مراجعة لكتاب (بازيدار)
الحرب برواية المواطن العراقي سيد عباس موسوي
فريدون حيدري مُلك ميان
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2022-2-11
(بازيدار)هي حمامة تدور وتتدلى في لحظة في رحلتها الجميلة والفنية بين زرقة السماء اللامتناهية؛ مذهلة عيون ولسان وقلب كل متفرج. هناك القليل من مشاهد الحياة للحمام، للناس ...
هذا وصف موجز لعنوان الكتاب الذي نواجهه قبل النص الكبير نسبياً لمذكرات السيد عباس موسوي.
كتاب (بازيدار) ذو طباعة جميلة وتجليد وتصميم جيد للصفحات. تصميم الغلاف مبتكر ويتكون من طبقتين: الطبقة الأولى لها خلفية بيضاء يمكن أن يكون فيها عنوان الكتاب واسم المؤلف وشعار الناشر وكذلك صورة بندقية كلاشينكوف شوهدت في غلاف الورد. طبعا مكان البندقية محفور على الطبقة الأولى والطبقة الثانية والجانب الآخر منها وحتى ظهر الكتاب مغطى بهذه الزهور الجميلة. يبدأ الكتاب بكلمة المؤلف ويستمر بنص مذكرات السيد عباس موسوي، والتي تتكون من عشرين فصلاً. بالطبع لا يحتوي الكتاب على أكثر من تسعة عشر فصلاً؛ سواء في القائمة أو في نص المذكرات، يظهر الفصل الرابع فجأة بعد الفصل الثاني ولا يوجد فصل ثالث!. الصفحات الأخيرة من الكتاب أيضاً تضمين صور بالأبيض والأسود بجودة مقبولة.
يبدأ السيد عباس موسوي قصته من مكان تسببت فيه زوجات والده السابقات في إثارة الجدل والتهديد. جميعهن أردن أن يكون السيد عبد الحسين ملكهن، وأن يذهب إلى منزلهن وألا يتم تسميته على اسم أطفال امرأة أخرى. لقد حاولن طرد المنافس الجديد من دائرتهن على أي حال. ولم يستطعن تحمل رؤية الفتاة التي وصلت حديثاً مع رجل الدين المسن على الإطلاق، لكن معارضتهن لم تنجح، وفي النهاية تزوج والده من زوجته الرابعة عشرة (والدة الراوي).
على الرغم من كبر سنه، كان والدي رجلاً محبوباً. كان حسن الأخلاق وحسن المظهر. جسمه متوازن، ووجه صافٍ وهادئ، عيون زرقاء نفاذة، لحية بيضاء كثيفة أعطته مظهراً جذاباً ومتميزاً بين رجال العرب. كان خطيباً وكاتباً لامعاً، وبالطبع، بالإضافة إلى المنبر والقراءة والكتابة، كان أيضاً إمام مسجد قديم بالقرب من ضريح الإمام الحسين (عليه السلام).
ولد الراوي عام 1955 في كربلاء حي باب البغداد. حيث أمضي حوالي ست إلى سبع سنوات في وقت مبكر من حياته في هذا الحي. بعد ذلك، انتقل هو وعائلته إلى أحياء أخرى وأرسلوه إلى المدرسة. عندما انتهى الصف الخامس، كان الجميع ينظرون إليه بعين الرجل الكبير. هو الذي قرر البحث عن وظيفة أو عمل ما. عمل مع شقيقه سيد علي نجاراً. بعد ذلك تعلم من شقيقه الآخر، السيد عبد الجبار التصحيف، عندما التحق بالجيش عام 1973، قدم نفسه على أنه مصحّف، وعمل في مطبعة القوات الجوية. عند عودته من الخدمة العسكرية، أنشأ متجراً للقرطاسية، حيث عمل أيضاً كمصحّف.
وبمرور الوقت، بدأ يفكر في الزواج. يريد الزواج من فتاة يعرفها جيداً. أخيراً، وبعد ثلاث سنوات من البحث، وجد زوجة مناسبة بمساعدة والدته، وفي عام 1979 تزوج زهراء من عائلة سادات ومن أصول إيرانية .
بعد عام أو عامين، عندما أعد جواز سفره وتأشيرة دخوله وذهب إلى سوق دمشق في سوريا ثم إلى سوق اسطنبول في تركيا لشراء بعض البضائع اللازمة لمتجره، سمع أنّ العراق قد هاجم إيران والطائرات كانت تقصف مدن ايرانية. عندما عاد إلى كربلاء، كان الوضع فوضوياً. كان تجنيداً للناس، وقد أمر صدام الجميع بالتجمع للخدمة في حركة الشباب بغض النظر عن سنة الميلاد. شيخ، شاب، موظف، عامل في السوق، شيعي، سني لا فرق بينهم. وقال إنه لا يعرف ماذا يفعل. السيد عباس لا يريد ولا يستطيع أن يذهب إلى الجبهة. كان يكره القتال وتزوج للتو وأنشأ أسرة. كان يقترب من المنزل. الآن لم يكن هناك طريق للعودة ولا سبيل للمضي قدماً. كان لمنزلهم باب واحد فقط، يُفتح على بعد ستة أو سبعة أمتار من الإدارة النظامية لحزب البعث، وكان البعثيون يقفون عادة أمامه. كان عليه أن ينتظر حتى الساعة العاشرة مساءً وبمجرد أن خفّت حركة المرور ألقى بنفسه داخل المنزل. ومع ذلك، بعد أن مكث في المنزل لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، واجه أخيراً مشكلة وقرر الخروج والذهاب إلى العمل. لقد غادر، ولكن عندما أراد العودة إلي المنزل، مقابل الإدارة النظامية، كان البعثيون يأتون ويذهبون، ولم يتمكن من العودة إلى المنزل. اضطر للذهاب إلى منزل أخته الكبرى غنيّة. مر يومان على هذا النحو وبعد ذلك، مثل المرة السابقة، عاد إلى المنزل في الوقت المناسب.
كان منتصف ليل الجمعة. كنت قد وضعت ابنتي الصغيرة، بشائر، بيني وبين زوجتي زهراء. كان سريرنا على سطح المنزل المواجه للشارع الواسع ... كنت غاطا في النوم حين شعرت بشخص يضربني على كتفي ويهزني. فتحت عيني ... كان الرجل يضع علي وجهه قبعة، ووجهه مغطى بقطعة قماش سوداء ولا يمكن رؤية سوى عينيه، يحدق في وجهي وينظر إلي. لم أعد نائماً. في الضوء الخافت لاحظت أنه يرتدي ثيابا عسكرية. من الزي الزيتوني الذي كان يرتديه البعثيون. كنت مصدوماً وخائفاً. قال بصوت هادئ في أذني!: "اخرس ، تعال! بهدوء تعال! دون صوت!
الذهاب إلى الأسفل ولفترة من الوقت وجد نفسه كطاهٍ يأخذ نفس الشيء من ساحة المعركة مع إيران. كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها خرمشهر. استقروا فيها حتى لا تفرغ ولا يستطيع الإيرانيون دخولها. تقدم البعثيون حتى آبادان. رأى دباباتهم وعرباتهم العسكرية تتحرك بسرعة ذهاباً وإياباً في الصباح والليل. لقد دمر صدام كل شيء. الموت يتساقط من أبواب المدينة وأسوارها. احترقت الاشجار والسيارات والدبابات ولم يبق منها شيء. ودمرت المنازل والمتاجر. تجولت في المدينة حيوانات مثل الدجاج والديوك والأغنام والأبقار والعجول والكلاب وإذ رأتهم يفرون. كان السيد عباس يتجول في الشوارع وكان منزعجاً جداً من رؤية مثل هذه المعالم.
بعد عودته إلى كربلاء في إجازة، كان عليه أن يستعد للعودة إلى جبهة أخرى لمدة خمسة وأربعين يوماً، إلى قصر شيرين ثم الوجهة النهائية: سربل ذهاب. انقسم مع أفراد المجموعة وراء المرتفعات، حيث احتلت جانب منها القوات العراقية والآخر احتلته القوات الإيرانية. كان مكان السيد عباس في معقل عند سفح الجبل بالقرب من خيمة مع قائدهم وأربعة ضباط تحت إمرته وشخص في مجال تقديم الخدمات للقوات. كانت تلك الأيام التي كان الإيرانيون يتقدمون فيها نحوهم، فجاءت مروحيات عراقية وأطلقت النار على القوات الإيرانية التي كانت قادمة من التلال والسدود. كانت تلك الحالة مثل قيام يوم الساعة. لا أحد كان يعتني بالآخر. ذهب الجميع إلى جانب واحد ولجأوا. عندما حاول تجنب الخطر، بدا أنّ كل شيء قد توقف. كان الأمر كما لو أنّ الجميع قد قتلوا أو أصيبوا. سيد عباس، وكعادته، يكره الحرب. عندما عاد إلى الخلف، وقعت عيناه على العديد من الجنود الذين، متحمسين أو غير متحمسين، يتدحرجون على الأرض في دمائهم. كل ما فهمه هو عيون عائلاتهم التي كانت تنتظرهم. لم يكونوا وحيدون. كان لكل منهم أب وأم وزوجة وأخت وأخ وطفل، سقطوا مثله على الأرض. لكن سيد عباس لم يكن يريد أن يكون مثلهم على الإطلاق. لم يكن يريد أن يعاني مثلهم. تجنب بشدة الوقوف أمام أمثاله من الشيعة والمسلمين والبشر. قد يكون إبن أخته واحد من أولئك الموجودين في الخط الأمامي. بالمناسبة، كانت إحدى شقيقاته متزوجة في إيران ولديها اثنا عشر طفلاً، سبعة منهم من الفتيات والباقي من الأولاد. لم يكن لديه أخبار عنهم ولا يعرف ما إذا كان أبناء أخته قد شاركوا في الحرب ضد صدام. بعد نهاية الحرب، أدرك، كما توقع، أنهم كانوا أيضاً في الجبهة.
ولكن مع هذا الشعور كيف يمكن أن يعيش في الجبهة، حتى لو كانت وظيفته هي فقط الطبخ وتوصيل الشاي والطعام لرئيس الوحدة ونوابه؟ في النهاية، لم يستطع تحملها وهرب من الجبهة، مختبئاً في منزل خاله لفترة، وبعد ذلك ظل مختبئاً عن الجواسيس البعثيين لمدة خمسة وأربعين يوماً في حديقة أخته غنيّة. خلال هذا الوقت، كانت تأتي والدته وزوجته من حين لآخر لرؤيته في الحديقة، وفي بعض الأحيان يمكثان معه لمدة يوم أو يومين، ولكن عندما يتعب من البقاء ينتقل من منزل إلى منزل آخر. أخيراً وبمساعدة الأقارب ومعارفه ابتدعوا قصة إصابة ترافقه برسالة من دكتور أمين يختمها ويعود إلى الجبهة.
ومع ذلك، أدى إشعار جديد إلى مغادرته ثكنة الأسرى هذه المرة، ولكن لم يمض ثلاثة أشهر على ذهابه إلى الثكنات الجديدة حتى تم إرساله إلى تكريت. من بين السجناء يلاحظ وجود شخص يلفت انتباهه:
كان كبيراً في السن وتحركاته وتعبيراته هادئة وكريمة. لم يكن طويل القامة، لكن شخصيته الكبيرة كانت متأصلة في أطرافه النحيلة. كان لون وجهه أسمراً ناصعاً ومزيناً بشعر أسود وأبيض. كان له تأثير ختم على جبهته. كان السجناء يكنون له الكثير من الاحترام.
عندما سمع الصدى الناعم لكلماته لأول مرة، غاص في أعماق كيانه. كان صوته مختلفاً جداً عن الآخرين. كانت بطيئة وهادئة. سيد عباس، الذي نشأ في ظل والد روحاني وشقيق روحاني، أدرك جيداً من الكلام والطيبة أنّ السجين الجديد يتمتع بشخصية خاصة. سرعان ما تطورت علاقة حميمة بينهما، وأصبح السيد عباس أخيراً مخلصاً جداً لهذا الرجل، لدرجة أنه طلب منه تقديم نفسه، وقال بصراحة: أنا سيد علي أبو ترابي مسؤول عن أسرى الحكومة الإيرانية. بل خادم لهم. حدق فيه سيد عباس بدهشة للحظة. ثم قدم نفسه ووالده رجل الدين وسمّى كتب والده. فقال:... علمت أنك نشأت في ظل رجل كهذا.
(بازيدار) بقلم محبوبة سادات رضوي نيا، صدرت نسخته الأولى عام 2021م عن دار سورة مهر للنشر في 472 صفحة و 1250 نسخة.
عدد الزوار: 2191
جديد الموقع
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.