الليلة ثلاثمائة و ستون من الذاكريات -2
إعداد: ليلى رستمي
2025-1-6
أقيم برنامج ليلة الذكريات رقم (360) في الأول من شهر شهريور عام 1403 شمسي تحت عنوان "ذكرى شهداء الأسر الغُرباء" تخليداً لذكرى 12 شهيداً غريباً من مدن محافظة طهران المُختلفة وذلك في قاعة "سورة" في مركز فنون الثورة الإسلامية. في هذا البرنامج، قام كلٌ من العقيد مجتبى جعفري و محمد جواد زمرديان و المهندس سعيد أوحدي بمشاركتنا ذكرياتهم. وكان داوود صالحي مسؤولاً عن تقديم ليلة الذكريات تلك.
كان الراوي الثاني في البرنامج هو محمد جواد زمرديان المولود في 1349/1/7 شمسي. محمد جواد هو الإبن الأكبر لعائلته و كان كلا والديه أصماً و قد استطاعا بصعوبة أن يديرا شؤون حياتهما مع أربعة أبناء. في ذلك الوقت، ذهب محمد جواد البالغ من العمر في حينها 16عاماً إلى الجبهة حيث تم أسره خلال عمليات "كربلاء 4" مع 60 غواصاً آخرين. لقد بقي في الأسر لمدة 4 سنوات، أما اليوم فهو يشغل منصب أمين سر "المؤتمر الوطني لشهداء الأسر الغرباء". وقد روى لنا في هذا البرنامج قصة تشكيل هذا المؤتمر و عدد الشهداء في الأسر الذين استُشهدوا وهم غرباء عن وطنهم.
قال الراوي في بداية حديثه: عندما بدأنا هذا العمل لم نكن نعتقد أننا سنصل اليوم إلى عدد 1902 شهيداً. من بين هؤلاء، لم يعد إلى بلدنا حتى الآن جثمان 83 من شهدائنا الأطهار. هناك أيضاً 9 شهداء ليس لديهم صور، ومن بين هؤلاء الشهداء التسعة هناك 4 شهداء هم من شباب الرعاية الإجتماعية الذين تم أسرهم و استُشهدوا بعد ذلك في الأسر.
لقد كُتب وقتها مقال في جريدة كيهان في شهر تير من العام 1381 شمسي عنوانه: "لقد عاد 475 سنونو مُحب إلى وطنهم". تذكّر العديد من الأسرى المُحررين رفاقنا الذين تم تحريرهم و بحثوا عن تلك الأسماء، لكن لم يكن الحال كما هو الآن فلم تكن هناك شبكة الإنترنت حيث يُمكن الآن، كما حصل مع الشهيد العزيز السيد محسن حججي، سرد الحادثة على الفور منذ لحظة الوقوع في الأسر. 475 اسماً و لقاباً و لم تكن هناك صور عنهم. لقد ساعدنا أصدقاؤنا في مؤسسة "رسالة المُحررين" و لجنة "البحث عن المفقودين" في تحويل تلك المقالة و تلك الأسماء التي وردت فيها إلى وجوه تُشبه الوجوه التي كانت في أذهاننا عن الأسرى.
لقد خصصنا يوماً واحداً من الأسبوع نتنقل فيه من مدينة إلى أخرى للبحث عن 475 شخصاً. وفي الرحلات الـتي قُمنا بها و بلغ عددها 98 رحلة وصل عدد الشهداء من 475 شهيداً إلى 777 شهيداً !. فقد قالت إحدى الأمهات: "أنا أيضاً لدي هذا الفيلم"، وقال آخر: "أنا أيضاً لدي هذه الرسالة من الصليب الأحمر"، بينما قال أحد الأسرى المُحررين: "إن فُلاناً كان معي في الأسر". لقد كانت هذه الأمور تحصل معنا بفضل العناية الإلهية.
و تابع الراوي: لقد قمنا بـ 172 رحلة خلال 4 سنوات تقريباً، وعلينا أيضاً أن نقوم بـ 95 رحلة أخرى والآن نحن أمام 12 شهيد غريب من مدن محافظة طهران. قبل خمسة عشر شهراً كان عدد الشهداء هو 3 فقط أما اليوم فقد وصل عددهم إلى 12. بحسب التقسيم المُعتمد من قبل مؤسسة الشهيد هناك 44 شهيداً من طهران الكبرى و 12 شهيداً من باقي المُدن.
هناك صورة لن أنساها أبداً. كانت العلامة المُلصقة على صدر الأخ الشهيد المُحرر مكتوبٌ عليها إسم "رسول علائي" وقد بقينا نبحث عن السيد رسول علائي لمدة ثلاث سنوات ولم نتمكن من العثور عليه. هل تعرفون لماذا؟ لأنه كان من رجال التعبئة الشعبية حيث كان يقوم بعملية استخباراتية و قام بتغيير هويته أثناء وجوده في الأسر. إننا نعلم أنه من طهران، لكننا لم نتمكن من العثور عليه. وعندما وجدنا معلومات عنه أصابنا العجب، لقد قام بتغيير معلومات ملفه الشخصي و اليوم نحن في حالة عدم تصديق مُطلق إذ لا يُمكننا العثور على أي فرد من عائلته لكي نسأل أصدقاءه على الأقل عمّا حدث؟ ولماذا غيّر اسمه و شخصيته و كيف استُشهد؟
و مضى الراوي قائلاً: كان علي أكبر قاسمي مشغل اللاسلكي في أحد قيادات الفرقة 32 أنصار الحسين. و كان عمره حوالي 31 سنة و لديه 4 بنات و ابن واحد و كان يشتغل بالخياطة. و عندما قال الإمام: "يجب أن نذهب إلى جبهات القتال" التحق بجبهات معركة الحق ضد الباطل. بعدما مرّ 24 ساعة على أسره كان مشغلو الهواتف اللاسلكية مرئيون و معروفون، و بصورة لا إرادية وقع نظري عليه. كانت أيدينا مقيدة خلف ظهورنا و كنّا نجلس على ركبنا و قد أوجدوا فواصل بيننا حتى تتم رؤيتنا بوضوح. كنّا 60 أسيراً و كان من المفترض أن نكون مرئيين بوضوح عندما كانت كاميرات الصحفيين تقوم بتصويرنا بحسب الترتيب. وقتها كان قادة مروحيات العدو و جنرالاته يجلسون على الأرض بالقرب منّا و كانوا يُتابعون هذا المشهد. كانوا يأتون لرؤيتنا ثم يُغادرون. لقد كان ذلك جزءاً من الحرب النفسية.
بعد أن مرّت حوالي 24 ساعة شعرنا بالعطش الشديد. قلتُ كلمة العطش! نعم لقد تذكرت، من بين هؤلاء الشهداء البالغ عددهم 1902 لم يتعرّف الصليب الأحمر سوى على 153 شهيداً منهم ثم نقل معلوماتهم إلى النظام المقدس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بعض تقارير الصليب الأحمر التي تُشير إلى طريقة استشهادهم لا تُصدّق. لقد كتبوا مثلاً أن سبب الإستشهاد هو "العطش" أو "كسر في الجمجمة" أو "كسر في الحوض". لقد وصلت إلينا هذه المعلومات صدفةً و لم ينتبه الصليب الأحمر و لم يفهم كذلك ما الذي قدّمه لي و لكم من معلومات، لقد قدموا لنا وثيقة إثبات شهادة لشهدائنا الأعزاء.
من شدّة العطش، أصبحت ألسنتنا كقطعة خشب لا يُمكن تحريكها في الفم. لقد مرت 24 ساعة و كانت الإصابة و الجوع و البرد تؤثر فينا كثيراً. كان الوقت بين فترتي العصر و غروب الشمس عندما نظر السيد قاسمي إلى الجنرال عبد الرشيد نظرةً عرضية، عندها وقف عبد الرشيد أمام قدميه و قال: "أُطلب مني شيئاً" فأجاب السيد قاسمي: "أحضر لي القليل من الماء". لقد أثّر هذا المشهد فيّ بشدة فقد كنت في السادسة عشرة من عمري و كنت عطشاناً جداً. فقلت في نفسي: «لقد استطعت أن أمنع نفسي من طلب الماء، لكن أكبر قاسمي مُشغل اللاسلكي في قيادة الفرقة لم يستطع أن يمنع نفسه! كم هذا سيء." فلما جاؤوا بالماء إلى مقربة منه قال: «حلّوا وثاق يديّ من الخلف». لقد أمر الجنرال بفك القيد من على يديه، ثم أخذ الماء و توضأ و هو جالسٌ و مصاب. ثم استقبل اتجاه القبلة و قام للصلاة. إن ماهر عبد الرشيد الذي كان أستاذاً في الحرب النفسية وقف عاجزاً أمام ما فعله السيد أكبر قاسمي. بعد ذلك توفي الحاج أكبر قاسمي من شدة الضرب و الإهانات التي تعرّض لها، أما جثمانه الطاهر و مزاره الشريف فهو يقع ضمن مقام الإمام شيذر في طهران.
عدد الزوار: 73
جديد الموقع
الأكثر قراءة
تجهيز مستشفى سوسنگرد
وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي
الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.