لقاء مع حسين بناهي وزوجته
قصة صبر معوقٍ لا يزال صامداً
موقع التاريخ الشفوي
المترجم: السيد محسن الموسوي
2025-3-18
ذهبنا إلى منزله في أحد أيام الشتاء. والسماء تمطر. قطرات المطر الصغيرة كانت تنزلق برفق على النوافذ. لقد كان الأمر كما لو أنها تريد الوصول إلى الأرض، ولكن الأرض كانت لها قصة أخري. قصة رجل يُدعى حسين بناهي، وهو من المعوقين بنسبة 60%، وزوجته التي وقفت بجانبه بكل حبها.
كان منزلهم الصغير المستأجر بسيطاً، لكن القلوب التي تنبض بداخله كانت عظيمة ونبيلة. كان السيد بناهي جالساً على الأرض، وقناع على وجهه، ونظرته ثابتة على شيء بعيد. ربما كان يتذكر الأيام التي قضاها مع أصدقائه في عملية بيت المقدس. وتحدث عن القوارب التي نجوا فيها من الموت الذي يفصل عنهم بضعة سنتيمرات بأعجوبة. أخذ بلحيته، وانتزع شعرة بيضاء وقال بهدوء: "انظر هنا، وجهي لا يزال لا يشعر بشيء ..."
ووصف ذكرياته بحذر. كأنه يرفع جرحاً قديماً من الكلمات ويعيده إلى مكانه. وتحدث عن إحدى الليالي التي قضاها في المستشفى، عندما تدرب، بناءً على نصيحة أحد الأطباء، على بلع قطرة ماء باستخدام أنبوب المصل. ومن دعاء رادود حيّه الذي دعا له بالأمل والإيمان ليلة الحادي والعشرين من رمضان. لقد كانت معجزة عندما تمكن من تناول أول ملعقة من الحساء دون الحاجة إلى استخدام آلة لإخراج الطعام حتى لا يسد حلقه.
***
جلست زوجته بجانبي وقالت بهدوء: "بمحبة لا نهاية لها، أقوم بهرس كل الطعام لزوجتي". وكانت لديها ابتسامة على وجهها. كان الأمر كما لو كان هناك عمودًا صلبًا يحمل هذا المنزل. لقد قامت بالخياطة للمساعدة في نفقات المعيشة. ولم تكن لديه أي شكوى بشأن مصاعب الحياة. قالت مرة أخرى ببطء: "لدينا ابن أصبح أبًا منذ عام. لكن زوجي لا يزال هو نفس الجندي في الحرب. يقول أنه إذا اندلعت الحرب ثانيةً، سأدخل إلى الساحة بنفس الجسد المتعب."
ورغم أن الحديث معه جعلني أفقد بعض ذكريات السيد بناهي، إلا أن الأمر كان يستحق ذلك. إن كلمات هذه السيدة المخلصة والصابرة أكثر من أن يتم التعبير عنها في لقاء واحد.
***
كان حسين بناهي يتكلم ببطء، لكن كل جملة نطقها كانت بحراً من الذكريات. مليئة بصوت الرصاص، ورائحة البارود والتراب، ولحظات كان الموت يتربص به على بعد خطوات قليلة.
أغمض عينيه قليلا، وكأنه عاد إلى سنوات بعيدة. قال: "لقد التقطت قنبلتين يدويتين. من الجيد أنني لم أسحب الدبوس، وإلا لكنت قد تمزقت إرباً إرباً." يتذكر تلك اللحظة بوضوح: كان القناص العراقي يزود قواته بالإمدادات من خلف الصخور. وبينما كنتُ أركض، فنهض وأطلق النار كمطر فجأة. إحدى الرصاصات أصابتني في ساقي، والأخرى أصابت فكي الأيمن. سقطتُ على الأرض بسرعة. وعلي حافة الماء. عندما أرادوا نقلي إلى القارب قال لي المسعف: استلقي على بطنك فوق النقالة. لقد وضعوا جهازًا يشبه اللهاية في فمي حتي لا يكون فكي مفتوحاً. واتفقوا على أن يأخذوني معهم في الصباح عندما يحضروا الذخيرة. كنت أعلم أنه بعد الإصابة، سوف أشعر بالبرد. قلتُ: مهر علي، اسحب البطانية عليّ. لقد سحب. ثم لم أفهم شيئا آخر حتى الصباح. وبعد شروق الشمس. وضعوني على القارب من خلال نقالتين. وكان جميع الجرحى يجلسون في قاع القارب. كما صدم نائب قائد الكتيبة بشظية وقال بصعوبة: " أنتَ قلتَ علي الذهاب علي الذهاب هل الأمر بخير؟" أومأتُ برأسي، "نعم" .
قام قائد القارب بتحديد مسار القارب بعناية حتى يواجهوا عددًا أقل من المطبات في الطريق. لقد تم نقلهم عبر السد إلى محطة المساعدة، لكن هذا لم يكن نهاية الألم. وبينما كان العراقيون يتفرقون، أصابته رصاصة أخرى في ساقه. مثل لسعة النحلة. هذه المرة لم يعد بإمكانه أن يتحمل الأمر. أصبحت عيناه ضبابية ولم يعد يفهم شيئا.
وقال "عندما استعدتُ وعيي وجدتُ نفسي في مستشفى صحراوي. نظرتُ إلى يدي؛ كان رأسي متصلاً، وكان الدم يتدفق في عروقي." لقد نجا، وكانت هذه بداية رحلة طويلة؛ مسار مستمر حتى يومنا هذا.
عندما غادرنا منزلهم، كان المطر لا يزال ينهمر، ولكنني شعرتُ أن قطرات المطر، هذه المرة، كانت دموعًا من السماء لرجل يخفي ألمه وزوجة أعطته حبها دون شكر.
عدد الزوار: 133








جديد الموقع
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.