الليلة ثلاثمائة و ست و خمسون من الذكريات -2
إعداد: ليلى رستمي
2024-11-2
أقيم برنامج ليلة الذكريات رقم (356) في السادس من شهر ارديبهشت عام 1403 هجري شمسي في قاعة "سورة" بمركز فنون الثورة الإسلامية و كان الرواة في تلك الليلة هم طياري القوات الجوية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من رفاق الشهيد علي أكبر شيرودي و ذلك في عشيّة ذكرى استشهاده. في هذا البرنامج، شارك كل من العقيد حسن خودابندهلو والعقيد إسماعيل محمدي والعقيد علي ميلان في عرض ذكرياتهم، كما كان السيد داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكاريات هذه.
الراوي الثاني في البرنامج هو العقيد إسماعيل محمدي وهو من مواليد 27 من شهر مرداد من عام 1332 هجري شمسي في محافظة طهران. كان العقيد قائد مروحية من طراز (214) و كان دخوله للجيش في ذات الوقت تقريباً مع الشهيد شيرودي. كانت وظيفة هذه المروحية هو دعم و نقل القوات والأغذية و المعدات بالإضافة إلى نقل جرحى الحرب. وكان الراوي حاضراً خلال عملية استعادة مرتفعات "بازيدراز"، وعندما استشهد الشهيد شيرودي في تلك العملية كان الراوي من أوائل الأشخاص الذين حضروا لنقل جثمانه الطاهر.
قال الراوي في بداية حديثه: "عندما تم تعييني أكملتُ دورة طيران في طهران، ثم ذهبت إلى أصفهان وهناك اتبعتُ دورة في اللغة الإنكليزية مع الشهيد شيرودي ثم بقينا معاً لفترة من الوقت أثناء دورة طيران أخرى. تم نقلنا بعدها أنا و الشهيد شيرودي إلى مدينة كرمانشاه وفي عملية بازيدراز ذهبت أنا والشهيد أميني إلى منطقة العمليات معاً بطائرتين مروحيتين من طراز كوبرا، إحداهما كانت للشهيد شيرودي وأحمد آرش و الأخرى للعقيد خداباندهلو وفريد عليبور.
كان العراق قد غطّى المنطقة بالكامل بالنار فقد كان يقصف بشدة باستخدام قذائف الهاون. وبمهارة معهودة من الشهيد شيرودي تمكنّا من عبور تلك المنطقة وتوجهنا إلى "كورهموش" في مرتفعات بازيدراز. قام الشهيد شيرودي و سيادة العقيد خدابندهلو بإطلاق النار في المنطقة و قصفا بقوة. في تلك الأثناء كنّا خلف الشهيد شيرودي عندما أصابت قذيفةٌ مباشرة جاءت من اتجاه كورهموش مروحية الشهيد شيرودي فسقط بين قُضبان القصب، إن قصب المنطقة الغربية طويل جداً و يبلغ ارتفاعه حوالي مترين ونصف. حلّقنا أنا و الشهيد أميني سريعاً باتجاه طائرته المروحية، وبطبيعة الحال، اختفت المروحة و ذيلها ولم يتبقى سوى المقصورة وكان أحمد آرش و الشهيد شيرودي مازالا في مقصورة المروحية تلك. وصلنا إلى أعلى المروحية وقلت عندها للشهيد أميني: "عزيزي جواد، حافظ على ارتفاع المروحية حتى أتمكن من النزول لكي أرى كيف هي حالة شيرودي!"
وقفت على مُقدمة المروحية فرأيت شظيّة كبيرة قد استقرّت في قلبه. بدأ العراقيون بإطلاق قذائف الهاون عنما سمعوا صوت مروحيتنا قادمة ولأن المنطقة أصبحت خطيرةً للغاية، غادر الشهيد أميني المنطقة. بقيتُ أنا و مهندس الطيران عند مُقدمة المروحية، ثم لاحظتُ أن أحمد آرش لم يكن داخل المروحية فقفزت من مقدمّة المروحية وبدأت أبحث عنه بين القصب. باختصار، مشيتُ بين القصب لمدة خمس إلى ست دقائق وكنت أضرب القصب يميناً و شمالاً إلى أن رأيت أحمد آرش مُلقى على الأرض ووجههُ أبيض كالطباشير! لقد كانت ساقه تنزف بغزارة، رفعت رأسه وقلت: "عزيزي أحمد، إنهض لكي نذهب" فقال: "عزيزي، أنا نعسانٌ جداً" فقلت: "إنهض! ليس هذا وقت النوم! إنهض لنذهب." فجأةً أغمي عليه و غاب عن الوعي. لقد كان معنا أنبوب مطاطي نستخدمه لوقف نزيف الشرايين فاستخدمتُه و ربطت قدميه من الأعلى ثم عبرنا مناطق القصب باتجاه إيران إلى أن وصلنا إلى نهر.
مرّ بعض الوقت إلى أن سمعنا صوت مروحية قادمة وقد شعرنا بالقلق فقد كانت المنطقة خطرة للغاية. ولأن القصب كان طويلًا، مهما فعلنا لم يتمكن طيار المروحية من رؤيتنا لذلك كان علينا أن نرفع خوذاتنا و سترات الطيران حتى يتمكّن من رؤيتنا. ولحسن الحظ، بعد لحظات قليلة رآنا و جاء بالمروحية فوقنا. هبط الطيار قليلاً إلى أن تمكنّا من وضع أحمد آرش في المروحية ثم عدنا إلى مدينة "سربل ذهاب". وهناك هرع الرفاق الذين كانوا موجودين لمساعدة أحمد آرش ثم نقلوه في سيارة إسعاف إلى مدينة كرمانشاه ومنها إلى طهران وطبعاً الحمدلله فقد تعافى.
جئنا بعدها إلى غرفة الإجتماعات و دارت هناك مناقشات حول حالة شيرودي فقلت: "بحسب معلوماتي هناك احتمال كبير أن يكون قد استشهد" فقال القائد في ذلك الوقت: "يا محمدي إذاً عليك أنت و أميني أن تعودا مرةً أخرى و تُحضرا الشهيد شيرودي". وبالفعل، صعدنا على متن المروحية مع ثلاثة أو أربعة من رجال الحرس الثوري الإيراني يُرافقنا مسعفٌ ثم عُدنا إلى المكان الذي سقطت فيه مروحية الشهيد شيرودي. حلقنّا في تلك المنطقة ثم نزل أصدقاؤنا من الحرس الثوري إلى المروحية ورفعوه ثم وضعوه داخل مروحيتنا، بعد ذلك رجعنا إلى مدينة سربل ذهاب ومن هناك نقلوه إلى المشرحة حيث أكدّوا أنه استُشهد. وبما أننا كنا معاً منذ التحاقنا بالجيش، كما أنني كنت حاضراً معه في العديد من المُهمات، ناهيكم عن أننا قضينا أياماً جميلة في أصفهان خلال الدورات ثم ذهبنا بعدها إلى كرمانشاه معاً لذلك فباستشهاده لم نعُد نعرف معنى السعادة في منطقة سربل ذهاب لأننا فقدنا أحد أعز أصدقائنا.
أما الراوي الثالث في البرنامج فقد كان العقيد علي ميلان الذي قال في بداية حديثه: "كنّا ضمن الفصيلة الثالثة في كرمنشاه والتي كانت تُعرف في ذلك الوقت بإسم "فصيلة الطيارين" وقد كانت فصيلتنا مشهورةً لأنها قدمت عدداً من الشهداء أثناء الصراع الدائر في محافظة كردستان. كان هناك كتيبة واحدة وكذلك كتيبة واحدة عبارة عن مروحيات كوبرا طراز 214 أو ما يُعرف بمروحيات النقل. كنت أنا ضمن عناصر الفصيلة الثالثة وكنت ضابط العمليات الفنيّة فيها لذلك اعتدت أن أنظم للطيارين كيفية التحليق معاً."
ذهبنا لأول مرة عام 1355 شمسي في الفصيلة الثالثة مع شهيد شيرودي. وكان قائد الفصيلة في ذلك الوقت. لقد التقى بنا وأخبرنا أنني أصبحت ضابط العمليات و أنه أصبح قائد الطيران. كانت تُعقد الدورات المُتلاحقة و كنّا نحن الإثنان نقوم باستخدام مروحية كوبرا 1 لتدريب باقي الطيارين و عندما بدأت الحرب كنت ضابط عمليات.
كنت أزور المنزل للسؤال عن الأولاد في كل مرة كنت أذهب فيها في مهمة، معظم ما كانت تحتاجه العائلات في ذلك الوقت هو عبوات غاز من وزن 11 كيلوغراماً فقد كانت نادرة في ذلك الوقت. مرةً كنت أنقل أداة ما عندما قال لي الشهيد شيرودي مُمازحاً: "عليك زيارة العائلة مرة أخرى". كانت زوجته في ذلك الوقت ممرضة صحيّة في القاعدة، ذهبت إلى هناك مرّةً وتبادلنا التحية و السؤال عن الحال ثم قالت: "متى سيأتي أكبر؟" فأجبت: "لا أعتقد أنه سيأتي قريباً، لأن هناك سلسلة من العمليات القتالية تجري الواحدة تلو الأخرى. لقد نسي معنى الحياة و كل حياته الآن هي جبهة القتال." نعم، لقد كان إنساناً تقياً و شجاعاً. فقالت زوجته: "إن ابننا أبو ذر مصابٌ بالحمى وهو مريض جداً. أخبر أكبر أن يزور البيت." لقد أوصلت هذه الرسالة إلى الشهيد شيرودي وكان يمزح معي كثيراً في ذلك الوقت فقال مازحاً: "هنا الشباب الذين أعمارهم بين 18 و20 عاماً يستشهدون، أبو ذر يبلغ من العمر 6 أشهر فقط و سيستغرق بعض الوقت حتى يبلغ 18 عاماً من عمره. علينا أن نفهم ذلك الآن."
[1] مهندس طيران وميكانيكي
[2] قبعة الطيار
[3] غرفة الاجتماعات
عدد الزوار: 101
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.