مقتطف من مذكرات كتاب "آش بشت جبهه" (الحساء في خلف الجبهات)

مدرب ثوري؛ مدير طاغوتي

الراوي: شهناز زكي

اختارته : فائزة ساساني خواه
المترجم: السيد محسن الموسوي

2025-3-26


دخلت ساحة مدرسة "القدس" المتوسطة. كانت المديرة تتحدق إليّ من خلف نافذة المكتب، وتنظر إلي بغضب. وكأنها تهمس لي بشيء مع كل خطوة أخطوها! دخلت إلى المكتب. كانت المديرة ومعاونوها يجلسن في صف واحد بجوار بعضهن البعض، يرتدين المعاطف والتنانير، وشعرهن ينشر فوق أكتافهن. لقد وضعت إخطاري على طاولة المديرة. وقالت دون أن تنظر إلى الأعلى: "ليس لدينا أي صفوف فارغة، سيدتي. جميع الصفوف ممتلئة."

لقد كان هذا أول يوم لي في العمل ولم يكن ينبغي لي أن أشعر بخيبة الأمل. جمعتُ شادوري.

- لا مشكلة. سأجد صفاً بنفسي.

تجولتُ داخل المدرسة للعثور على غرفة لصفي. وملامح وجه المديرة ومعاونيها تشير إلي سبب انزعاجهن. على الرغم من مرور عام أو عامين من الثورة، لم تكن كل النساء يرتدين الحجاب، وكان الشادور الذي أرتديه يزعجهن كثيراً. كنتُ أفكر في الأحداث التي جرت في مكتب المديرة عندما وصلتُ إلى غرفة مليئة بالطاولات والكراسي المكسورة والمُغَبّرة. لقد كان هناك كنز في تلك العدمية. ربطتُ شادوري حول خصري وناديتُ على بعض التلميذات اللاتي يلعبن في الفناء لمساعدتي. أخذتُ المعدات الإضافية من الغرفة إلى زاوية الفناء ثم دخلتُ إلي الغرفة بالخرطوم والمكنسة. لم يتبق الكثير من الوقت حتى الجرس الأخير للمدرسة. وفككتُ عقدة شادوري وجلستُ بنفس الوضعية. وارشدتُ أيضاً التلميذات للجلوس علي مقاعدهن تواً. وبعد الجلوس فتحتُ القرآن وقرأتُ عليهن إحدى الآيات. وفي وسط تلاوة الآية رفعت إحدي التلميذات يدها وقالت: "يا سيدة، هل أنت معلمة؟"

نظرتُ إلى وضعي وضحكتُ داخليا. مع ملابسي وشادوري المغطى بالأوساخ، لابدّ أنهن أخطأن في اعتباري بوابةً للمدرسة.

- ألا يليقني أن أصبح معلمةً؟

قرأتُ وترجمتُ الآية الكريمة: "ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا"[1] للتلميذات.

- لقد أوصاني الله وإياكن جميعاً يا أحبتي أن نبر والدينا ونحترمهما.

وفي الوقت القليل المتبقي، قرأتُ وترجمتُ بضعة آيات أخرى. كان من الممكن أن نجد مصاحف في بيت بعض من التمليذات؛  المصاحف التي تحمل الآيات المكتوبة علي أوراق قشية ولكن بدون ترجمة عادةً . ولهذا السبب، فإن ترجماتي وشروحاتي المختصرة حُظِيت بعناية التلميذات. وقد أظهر ذلك ردّ فعلهن. وفي الأيام الأخرى وأثناء الاستراحة، حضرتُ في الصفوف الأخرى وترجمتُ لهن بعض الآيات من القرآن الكريم. وفي الأشهر التالية، تلقيتُ قصصاً وكتباً دينية من منظمة الدعاية وقدمتُها للتلميذات في الصفوف. وكانت العناية بالكتب واسعة لدرجة أنني بمساعدة زوجي، قمتُ بإنشاء مكتبة داخل المدرسة. كان الكتاب فرصة جيدة بالنسبة لي للتعرف على التلميذات، والسماع لكلامهنّ، والتمكن من التحدث معهن حول الحجاب والقضايا الدينية.

في عشرة الفجر عام 1981، قتلتُ عصفورين بحجرٍ واحدٍ. وبمساعدة التلميذات، قمتُ بإعداد معرض كبير في المدرسة حول أهمية الكتب والحجاب. وبطبيعة الحال، لم توافق عليه المديرة. ومنذ اليوم الأول من لقائنا والأشهر القليلة التالية، أدركتُ أنها لا تحب الثورة، وأنها كانت من ضمن انقلابيي همدان.[2]

ذات يوم، بينما كنت جالسة داخل المعرض مع التلميذات، لم يعد بإمكانها أن تتحمل الأمر أكثر من ذلك فتقدمت نحوي. فوقفتُ وأعددتُ نفسي لسماع أي شيء.

-لماذا أنت فقط؟

-ماذا، لماذا أنا فقط،  ماذا تقصدين يا سيدة المديرة؟

- لماذا أنت الوحيدة التي تتحدث عن الدين والثورة؟ والبقية بشر أيضاً ويحبن الحديث. كما أنهن يحبن الدفاع عن آرائهن.

- آسفة، لم أمنع أحداً.

في اليوم التالي للحديث الذي دار بيني وبين المديرة، قامت التلميذات الحامية للمجاهدين والفدائيين، بدعم من المديرة، بإقامة معرض أمام معرض الكتاب لدينا وترويج كتبهن الخاصة.

نشأت منافسة غير مرغوبة فيها بيننا. كان المكان مزدحماً للغاية حولي، وكان الناس يسألونني الأسئلة يمينًا ويسارًا، ولم يكن لدي حتى وقت لحك رأسي. في بعض الأحيان كان هناك الكثير من الأسئلة لدرجة أن الصوت لم يكن مسموعاً. بينما كان هناك ضجيج وأسئلة على هذا الجانب، كان المعرض المقابل هادئاً. وما كانت تقول حاميات المجاهدين والفدائيين شيئا؛ ولكنني كنتُ أعلم أنهن غاضبات.

لم أتوقف عن المحاولة وواصلتُ أنشطتي. لقد وصلت نهاية العام. وكان هناك 300 تلميذة يجلسن في الاجتماع. أحصيتُ التلميذات اللاتي يرتدين الحجاب، واحدًا تلو الآخر. 270 تلميذة حضرن للامتحان وهنّ يرتدين الحجاب. ذرفتُ دموعَ الفرح وشكرتُ الله على مساعدتي. عند رؤية هذا المشهد، خلصتُ من التعب الذي شعرتُ به بعد قرابة عام من السعي المتواصل، وسخرية المديرة ومعاونيها وتهكمهم.[3]

النص الفارسي

 


.[1] - الأحقاف، 15.

[2] - تم التخطيط للانقلاب الفاشل "نقاب"، وهو اختصار لـ "إنقاذ الانتفاضة الإيرانية الكبرى"، والذي عُرف لاحقًا باسم انقلاب "نوجة"، بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية من قبل عدد من ضباط الجيش الملكي، مع التركيز على ضباط سلاح الجو الملكي، بدعم من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل، والعراق. وكان هدفهم الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وإعادة شاهبور بختيار إلى السلطة. وبعد اكتشاف مخطط الانقلاب، ألقي القبض على مجموعة منهم في 10 يوليو/تموز 1980، وتم إحباط الانقلاب.

[3] - المصدر: بابايي، زينب، آش بشت جبهه، منشورات راه يار، 1400، ص 104.



 
عدد الزوار: 111


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة