مقتطفات من مذكرات الجنرال محمدجعفر أسدي

اختارته: فائزة ساساني‌خواه
المترجم: السيد محسن الموسوي

2025-5-10


بعد الاجتماع، نهضنا مع أصغر كاظمي، مسؤول العمليات، وتوجّهنا بأمر من "رشيد" للبحث عن مكان لقرار مقر "فتح". كان الموقع يبعد نحو خمسين كيلومترًا عن الأهواز باتجاه آبادان، حول قرية تُدعى "خضرية" شرق نهر كارون؛ أي نفس المنطقة التي كان مقر قرار فتح يقع فيها.

كان يكفي يوم واحد، من الصباح حتى العصر، لنتفقد المنطقة ونجد مكانًا يقع على بعد خمسة كيلومترات من كارون، يتميز بوصول جيد للطريق ووجود أشجار النخيل وأبراج الاتصالات بالقرب منه، ما يجعله آمنًا من حيث الاتصال والأمان. في اليوم التالي، زار رشيد المنطقة وأعجب بها بسرعة، ولكن بينما كنا نخبر بعض الأشخاص عبر جهاز الاتصال ليأتوا ويبدأوا في تجهيز المقر، فوجئنا بهبوط طائرة هليكوبتر ترفع الغبار من الأرض، مما جعلنا نتساءل: ما الذي يفعله هذا الوحش الحديدي هنا؟

عندما استقر الغبار وفتحت الأبواب، خرج محسن رضائي، ركض نحونا بسرعة وهو منحني. فقال رشيد بصوت مرتفع: "أخي محسن، أنت أين؟ وماذا تفعل هنا؟"

ضحك محسن وقال:"نحن بالطبع هنا!وجدنا هذا المكان كمقر مركزي! أنتم ماذا تفعلون في هذه الأرض؟ "

قلت: "يا فلان، نحن قضينا يومين نبحث في كل مكان حتى وجدنا هذا المكان كمقر لفتح".

ضحك محسن مرة أخرى، ووضع يده على كتفي قائلاً: "الأرض متوفرة يا أخي أسدي!".

نظرتُ إلى رشيد، كان يمسك بلحيته وينظر إلى الطائرة الهليكوبتر، ثم قال لمحسن بنبرة خاصة: "لا بأس، إذًا بإذنكم نحن نغادر ".

لم نكن راضين، لكن ماذا كان يمكننا أن نفعل؟ كانت الأعراف العسكرية تقول إنه لا ينبغي أن يكون لدينا رد فعل آخر. بالطبع لم نواجه الكثير من المتاعب، فقد وجدنا موقعًا آخر على بُعد عدة كيلومترات ربما أفضل من السابق. قلت لرشيد: "علينا أن نسرع قبل أن يصل المدعى الآخر".

أتمت فرقة الهندسة تجهيز المقر في أقل من أسبوع. الآن كان الطريق الذي نستخدمه معروفًا، وأصبح برج الاتصالات قائمًا، وأتمت فرقة اللوجستيات والمدفعية تجهيزاتها، كما كان المقر العسكري جاهزًا لاستقبال الاجتماعات مع الوحدات.من 6 أبريل 1982 وحتى ليل 30 أبريل 1982، أصبح عملنا هو الذهاب يوميًا إلى المقر المركزي، ثم عقد اجتماعات مع قادة الفرق: 14 الإمام حسين، 8 النجف، و25 كربلاء من الحرس الثوري، وكذلك لواء 92، وفرق 37 و55 المحمولة من الجيش. ثم تقرر وفقًا للخطة العامة للحرب، أن يتم نصب الجسر في ثلاث نقاط على نهر كارون ليلة 10 ارديبهشت. كانت النقطة الأولى في منطقة مقرنا، والثانية في منطقة مقر "نصر" التي كانت على يميننا، والثالثة بين المقرين. قام المقدم نياكي، قائد لواء 92 المدرع، والذي كان نائب رشيد في المقر، بأخذ كتيبة "دغاغلة" لإتمام عملية نصب الجسور.[1]

تعتبر عملية نصب الجسور المعروفة باسم "بي إم بي" من القصص الطويلة التي يمكن كتابة كتاب عنها، وهي تخص الجيش. لكن يمكنني أن أقول هنا أنه كان من المرة الأولى التي أرى فيها كيفية تركيب قطع تسمى "سَطحه" لبناء جسر بطول 200 إلى 300 متر خلال ساعتين فقط. على الجانب الآخر من النهر، كان العراقيون قد أطلقوا المياه وأغلقوا المنطقة، مع توفير قوات تأمين لخطوطهم في المناطق المجاورة.اختارت الفرق المختصة المواقع بعناية لضمان أن تكون هذه المواقع خالية من القوات العراقية ولإتمام العمل في صمت. كانت القوات الهندسية للجيش تعمل بأقصى سرعة لضمان إعداد الجسور في وقت مناسب، كما كانت تحترس وتراقب الوضع بدقة لمنع أي هجمات معادية.

وبمساعدة مركبات عملاقة متعددة الأغراض، وفي خطة حماية مدروسة، مخفية عن أعين العدو وطابوره الخامس، تحركت قوات الجيش مسافة 1200 متر من الأراضي من شمال خوزستان إلى شرق نهر الكارون، أي مسافة تبلغ حوالي 250 كيلومترًا، وأخفتها حول نهر الكارون. ولم تكن هذه الأسطح جديدة وغير ملموسه، لذا كان من السهل إحضارها واستخدامها دون قلق. قاموا بإجراء إصلاحات وتجديدات في مستودعات الجيش ثم على طول ساحل الكارون لجعلها جاهزة للتشغيل.

في ليلة العملية، وبعد نزول الظلام بدأ الضباط والجنود في الجيش في تركيب الجسور بسرعة.

كما قلت، جسر PMP يتكون من مستويات. في تلك الليلة، جلبت كل سيارة سطحًا مكونًا من ثلاث طبقات إلى ضفة النهر. عندما تم وضع السيارة على منحدر النهر، تم إزالة مزلاج الاحتفاظ، مما أدى إلى إطلاق السطح في النهر وفتح الطبقات. عندما وصلت الطبقة الثانية، قفز عليها عدة أشخاص وقاموا بربط الطبقات معًا باستخدام الدبابيس التي كانوا يحملونها. كما قام مهندسو الجيش بمراقبة دقيقة للتأكد من أن كل شيء يسير وفقًا للتقييم الأولي. استمرت عملية ربط الأسطح حتى بعد ساعة ونصف، أصبح الجسر الذي يبلغ طوله 250 مترًا جاهزًا. حتى الآن، كان الجسر يقع على ضفة النهر، وليس في منتصف المياه. وكان الأمر النهائي الذي أصدره المهندسون هو أن يقوم عدة أشخاص في قارب بأخذ رأس الجسر وحمله عبر النهر. ساعد ضغط المياه في جلب الجسر بسرعة إلى الضفة المقابلة حتى يتمكن الآخرون من إغلاقه. عندما يكون الجسر جاهزًا، يقوم العديد من الأشخاص في منتصفه بربط كابلات سحب قوية بالجسم وحمله إلى ضفة النهر حتى لا يكسر الماء العمود الفقري للجسر. والآن أصبح الجسر جاهزًا لتحمل وزن يعادل ستين طنًا والسماح للمقطورات التي تحمل الدبابات بالمرور فوقه. قبل ساعة من بدء الهجوم، كانت الجسور جاهزة. ولم يكن هذا بالطبع نهاية أطفال الجيش المجتهدين.

وعلى مدى شهر، بينما كانت هذه الجسور موجودة على نهر الكارون، كانت الطائرات العراقية تأتي إلى المنطقة كل يوم لقصفها، سعياً لتدميرها. دون أن ندرك أننا نستخدم الجسور في الليل فقط. عندما يصبح الطقس صافياً، كنا نسحبهم إلى شاطئنا باستخدام حبل سحب ونحافظ عليهم تحت غطاء من نباتات كارون الواسعة. حتى أن العراقيين لم يتمكنوا من إيذائهم أثناء العملية.

خلاصة القول هي أنه من أجل مفاجأة العراق وإعداد الوحدات، تعاون الجميع وحرموا أنفسهم من النوم والطعام لمدة شهر حتى نتمكن من الوصول في الوقت المحدد ليلة بدء عملية  "بيت المقدس".[2]

 

النص الفارسي

 

[1] - كان الشهيد مسعود منفرد نياكي [مواليد 1929 - آمل] أحد القادة المحبوبين في الجيش. وكان من أفضل الجنود، ولعب دوراً كبيراً في انتصارات الحرب، وخاصة في عملية القدس. وكان قائداً كفؤاً وماهراً، ورغم أنه كان أكبر سناً من الجنود الآخرين، إلا أنه لم يترك الجبهة في أصعب الظروف. أثناء عملية القدس، علم أن ابنته -التي كان يحبها كثيراً- مريضة، لكن العقيد رفض مغادرة الجبهة. وبعد شهرين من وفاة ابنه، ذهب إلى طهران لحضور الجنازة. استشهد الشهيد نياكي في نهاية المطاف في مناورة جبلية لفرقة ذو الفقار 58، والتي تم تنفيذها بالذخيرة القتالية [26 سبتمبر 1985].

[2] - سجادي منش، سيد حميد، هدايت سوم ، ذكريات الجنرال محمد جعفر أسدي في الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، طهران، سوره مهر، 1393، ص194.



 
عدد الزوار: 14


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة