مقتطفات من الذكريات الشفوية للحاج قاسم السليماني

المترجم: عباس جواد العذاري

2024-2-7


إغلاق مضيق أبوغريب

استغرقت عملية فتح المبين[1] عشرة أيام. كانت هناك اشتباكات بيننا و بين العراقيّين في منطقة "دَشت عباس". كنّا منطقة "كَمَرسُرخ" في قبضتنا وكنّا مسيطرين على المنطقة عبر ساتر أنشأناه قرب مزار أحد أولاد الأئمة. تراجعت القوات العراقية نحو مضيق أبوغريب ولم يبق منا سوى سرية واحدة إذ أصبح معظم قواتنا بين شهيد وجريح.

بعد أيام من الاشتباكات، وفي اليوم السابع بالتحديد، تعبنا بشدّة. لم نعد نحظى بطاقة نتحرّك بها. كنا منهمكين في اشتباكات عنيفة لسبعة أيام أمام مدرعات العدو وصواريخه الكاتيوشا بمعدّات قليلة. هذا وما كان عندنا سوى بطارية مدفعية واحدة مستقرة عند حقول النفط ولم يصل مداها إلي مضيق أبوغريب. لقد أنهكنا الحرب مع عدو يملك أنواع  العتاد والسلاح. وقد اسودّت تجاعيد وجه المجاهدين وأعناقهم من أثر البارود.

لقد أعيانا التعب عن الحركة عند الساعة الثانية عشرة من الليل. كنت نائمًا للحظات خلف خندق الإمداد وإذا بالأخ السيد غلام حسين بشر دوست جاء وأيقظني في الساعة الواحدة والنصف. كان قد بحث عني مدة ليجدني. كان حسن باقري ينتظرني علي جانب طريق دشت عباس. رحمة الله على حسن. فقد كان له دور حاسم في العمليّات التي أنجزت، ولاسيّما عملية طريق القدس وثامن الأئمة والبيت المقدس.

كان بتعبيري بهشتيّ الحرب. وبالأحرى كان خمينيّ الحرب. كان حسن جالسًا في السيارة وكان أيضًا محمد علي ايرانمنش. فقال لي: "قال لي السيد محسن رضايي: يجب أن يغلق مضيق أبوغريب في هذه الليلة أكيدًا."

كان لديهما خريطة لمضيق أبوغريب ليشرحا لي كيف نغلق المضيق ونصدّ العدو من اختراق منطقة الفتح المبين. كان من المحتمل أن يذهب كل جهودنا أدراج الرياح إذا تمكن العدو من السيطرة على مرتفعات "تينة" و "رقابية" و "عين خوش" بعد اجتياز نهر "دويرج" عن طريق سهل "چمسري".

كانت الساعة حوالي الواحدة صباحًا ولم نكن نملك أيًّا من المعدات. لقد نفدت طاقة الكتائب الثلاثة برمّتها بعد اشتباكاتهم مع العدو أسبوعًا كاملًا. وعلى الرغم من ذلك، كان علينا إغلاق المضيق كي لا يتمكن العدو من الفرار ولا من استعادة طاقاته عبر تعزيز القوات.

لم نكن قد رأينا المضيق بعد. أرانا حسن موقع المضيق على الخريطة. لقد استقرت قواتنا على مرتفع 202، وكان يبعد عنهم المضيق إثني عشر كيلومترًا.

تلتقي مرتفعات (تينة) و(عين خوش) في نقطة، ويَمُر من بينهما طريق مبلّط نحو سهل "چمسري"، ثم يجتاز نهر "دويرج" وأخيرًا يدخل في أرض العراق. تسمّى هذه المنطقة مضيق أبوغريب.

صعدت مرتفع 202 حيث كان المجاهدون. لم يبق من أفراد الكتيبة إلا مئة، مع أنها بدأت تباشر مهمّتها في هذه النقطة في يومها الأول بثلاثمئة مجاهد. قلّ مئتان ما بين قتيل وجريح أو من تنحّى عن الساحة بشكل ما. فأضحينا حيارى لا ندري كيف نشنّ غارةً على العدو؟! إذ ما كان لنا أن نحمل بعددنا هذا على عدوّ متأهّب مدجّج بالسلاح. ما كان لنا أن نهجم على العدو المسلح بهذا العدد.

فكدنا حيلة. وهي أنه قلنا لشبابنا في قسم الأركان  ـ ولم يكن قسم للأركان حينئذ ـ  قلنا للشباب الذين كانوا يباشرون مهامّ قسم الأركان أن يحضّروا كل ما عندهم من السيارات لتنطلق من حقول النفط صوب العدو بأضواء مضاءة. كان هناك عدد من السيارات التابعة لمؤسسة جهاد البناء و السيارات التي كانت من مساعدات الشعب للجبهات. وكان لدى السيد تركان، محافظ إيلام ومسؤول إنشاء السواتر في "دشت عباس" أيضًا عددٌ من السيارات.

أطلقنا إثنتي عشرة شاحنةَ تفريغٍ بأضواء مضاءة نحو العدو. تصنّعنا وكأننا نحضر القوات و المعدات. فأصبح رتلًا كبيرًا من السيّارات، فلمّا انطلقت خُيِّل إلى العدوّ أن قد اتجهت نحوه قوّات جديدة، فاهتزّت معنوياته. لقد أرعبت العلمية هذه قوّات العدو. ففرّ بعضهم واستسلم آخرون.

وثانيا: قرّرنا أن يتصدّرنا الشهيد عرب نجاد وهو يقود جرافة ليكون هو أول من يبدأ الاشتباك مع العدو. كنّا نسير في تلك الليلة في سماط واحد وبين كلّ واحد منا مسافة عشرين مترًا. وفي الصباح انطلقنا نحو العدو عند الساعة الثامنة والنصف، ولكن لم نجد للعدوّ أثرًا. لقد تبادلنا بعض الرشقات في أول الليل ثم تحوّلت الرشقات شيئا فشيئا إلى الصمت. وفي الصباح الباكر افتقدنا صخب القوم. صعدنا التلال وإذا هم رحلوا. حميد عرب نجاد الذي استشهد في عملية البيت المقدس وكان رجلا حاذقًا وبذل قصارى جهوده لحفظ مدينة مهاباد واستقرارها، كان يتقدم أمامنا بجرافة كي لا نقع فجأتًا في كمين العدو في التلال التي كانت على حافة الطريق. فجعلته يسير في الأمام بجرّافة والقوّات يتبعونه خلفه. كان العراقيّون يملكون العيارات وصواريخ آربيجي فكانت مهمة عرب نجاد خطيرة للغاية. تقرّر أن "حميد بارتيزان" و"تهامي" يتبعان عرب نجاد في السرية التالية. فبهذه الخطة كنا على الأقل نتمكن من اتخاذ التشكيل الدفاعي والاشتباك لو استُهدفت الجرافة. انطلقت الجرافة ونحن خلفها ولكن مهما تقدمنا لم نجد العراقيين.[2]

________________________________________________________

(١) نفذت عملية الفتح المبين في تاريخ 1982/3/22م. و استغرقت ٧ أيام وانتهت بانتصار القوات الجمهورية الإسلامية.

(٢) المصدر: اكبري مزدآبادي، علي، كتاب ذوالفقار، مقتطفات من الذكريات الشفوية للحاج قاسم، دار الزهراء للنشر، 2019م. الصفحة 38.

النص الفارسي



 
عدد الزوار: 1332


التعليقات

 
الاسم:
البريد الإلكتروني:
التعليق:
 
نبذة من مذكرات ايران ترابي

تجهيز مستشفى سوسنگرد

وصلنا إلى سوسنگرد قُبَيل الظهر. كان اليوم الثالث عشر من تشرين الأول عام 1980. لم يكن أمرها مختلفًا عن أهواز بل كانت أمرّ حالًا منها. كان قد غمرها التراب والدمار. وقد خلت من أهلها إلا ما ندر. كما أعلنت منظمّة الهلال الأحمر في أهواز، كانت لا تزال المدينة في متناول قصف العدو، ولم يأمن جانب منها من وطء القذائف والقنابل. لقد أوصلنا أنفسنا إلى مستشفى المدينة بسرعة. ما زال بابها ولوحتها سالمَين. تتقدّم المستشفى ساحة كبيرة قد حُرِث جانب منها. كأنها قد هُيّئت قبل الحرب لزرع الفسائل والزهور.

التاريخ الشفهي للدفاع المقدس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي

الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان)
لقد صدر عن حرس الثورة الإسلامية ومركز الوثائق والدراسات للدفاع المقدّس في عام 1401 ه.ش. كتابُ التاريخ الشفهي للدفاع المقدّس برواية حجة الإسلام الشيخ محمد نيازي، تحت عنوان الهيئة القضائية للقوّات المسلّحة (محافظة خوزستان) وبجهود يحيى نيازي. تصميم الغلاف يحاكي مجموعة الروايات التاريخية الشفهية للدفاع المقدس الصادرة عن هذا المركز. إذ قد اختار هذا المركز تصميمًا موحّدًا لأغلفة جميع كتب التاريخ الشفهي للدفاع المقدس مع تغيير في اللون، ليعين القارئ على أن يجدها ويختارها.
أربعون ذكرى من ساعة أسر المجاهدين الإيرانيّين

صيفُ عامِ 1990

صدر كتاب صيف عام 1990، بقلم مرتضى سرهنگي من دار سورة للنشر في سنة 1401ش. وبـ 1250 نسخة وبسعر 94 ألف تومان في 324 صفحة. لون غلاف الكتاب يحاكي لون لباس المجاهدين، ولون عنوان الكتاب يوحي إلى صفار الصيف. لُصِقت إلى جانب عنوان الكتاب صورة قديمة مطوية من جانب ومخروقة من جانب آخر وهي صورة مقاتلَين يسيران في طريق، أحدهما مسلّح يمشي خلف الآخر، والآخر يمشي أمامه رافعًا يديه مستسلمًا.
الدكتور أبو الفضل حسن آبادي

أطروحات وبرامج التاريخ الشفوي في "آستان القدس الرضوي"

أشار رئيس مركز الوثائق والمطبوعات لآستان قدس الرضوي، إلى أطروحات "تاريخ الوقف والنذور الشفهي" و"تاريخ القراءات القديمة في الحرم الشفوية" وعلى أنها أحدث المشاريع للمركز وقال: "إنّ تسجيل تاريخ الموقوفات لآستان قدس الرضوي الشفوي في عدّة مدن، هو مشروع طويل المدة. وتأسس مؤخرا قسم الدراسات للقراءت في مركز الوثائق وهو ضمن مجموعة مركز الدراسات". وفي حواره مع موقوع التاريخ الشفوي الإيراني قال الدكتور أبو الفضل حسن آبادي، شارحا برامج المركز:
مكتبة الذكريات

"أدعو لي كي لا أنقص"،"في فخّ الكوملة" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة"

سوف تتعرفون في هذا النص، على ثلاثة كتب صدرت عن محافظتين في إيران: " أدعو لي كي لا أنقص: الشهيد عباس نجفي برواية زوجته وآخرين" من المحافظة المركزية وأيضاً كتابي "في فخّ الكوملة: ذكريات محمد أمين غفار بور الشفهية" و"تكريت بنكهة خمسة خمسة" وهي ذكريات أمين علي بور الشفهية" من محافظة كيلان. إثنان من المعلّمين ألّفـت السيدة مريم طالبي كتاب "أدعو لي كي لا أنقص". يحتوي الكتاب علي 272 صفحة وثلاثة عشر فصل، حيث تم إنتاجه في مكتب الثقافة