الحرب في رؤية أول مسعفة
حاورتها: سارة رشادي زادة
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2015-12-3
- نبدأ مع كتابك، أصدرت ذكرياتك عن الحرب في كتاب " ذكريات إيران"، ما الذي دفعك الى اصدار الكتاب؟
لم أكن أنوي نشر ذكرياتي، و لكن و تحت لطف السيدة أعظم حسيني و متابعتها، اتصلوا بي مرارا و تحت اصرارها و دفعي لكتابة ذكرياتي دخلت في مرحلة التدوين.
لم أكن أنوي نشر ذكرياتي و الكتابة عن ذاتي. أنوي من هذا العمل، أن تكون ذخيرة أخروية. الى جانب كل هذه الأسباب، قالت السيدة حسيني: " إذا لم تدوني ذكرياتك و عما حدث لك طوال الأعوام الثمان للدفاع المقدس، ستتحول كلها الى حالات مبهمة لا يعرفها الجيل القادم. عليك قول ما حدث و اخراجه ككتاب ليستفيد منه الجيل القادم."
إتكأتُ على حديثها و بدأت الكتابة، أخذ الكتاب مني بين سنتين و ثلاث أعوام ليولد " ذكريات إيران" .
- ترابي حديثينا عن الأيام الأولى للحرب، كم كان عمرك في تلك الفترة و أي ذكرى تحميلنها عنها؟ بصورة عامة أريد معرفة ما دار بين الناس مع بث أول خبر عن بداية الحرب.
قبل بداية الحرب الإيرانية العراقية، كنا قد أنهينا حربا داخلية. مع انتصار الثورة الإسلامية، لم يسكت أعداء الثورة و بدؤوا عملهم بصورة منسجمة.
يمكن الإشارة الى بعضها مثل المطالبة بالتجزئة من قبل بعض الفصائل في كردستان و خوزستان و أتراك الصحراء.
و محاصرة باوة من هذه النماذج حيث أشار الإمام (ره) إليها: " يجب أن تحرر باوة في ظرف 24 ساعة."
شكلنا في جامعة الشهيد بهشتي طهران، مجموعة صغيرة و اتجهنا الى باوة لنكون مع محرريها.
إلتقينا في باوة مع الدكتور جمران و كم واجهنا صعوبات و مشقة للدخول الى باوة. كانت مدينة باوة محاصرة من قبل قوات أعداء الثورة و رأينا أنفسنا مسؤلين عن انقاذ أرواح الأعزاء المحاصرين، و بحمد الله تمّ ذلك لنا و استطعنا أن نحرر باوة لنساعد الجرحى.
- في المجموعة التي سارت من طهران الى باوة، هل كانت امرأة أخرى غيرك؟
لا، كنت الوحيدة المرافقة للمجموعة الى باوة، كانت هناك سيدة جاءت من باختران ( كرمانشاه) و إلتحقت بنا، و لكنها لم تتحمل الوضع أكثر من 48 ساعة و عادت.
- هل ذهبت الى باوة كعسكرية أو لتقديم الخدمات العلاجية؟
ذهبت كفنية تخدير و تقديم الخدمات العلاجية في المدينة و من حسن الحظ كان قدومي لباوة مفيد جدا. أشكر الله أني استطعت تقديم خدمة في تلك الظروف.
- حدثينا عن أول ما لاقيته في باوة و أول حدث رأيتيه؟
حين دخلت المدينة، وجدت بعض الجرحى في المنازل و آخرين ، من كانت حالتهم حرجة في المستشفى، و كما سمعتم، بعض المصابين الذين وصلوا للمستشفى على يد اعداء الثورة استشهدوا.
حين حرر مستشفى باوة و استطعنا الوصول الى المستشفى، رأيت كيف أن كل الأعزاء حصلوا على الشهادة بصورة مؤلمة.
قبل ذلك، و بسبب صعوبة الوصول الى المستشفى، حولنا مقر حرس الثورة و المخفر الى مستوصف و أحضرنا الجرحى من البيوت لنداويهم.
هنا فكرت مع نفسي، لو وقع هذا المستوصف بيد أعداء الثورة، سوف تخلق مشاكل جديدة، لذلك أدخلنا الاخوات في التعبئة و عبر دورة تدريبية مضغوطة عن الاسعافات أوصلناهن الى المرحة اللازمة، فإذا واجهنا ظروفا صعبة يمكنهن التعامل معها.
- السيدة ترابي نظرا الى أنك المرأة الوحيدة من المسعفين التي كانت حاضرة في باوة و يعتبر عملك بصورة ما كسر للقاعدة، أريد أن أعرف كيف كانت ردة فعل عائلتك أو من رافقك؟ هل تقبلوا الأمر أو إعترضوا عليه؟
لا، تقبلوا الأمر. مسؤل مجموعتنا، الدكتور " زركش" جراح عظام. كنا نعمل سويا في غرفة العمليات. قام بكل شئ و كان فرحا بالأمر، ذهبنا من طهران الى مستشفى طالقاني في كرمانشاه ثم الى باوة و في كلا المدينتين رحبوا بنا.
- ماذا عن تجهيزاتكم الطبية؟
و لأننا تعاملنا سابقا في طهران مع التجهيزات الطبية، أحضرنا معنا صندوق حقن السكري و الحقن الملحية أو الأدوية التي سوف نحتاج اليها و ذلك بتنسيق مع الدكتور زركش و أحضرناها كلها من غرفة العمليات و الجامعة.
حين وصلنا الى كرمانشاه أحضرنا من مستشفى طالقاني ما نحتاج اليه من أدوية و ضمادات عادية و معقمة، و اتجهنا بيد مملؤة الى باوة. و لو طال الحصار لواجهنا نقصا في الأدوية، ما أن كسر الحصار، دخل الجيش بقوات أرضية و فتح المجال الجوي. لذلك لم نواجه مشكلة في الأدوية و التجهيزات الطبية.
- بالطبع طوال تلك الفترة شهدتِ عملية أسر أو شهادة، كيف تعاملت مع هذه الحالات؟ كيف تصالحت معها على المدى الطويل؟
مائة بالمائة. حين اتجهنا بالهليكبترات الى باوة، كان أعداء الثورة يستهدفوننا، و لكن الطيارين تعاملوا باحترافية مع الاستهداف، حتى حين هبطنا كانوا يطلقون علينا النار.
على أي حال أعتقد أن الله لم يرد لنا شرا، لأن لو اصطدمت قذيفة أر بي جي بالهليكوبتر لانتهى امرنا. كنا نعلم بكل ذلك، نعلم أننا قد لا نعود و نعلم أن احتمال شهادتنا هي 90 بالمائة و احتمال بقائنا أحياء هو 10 بالمائة، و لكننا تحركنا برؤية مفتوحة.
حقيقتنا هي، من يدخل في هذا المجال، عليه أن يكون شجاعا و ألا يفكر في العودة سالما. على أي حال، في مثل هذه الظروف هناك ثلاث أمور. إما أن تنال الشهادة أو تجرح أو تأسر. و الرابع هو العودة حيا و سالما، و لكن أول احتمال بالنسبة لنا هو الشهادة، كنا نفكر في الأسر و الاصابة بجراح و لكن إرادة الله كانت أن نعود سالمين.
- ألم تخافي الأسر؟
الحقيقة لم أخفه، كل ما كان يعنيني هو تقديم المساعدة.
على أي حال سمعنا القضية الحسينية مرات و مرات و كان الوضع على حد قول الإمام (ره) " الإسلام في خطر."
لو هتفنا " يا حسين (ع)" و " يا زينب (س)" علينا أن نثبت ذلك لست أنا فقط، بل كل المجاهدين عليهم اثبات ذلك. لا خوف فيما نقوم به، هي تقديم خدمة و الجميع أراد أن يكون شريكا فيها.
لم أر شخصيا أحدا يتلبسه الخوف. بالطبع كل انسان يصاب بالارتباك من صوت المدافع و الدبابات، و لكن الارتباك يختلف عن الخوف.
- لماذا اخترت الخط الأمامي و لماذا لم تتخذي قرارا مثل بقية النساء البقاء خلف جبهة القتال؟
يستوجب عملي أن أكون في الخط الامامي، إن كانت في قضية الحرب الداخلية و أحداث أعداء الثورة، أو في الحرب مع عدو خارجي، كنا في الخط الأمامي و كنا سعداء بذلك و لم يعترينا الخوف.
كنت أرى كيف يتحول أخوتنا و أخواتنا تحت القصف الى أشلاء. مثلا أذكر، قصف بيت بصاروخ، حين دخلنا البيت المقصوف لتقيدم المساعدة، رأينا ما بقي من عائلة مكونة من 16 شخصا ثياب ممزقة و قطع عظم و دماء، لم نستطع فعل شئ لهم و عدنا خالين الوفاض.
تكرر هذا الأمر مرات، في مثل هذه الحالات ما الذي يمكن للانسان فعله؟ إلا تقديم المساعدة لبني جنسه. لأنه جزء منهم و كان هاجسنا الوحيد هو هذا.
- السيدة ترابي، دعينا نعود الى أول حضور لك في المناطق الحربية، اللحظة التي دخلت فيها المنطقة الحربية، ما هو أول مشهد رأيته وأحسستي أنك دخلت في منطقة حربية؟
كنا في الطريق نعبر من مدينة انديمشك الى أهواز لنرى أين يحتاجونا و في أي مكان.
طوال الطريق كنت أرى كيف تستهدف السيارات بصورة مستمرة و الناس كانوا مثل الشعب السوري اليوم يركبون سياراتهم و يهربون الى مدن أخرى. كنت أرى الناس و السيارات تحترق و أسمع أصواتهم، كان المشهد مرعبا، و لكن كان علينا التحرك بسرعة و لا نستطيع الوقوف.
حين دخلنا الاهواز، أول ما رأيته أبا و ابنه يمسكان يدي بعض و يسيران، في نفس هذه اللحظة ضرب صاروخ رأس الأب و فصل رأسه عن جسده، كنا ما نزال ننظر للمشهد حين ركض جسد الأب دون رأس قابضا على يد ابنه لمسافة قصيرة ثم سقط على الأرض.
كانت مثل هذه المشاهد أو رؤية السيارات تحترق قاسية عليّ جدا. حين وصلنا أهواز، كان الشهيد جمران مستقرا في الهلال الأحمر و يستخدمه للتدريب و تنظيم القوات. سعد كثيرا برؤيتنا و قال: " المكان الوحيد الذي عليكم الذهاب اليه هو مدينة سوسنكرد، لدينا هناك خمس جبهات و من الأفضل أن تسعفوا الجرحى في مستشفى المدينة حيث ليس لديهم مكان للذهاب اليه."
قضينا الليل في بناية ساواك الأهواز. كانت بناية مخيفة و تمنحك احساس سيئ، كانت ليلة سيئة و بعد صلاة الصبح اتجهنا الى سوسنكرد.
- هل كان الفريق الذي ذهبت معه هو نفس الفريق الذي كان في باوة؟
لا، تغير الفريق. كان مسؤل فريقنا الدكتور حسين الياسي و هو طبيب داخلي. و كذلك الدكتور توربيان رغم أنه من أقلية دينية و لكنه يعمل بكل قوته، أو أشخاص آخرين مثل الدكتور منتظري و هو اختصاصي عظام.
أرسل فريقنا من قبل جهاد الاعمار لمحافظة طهران الواقع في شارع سمية الحالي، و اتجهنا برفقة الأخوة الى المنطقة و احضرنا معنا كل ما نحتاجه من طهران.
كنا في المنطقة حين حوصرت سوسنكرد و كان الوضع مرعبا و سيئا جدا.
- في أي سنة كنت في باوة و متى اتجهت الى جبهات الجنوب؟
كنا في يونيو 1979 في باوة و في سبتامبر نفس العام كنا في الجنوب.
- نظرا الى أنك امرأة و شاهدتي الكثير من المشاهد المؤلمة، ألم تتدخل الاحساسات النسوية في لحظة تررد للعودة و ترك المكان؟
أبدا. منحنا الله إرادة غير عادية. أحينا لا ننام من حجم العمل لثلاث أيام كاملة، و لكن الله منح المجاهدين و المسعفين قوة لينسوا انفسهم.
في تلك الأيام، كنا منشغلين الى درجة و انقاذ أوارح الناس كان مهما لنا لا نفكر حتى بأن لنا وجود.أحيانا نعود لانفسنا من شدة التعب و الجوع و نتجه لأكل وجبة لنعود للعمل مرة أخرى.
لا يقاس ذلك الوضع و الآن حيث يفكر كل شخص بنفسه.بالطبع الآن هناك ناس طيبين، و لكن بصورة عامة، هذا الزمن لا يتوافق مع ذلك الزمن. لذلك الزمن خصائصه منها، التفاني و الايثار و المحبة كانت كلها في وجودنا. الجميع واحد، المحارب كان يفكر في الدفاع عن دينه و ترابه و عرضه و حتى حين يصاب بطلق ناري لا يفكر فيه. صادفنا حالة قطعت فيه ساق الرجل، و لكنه كان ذائبا في عالمه الى حد أنه لم يفطن لساقه المقطوعة ينهض و يسقط على الأرض.
- بين النساء اللاتي حضرنا في جبهات الحرب، كانت النساء في الخطوط الامامية بجانب الرجال يدافعن، هل صادفت نساء حملن السلاح؟
كان للنساء دور مهم في فك الحصار عن آبادان، كان الرجل أمام النساء بمقدار حاجز رملي.
كانت النساء خلف الحاجز الرملي ينظفن الاسلحة و يعدونها لتسلم للرجال، حتى أنه تمّ أسر بعض النساء.
مثلا في إيلام في عمليات المرصاد، كانت النساء هن من حافظن على المدينة و ذهب الرجال الى إسلام آباد. وقفت النساء خلف الرشاشات، و لففن على وسطهن أمشاط الرصاص و دافعن عن المدينة.
مع الأسف في الروايات الحربية هناك قلة اهتمام في ثلاث أقسام. الاول عن المرأة التي قال فيها الامام (ره): " لو لم تكن النساء، لما انتصرنا في الحرب" . بالطبع الوضع الآن بات أفضل و هناك إهتمام أكبر بدور المرأة في الدفاع المقدس. و القسم الثاني النساء الأسرى فالكثير منهن نالن الشهادة و جاهدن كثيرا في هذا الطريق. و لكن لا يتمّ الحديث عنهن و لم يُعرفن بصورة حقيقة و القسم الأخير، حافروا الخنادق و فاقديها. حين عمل شباب الجهاد على بناء الجسور، بنوا حصون رملية و خنادق.
شهدت في مدينة سوسنكرد 5 أو 6 سواق الجرافات يضعون الحواجز الرملية للدفاع عن المدينة، و قد استشهدوا و كلما استشهد أحد منهم يجلس مكانه آخر بسرعة حتى لا يتوقف العمل.
ثلاث فرق ظلموا في موضوع الدفاع المقدس. بينهم النساء، الكثير منهن كانن مثلي مسعفات، الكثير منهن ينضفن الاسلحة، يملئن الأمشاط و يسلمنها للرجال. كانن يعملن مثل المحاربين. و البعض منهن سائقات اسعاف ينقلن الجرحى من مكان لآخر.
رأيت عدة مرات عددا من الاخوات يعملنا في النواحي و الدوائر، يرسلون اخوتهم و أخواتهم و ابناءهم الى الجبهة و يملؤون الأماكن الشاغرة و أشير هنا أن 80 بالمائة من عمليات الامدادات تقوم بها النساء. يغلفن المربى و المخللات و المكسرات و العلب و يرسلونها الى الجبهات. حين كنا في سوسنكرد، و بسبب عدم وصول الطعام، كنا نأكل من نفس هذه المغلفات نحن و المحاربين.
كمثال آخر، الكثير من النساء كانت تعد الثياب الشتوية و الصيفية للمحاربين أو يغسلن ثياب من كان في الجبهة ليرسلوها مرة أخرى الى الجبهة.في بعض المناطق مثل خرمشهر توصل النساء الثياب الى المقاتلين للاطمئنان على وصولها، لأن الامر بالنسبة اليهن مهم.
في الكثير من الأماكن أمسكت النساء المجرفة في مقبرة بهشت الزهراء طهران أو خرمشهر أو آبادان و مدن أخرى، و حفرن القبور، غسلن الجنائز و دفنوها.
- برأيك لماذا عدد النساء اللاتي حضرن في الحرب و كتبن ذكرياتهن أقل من الرجال، في حال كانت الكثير من النساء في الخطوط الامامية يقاتلن؟
تعود هذه القضية الى الإعلام، الكاتب و المخرج و كل الفريق الاعلامي لم يستطيعوا العمل جيدا على هذه النقطة أو الأقسام الثلاث المنسية و أنتم ( المراسلون) من عليكم التحقيق عنها و التوصل الى نتيجة. لو عمل الإعلام جيدا منذ بداية الحرب، لما وقع هذا. مثلا قضية باوة كانت غامضة و غير معروفة و صوروا المستشفى فقط و حاوروني حولها. نقدت في ذلك الحوار، لماذا لا يحققون بصورة صحيحة و لا يقولون ما يحصلون عليه ليعلم الجميع ما عاناه الناس و الشباب من مظلومية أدت الى الشهادة.
بعد هذا الحوار، أي بعد عام، رأيت من ذهب الى باوة، تحدثوا مع الناس و بدؤوا بتسجيل أفلام وثائقية. أعدوا وثائقيا معي و قالوا للناس ما حدث هنا.
في الوقت الحالي هناك الكثير مما لم يقل عن الحرب. أشخاص مثلي و مثل المقاتلين لديهم الكثير ليقولوه و يجب أن يدون لتعلم الاجيال القادمة ما عانيناه.
- طوال تلك الاعوام، جاءت الكثير من النساء للعلاج لديك، هل بينهم من ترك ذكراه في ذهنك؟
الحجم الاكبر من عملنا في غرفة العمليات، كنا مشغولين بالعمليات و نرسلهم خارج الغرفة و ليس الأمر أننا نبقيهم و نبقى معهم في قسم أو نسألهم عن قصصهم، و لكن بعد أن عدت الى طهران و عملت في مستشفى الإمام الحسين (ع) و السابع عشر من شهريور، أحضروا سيدة من الاهواز و عدة سيدات أخريات من باختران ( كرمانشاه) مازلن باقيات في ذهني.
كنت أعمل في المستشفى في قسم العناية بالجرحى و كنت أتحقق مما نحتاج اليه في الاقسام. السيدة التي جاءت من الاهواز، اسمها فوزية سليماني. حين كانت الاهواز تقصف كانت هي حامل، و كانت في البيت مع طفلين لها. إستشهد طفلاها في القصف و تضررت رجلها، أرسلوها لطهران للعلاج و نقلوها الى مستشفانا.
و لانقاذ طفلها كنا نستخدم مسكن خفيف و نعتني بها عناية خاصة، رغم كل العناية المركزة سقط الجنين و تلوت فوزية لفقد أطفالها الثلاث. من جانب آخر أرسلوا أحد أطفالها الى قرية ليصبح بعيدا عن الحرب، و لكن حين ذهب زوجها الى القرية، و كان عسكريا في الجيش و حاضرا في الجبهة، ليرى أطفاله واجه هناك مشهدا مرعبا. ابن فوزية و حينما كان يلعب سقط من الشجرة و مات، و لكن رغم فقدها أطفالها الأربع بقيت قوية و نفسيتها عالية،الى حد أننا بعد انتهاء فترة عملنا نجتمع معها و مع من أتينا من باختران ، جالسين الكراسي المتحركة لنستمع لقصصها.
و في مدينة دزفول حين كانت تمطر عليها الصواريخ، و رغم قصفها في كل ليلة بصاروخ و لدينا في كل يوم عدد من الجرحى و الشهداء، النساء لم يتركن المدينة و دخلنا في مقاومة المدينة و أوقفنا دزفول على رجليها، لذلك يطلق عليها مدينة المقاومة.
- السيدة ترابي كم من الوقت قضيته في الجبهة و في أي عمليات شاركتي و في أي منطقة تواجدتي؟
كنت أذهب بصورة مستمرة لثلاث سنوات الحرب الأولى لحاجتهم لنا.
في بداية الحرب في سوسنكرد، و بعدها في عمليات و الفجر 3 و 4 . في دزفول بين الجبهة الغربية و الجنوبية، في مستشفى الشهيد كلانتري و في حين البدأ بعمليات كربلاء 4 كنت حاضرة. في كسر الحصار عن آبادان و بعد ذلك في الشوش و في عمليات الفتح المبين كنت حاضرة. و بعد و الفجر 8 كنت هناك حيث تركت أربع من الإخوة مكاني في مستشفى طهران و قصدت المنطقة الحربية. أذكر قال لي مجموعة من الأطباء و الدكتور نوري صفا: " لم يعد لديك الحق في الذهاب نحتاجك هنا، لأن العناية بالجرحى ليست عمل يمكن لأي شخص القيام به." بقيت في طهران حتى بداية عمليات المرصاد، مع بدايتها اتجهت الى المنطقة، و بقيت في مستشفى الشهيد سليمي بين إيلام و اسلام آباد حتى حررت. المستشفى بالتحديد كان في قلب العدو و قضينا عدة أيام محاصرين حتى حررنا بحمد الله.
- لو اشتعلت الحرب مرة أخرى و تقرر حضورك فيها، مع كل ذلك الخوف و الارتباك، هل ستضعين نفسك مرة أخرى في تلك الاجواء؟
بالتأكيد و سأكون في الخط الامامي، لأن كل ما لدينا من الإسلام و دائما خطب الإمام (ره) معي. سنتنازل عن أرواحنا و لكننا ندعم الولاية. لا قيمة لقطرة من دمنا و متى ما أمر القائد، سنضع أمره على أعيينا و نعمل به. و الآن رغم أنه لا نمتلك تلك الصحة، سنذهب أينما يأمرنا بالحرب و لا فرق لدينا أين تكون. أينما كان الإسلام ، وقفنا في الخط الأمامي و سنبقى واقفين.
- السيدة ترابي جُرحت في الحرب و تضررت، حدثينا عن ذلك.
كنت في عمليات و الفجر أقدم العون للجرحى و كان بين الجرحى مصاب بالكيميائي و هنا تضررت رأتاي و بت من المصابين به.
- أي أصبت إثناء اعتنائك المصابين؟
نعم. وضعنا مكانا لاستقبال الجرحى و المصابين و كانت حالاتهم مأساوية. ما يقارب الألف و خمسمائة جريح في حالة صعبة و اصبت هناك و بعد يومين ارتفعت حرارتي الى 40 درجة. حقنوني و بدؤوا بمعالحتي. في تلك الفترة لا يفكر الناس بانفسهم فقط الجميع يفكر في انقاذ الآخر، و لم أكن أعلم أني أصبت.
- متى علمت أنك أصبت بالمادة الكيميائية و ما هي علاماته؟
أصبت بحساسية و امتلأت رأتي بالبلغم و ترشحات، أصيب فمي بجروح و صوتي لم يعد يسمع.
- نظرا الى أنك كنت في الجبهات و لدي الكثير من الأسئلة عن ذكرياتك، أريد أن أعلم عن ذكرى لا تنمحي من ذهنك؟ أي شئ بقي في ذهنك و يذكرك بالحرب و يفرض تداعي تلك الأيام؟
في 12 سبتمابر 1980 حين قصفوا المطار، و سمعت الخبر من الإذاعة ثم بعدها عن السيطرة على المخافر الواحد تلو الآخر و دخول جيش العدو من الجهة الجنوب غربية، كانت ذكرى أليمة جدا. تتعلق بليلة أسر وزير النفط السيد محمد جواد تندكويان. تجمعنا كلنا في سوسنكرد و كانت ليلة صعبة.
بالطبع لدي ذكرى جميلة جدا عن تلك الأيام. كانت عن عمليات الفتح المبين و تحرير مدينة الشوش كدت أطير من الفرح، تحررت مساحة كبيرة من المدينة و أسرنا ما يقارب 15 ألف جنديا عراقيا. حين أحضروهم، لم يكن يرتدي البعض منهم حتى الفانيلات و كانت ثيباهم ممزقة و في وضع بائس. كنا فرحين في تلك اللحظة، خاصة في اليوم الثاني من عيد النوروز و رغم كل ما واجهناه من صعاب، منحنا الله عيدية جيدة.
- حين كنت تعالجين الجرحى العراقيين ما هو الاحساس التي تملكك؟
عملنا هو تقديم المساعدة للجميع. ليس كما سيتصور نهينهم أو نقلل من احترامهم. كنا حزينين في داخلنا و نكرههم، و لكن قدمنا لهم كل ما نستطيع فعله. الأسرى العراقيون، على خلاف مقاتلين و جرحانا، كانوا خائفين.
- الكلمة الأخيرة؟
كلمتي الأخيرة أطلب من أجهزة الدولة و المسؤلين أن يكون الكلام عن الشهداء ليس على حد الشعارات فقط و الثقافة المبتذلة و الحجاب غير المكتمل و عدم الأخلاق أن يعتنوا بها في مجتمعنا. الأمر صعب. الشهداء و من هم مثلنا جاهدوا للحفاظ على وطننا و عانوا، و هم غير راضين بالوضع الحالي. الشهداء، في كل وصاياهم أكدوا على موضوعين. الأول دعم الولاية و الثاني " عباءتك يا أختي، أكثر زهوا من دمي" أطلب منك كتابة ذلك حتى يصل أسماع المسؤلين.
عدد الزوار: 4710
جديد الموقع
- یتطلّب التعلیم فی التاریخ الشفوی أبحاثاً مُعمّقة
- الدراسة و البحث هُما أساس صحة أقوال الرواة
- یجب أن یکون تحریر محتوى التاریخ الشفوی قریباً من أسلوب الشخص الذی تتمُّ مقابلته
- سرو قومس
- مُراعاة الخصوصیة
- الصحّة (الخدمة الطبیة) العسکریة
- مخازن الذخیرة الملیئة (المُذخرّة) بالتکبیرات
- الوثائق المستخدمة فی التاریخ الشفهی
الأكثر قراءة
- تاریخ الطباعة و المطابع فی إیران
- أطروحات وبرامج التاریخ الشفوی فی "آستان القدس الرضوی"
- حین یضیع ضوء القمر، فی ذکریات علی خوش لفظ
- قراءة فی کتاب مذکرات أردشیر زاهدی
- ذکریات محمد رضا شرکت توتونچی
- قصة حرب یرویها أستاذ إیرانی فی أمریکا
- على خطى ذکریات سیمین و جلال فی بین(آخر الدنیا)
- ذکریات السید أنور خامه إی من سجن القصر
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.