مذكرات داوود موسائي عن سوق الكتب والنشر
أردتُ العمل لنفسي، السر الذي يجب ألا يُباح
مريم رجبي
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2017-8-24
خاص موقع التاريخ الشفوي الإيراني، أقيمت الجلسة الثامنة عشر لسلسة جلسات "تاريخ الكتاب الشفوي"، صباح الثلاثاء 15 أغسطس 2017، بمسعى مدير الجلسة نصر الله حدادي ومدير دار فرهنك معاصر "الثقافة المعاصرة"، وذلك في مؤسسة بيت الكتاب.
مطبعة خرسند ودار آذر
وبدأ موسائي حديثه: ولدت في 26 نوفمبر 1954 في أردستان اصفهان. عشتُ في طهران، ولكن إثر حادث وقع لأبي وأدى إلى موته، إضطررتُ للعودة إلى مسقط رأسي لأربع سنوات ونصف. درستُ الصفّ الثاني وحتى السادس في اردستان. حين حصلتُ على شهادة الصف السادس، عدتُ لطهران مع عائلتي. لأنّ أمي كانت امرأة ذكية وتعرف جيدا أنّ أبناءها لن يتقدموا في مدينة صغيرة.
حين دخلتُ طهران، كان عمري ما يقارب 12 عاما. عملتُ في العام 1966 في بازار بين الحرمين، حيث كان قريب لنا يعمل في مطبعة خرسند. عملتُ بين خمس أو ستة أشهر. بعد فترة عرفتُ أنّ العمل لا يناسب نفسيتي. كانت أجواء المطبعة والتجليد سابقاً، أجواء الأستاذ والتلمذة. ليس للتميذ حقّ الاعتارض أو الكلام. شعرتُ أني أُعذب. أقنعتُ أمي بعدة أسباب لكي لا أعود لتلك المطبعة.
ولأني كنتُ معيل عائلتي، كان عليّ أن أجد عملاً آخر، بالطبع كانت أمي تعمل في البيت. أذكر بالتحديد في عصر يوم جمعة خريفي ذهبتُ مع أمي إلى المرحوم مرتضى عظيمي لكي يجد لي عملاً. كان المرحوم مرتضى عظيمي في العام 1962 أو 1963 يريد الحصول على شهادة الثانوية، وهو آتٍ من زوارة إلى اردستان، إذ ليس في زوارة ثانوية. تفصل زوارة عن اردستان 15 كليو مترا ولا يمكنه الذهاب والرجوع يوميا، لذلك بقى لفترة في منزل جدي. ورغم أنّ وضع جدي المالي ليس جيدا، ولكن معنوياته عالية جدا وأبوابه مفتوحة دائما للآخرين. وهكذا تعرفتُ على المرحوم مرتضى عظيمي. حين قبل عظيمي أن أعمل لديه، كان يوم لا يُنسى، لأنه لم يكن من المقرر أن أعود للمطبعة. في صباح اليوم الثاني بدأتُ العمل في دار آذر، عند عظيمي. بدأ العمل قبلي بأيام هناك محمد نيك دست. وكان يعمل هناك علي رسولي وشخص باسم مهدي. بعد فترة غادرنا مهدي. كنتُ أعمل من الساعة ال8 وحتى ال9 مساء. آخر باص كان باص العاشرة وكانوا يرسلوني أحيانا من أجل الشراء وأتأخر، فأركض من أجل الوصول للباص. هناك عرفتُ أنّ الإنسان يمكن القيام بعمل لو أراد ذلك.
لا أدّعي الذكاء، ولكني أعلم أني لست قليله. عملتُ ثلاث أعوام في دار آذر، ولكن خلال ثلاث أسابيع عرفتُ كل الكتب وكم مجلد لدينا وفي أي مكتبات. حين يذهب البقية للغداء، كنتُ أبقى وحيداً. أحيانا يدخل مشتري ولأني كنت في 13 أو 14، يسأل عن صاحب المحل، وكنت أريد منه ذكر اسم الكتاب الذي يريده، البعض منهم يغادر والبعض يعتمد عليّ ويذكرون اسم الكتاب،كمثال يطلبون كتاب "المال والبنكية" للدكتور منوجهر زندي حقيقي، أذهب بسرعة وأحضر الكتاب ثم أقول لهم هل تريد كتاب "التعادل وعدم التعادل الإقتصادي"؟ فيتعجبون ويقولون نعم، وهذه من ضمن دروسنا، فأسرع باحضاره، فأنا أعرف ارتباط الكتابين ببعضهما. قرأتُ في هذه الدار كلَّ الكتب الذهبية الصادرة عن دار أمير كبير، مثل "حول العالم في ثمانين يوم" و "هاكلبري فين" و" الأمير الصغير" و... كلّما مررتُ من جانب مكتبة في شارع شاه آباد ( حاليا شارع الجمهورية الإسلامية)، كنتُ أرى كتاب "أنا تيمور فاتح العالم" في الواجهات الزجاجية فأطلب من عظيمي أن يحضر على الأقل كتابين منه لبيعهما ولكي أتمكن من قراءته، ولكن السيد عظيمي يردّ أنّ هذا الكتاب لا يشترونه من هذه الدار.
وأضاف: لم أبع أبدا الكتب المقرصنة. حين كنتُ أعمل عند السيد عظيمي وكنت في الرابعة عشر، كان يأتي شخص ويطلب كتاب "أمي" لغوركي. يلقي السيد نيك دست عليه نظرة ويقول لدينا هذا الكتاب. يشتري الشخص الكتاب ويضعه وسط صحيفة ويغادر. بعد تقريبا ربع ساعة، تقف سيارة مرسيدس 180 أمام الباب ويخرج منها شخصان. ويردان المحل ويسألان هل أنتم الثلاث فقط هنا؟ كنا أنا والسيد نيك دست وصدري وهو متقاعد ويعمل محاسبا. أخذونا في السيارة ثم إلى سجن قزل قلعة. لم يهتموا بي ولا بصدري، في حال أني اعلم أنّ هذه الكتب نشتريها من السيد جارجي. أبقوا على محمد نيك دست وأطلقوا سرحي مع صدري بعد ساعتين.
العمل الفصلي
وقال الناشر موسائي: "عمل أشخاص ما يقارب 10 أعوام في مكتبات دهخدا أو جهر كار. كنتُ أفكر مع نفسي هل سيكون مصيري هذا؟ العام 1966 حين دخلتُ العمل أمام جامعة طهران، كانت ثمان مكتبات، دور نشر طهوري وآذر وجهر وأبو ريحان ودهخدا ودانشجو وأمير كبير وبيت الكتاب. إعتقدتُ أنّ كل المكتبات تودّ لو أعمل عندها. في يوم قلتُ للسيد عظيمي لن أعمل منذ بداية الشهر. ألقى عليّ عظيمي نظرة وسأل ماذا تريد أن تفعل؟ خفتُ منه كثيراً وأجبته أريد أن أبيع الكتب. فقال أخبر أمك لتأتي هنا وقبلتُ. وكنتُ أخاف أمي كثيرا. مرت عدة أيام ولم أفاتح أمي بالموضوع واعتقد السيد عظيمي أني نسيتُ الموضوع. بعد أيام أطلعتُ أمي على الموضوع. حزنت وجاءت للسيد عظيمي. أقنعته أن أبقى في دار آذر، ولكني وحسب تصميمي، لم أذهب منذ بداية الشهر لدار آذر. تعرفتُ في السنوات الثلاث على الكثيرين منهم برويز با ستان ومرتضى صالحي. ذهبتُ للمكتبات الواقعة أمام الجامعة ومنها مكتبة السيد طهوري وقلتُ له أريد بدأ العمل لنفسي، أعطاني كل واحد منهم بين 10 و20 كتابا. جمعتُ ما يقارب 100 كتاب. فرشتُ بلاستيكا على الأرض أمام الجامعة وبدأتُ بيع الكتب. لم تعلم أمي بعد أني لم أعد أعمل عند السيد عظيمي. لو كان السيد عظيمي يعطيني في الإسبوع 50 تومان، فأنا أحصل من عملي الحالي في الاسبوع 80 توماناً وأسلمها لأمي. ربحتُ في نهاية الشهر بين 300 و 400 تومانا. تعجبت أمي من زيادة راتبي. ولأني تخاف على أبنائها من الضياع، أخبرتها أني بدأتُ عملي الخاص. في الشهر الثاني والثالث تحسن الوضع.
حين وصل فصلا الخريف والشتاء، كنت أتعرف على أنّ عملي فصلي. خجلتُ من الذهاب إلى السيد عظيمي، لذلك ذهبتُ إلى دار أبو ريحان. كان هناك السيد كاظم مرتضوي. طلبتُ منه العمل وقبلَ. قضيتُ الخريف والشتاء معهم. عدتُ في الربيع لعملي وفرشت كتبي. قضيتُ عامين على هذا المنوال ولم أجد بعدُ طريقي. لم أود البقاء مثل البقية باعة كتب. في إحدى الشتاءات، العام 1969 حين كنتُ في دار أبو ريحان، إلتقيتُ حسين خامنه اي الذي كان رئيس مكتبة أمير كبير في مطار مهر آباد. سألني ماذا تعمل وأخبرته أني في الربيع والصيف أبيع على الرصيف الكتب وفي الخريف والشتاء أعمل في مكتبة. ثم قال لي لقد أخذ غرفة في سوبراستور، أمام جام جم. أجرها للكتب الأجنبية والبطاقات والمجلات الإيرانية والاجنبية. ثم رأيتُ الغرفة معه، وبدأتُ العمل معه. كان من ضمن زوارنا الدائمين هوشنك كاووسي ومسعود أنصاري. أول شخص افتتح مكتبة هناك كان خامنه اي، الثانية كانت في جوردن (حاليا شارع نلسون مانديلا) وكانت للمخرج علي عباسي والثالثة للجيش. أتقنتُ عملي لدرجة قال لي السيد خامنه اي: أنت لست موظفا عندي، بل مدير. كلما افتتح مكانا جديدا يرسل لي شخص لأدربه على العمل ثم أذهب للمكان الجديد. في المكتبة الثالثة مكتبة 115 الجيش عملتُ لثلاث سنوات. وهنا اختلفت القصة. كان 95% من المراجعين عسكريين. هناك بابان، باب عام وباب خاص للمسؤلين. أخبرونا في يوم أنّ الجنرال عبد الكريم أيادي سوف يزورنا في يوم الإثنين الإسبوع القادم. كان الجنرال الطبيب الخاص للشاه وله نفوذ كبير. حين وصل الجنرال، جاء لغرفتي وسألني عن سعر الألوان و بوصلة. خطر لي أن أخبره بسعر أرخص مما هو.أخبر سكرتيره أن يفع قيمتها. رئيس المكتبة هو العقيد شاه بداغلو واسم مساعده رامين. جاء في يوم العقيد وقال بلهجة آذرية أين هو السيد حسين خامنه اي؟ فقلتُ له لا اعلم. قال مباشرة ليوصل نفسه بسرعة. خفتُ وقلتُ لنفسي بالتاكيد أني أخطأت. اتصلت على السيد حسن. حين وصل قال لي أنت لم تخبرني أنّ الجنرال أيادي كان هنا. قلتُ له لقد نسيت. سأل هل اشترى شيئا؟ أخبرته بما اشترى. قال السيد حسن هل تعرف أنّ أسعارنا أرخص من البقية بنسبة 10 بالمائة؟ قلت: نعم وانها أرخص من سعرها الحقيقي؟ احتضنني وقبلني".
بسطة رصيف حداثية
وقال موسائي: "جاء في يوم خامنه اي وقلتُ له وجدتُ شخصاً ليعمل مكاني، لأني أريد العمل لنفسي. ومهما حاول أن يبقيني لم أرخض وقلت سوف أعود للرصيف. قال جعفر حيدري سوف نعمل سويا وقبلت. هذه المرة أردت وضع فرشة حداثية على الرصيف. طلبت من صديق حداد أن يصنع لي صندوقا. اشدّ الصندوق مساء بالأرض بجانب الجامعة. في اليوم الثاني، أخطرتني البلدية، ولكن عبر حديث حُلت المشكلة. وكان يشتري مني دائما في تلك الفترة كامران فاني".
وأضاف: "بالصدفة، إلتقيتً شخصا باسم أكبر في مكتبة الجامعي، ويعمل عند ملامد. كنتُ اعرف أنّ ملامد يعمل على معاجم ذات لغتين. وهي كتب لها سوقها. سألتُ أكبر هل تعمل في هذا المجال؟ فقال لا، السيد ملامد يعمل عليها في غرفته. شجعته لكي يتعلم صنعة ملامد. بعد مرور شهر جاء وقال لقد دمرت حياتي، ما طلبت مني تعلمه، عرف به ملامد وطردني. رأى أكبر الجهاز وهو جهاز كبس بسيط جدا وقد يصل سعره في تلك الفترة بين 150 و 200 تومان. صنع أكبر الجهاز وأعدّ الحروف، ولكنه لا يعلم أين تصنع الشفرة للقص. سلمته مال الجهاز وطلبت منه العودة لملامد وأن يعتذر منه ويعود لعمله. أخذتُ الجهاز للبيت. عليّ أن أجد من يصنع شفرة القص. إضافة لملامد، كان هناك شخص آخر يعمل على هذه الصنعة. وعبر دفعي 10 تومانات للعامل، وجدت مصنع تلك الشفرة واشتريتها. عبر هذه العملية قلبت صفحة جديدة في حياتي. تحسن وضعي. أدخلتُ إخوتي معي في العمل. قضيتُ سنة أعمل في بيتي. خطرت لي فكرة، بالتأكيد أنّ هناك جهاز كهربائي لمثل هذا الجهاز. وبعد عدة استفسارات توصلت للجهاز الكهربائي. ثم فكرت في أخذ مكان لي. أخذتُ من السيد يهودا بروخيم هزارتايي معجم لغوي واستنسخته له. ثم ذهبتُ لبقية الناشرين منهم السيد عبد الرحيم جعفري ودار أمير كبير وأضفتُ جهازا ثاني. في سنة كتبتُ عقدا مع السيد بروخيم ونسختُ له كل معاجمه. ثم اشتريتُ قبواً بمساحة 120 متراً ووضعتُ فيه ما يقارب 15 جهازاً. كنتُ في ال20 من عمري حين عملتُ في تجليد الكتب وعندي 40 موظفاً".
واستلم في نهاية الجلسة داوود موسائي هدية ومنحها لمؤسسة كهريزك الخيرية.
يُذكر أنّ هذه الجلسة تأتي في موسمها الثاني وقد حضرها عدد كبير من مدراء دور النشر في إيران، حيث طرحوا تجربتهم في النشر والعمل في الكتاب.
عدد الزوار: 4355
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.