما سمعنا الأذان للصلاة. شربنا باقي الشاي دون الإكتراث بالوقت. جلب رضا داوري وأصدقاؤه تبرعات ومواد تبرع بها الناس. كان مسجد حضرة جواد الأئمة (عليه السلام) أحد قواعد جمع العناصر في مدينة خرم آباد. كان رضا أحد الأعضاء النشطين في مسجد الإمام جواد الأئمة (عليه السلام). بعد الغداء، قاموا بنقل المواد إلى شرق المدينة لتوزيعها على سكان بل دختر الذين غمرتهم المياه. ذهب معهم حسين. بعد أن صليت صلاتي قصراً، ذهبت إلى موقع المهمة. وصلت إلى المنطقة. كان أمين ومهدي والشباب يعملون بكلّ طاقتهم. كان أمين بيده كرك ومهدي منشفة ومحمد جواد كان يأخذ قسطاً من الراحة. قلت لهم "حياكم الله" و"سلمكم من كل مكروه". سألتهم حينها وقالوا لم نتناول الغداء لغاية الآن!.
ـ لماذا؟
ـ لم يجلبوا لنا الطعام.
ـ هل أنتم جياع الآن؟
ـ لماذا؟
ـ تعالوا لتأكلوا فلافل وبعدها نذهب نحو الجسر لتأكلون شيئاً آخراً.
ـ لا. لم يتبقَ وقتاً كثيراً حتي المساء.
ـ تعالوا لتناول شيء ما.. يفصلنا وقتاً طويلاً حتي المساء!
كنت أقول لهم تعالوا لتناول الطعام وأمين ومهدي ومحمد جواد يقولون لن نأت. قلت لهم:
ـ يا جواد ستفقد هذه اللحوم القليلة المتبقية في جسدك، تعال وتناول الطعام.
ضحك وقال:
ـ هل هذا تمجيداً أو إهانة؟
ـ لا أدري.
كان حجم الطين الذي تم جمعه عند مخرج المدينة المتصل بنهر كشكان كبيراً جداً. كانت عدة منازل واقعة في السيول وعلى مقربة من النهر حتى السطح. وقد تُرك منزل متواضع ومتهدم مفتوحاً، كان محمد جواد يمزح. كان في سنّ واحد وعشرين عاما. كان طالباً حوزوياً يحب المزاح. كنت أجرف عندما تبللت من كتفي حتى خصري. عدت وكان محمد جواد ومهدي يجرفون ويضحكون ويعاملونني بطريقة لا انتبه لها علي الإطلاق. كنت أعرف إنه كان عمل محمد جواد. استدرت وجرفت، وتصرفت بطريقة ظنوا أنني لم أفهم من هو. وجدت برميلاً فارغاً من خمسة كيلوغرامات من الزيت في زاوية من الزقاق. كان محمد جواد يجرف ولم ينتبه لما يدور من حوله. ملئتها بالمياه الآسنة. اتكأت على جدار المنزل حتى نتمكن أنا وهو من أخذ استراحة. اقتربت من محمد جواد من الخلف. سحبت ياقته بيدي اليسرى وصببت الماء في ثيابه بيدي اليمنى. ألقى الكرك وهرب. كان مهدي واثنان من الشباب يضحكون. وقف محمد جواد أمامي وقال:
ـ لماذا تقوم بهذه الأفعال.
ـ لا بأس ستكبر في السن وتنسي ما حصل لك الآن.
ظهر وكأنه متألماً وغاضباً لما حصل له، لكن عيناه تضحكان. علمت أن لديه خطة.
غرقت الحفارة [8] حتي منتصفها، وفتحت مجرى مائياً إلى نهر كشكان. قامت ثلاث جرافات بدفع الطين والأوساخ من نهاية الشارع وقذفه أمام الجرافة. كان حجم الطين كبيراً بشكل رهيب. كانت حول المجرفة تلال عالية من الطين. حرت الجرافة الطين لتستقر. كان أحد الجيران الذين غمرتهم المياه عالقاً وأمسك بصاحب الجرافة. قال السائق: "لن أفتح هذا الطريق لأنهم أعلنوا أنها تمطر غداً، الكرّة ستتكرر غداً أيضاً "سيكون منزلك مليئاً بالماء والطين مرة أخرى". لكن صاحب البيت كان يصر علي كلامه. قال السائق: "جئت لتنظيف المياه، لا لأحفر أبواب المنازل". كان الرجل على حق. "كما أصروا عليه بأن عليك فتح الممر المائي الليلة ربما تمطر مرة أخرى غداً" ، قال: لكن اصحاب البيوت لم يتقبلوا عذره ويصرون علي كلامهم. تقدمت نحوهم وقلت لهم:
ـ أخي لقد وقعت هذه الجرافة داخل الطين ولن تخرج بسهولة... دع الرجل يقوم بواجباته.
نظر إليّ بريبة وقال ما شأنك أنت؟ ماذا تقول؟
لقد شعرت بالصدمة، خاصة عندما رأيت أمين ومهدي يضحكون علي ما جري لي. سحب السائق جرافته من الطين بتردد وأوقات مريرة وتوجه إلى منزل الرجل. كان منزله يبعد حوالي مائة متر عن الجرافة. وقفت الجرافة وأزاح الطين من بابه وعاد إلى مقعده. دخل فريقنا المكون من أمين كرمانشاهي ومهدي وسيد محمد جواد وثلاثة آخرين في باحة أحد المنازل. كان الطين في الفناء صلب جداً وأعلى من أقدامنا. كان علينا اختيار معول لفصل الطين. تناوبنا في تفكيكه وجرفه إلى الشارع. أخذنا الأدوار في الانتقاء. باستثناء عملنا بالمعول، ألقينا الباقي من الجدران الأربعة بمجرفة. عملنا بجدية داخل المنزل حتي المساء، لكن الأمر لم ينته بعد. سأل صاحب البيت أمين بدافع الفضول قائلاً:
ـ أخي لماذا جئت بحذاء ولم تستعمل بصطال للعمل؟
أشار إلي ما كان يرتديه قائلاً:
ـ هل تسمح لي بإهدائها لك لتستفيد منها؟
ضحك أمين قائلاً:
ـ نعم هناك كمية كبيرة منها لكن في الحقيقة لايوجد مقياسي. هذين الإثنين لايساويان واحدة من رجلي.
في الصباح، وعندما ذهبنا إلى قاعة المستودع للحصول على جزمة لأمين، كان يرتدي أحذية أرقام 44 و 45 و 46 و 47، والتي كانت الأخيرة، لكن لم يأتِ أي منهم علي مقاس قدمي أمين. كانت قدماه بحجم قبر طفل. كان الرجل متضايقاً جداً من هذا الوضع. غادرنا المنزل. مشينا وبيدنا كرك في الزقاق. اقترب رجل عجوز وأخذ يدي. ذهبت معه. وصلنا إلى نهاية الزقاق. وأشار إلى قطعة حديدة وقال:
ـ أرجو أن ترفعها من هذا المكان خشية اصطدام الجرافة بها وتدميرها.
نظرت إلي قطعة الحديد وللعجوز ولنفسي أيضاً.
ـ أنا أرفعها.
ـ نعم.
هل تعلم كل واحدة منها كم كيلوغرام؟
ضحك وقال:
ليس مهماً أن تكون كم كيلوغرام... أنت لازلت شاباً ماشاء الله.
ـ كل واحدة منها تقدر بـ 270 كيلوغرام. أي شاب لحد الآن رفعها حتي أكون أنا الثاني.
تنفس الصعداء للحظة. قلت له مازحاً:
ـ بالله عليك هل بإمكانك رفعها إذا ما كنت شاباً؟!
لم يستمع لسؤالي.
ـ ماذا أفعل حتي لاتدمرها الجرافة.
ـ والله لا أدري ماذا أقول.
مررت من جانب الرجل العجوز.
كنا قد اجتمعنا في المراسيم الصباحية في أحد المقرات أمام الصالة. كنا ننتظر حسين يكتا. قالوا: الحاج حسين يتكلم مع الشباب. لدهشتي، رأيت حجة كرزاي! لم أسمع عنه منذ حوالي أربع سنوات. كان وجهه مشابهاً جداً لوجه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. كان لفترة من الزمن طالباً في الحوزة العلمية وفي الوقت الراهن أحد الشخصيات المدافعة عن الحرم وفي تيار الجهاديين. كانت يحظي بنفسية خاصة، لكنها بقيت ثابتة خلافاً له. أحضر حجة وبهزاد بروجردي شجرتين انفصلا بلا رحمة عن الأغصان. لقد حفروا حفرة بمجرفة وزرعوا شجرتين مازحين! لم يكن في نيتهم زراعة الأشجار بل قاموا بزراعة الأشجار من أجل الفكاهة. انتبه معظم الشباب إلى حجة وبهزاد وضحكوا. ضحكت من عملهم غير المجدي. وقلت لهم:
ـ حجة كرزاي، أراك عاطلاً تعال واجلس هنا.
ـ ضحك ولم يجب.
بعد الظهر، وبعد تناول وجبة الغداء، ذهبنا إلى فناء القاعة للتدخين. كانت السماء تحتفي بشمسها الأخاذة. باستثناء شجرتَي حجة كرزاي وبهزاد بروجردي التوأم، لم يكن هناك ظل. لقد ترحمت علي أموات كرزاي الذين قدموا شخصيات صالحة للمجتمع!
يُتبع....
------------------------------------
[1] (دمابان)
[2] بعجل
[3]علي إمتداد الأرض
[4]عرض
[5] حاسوب
[6]هل قمت بغليان علب السمك أيها الكربلائي؟
[7] لا والله،لم يكن مكاناً للقيام بغليانها.
[8] البرمجيات
عدد الزوار: 2421
جديد الموقع
- یتطلّب التعلیم فی التاریخ الشفوی أبحاثاً مُعمّقة
- الدراسة و البحث هُما أساس صحة أقوال الرواة
- یجب أن یکون تحریر محتوى التاریخ الشفوی قریباً من أسلوب الشخص الذی تتمُّ مقابلته
- سرو قومس
- مُراعاة الخصوصیة
- الصحّة (الخدمة الطبیة) العسکریة
- مخازن الذخیرة الملیئة (المُذخرّة) بالتکبیرات
- الوثائق المستخدمة فی التاریخ الشفهی
الأكثر قراءة
- تاریخ الطباعة و المطابع فی إیران
- أطروحات وبرامج التاریخ الشفوی فی "آستان القدس الرضوی"
- حین یضیع ضوء القمر، فی ذکریات علی خوش لفظ
- قراءة فی کتاب مذکرات أردشیر زاهدی
- ذکریات محمد رضا شرکت توتونچی
- قصة حرب یرویها أستاذ إیرانی فی أمریکا
- على خطى ذکریات سیمین و جلال فی بین(آخر الدنیا)
- ذکریات السید أنور خامه إی من سجن القصر
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.