مذكرات الأسير عزيزالله فرخي-القسم الأول

تطلب أجهزة اللاسلكي منا: إذهبوا جهة القمر!

حاوره: مهدي خانبان بور
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-8-11


أسر عزيزالله فرخي، في فترة الدفاع المقدس وشارك في الحرب المفروضة على إيران. ولد في العام 1963 في طهران، وإلتقى موقع التاريخ الشفوي معه ليحدثنا عن ذكرياته عن الجبهات وفترة أسره في المعسكرات زمن صدام. وفي القسم الأول يتحدث فرخي عن المرحلة الأولى التي أُسل فيها الى الجبهة لتحرير مدينة خرمشهر.

 

في أي عام أُرسلت الى جبهة الحرب؟

كانت المرة الأولى في العام 1981. كنتُ في الصف الرابع الثنوي، ووفقت للذهاب مع خالي الذي كان جنديا وقد انهى فترة تجنيده. بالطبع لم يكن ذهابي كمحارب. كانت المرة الأولى التي أذهب فيها الى جبهات الجنوب وأشمّ للمرة الأولى رائحة البارود وأسمع صوت المدفعية. ولم أكن قد أنهيتُ دراستي لكي أتوظف في الحرس، ولكن عن هذا الطريق يمكنني الدخول في الجبهة. كانت المرة الثانية في نفس العام حين ذهبتُ للجبهة.

كم كان عمرك؟

كنتُ في الثامنة عشر.

هل واجهت مشكلة أخذ الموافقة؟

لا، كانت عائلتي تعرف الأوضاع جيدا ولم يخافوا ذهابي.

كيف كان تصورك عن الحرب؟ هل أخذك الشوق وما يحدث في الجبهات أم لا؟

هل أقول رأيي أو الأوضاع الإجتماعية؟ لأن لدي عقيدة أخرى لسؤالك.

لا، أخبرنا برأيك.

الأصدقاء الأكبر سناً منا، أعتقد أن تواجدهم كان مثيرا للتعجب أكثر، لأنهم بصورة ما ذاقوا طعم الحياة أكثر منا. قد يكون الأمر أصعب عليهم. وحدث شوق عند الشباب للثورة والدفاع عنها وفكر الإمام الخميني (ره) وحركته. كانت هذه فكرة عميقة. حدث هذا للشباب وقال الإمام (ره) أن شبابنا وشعبنا قد تحوّل، ومازلنا في طريقنا الى الأمام.

أخبرنا عن المرة الثانية التي ذهبت فيها، في أي عمليات شاركت؟

ذهبت في خريف العام 1981 الى الحرس للدخول في دورة تدريبية. أردتُ أن أنهي دراستي وأدخل الكلية العسكرية. ثم قلتُ لنفسي لا، فلأذهب الى الحرس. إذا دخلتُ في الحرس سأصل الى الجبهة بسرعة. قال أبي: "أردتُ دخول الكلية العسكرية، ما الذي حدث لكَ لتغير رأيك؟" قلتُ له: "بدأت الحرب ولن أذهب الى الكلية." في الحرس دخلت دورة لمدة شهرين عامة وخاصة تشمل اختصاص المراقبة.  ثم دخلتُ في قسم العمليات طهران وهي 9 كتائب. كنتُ في الكتيبة 9. كانت كتيبتنا في خدمة حراسة السيد (الخامنئي) ومقر الرئاسة، كانت كتائب الحرس ترسل الى الجبهات والبعض منها تبقى لحراسة الاماكن الحساسة في طهران مثل جماران والمطار. بعد فترة قُسمنا وسُلمت مهمة خاصة للبعض منها للذهاب الى غرب البلاد. كان في العام 1981. تقدمنا لكي نأخذ المهمة، وتقدم الجميع. قال القائد: "سيذهب فرخي." اختاروا من كل الكتيبة خمس أشخاص. وتمّ ارسال خمس أشخاص الى كرمانشاه وإسلام آباد الغربية ومعسكر أبو ذر لمعلية المراقبة. وأرسلنا الى كتائب الجيش لنقوم بدور المراقبة لهم.

في النهاية وصلت الى الجيش؟

نعم، في الكتيبة التي كان يقودها العقيد هدايتي.  بالطبع كانوا يقولون أن رتبته الجديدة قد وصلت له ولكنه لا يعتني بمثل هذه الأمور، كان انسانا مؤمنا. وهو من الأصدقاء المقربين من الشهيد صيادي وفي مثل عمره. كان حضوره مؤثر على كل خطوط الجبهات في تلك المنطقة. كانت منطقة حساسة، ونفس القائد حضر فيها ورأى عن قرب الوضع هناك. كان الشهيد صيادي يحضر كثيرا هناك. شخيات كثير عسكرية حضرت للمكان وكنا نتعلم منهم.

كانت تجربة لا تعوض.

عمل معنا ضابط مجند، رحمه الله، قبل عامين توفى، المرحوم محمود الله وردي. وبعد أن دخلنا معه في صداقة، دخل هو الحرس وسمعنا فيما بعد أنه أصبح مسؤل استخبارات جيش حضرة الرسول (ص) واستشهد هناك. عامان أمضيتهما هناك كانا تجربة لا تعوض. بأشهر تعلمنا ما يعلم في سنوات. كنا هنا حين بدأت عمليا الفتح المبين. ومعها سلمنا أوامر الدخول في العملية والمراقبة. وجهنا نارا كثيفة الى مواقع العدو لخمس ساعات لكي تتجه انظارهم الى المكان الموجه. ولكي يظنوا أن مقدمات لعمليات. خوفا من تسرب أخبار المواقع الأخرى. إذ كان في تلك الفترة المنافقون نشطين في العراق. يأتون الى الجبهة ويقومون بعملهم، ويأخذون معلومات ويعودون. وأصدر هدايتي أمرا لكل الكتائب باعطاء الذخائر للحرس، لأن الذخائر في تلك الفترة كانت حصصا. كان الوضع صعباُ الى درجة لا نجيب فيها العدو إلا بخمس طلقات وفي المقابل كان بامكان العدو أن يطلق مليون طلقة. كانت حربا غير عادلة. مع هذا الوضع جاء الأمر باعطاء ما نملكه من ذخائر رغم أننا كنا في حاجة لها. في هذه الأوضاع كنتُ حاضرا في جبهة القتال.

في تلك الثلاث أيام.

بعد عمليات الفتح المبين ارتفت أصواتنا لكي نشارك في العمليات. كان حديث يدور أن العمليات سوف تبدأ عن قريب.عدنا الى طهران لعشرة أيان ثم ذهبنا الى عمليات بيت المقدس. وكانت كتيبتنا تنجح تقريبا في كل مهمة تأخذها. سلمنا مقر الرئاسة لآخرين. في أحد الأيام تحلقنا حول السيد (الخامنئي) وطلبنا منه الذهاب الى الجبهات فقال لنا: "لا أعترض على ذهابكم ، لا فرق بين هذا المكان والجبهة. لاتظنوا أن عملكم يختلف عن الجبهات." وأخذنا الموافقة للذهاب. استشهد تقريبا أكثر شباب الكتيبة، أعتقد من عاد منهم ثمان أشخاص فقط. تشكلت كتيبنا الجديدة من 500-450 شخصا. وهي تعادل كتيبتين ونال تقريبا الجميع الشهادة. بدأنا من مدينة الشلمجه، أمام الجسر الجديد. كانت الأوامر هي أن نخترق خطوط العدو لنصل الى الجسر الجديد وندخل خرمشهر. كان قائد الكتيبة الشهيد محمود شهباز ليس مطمئنا للوضع. ولأن اللاسلكيات كانت تخبرنا ب: " إتجهوا جهة القمر!" كان القمر في السماء وعلينا أن نتجه جهة القمرلنصر الى خطوط العدو. وكان العدو يتنصت على التردد، كلما اتجهنا الى جهة القمر يطلق علينا النار وكان اطلاقا منظما. ولكننا نجحنا. قال الشهيد شهبازي: "قمتم بعمليتين ناجحتين، وسوف توفقون في هذه أيضا، عليكم الذهاب." ولكن الشباب كانوا تعبين ولم يناموا منذ ثلاث أيام. كنا نركض في الأيام الثلاث.كنا نكسر خطوط العدو ونعود ونكرر العملية. كانت الأوضاع صعبة جدا وكان يمكن للعدو القضاء علينا نحن المتقديمن بسهولة عبر اصغر خطأ.  ولكن الآن حين أجلس وأفكر فيما حدث، أرى أن الإمام (ره) رأى أمراً ليقول إن الله هو من حرر خرمشهر، الحقيقة لم نقم بشئ. كنا 30 -40 شخصا نقوم بالمهمات الصعبة ببنادق وآر بي جي والتي لا تؤثر في الدبابات. الى الآن أعيش حالة التعجب، لم يكن لدينا حتى ماء صالح للشرب ولا طعاما. كنا نسير ونحن نيام، رأيتُ كيف يسقط الشباب من شدة التعب.

في إحدى المرات وقعت بجانبي قنبلة يدوية، وأنا كنتُ في غفوة رغم أننا نتبادل اطلاق النار مع العدو، سمعتُ صوت الانفجار وصحوتُ من غفوتي رأيت أن القنبلة اليدوية لم تكن تبعد عني إلا 25 سنتيمترا.

هل أُصبت في الحرب؟

نعم. كنا في نفس المكان حتى الساعة الخامسة صبحا وجُرحت هناك. إنتهى تقريبا عملنا وجلسنا نرتاح على الأرض. كانوا يطلقون القذائف. استشهد الكثير منا في تلك المرحلة، كان منظرا مؤلما لكنه عظيم. ال 500 كأنهم عقل واحد في تحركهم. في آخر الليل اقتربنا من تلة رملية وكنا في حالة تراجع اثر القصف، اقترب مني شخص اسمه أصغر صالحي وقال: "فرخي هل أصبت؟" قلت: "نعم." قال: "إلتفت للخلف.. لنعبر هذه التلة." كانت تبعد عنا عشرين مترا وترتفع نصف متر. قلتُ له: "لا يمكنني أن أتحرك." كنتُ قد أصبتُ في رجلي وظهري. قال: "هل يداك في حالة جيدة. تعال... يقومون برفعنا الواحد بعد الآخر. تحرك دافعا نفسك بيديك." إنتظرت للحظات وحين أردتُ الذهاب بدأ اطلاق النار. كانت الطلقات تمر من جانبي ولم تبقَ ولا طلقة لديّ، حين عبرت التلة وجدت 12 شخصا مصابين بشدة. بقينا هناك، تناهى إلينا صوت الجرافة، كانت لنا. لم يكن السائق غير الشهيد جراغي، وصل لنا وأجبر العدو على التراجع وترك مكانهم. كانت الساعة 11:30 حين وجدونا ورجعوا بنا.

النص الفارسي



 
عدد الزوار: 5168


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة