الليلة ثلاثمائة و ستون من الذاكريات -3
إعداد: ليلى رستمي
2025-1-21
أقيم برنامج ليلة الذكريات رقم (360) في الأول من شهر شهريور عام 1403 شمسي تحت عنوان "ذكرى شهداء الأسر الغُرباء" تخليداً لذكرى 12 شهيداً غريباً من مدن محافظة طهران المُختلفة وذلك في قاعة "سورة" في مركز فنون الثورة الإسلامية. في هذا البرنامج، قام كلٌ من العقيد مجتبى جعفري و محمد جواد زمرديان و المهندس سعيد أوحدي بمشاركتنا ذكرياتهم. وكان داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكريات تلك.
كان الراوي الثالث في البرنامج هو المهندس سعيد أوحدي وهو من مواليد عام 1336 في مدينة بروجرد. المهندس سعيد خريج جامعة طهران قسم الهندسة، و في سن التاسعة عشرة من عمره كان قد تم قبوله في جامعة ولاية كاليفورنيا الأمريكية لكنه ترك دراسته خلال أحداث الثورة الإسلامية و عاد إلى إيران حيث انضم إلى صفوف الشعب الإيراني. رجع بعدها إلى أمريكا في خريف عام 1358 شمسي لمواصلة دراسته. وعندما عاد إلى إيران للمرة الثانية التحق بالمقاتلين في الجبهة لمدة عامين متتاليين إلى أن تم أسره في عمليات "والفجر التمهيدية" و كان ذلك بتاريخ 18/11/1361 شمسي. أمضى بعدها سعيد أوحدي ثماني سنوات من حياته في الأسر في سجون الموصل "1 و4" و سجن الرشيد و سجن تكريت "5"، كما أنه تلقّى نبأ استشهاد أخيه و هو في الأسر.
يسرد الراوي ذكرياته عن أسير استُشهد في الأسر يُدعى مهدي حاج كرمي الذي كان يبلغ من العمر 15 عاماً فيقول: لقد تم أسري عام 1361شمسي، أما الأسير مهدي فقد تم أسره مع فوج النجف الأشرف العائد لمدينة خميني شهر في أصفهان، وقد تم أسره و هو مصاب، فقد أصابت رصاصةٌ فخذه فقاموا بتضميد مكان النزيف على عجل. و بذات هذه الحالة و الرصاصة ماتزال في رجله أُدخل إلى مُعتقل "الموصل 5" تحت سيل من السباب و الشتائم و الضرب الذي تعرّض له من قبل الجنود البعثيين. على إثر ذلك، أصيبت قدم مهدي بالإلتهاب و أصيب جسده بالحمى. لقد استغرق الأمر ما يقرب من شهر حتى اكتشف ممثلو الصليب الأحمر هذا الأمر، كما لاحظنا وقتها أن مهدي كان يفقد سمعه رويداً رويداً إلى أن فقد سمعه كلياً، فأصبح لايفهم شيئاً و يكتفى بالتحدّث و الكلام فقط.
ذات مرة دخل ممثلو الصليب الأحمر إلى المعتقل، و لأنني كنت على دراية باللغة الإنكليزية فقد أصبحت مترجماً لهم. وعندما رأوا مهدي في داخل الغرفة، طلبوا من الطبيب المرافق لهم أن ينقله بسرعة إلى غرفة كانت تُسمى "العيادة" أو "المستوصف" و بالفعل أخذوا مهدي إلى هناك. أذكر أن القلم و الورقة بقيا ممنوعيّن حتى السنة الأولى أو الثانية من الأسر، لكن ممثلو الصليب الأحمر الدولي قالوا: "لأن مهدي يفتقد القدرة على السمع، فقد زودناه بقلم و ورقة." وقد تم التنسيق بخصوص ذلك مع الجنود البعثيين، و أذكر أيضاً أنه من بين جميع الأسرى كان مهدي هو الوحيد الذي حصل على قلم و ورقة. لقد أجروا له تحليل دم و بعد يومين عندما عادوا مرةً أخرى قالوا: "إن حالة مهدي ليست جيدة و ينبغي أن ننقله إلى الموصل بسرعة حتى يتمكّن من الخضوع إلى عملية جراحية". عندها وقفنا بجوار رأس مهدي في ذات العيادة الطبية حيث بدأ ممثلو الصليب الأحمر بالكلام و قُمت أنا بالكتابة له، فكتبت: "عزيزي مهدي! إنّ ممثلي الصليب الأحمر يقولون أنه يجب نقلُك إلى المستشفى في الموصل لإجراء عملية جراحية لك لكي تعود لك حاسّة السمع إن شاء الله." لقد حاولت وقتها أن أرفع من معنويات مهدي.
أضاف الراوي: تخيلوا أعزائي! إن شاباً من الحشد الشعبي يبلغ من العمر 15 عاماً تم أسره في معتقل الموصل منذ شهر و ليس لديه لا أبٌ و لا أمٌ بجواره، و الآن نحن نقول له عزيزي مهدي يريدون أن يأخذوك وحدك إلى مستشفى الموصل العسكري لإجراء عملية جراحية!! فما كان منه إلاّ أن أجاب بكل حزم: "لا مشكلة. فليأخذوني، أنا مستعدٌ لذلك." لقد ترجمت لممثلي الصليب الأحمر ما قاله مهدي، عندها أعطوني ورقة باللغة الإنجليزية و قالوا: "يجب على مهدي أن يوقّع على هذه الورقة قبل أخذه إلى الموصل، فالإلتهاب قد وصل إلى دمه و قد نضطرّ إلى استئصال أحد أعضائه، يده أو رجله أو عينه." فكتبت ذلك إلى مهدي: "عزيزي مهدي! يقولون أنه عليك التوقيع على هذه الورقة و منحهم موافقتك. في النهاية إنه عمل جراحي! إنها مستشفى! من الممكن أن يحدث شيءٌ ما! من الممكن أن عضواً من جسدك..." عندها أصرّوا على أن أقول له أن شيئاً ما قد يحدث لعضو من أعضاء جسده.
عندما قرأ مهدي ما قمتُ بكتابته، انهمرت الدموع ببطء من عينيه. عندها قال ممثل الصليب الأحمر: "يبدو أنه خائف! ماذا قلت له؟! أعطه دفعاً معنوياً، قُل له إن شاء الله لن تحصل مشكلة، لا شيء سيحدُث." فكتبت إلى مهدي مرةً أخرى: "عزيزي مهدي! إنهم يقولون هل أنت خائف لاسمح الله! إنك محارب، إنك شجاع". فأجاب مهدي و الدموع تنهمر من عينيه: "قل لهم، إن كانوا سيقطعون يدي فليقطعونها، و إن كانوا سيقطعون رجلي فليقطعونها، سأوقع على ذلك، لكن أتوجه إليكم بالله! ألاّ تأخذوا عيني مني."
لقد ترجمت كل ذلك لممثلي الصليب الأحمر، بدا الأمر كما لو أنهم تسمّروا في أماكنهم، ثم قالوا: "ماذا يعني ذلك؟ اقطعوا رجلي! اقطعوا يدي! لكن لا تأخذوا عيني؟"
ثم قالوا لي: "إسأله لماذا هو حساس تجاه مسألة عينيه؟" فسألته: "عزيزي مهدي! يسألون لماذا أنت حساسٌ تجاه مسألة عينيك؟!" فأجاب مهدي و الدموع في عينيه: "والله! عندما كنت في مدينة خميني شهر و قبل مجيئي إلى هنا كنت أرغب في رؤية الإمام الخميني عن قرب، أريد أن أرى إمامي الخميني مرةً أخرى بعد إطلاق سراحي". في النهاية وافق مهدي و وقّع على الورقة. في اللحظة التي كنّا فيها في المصحّة و قاموا بأخذ مهدي، أذكر أنه سار بضع خطوات إلى الأمام ثم توقف لينظر ثانيةً إلى المصحّة ثم رفع يده و ودّع باقي الأسرى كما لو كان يعلم أن شيئاً ما على وشك أن يحدث.
و بالفعل لقد خضع مهدي للعملية الجراحية، وعندما أُعيد إلى المعتقل بعد أسبوع أو أسبوعين، تم نقله إلى ذات العيادة الطبية. و في صباح أحد الأيام، عندما كنّا مانزال ضمن أسوار المعتقل و لم يتمّ منح الإذن للإستراحة، رأيناهم يحضرون قطعة من بطانية و يضعونها أمام العيادة الطبية. نعم، إنه الجثمان الطاهر لمهدي حاج كرمي ذلك المراهق البالغ من العمر 15 عاماً و الذي تم دفنه في مدينة الموصل في تجلّي تام لمعنى الغربة عن الوطن، حتى أنهم لم يسمحوا لأحد منّا بتشييع جثمانه، فما كان من الأسرى إلّا أن شيّعوه بدموع أعينهم.
عدد الزوار: 19
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.