نبذة من مذكرات ايران ترابي
تجهيز مستشفى سوسنگرد
محيا حافظي
المترجم: مقدام باقر
2023-10-22
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور. وكانت تمرّ من خلالها ساقية غير غزيرة بالماء. كان قسم الطوارئ في بداية الساحة قريبًا من المدخل وكان المطبخ أمامه. أما بناية المستشفى الرئيسية فكانت في أقصى الساحة.
لقد كانت المستشفى أشبه بالمعسكر منها إلى مشفى للعلاج. كانت الساحة والبناية مكتضّة بالمجاهدين الذين جاءوا للدفاع عن المدينة إذ لم يسعهم مكان آخر للاستراحة واستبدال القوّات. كان معظمهم جنود الجيش، بين مستلقٍ يستريح وجالسٍ يقضي وقته بمحادثة أصحابه. أعدّت بعض السواتر في الجانب المحروث من الساحة ليحتموا بها إذا هبّت طائرات العدوّ تقصف المستشفى. حينما عرف هؤلاء الجنود بمجيئ فريق طبّي إلى المنطقة فرحوا كثيرًا وعبّروا عن استعدادهم للتعاون.
قبل أي شيء قمنا بفحص وضع قسم الطوارئ. كان وضعه غير صحيّ تمامًا. قد غمر القسمَ الدمُ والتراب، وجماهير الذباب تصول وتجول. كان في المستشفى بضعة موظّفين. يبدو من دشاديشهم أنهم من أهالي المدينة نفسها. كان أحدهم طبيب التخدير، وكان اثنان طبّاخَين، واثنان حارسَي المستشفى. قالوا: «قصفت إمدادات المياه فلا ماء عندنا ولا كهرباء». بالإضافة إلى هؤلاء رأينا طبيبة أسنان جاءت من الأهواز، ولكنّها قالت: هنا لا أستطيع أن أقدّم شيئا ولا نفسي تطاوعني على البقاء. فلم تلبث بعد مجيئنا إلا يومين ثم رجعت إلى أهواز بسيّارة راجعة إلى هناك.
ما كان بإمكاننا أن نفعل شيئا دونما ماء ولا كهرباء. قال الحاج چيذري: «فلنستعن بهؤلاء الجنود ولندلو من ماء الساقية ونطهّر المستشفى مهما استطعنا. وأنا سأذهب إلى أهواز وسآتي بمولّدة من هناك.» فقلنا: «يا حاج! أوهل يمكن الرجوع من هذا الطريق الذي قَدِمنا منه؟» فقال: «الله الذي جاء بنا إلى هنا، فإنه قادر على أن يوصلنا إلى أهواز ويرجعنا».
لم تكن الساقية غزيرةً بالماء. ولكن على أي حال نهض بعض قوّات الحرب غير النظامية والجيش بمساعدتنا في تنظيف الأقسام وتجهيزها. سدّوا الساقية أوّلا، وكلّما اجتمع مقدار من الماء، نقلوه بدلو إلى داخل مبنى المستشفى. فطفقنا سويّة نغسل المستشفى وننظّفها. بدأنا من قسم الطوارئ. وبعد تنظيفه نقلنا إليه قنينتَي أكسجين أو ثلاثًا كانت باقية في المستشفى. أعددنا أدوات الضمادة وفحصنا الأدوية. وأخيرًا موّهنا أبواب قسم الطوارئ ونوافذه بالبطانيات العسكرية. إذ قال أهالي المنطقة أن أي مصدر نورٍ يراه الجيش البعثي ليلًا يقصفه بصاروخ. بعد الانتهاء من إعداد قسم الطوارئ، ذهبنا إلى مبنى المستشفى. فكنا نخرج الأسِرّة من الغرف واحدة بعد الأخرى. ثم نمسحها بالمنديل ثم نكنس الغرفة ثم نرجعها إلى مكانها. وبعد ذلك وضعنا في كل غرفة قاعدة للمغذي وقنينة أكسجين.
ذهبت إلى غرفة العمليات مع طبيب التخدير. ولحسن الحظ رأيتها أحسن حالًا من سائر الأقسام. قمنا بتنظيفها وتعقيمها ثم رصصنا الأدوية والأدوات التي كنا قد حملناها في رفوفها. قال طبيب التخدير: «لقد نهب الجيش البعثي كلّ شيء، ولكن ولحسن الحظ لم يرحب لهم الوقت لإتلاف ما تبقى من التجهيزات.» بناء على ما كان يقول، اندلعت في مدينة بستان حرب الشوارع مرّة أخرى وليس بيد قوّاتنا ما يكفيهم من السلاح والعتاد لمواجهة العدو.
كنّا جميعًا مشغولين بالعمل وإذا دويّ انفجارٍ مهيب خرق أسماعنا من قُرب وهزّ كلّ شيء. كان الصوت مرعبًا جدّا. على أثر هذا الصوت جلس الجميع تلقائيّا على الأرض أو تحصّنوا بالطاولات والأسِرّة. بعد قليل أنا ورفقائي تبعنا المجاهدين وأهالي المنطقة وذهبنا إلى محلّ الحدث. فكان بإمكاننا أن نشخّص موقع الانفجار من خلال الدخان والغبار المتصاعد. كان يركض إلى محل الحدث أناس ومجاهدون آخرون من أطراف الحي وأنحائه. قبل أن تسقط سوسنگرد في بداية الحرب، قام معظم أهلها بإفراغ المدينة ثم غادروها إلى القرى والمدن التي حولها. ولكن بعد ما استُعيدت المدينة من أيدي الجيش البعثي، رجع إلى منازلهم أولئك الذين ما كان عندهم قُربى ولا مَأوى.
وصلنا إلى محل الإنفجار. بيتٌ قد هُدم برمّته. قد بدت ملامح القلق والاضطراب على وجوه الناس الذين اجتمعوا هناك، ولا سيّما أعضاء فريقنا الذين كانوا جديدَي العهد بمثل هذه الأحداث، لم ينفكّوا حينئذ عن السؤال عن حال أهل الدار التي هدمت. كان الجيران يتحدّثون عن حوالي خمسة عشر فردًا كانوا يسكنون في البيت. ولكن كلّما حفروا وأزاحوا التراب لينقذوا أحدا لم يقدروا على شيء. لم ينجُ منهم أحد، بل حتى جنائزهم تلاشت وتقطّعت جميعًا. وما عثروا إلا على كومة من العظام وأشلاء اللحم. ولا كان بإمكان تشخيص واحدٍ منهم.
ما كان بوسع أحد أن يفعل شيئا. غير أن بعضهم قام بتجميع ما بقي من قِطَع أجساد الشهداء. أما نحن فقد رجعنا إلى المستشفى وواصلنا عمل التنظيف. قد حزّ هذا المنظر في نفوسنا. لم يستطع أيّ منا أن يأكل شيئا حتى يومين. قد اقتصر طعامنا على الماء. وإن غَلَبنا الضعف طعمنا تمرةً أو زبيبًا وحسب.
كانت تلك الليلة مقمرةً ومضيئة. فاستطعنا أن نواصل عملنا ونتمّه بسهولة تحت نور القمر حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. فأصبح قسم الطوارئ جاهزًا وكذلك باقي الأقسام لاستقبال الجرحى. طلب الدكتور إلياسي من الحارس أن يعلن في المدينة أنّ المستشفى تستقبل الجرحى، فإذا كان هناك جريح، فليأتوا به إلى هنا. كما أخبروا منطقة الحرب بمجيئ فريق طبي إلى المدينة وبإمكانهم أن يرسلوا الجرحى إلى المستشفى.[1]
[1] المصدر: سجادي، شيوا، خاطرات ايران (مذكرات إيران): مذكّرات إيران ترابي، طهران، سوره مهر، 1391، الطبعة الأولى، ص154.
عدد الزوار: 4763
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.