مكانة الأدلة الشفوية للسجلات الثقافية للشهداء في تاريخ الدفاع المقدس
مريم توسلي [1]
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2019-8-30
كما هو الحال في مجالات تاريخية أخرى، يتطلب تجميع تاريخ الدفاع المقدس استخدام مجموعة متنوعة من المصادر والوثائق، سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة، لاسيما المؤسسات والمنظمات والأجهزة الشفوية ذات الصلة بالحرب لزيادة فهم هذه الدورة وتصحيح المعلومات وتكميلها، وهي تاريخياً تحظي بمكانة خاصة.
لا تقتصر فترة الدفاع المقدس في ساحة المعركة على جبهات الحرب والعمليات فقط، بل أنّ الحرب ليست مجرد أحداث عسكرية، حيث هناك أشخاص يقفون خلف الجبهات لدعمها، لاسيما الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع. كما أنه يشمل الأخلاق والسلوك الفردي والجماعي إبّان فترة الحرب. لهذا السبب، فإنّ تأريخ الحرب التي فرضها العراق على إيران يحتاج إلى جميع المعلومات الواردة في كلّ الوثائق، على الرغم من أنها في مقدمة المصادر التالية.
الوثائق المستخدمة من قبل الباحثين لكتابة تاريخ الدفاع المقدس متنوعة وواسعة النطاق. وهذه المجموعة الواسعة، من الموافقات التنفيذية والتشريعية، والقرارات الحكومية، والوثائق السرية والسرية للغاية إلى الخطط العسكرية، حظيت بمكانة جيدة في تاريخ الدفاع المقدس في السنوات الأخيرة ، كل من مذكرات الشخصيات السياسية ومذكرات قادة الحرب الكبار ومذكرات قوات المشاة في الحرب. بعد فحص ودراسة دقيقتين، يمكن لهذه الوثائق أن تطلع جمهورها علي الأجزاء غير المكتملة وغير المعلنة للتاريخ السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للحرب المفروضة.
لدى شهداء الدفاع المقدس ملف ثقافي في مؤسسة الشهداء ومنظمة شؤون الأسري في محل سكانهم. كما أنّ بعض محتويات سجل الشهداء الثقافي تحتوي أيضاً علي سجلات شفوية مدونة .ذكريات الأب، والأم، والأخت، والأخ، والأقارب، والأصدقاء و زملاء الحرب للشهداء هم الأكثر أهمية والتي تكون بشكل مذكرات، ومقابلات شفوية في التاريخ وتكميل الإستبيانات. الأدلة الشفهية للشهداء، وهي مجموعة من ذكريات الأقارب والأصدقاء وزملائه المقاتلين، وهي مصادر مكملة في كتابة تاريخ الحرب العراقية المفروضة على إيران، والملف الثقافي للشهداء هو أهمّ تجميع وأرشيف لهم.
يتم الاحتفاظ أو تحديث وثائق الشهداء الشخصية حسب الجنس والعمر والأسرة والجنس والطبقة الاجتماعية بأعداد محدودة (مصادر المعلومات) باعتبارها "سجلات ثقافية" في دائرة الشهداء وشؤون الأسري. يتم حالياً مسح المعلومات الموجودة في الملف الثقافي للشهداء وحفظها رقمياً. بالإضافة إلى تقليل الحجم الفعلي للمعلومات، جعل الأرشفة والوصول إليها أسهل من أي وقت مضى. من ناحية أخرى، ونظراً لقدرات التكنولوجيا الرقمية وقدراتها واستخدام أجهزة الكمبيوتر، من الممكن البحث في المستندات واسترجاعها وعرضها وتدقيقها ومشاركتها بسرعة.
محتويات هذه الملفات هي: المستندات الشفوية، الصور الفوتوغرافية والصور، بطاقات الهوية، الإستمارات، الشهادات والمؤهلات، والمنشورات. كما تشكل ذكريات العائلة والأقران في الحرب والأصدقاء ومعارف الشهداء ومذكراتهم ومخطوطاتهم أو مقابلاتهم دليلاً شفهياً على السجل الثقافي للشهداء. تأتي هذه المذكرات بأشكال عديدة وبأشكال مختلفة مثل إستمارات الرواة الخاصة، يوميات المحاربين، نموذج معلومات الشهيد الخاصة (نموذج خطة الإحياء)، ملف تعريف مؤسسة الشهيد (الوحدة الثقافية لمؤسسة الشهيد)، مجموعة مذكرات مختصرة أو موجزة تم جمعها بشكل كتاب، أو في شكل اجتماعات للأوساط الثقافية أو مجموعات مثل المساجد والحسينية أو قواعد مقاومة الباسيج، ومنشورات الدفاع المقدس، وأشكال من الوثائق الفخرية (مذكرات عائلة الشهداء باستخدام مقابلات شفوية للتاريخ).
الإستمارات الخاصة للمذكرات هي عبارة عن صفحات بيضاء، وتُكتب رداً على أسئلة من خادم الشهداء، مساعدين ومستشاري مؤسسة الشهيد من جهة والرواة من جهة أخرى.
جزء من المعلومات المطلوبة عن أشكال الحياة، مثل النشاطات السياسية الإجتماعية للشهيد (الجمعية الإسلامية، صلاة الجمعة، توزيع المنشورات والمشاركة في المظاهرات، إنشاء الجمعيات الخيرية وقرض الحسنة المحلية)، الأنشطة العلمية والثقافية والفنية الهامة للشهيد (التأليف، الشعر، المديح التصاميم، الخط و،الصفوف العقائدية وتعليم القرآن الكريم، والبيانات التي قد أدلى بها الآباء والأصدقاء وأقارب الشهيد.
وتحتوي الذكريات، وبالإضافة إلى الكشف عن الجوانب بعيدة لحياة الشهداء، وأحياناً على معلومات وبيانات تاريخية يمكن للباحثين استخدامها في البحث والدراسة النوعية. كما تتضمن هذه المعلومات والبيانات المهمة من هذا المصدر المهم ما يلي: التقسيم الطبقي والتكوين الاجتماعي للمجتمع، والوضع الثقافي والاجتماعي في المناطق المحيطة بالمركز، والأحداث المتعلقة بانتصار الثورة الإسلامية في مدن مختلفة، ومنظمات ومؤسسات شعبية، واللجان الإسلامية الثورية، والمنظمات السياسية مثل حزب الجمهورية الإسلامية، والمنافسات والمسابقات والمجموعات السياسية في مدن مختلفة، والعلاقات المشتركة بين المجموعات، التسجيل، التدريب والنشر، والدعم العام للدفاع المقدس، والقضايا المتعلقة بإصابات المحاربين واستشهادهم، وأيضاً القضايا المتعلقة بعملية علاج المحاربين و.. إلخ.
النقطة المهمة هي أنّ هذه المذكرات تم تجميعها وكتابتها في العقود التي تلت نهاية الحرب المفروضة (1991-2001)، دون دراسة الوثائق المكتوبة. لهذا السبب، فإنّ معظم محتوى المذكرات غنية وتعاني من عدم وجود المعلومات المتعمقة، لأنّ الراوي، و دون تقديم الأسئلة الأساسية والمطروحة، عبر عن بعض الذكريات العامة بشكل أحادي في ذهنه وذاكرته. للأسف، يتم العثور على هذه العملية في كل مكان تقريباً، بدلاً من التعامل مع أحداث حياة الشهيد واستخراج المعلومات اللازمة منها، والتعرف علي المزيد حول القضايا الهامشية مثل الأحلام والقضايا ومشاكل الآباء والأشقاء وما إلى ذلك. في بعض الأحيان تحوّل مسار المقابلة أيضاً من موضوع الشهيد إلى موضوع الراوي، وتحدث الشخص عن حياته بدلاً من الشهيد!
لعب مساعدو ومستشارو مؤسسة الشهيد دوراً بسيطاً في طرح الأسئلة واستخراج المعلومات من الرواة بسبب افتقارهم للسيطرة على موضوع الشهيد وأحداث حياته وحربه وعملياته. لذلك، وعند كتابة المذكرات، يتم كتابة المادة بطريقة غير صحيحة أو غير واقعية أو يتم نقلها علي هذا المنوال، كما يتم تجاوزها أيضاً ببساطة. في غضون ذلك، يمكن القول أنّ مقابلات التاريخ الشفوي فقط "وثائق الفخر"، حيث شروطها خضوعها لمراعاة المعايير والموازين العلمية، لديها شمولية نسبية للمعلومات حول حياة وأنشطة الشهداء إبّان فترة الدفاع المقدس. عدم وجود توقيت دقيق للمذكرات أو الراوي أو الرواة غير الواضحين، وقلة التسلسل الزمني للمذكرات أو التسلسل الزمني لها، وعدم وجود أسئلة أو مقابلات يتم التحدي فيها، وخلط الشخصيات والموضوعات، وعدم الفصل هي مشاكل أخرى لهذه الوثائق. قد يؤدي هذا إلى تضليل المؤلف أو الباحث، مما يترك الأعمال بها عيوب خطيرة ومعلومات مضللة، لأنه ولسوء الحظ في معظم الأوقات، وبغض النظر عن الأدلة المكتوبة، يستخدمون وقت مذكراتهم وسيرهم الذاتية المُعدة والمكتوبة مباشرةً والإستفادة منها كذلك. كما يتم تقاسم هذه المفاهيم الخاطئة تدريجياً في كتب جديدة ومواقع البيانات وأماكن أخرى.
يواجه الباحث ثروة من البيانات والمواضيع التاريخية التي قد لا يكون رواتها علي قيد الحياة ولا يمكن إجراء مقابلتة معهم مرة أخرى. لذلك لا يوجد حل آخر سوى استخدامها، ولكن هناك بعض الأشياء التي يجب مراعاتها عند استخدام هذه المعلومات ودمجها في موارد البحث. على الرغم من قيام المحقق بذلك دون إجراء مقابلة متعمقة وطرح الأسئلة، وتجميع مجموعة من المذكرات، حيث يجب الالتزام بالمعايير العلمية لاستخدامها في تجميع سير الشهداء وأي مواضيع أخري. يجب على الباحث أو المؤلف أولاً دراسة جميع المستندات المكتوبة والسمعية والبصرية للملف الثقافي للشهداء بعناية للحصول على صورة عن حياة الشهيد وأنشطته. لتغطي هذه الدراسة تاريخ الميلاد الدقيق للشهادة والدفن. الدليل الأول على تاريخ الميلاد هو أنّ الأم أو الأب يتحدثان عن مصادفة تاريخ ميلاد إبنهما مع الأحداث المهمة مثل عاشوراء وتاسوعاء وولادة أو استشهاد الأئمة الشيعة وعيد نوروز والأحداث التاريخية وما إلى ذلك. في هذه الحالة، سيتم توثيق وثائق الهوية، مثل شهادات الميلاد والمذكرات التكميلية، وتعديلها في نفس الوقت.
تقوم السجلات الدراسية ووثائق الإستبيان وحتى الذكريات الأخرى بتصحيح واستكمال البيانات المتعلقة بحياة الشهيد مثل مستوي التعليم وفترة تواجده في الجبهة وكيفية الإصابة ونوعها ومدتها وغير ذلك من القضايا الأخري.
إنّ مراقبة ودقة الصور، من الطفولة والولادة إلى جثمان الشهيد والجنازة والدفن، يمكن أن يكمل أو يصحح أجزاء غير كاملة من الذكريات. كما يغطي وصف مظهر الشهيد لخصائصه وأنشطته الأخلاقية والتدريب العسكري، والجبهة ومحل الخدمة وموقعه.
من المهم الانتباه إلى عمر الشهيد في التعامل مع المطالبات المقدمة في مذكرات مثل حضور الأحداث الثورية، والانضمام إلى المنظمات السياسية، والأنشطة السياسية والاجتماعية، ومحو الأمية، والأدلة العلمية، ويمنع المبالغة والغلو عند تجميع الموضوعات.
من بين المذكرات والأدلة الشفوية، تعتبر كلمات المحاربين قبل الشهادة في دفاتر المذكرات الخاصة بهم والملاحظات الشخصية والرسائل وأشرطة الكاسيت ومنشورات الدفاع المقدس والتسجيلات والمقابلات أثناء الإرسال أو في المنزل أو بعد العمليات ذات قيمة عالية. لأنه كتبت في وقت الحدث، ودون مبالغة وغلو، وبدون إعلان مسبق.على الرغم من صغر حجم هذه المجموعة من الذكريات، فأنها تحظي بأهمية حول مكان التحقق من الأدلة الشفوية الأخرى التي تم جمعها على مسافة معينة في فترة ما بعد الحرب والظروف السياسية المحددة.
نواقص الأدلة الشفوية، تشمل حياة الشهيد بأكملها، والأنشطة العلمية والمهنية، وفترة تواجده في الحرب وكيفية الإصابة والإستشهاد والتشييع والدفن أيضاً. يجب تحديد نواقص هذه الوثائق بعد دراسة المستندات المكتوبة وحلها بواسطة نفس المصادر من أجل إنتاج نص موثوق. من خلال القيام بذلك، يمكن أن تلعب النصوص الجديدة دوراً موجزاً في استكمال المعلومات حول الحرب المفروضة والعمليات وجبهات الحرب والقضايا المتعلقة بمناطق الحرب وما إلى ذلك.
--------------------------------
[1] خبيرة في تاريخ إيران الإسلامية، مدرسة تاريخ التربية في دائرة التعليم والتربية منطقة 2 بإصفهان، البريد الإلكتروني: maryamtavasoli42@gmail.com
عدد الزوار: 4421
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.