الليلة ثلاثمائة و ست و خمسون من الذكريات -4
إعداد: ليلى رستمي
ترجمة: الدكتور نورالدين يحيى شربو
2025-4-15
أقيم برنامج ليلة الذكريات رقم ثلاثمائة و ست و خمسون بتاريخ 4/11/1403 شمسي تحت عنوان "الإنتظار" في قاعة أنديشة في مركز فنون الثورة الإسلامية. حضر البرنامج زوجات و أمهات بعض الشهداء حيث تضمن روايات عدد من جنود كتيبة الإستشهاد "الفرقة 27 محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)". في هذا البرنامج، شارك السيد أحمد كريمي و السيدة مريم رحيمي (زوجة الشهيد علي أصغر عبد الحسين زاده) و الدكتور محمد بلوكات و السيد فريد الدين لواساني ذكرياتهم. كما تم تكريم والدة الشهيد محمد جواد حاج أبو القاسم صراف (المعروف بـ جواد صراف) و هو أحد قادة كتيبة الإستشهاد. و كان السيد داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكريات تلك.
كان الراوي الرابع في البرنامج هو فريد الدين لواساني. بدأ أولاً السيد لواساني ببيان ذكرياته من خلال عرض صورة تُذكّر بأصدقائه و رفاقه في السلاح قائلاً: "أنا العبد الفقير كنت أجلس هنا في وسط الصورة. الشهيد مهدي زاده، أخي الفاضل حسن أميري، الشهيد السيد عباس ميرعلي نقي، الشهيد علي نصرت افتخاريان، الشهيد قرباني، السيد الدكتور ليايي، الشهيد حميد كرمانشاهي، حميد مصطفايي، و صديق الشهيد كرمانشاهي الذي غطى وجه الشهيد أبو الفضل كميجاني. و هذا أيضاً هو شقيق زوجتي الشهيد إبداعي الذي استشهد قبل زواجنا، وهذا هو أخي الصالح محمد فلاحي."
و تابع الراوي قائلاً: "بدأت قصتنا هنا عندما غادرنا معسكر الشهيد صفوي حيث جلسنا بالقرب من منطقة خماسية الأضلاع كان العدو قد استحدثها، ثم جاؤوا بالسيارة و أنزلوا لنا وجبات من الطعام، بعدها جاءت خلف السيارة شاحنة مُحمّلة بالبطانيات و ألقوا لنا بالبطانيات. لقد كانت البطانية الممزقة من نصيبي و الحمد لله أنني حصلت على تلك البطانية. عندما كنت أسحب البطانية فوق رأسي كانت تبرز قدماي! و عندما كنت أسحبها فوق قدماي كان رأسي يبرز! كان هذا التمزق في البطانية يشملني كلياً بالضبط. في الصباح وصلت سيارة تويوتا و أخذتنا إلى المكان المطلوب حيث تم التقاط هذه الصورة هناك. كان هناك تقليد بين الجنود لا يزال مستمراً حتى الآن و هو إذا أراد أحد التقاط صورة، يقول إنه يريد التقاط "صورة لوحده" و عندما يقف شخصان كانا يقولان: "هذه صورة لشخص واحد، أي شخص يريد الحضور يمكنه ذلك، هذه صورة لشخص واحد!!" و في أي لحظة من المُمكن أن يشارك في هذه "الصورة الفردية" ما بين 40 إلى 50 شخصاً أي مهما كان عدد الحضور. الصورة مفردة و لشخص واحد لكنها للجميع أيضاً. هذه الصورة لا تُنسى بالنسبة لي و أشعر بالغصّة و الحزن في كل مرة أنظر إليها.
ثم تابع قائلاً: "بعد أن صليّنا صلاتي المغرب و العشاء أخبرونا أنه يجب على جواد صراف و اثنين من أصدقائنا الأعزاء التوجه غداً بعد الظهر لاستطلاع المنطقة و توجيه القوات و ذلك بناءً على أوامر الحاج محمد كوثري، ثم تقوم السريّة الأولى بالتقدّم بقواتها إلى الأمام و من خلفها تتقدّم السريّة الثانية و السريّة الثالثة إلى خط الجبهة. لقد كنّا في السرية الثالثة المُسمّاة أمير المؤمنين. انتظرنا لنرى ماذا سيحدث، لكن لم ترد أنباء عن جواد صراف و القوات التي تقدمّت إلى الأمام. بعدها تقدّم الحاج أكبر عاطفى كقائد لنا و عند غروب الشمس صلّينا صلاتي المغرب و العشاء و توجهنا بعدها إلى العمود الأول في الطريق، كنا نتحرك للأمام على الطريق و الظلام الحالك يعمّ المكان و كانت المياه على يسارنا و يميننا، و في الأمام كانت تنتظرنا طريقٌ مسدودة لكننا لم نصل بعد إلى تلك الطريق المسدود. ذهبنا أبعد من ذلك و أثناء مرورنا بالقرب من سيارة تويوتا رأيت في مؤخرة السيارة جثث ثلاثة شهداء. عندما رأيت الجثة الأولى عرفتها من سروالها فقد كان السروال يعود للشهيد جواد الصراف، نظرت إلى السروال الثاني لكنني مهما دققت لم أتمكن من التعرّف عليه، ثم حدّقت في السروال الثالث فكان الشهيد عباس اسماعيلي.
لقد عبرنا، ثم ذهبنا إلى التقاطع ثلاثي الإتجاهات "الشهادة" حيث استدرنا و دخلنا التقاطع، كل هذه الموانع الموجودة لكن أسفلها كان مغطى بالمياه و كان الطريق زلقاً. مع ذلك تقدّمنا بصعوبة و حذر، تقدمنا على طول الطريق و فجأةً بعد أن قطعنا مسافة 800 متر سمعت صوت ارتطام مباشر بين قذيفة و دبابة. كان هناك طين تحت قدميّ لذلك بقيتُ متسائلاً هل علي أن أنهض أم لا! لقد حدث الإنفجار فسقطت على وجهي في الوحل و كنت أستطيع حينها سماع الأصوات لكن لم يكن هناك شيء أستطيع فعله. ثم جاء مُنشدنا العزيز الحاج محمد طاهري و معه شخصٌ عزيزٌ آخر لم أكن أعرفه في ذلك الوقت و نظرا إلينا واحداً واحداً. كان يجب أن أكون شهيداً، و لكن هناك قصة و سأخبركم لماذا لم أصبح شهيداً!
و تابع الراوي حديثه قائلاً: "كنت أسمع صوتاً" سمعت الحاج محمد يقول: "أظن أن هناك شخصاً حياً، أخرجوه من الطين." لقد مسح وجهي و عينيّ و جبهتي ثم قبلني على جبهتي. فليبقى أثر قبلته إن شاء الله إلى يوم القيامة، فإنّي لن أنسى تلك القبلة أبداً. لو لم يأتي هذا الصديق العزيز و ينظّف الطين، لم أكن لأتمكّن من التنفس. بعد ذلك وصل منقذنا السيد حيدري و عندما رأى حالتي ابتسم قليلاً و سألني عن حالي فأجبت "إن جسدي يؤلمني" فقد ضربتني موجة انفجار قوية. و كما كنت محني الظهر بقيت كذلك كما كنت و أذكر أنه كان للسيد حيدري جسد رياضي قوي فقال لي: "أريد أن أسألك شيئاً واحداً. إذا ساعدتني و لم ترفع صوتك (لم تصيح)، فسأضغط بيدي لأقوم بتقويم ظهرك ثم سأضع جبيرة و ضمادة قتالية، إذا لم أفعل ذلك ستضطر إلى البقاء منحنياً إلى الأبد." فأجبت: "يا زهراء."
بمساعدة أصدقاء آخرين، قام بتقويم ظهري ثم وضع جبيرة و ضمادة قتالية فوقه. و في هذا الوضع الصعب وصل "درويش" و كان يعرفه الكثير من رفاقنا لأن درويش كان بطلاً و محارباً و يمارس رياضة ال "زورخانه[1]". لقد رموني على كتفه فقلت و الضعف يتملّكني: "درويش! اعتني بي، لا تُسقطني من على كتفك." لم يكن يستمع لي و اتجه بي نحو تقاطع "الشهادة" و خلال ذلك كاد أن ينزلق و يسقط على الأرض مرتين أو ثلاث مرات لكنه سيطر على نفسه. وصلنا إلى النّقالة و كان أحد الأحبّة مستلقياً عليها، فلترقد روحه بسلام فقد أصبح شهيداً و أنا في الحقيقة خجلٌ من ذلك الشهيد. وضع درويش الشهيد على الأرض ثم ألقاني على النّقالة و بقى مُحتاراً ماذا يفعل؟ فهو لن يتمكّن من سحب النقالة عبر الوحل. في هذه الأثناء كان أربعة شبان قادمين من مقدمة خط الجبهة باتجاه مؤخرتها فسلّمني إلى هؤلاء الشباب الأربعة و قبل أن نصل إلى تقاطع "الشهادة" كنّا على وشك السقوط ثلاث مرات و بالفعل في المرة الأخيرة عند مفترق تقاطع "الشهادة" سقطت النقّالة من أيديهم و سقطت أنا على الأرض، في تلك اللحظة سقطت بقربنا قذيفة هاون عيار 60 ملم، ربّما لو كنت ما أزال على النقّالة لكنت لم أكن موجوداً هنا معكم الآن. هذه هي المرة الثانية التي قصّرت فيها عن نيل الشهادة.
كنت مستلقياً على نقّالة الجرحى عند تقاطع الشهادة عندما وصلت ناقلة جند (مدرّعة حربية) حيث توقفت و أنزلت قوات و ذخيرة ثم استلقى الجنود المصابون فوق المدرّعة. لقد كانت الُمدرّعة تحتوي على عادم تنبعث منه الحرارة و من خلال الضغط على دواسّة الوقود فيها لعدة مرات، أصبح جسمي دافئاً. لقد فقدت الكثير من الدماء و كنت أرتجف. بعدها استدارت المُدرّعة و غادرت. و على بعد حوالي كيلومتر واحد من تقاطع الشهادة وصلت المدرعة إلى الرصيف النهري، لم تكن هناك قوارب سوى قارب وحيد شبه مُدمّر كما لم يكن هناك قبطان للقوارب ولا مُشرف على حركتها! فقال أحد الشباب الذين كانوا معنا: "أنا من شمال إيران و أعرف كيف أقود القارب." ثم دخل إلى القارب و بعد عناء استطاع أخيراً تشغيل المحرك فصعدنا أنا و عدد قليل من الشباب الذين وجدوا لأنفسهم مكاناً داخل القارب. لم نكن قد ابتعدنا حوالي مسافة 100 متر عن الرصيف النهري عندما انطفئ القارب فجأةً فقام الشاب بسحب المحرك من الماء و نظر إليه نظرةً فرأى سلكاً شائكاً عالقاً بين الشفرات فقام بتحرير السلك الشائك ثم أعاد المحرك للماء و أداره من جديد فاشتغل مرة أخرى. ابتعدنا حوالي 150 متراً عندما توقف المحرك مرة أخرى فأخرج المحرك مرة أخرى و شاهد أن السلك الشائك لا يزال عالقاً بين شفرات المحرك فحرر المحرك مرة أخرى. لم نكن نعرف حقاً ما هو السر. بعدها تعطل المحرك للمرة الثالثة، لكن هذه المرة لم يعد يعمل من جديد! يا إلهي ماذا نفعل؟ في وسط هذه المياه! في ظلام هذا الليل! لقد كنا في خضّم هذا الموقف الصعب عندما سمعنا صوت قارب يمر بجانبنا. بدأ الشباب بالصراخ و إحداث الضوضاء و كانوا يقولون: "فليحدث ما يحدث. لا يمكن أن يصبح الأمر أسوأ من هذا."
القارب الذي كان قادماً كان من شبابنا. ثم جاء و توقف على بعد حوالي 100 متر منّا و أطفأ المحرك عندها قال الشباب: "أوه! ...هذا من حظنا العاثر، لقد تعطل محركه!" نادى قبطان ذلك القارب: "من يقود مركبكم؟" فأجاب القبطان: "أنا!" فقال: "لا تقم بتشغيل المحرك، اطلب من الشباب أن يجدفوا بأيديهم أو إن كان لديك شيءٌ ما فليجدفوا به ثم اقتربوا منّي." تقدمنا و وصلنا إلى خمسة أو ستة أمتار فألقى حبلاً من القارب و قال: "اربط هذا بقاربك." و بالفعل ربطناه بالقارب و قام بسحبنا. ذهبنا حتى وصلنا إلى المستشفى الميداني، عندما وصلنا سألناه: " اشرح لنا ما الأمر؟" قال: "هل أخبركم؟" قلنا: "نعم! دعنا نعرف"، قال: "عندما انطلقتم من الرصيف النهري كان طريقكم بأكمله عبارة عن حقل ألغام! السلك الشائك الذي كان يعلق بالمروحة هو السلك الشائك الذي كان موضوعاً على الألغام!" باختصار وصلنا إلى المستشفى الميداني و من هناك نقلونا إلى مستشفى الشهيد بقايي. بمجرد وصولي، أخذوني إلى غرفة العمليات و في صباح اليوم التالي ذهبنا إلى المطار و غادرنا إلى مدينة رشت.
في ختام حديثه أشار الراوي إلى سرّ عدم استشهاده فقال: "كُنا في العام 1361 شمسي و كنت في عمر 9 أو 10 سنوات تقريباً. لقد استشهد أخي الشهيد سعيد لواساني الذي كان عضواً في الفرقة المدرعة 92 في الأهواز و كان مساعداً لرامي آر بي جي. قبل عمليات تحرير مدينة خرمشهر، ذهبوا لبناء ساتر لكي يوفير المأوى للمقاتلين. يروي أصدقاؤه أن الجرافات و الآليات الميكانيكية كانت مشغولة بتجهيز الساتر، لكن عندها في هذه الأثناء خرجت الدبابات العراقية من المخبأ الذي أعدته تحت الأرض و قامت باستهدافهم. فقال قائد سريتهم لرامي الآر بي جي: "إضرب!" الآن، إما أن كان الرامي جباناً! أو لم يرغب بذلك! أو لم يضرب! لذلك نهض أخي و أخذ قاذفة الآر بي جي من يده و دمّر الدبابة الأولى. بعدها ذهب أخي إلى مؤخرة الجرافة للإحتماء و إعداد قذيفة آر بي جي ثانية لكي يضرب بها الدبابة الثانية لكن بمجرد خروجه، تم استهدافه مباشرةً بقذيفة دبابة. كنت أبحث بجديّة عن كيفية استشهاد أخي! لكن كان والدي يقول لرفاقه: "لا تسمحوا له بأي حال من الأحوال بالإقتراب من القبر و رؤية الجثمان." لقد حاولت بكافة الطرق التي تخطر على بالكم لكي أذهب و أرى جثمانه الطاهر، و لكنهم لم يسمحوا لي بذلك.
لقد أصبح الموضوع يُشكّل عقدة لي فقد كنت أتحدث مع أخي سعيد دائماً في يقظتي و أحلامي و أسأله: "سعيد! أريد أن أعرف كيف أصبحت شهيداً!" عندما حان الوقت لتنفيذ عمليات كربلاء 5 قلت في نفسي: "الآن حان الوقت يا سعيد! أريد أن أُجرح في ذات المكان الذي استُشهدت فيه." و بعد إصابتي و عودتي أدركت أن أخي استشهد في ذات المكان الذي أصبتُ أنا فيه.
النهاية
[1] رياضة قتالية قديمة و تقليدية في إيران.
عدد الزوار: 117








جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.