جزء من مُذكّرات نساء خوزستان المُقاتلات خلال سنوات الدفاع المقدس الثماني
من اختيار: فائزة ساسانيخاه
2024-9-22
الراوي: حميدة مراديان – الأهواز عام 1346 هجري شمسي
قاعدة (مُعسكر) الشهيد علم الهدى
في كل عام و قبل أيام قليلة من عيد النوروز كانت والدتي و جدتي و جدي مع مجموعة من النساء والرجال يذهبون إلى قاعدة الشهيد علم الهدى في الأهواز، حيث يقوم الرجال بغسل بطانيات و أحذية المُقاتلين (المحاربين) كما تقوم النساء بغسل ملابسهم و أغطيتهم.
أخذتني أمي معها في تلك السنة و لم يكن عمري قد بلغ العاشرة في حينها. وقد كانت النساء يغسلن الصحون والملابس من الساعة الثامنة صباحاً حتى أذان الظهر، ثم يبدأن بالغسل مرةً أخرى بعد صلاة الظهر و تناول طعام الغداء إلى ما قبل أذان المغرب. و رغم أن الدلاء التي تضع فيها السيدات غسيلهن كانت ثقيلة جداً، إلّا أنني كنت أرفعها بكل قوتي و أُعطيها للأشخاص المسؤولين عن تنشيفها (عصرها) عند البركة الكبيرة ثم أرجع مرةً أخرى. لقد سمّتني (دعتني) السيدات بـإسم "الجندية الصغيرة" و كلُّ شخص كان يحتاج إلى الصابون و وسائل التنظيف كان يطلب مني أن أحضرها له.
في أحد الأيام وبينما كان الجميع مشغولاً بغسل الملابس و كنت أنا أيضاً أقوم بتأدية مهامي، أعلنت الإذاعة العراقية أن القوات العراقية ستقصف المدينة ومنحت الناس (الساكنين) مهلةً لمغادرتها.
بعدها حضرت السيدة "موحّد" مسؤولة قسم الأخوات في قاعدة الشهيد علم الهدى بين النساء و قالت بجاذبيتها المُعتادة: "يا أخواتي! عافاكم الله جميعاً و ستآجركم السيدة الزهراء (ع) على عملكم."
ثم تابعت: "نحتاج اليوم إلى بعض المُقاتلات الفدائيات لكي يذهبن إلى حقل الألغام"، عندها نظرت جميع السيدات إلى بعضهن البعض و تعالت أصوات ضجّة في المكان: "حقل الألغام؟"
ثم قالت النساء لبعضهن: "هل يأخذون السيدات إلى حقل الألغام؟" عندها سألت السيدة موحّد مرة أخرى بجدية و حزم: "هل من أحد يرغب في الذهاب إلى حقل الألغام؟"
عندها نهضت (وقفت) الفتيات البالغات من العمر 18 و19 عاماً دون طرح أي أسئلة و وقفن بجانب السيدة موحّد، وبعملهن هذا أعلنّ استعدادهن للذهاب معها.
وضعت السيدة موحّد يدها على رؤوسهنّ و و جوههنّ وقالت: "لا، أنتنّ صغارٌ جداً."
فأجابت الفتيات: "لكننا مستعدون لتقديم أرواحنا فداءً للإسلام". عندها قامت السيدة موحّد بصفهنّ بجانب مجرى الماء الذي كان في الفناء وقالت للسيدة المسؤولة عن حقل الألغام: "أحضري الأكياس!"
وعلى الفور وضعن بعض الأكياس بجانب مجرى الماء وفتحوها، وكان الجميع ينتظر ليرى ما هو اللغم، لكن اللغم لم يكن يظهر بعد. لذلك قامت بعض النساء اللواتي أحضرن الأكياس بمسك قاع تلك الأكياس و إفراغ محتوياتها بجانب مجرى الماء فسقطت ملابس مُغطاةٌ بدماء المقاتلين، وكانت آثار الرصاص وقذائف الهاون واضحةٌ للعيان على صدر الملابس و منطقة الخصر و الأفخاذ.
الأمر الأكثر إحزاناً هو أن قطعاً من لحم و عظام المُقاتلين كان يُمكن رؤيتها أيضاً بين تلك الملابس و على إثر ذلك فقد بكت جميع النساء بصوت واحد عند (فور) رؤية هذا المشهد.
وسريعاٌ قامت الفتيات اللواتي استعدّينَ للذهاب إلى حقل الألغام بفتح الماء و وجهنّ خراطيم المياه باتجاه تلك الملابس الملطخة بالدماء، فأصبحت الدماء تجري (تتدفق) كالجدول. وأثناء ذلك كان الجميع غارقٌ في حالة روحية من الحزن، فبينما كانت النساءُ يغسلنَ ملابس المُقاتلين كانت دموعهنَّ تنهمر في طشت (دلو) الغسيل. أذكُر أن جدتي التي كانت تغسل الملابس في كل يوم و كانت تُخبر النساء عن المسائل الشرعية المُختلفة، بدأت هي الأُخرى بقراءة دعاء التوسل عندما رأت الحالة النفسية للأخوات، الأمر الذي أحدث حالةً غريبةً من العاطفة لدى النساء و منحهنَّ طاقة جديدة للعمل. وقد كُنّ يُسرعن في إفراغ دلو الملابس التي تم غسلها، ثم لايلبث ذلك الدلو أن يمتلئ مُجدداً، كما كُنّ وهن يغسلن الملابس يتمتمن بالدعاء بشفاههنَّ وعندما يصلُ دعائهنَّ إلى عبارة "يا وجيهاً عند الله" كانت تتعالى الأصوات و يقمن بترديد تلك العبارة بانتظام، وعندما كن يصلن أثناء دعائهن إلى إسم الزهراء (عليها السلام) كان الجميع يتحرق و يهتف من أعماق قلبه: "يا وجيهاً عند الله إشفعي لنا عند الله."
كانت جدتي تُقسم بالضلع المكسور للزهراء (عليها السلام) أنها ستساعد مقاتلي الإسلام. وفي هذه اللحظة بالضبط حدث شيءٌ لايُمكن لأحد أن يُنكره، فهاهي رائحةٌ طيبةٌ يشمّها الجميع ملأت أرجاء المكان. وعلى الرغم من أن الجميع كان مُستغرباً (مُتعجباً)، إلّا أن هذه الرائحة العطرة كانت تنبعثُ من ملابس المقاتلين المُلطخة بالدماء[1].
[1] المصدر: الزركي، مرضية، جنود اللون الأسود؛ ذكريات نساء خوزستان المُقاتلات خلال سنوات الدفاع المقدس الثماني، نشر نيلوفران، 1390، ص54.
عدد الزوار: 73
جديد الموقع
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.