رواية فتاة عملت في الإغاثة إبان فترة الدفاع المقدس

كان جميع سكان مناطق الحرب مقاتلين

تقرير عن النشاطات النسائية في إيلام لدعم الجبهات خلال الدفاع المقدس

حوار وإعداد:فائزة ساساني خواه
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2021-03-13


تزامنت السنوات الأولى من فترة مراهقة منيرة صادقي مع اندلاع الحرب المفروضة. هي واحدة من الفتيات اليافعات الناشطات في سنوات الدفاع المقدس الثماني، والتي منذ السنوات الأولى للحرب المفروضة قد تطوعت في التعبئة والإغاثة في مناطق الحرب والتدريب العسكري للنساء.

ولدت السيدة صادقي عام 1968م في مدينة إيلام وتحمل ذكريات المدرسة في مدينة مزقتها الحرب. حاورتها مراسلة موقع التاريخ الشفوي الإيراني.

أين كنت عندما بدأت الحرب؟

عندما بدأت الحرب، كنت طالبة في الصف الأول المتوسط ​​في مدرسة إيلام. كنت أدرس في مدرسة زينب المتوسطة، أمام مستشفى الإمام الخميني (رحمه الله)، والذي كان يستقبل مقاتلي الدفاع المقدس ليلاً ونهاراً. كان هناك حقل فارغ بجوار المستشفى لهبوط المروحية. منذ تلك الأيام، كنت مصممة على المساهمة في الدفاع. غالباً ما تحدثت السيدة زهرة رازي، المسؤولة عن تعبئة النساء، لجذب التلامذة وتجنيدهم في المدارس. في السنة الثانية من المرحلة الثانوية، أصبحت عضواً في "الباسيج" الطلابية، وفي وقت قصير انقسمنا بين الباسيج للأخوات بواسطة السيدة رازي على الأنشطة التي تتم خلف الخطوط الأمامية للجبهة. استشهد ابن عم والدي عام 1980. في نفس الوقت أصيب والدي بالسرطان بسبب حزن فقدانه.

لقد تم تقديمي من قبل "الباسيج" للذهاب إلى دورة إغاثة. بعد اجتياز الاختبار تم تصنيفنا مع أخوات أخريات في مستشفى الإمام الخميني الراحل ومستشفى طالقاني لمساعدة الجرحى. بالإضافة إلى الإغاثة، شاركنا في تغليف وتعليب المواد الغذائية وأعمال الدعم الأخرى. منذ الأيام الأولى حتى نهاية الحرب، كان جذب المساعدات الشعبية وإيصالها إلى الخطوط الأمامية من مهام الباسيج والحرس الثوري. تجولنا في أنحاء المدينة والقرى بسيارة ومكبر صوت وجمعنا التبرعات الشعبية. تمّ نصب خيام دعم الحرب في القرى أيضاً، وأرسل الناس التبرعات وأحياناً الطعام إلى الجبهات. جاءت النساء الأكبر سناً لمساعدتنا في تعبئة الطعام. على الرغم من أنّ أهالي ولاية إيلام عانوا من النزوح والبطالة، إلا أنهم جميعاً ساعدوا الجبهة بأفضل ما لديهم. على سبيل المثال، إذا كان لديهم بطانيات إضافية وملابس دافئة، فلن يترددوا في مساعدة الجبهة. في بعض الأحيان، تعطي الجدة الحنونة علبة فواكه كهدية. كان صدق الشعب خلال ثماني سنوات من الدفاع المقدس مثل الأسطورة. كان النازحون في أسوأ الظروف يوزعون عشرين لتراً من الزيت أو بضعة كيلوغرامات من الدقيق والأرز على جيرانهم. كان الأمر كما لو أنّ مشكلة شخص واحد مرتبطة بالجميع، وهذا الصدق في النية والصداقة والمودة بين الناس جعل معاناة النزوح أسهل في أسوأ الظروف. بالرغم من أنّ القصف كان قد بدأ وعائلاتنا كانت تعيش في خيام على بعد كيلومترات قليلة من المدينة بدون ماء وكهرباء ومرافق، إلا أنّ هذه المشاكل لم تمنعهم من المساعدة وتقديم الأعمال الإغاثية. خلال العمليات واسعة النطاق في ساحة الباسيج، كنا نغسل ملابس المحاربين والجرحى ونجففها ونوصلها. كان التعب والضعف والعجز بلا معنى بالنسبة لنا، وكان علينا جميعًا أخذ استراحة من العمل. كما شاركنا في تشييع جنازة شهدائنا الأبرار. كما كانت تقام ليالي الأربعاء دعاء التوسل وفي ليالي الجمعة دعاء كميل في منزل الشهداء في  منطقة صالح آباد، حيث دفن الشهداء والقتلى، ولم تكن بعيدة عن مهران. كما كنا نذهب لزيارة قبور أعزائنا طيلة سنوات الحرب، لقد أصبح الأمر لنا إعتيادياً ولا نخشي الخطر أبداً. بشكل عام، كان أهالي إيلام إبان الحرب يذهبون إلي صالح آباد المحاذية لمهران وميمك لدفن جثامين الشهداء والأموات.

أين أمضيت دورة الإغاثة الخاصة بك، وما كانت مهمتك في المستشفي؟

أصبحت عاملة إغاثة في عام 1982 أو 1983. لقد أمضينا دورة الإغاثة في الشبكة الصحية لمستوصف نوروز آباد. أثناء العمليات، عندما كانت المستشفيات مليئة بالمقاتلين الجرحى، قُدمت أوراقنا إلى الشبكة الصحية، وبعد التدريب والاختبار، تم تنظيمنا لمساعدة المستشفيات. كانت مهمتنا مساعدة طاقم المستشفى، الذين جلبوا عدداً كبيراً من الجرحى. من حين لآخر، كان يتم إرسال الأسري العراقيين الجرحى إلى مستشفى الإمام. كانت مهمتنا هي التضميد والحقن . تبقى أسوأ الذكريات وأفضلها دائماً في الأذهان. بكى معظم الجرحى الذين تم نقلهم إلى الجبهة للعلاج وطلبوا منا ترخيصهم في أسرع وقت ممكن حتى يتمنكوا من العودة إلى الجبهة، قائلين إنّ رفاقنا وحدهم هناك. أصيب شاب من مشهد في ساقه، وعندما بتر ساقه بكى وقال: أنا بخير! لا ترسلوني إلى مدينتي، يمكنني العودة إلى الجبهة بقدم واحدة!".

كيف تعامل رجال الإنقاذ والأطباء والممرضات مع الأسري العراقيين؟

كان التعامل معهم مثالياً. كان لدينا أسير عراقي أسود من دولة أفريقية قال: "لا أريد أن يتم تزويدي بدم إيراني!".

بما أنك كنت عضوة في الباسيج، فهل كان التدريب العسكري على جدول أعمالك؟

نعم. في عام 1985، تم إرسال سبعة أعضاء نشطين من الباسيج إلى معسكر 7 تير رامسر للفترة الأولى من تدريب المدربين العسكريين. في ذلك الوقت، كان لا يزال من غير الممكن للفتيات الإبتعاد من المدينة لمدة شهر. تركنا عائلاتنا في مدينة مزقتها الحرب تحت قصف عنيف. وسط الإثارة والبعد عن عائلة مكونة من خمسة أشخاص، اجتزنا الاختبار بنجاح. بعد التدريب، بدأنا العمل كمدربين عسكريين. غطت السيدة رازي بعناية جميع المدارس والكليات والمساجد والأحياء ومكاتب الجامعة ومساكن الطلاب وما إلى ذلك للتدريب العسكري. أصبحت واجباتنا كمدربين عسكريين أكثر من ذي قبل. بينما كانت جميع محافظات ومدن إيلام تحت قصف عنيف، تم إرسالنا إلى المدن للتدريب وميدان الرماية. لم تكن هناك خدمة للتنقل، ولأننا حملنا بندقيتين كلاشينكوف تحت الخيمة للتدريب، لم نأخذ سيارة أجرة للذهاب إلى موقع التدريب وكنا ذهبنا إلى أقصى المدينة. لم يعد يهمنا أين كان زمان ومكان النشاط ، سواء كان في المدينة أو في ضواحيها أو في المدن الأخري. كانت معظم مدن إيلام من بين مناطق الحرب. أحياناً كنا نذهب إلى المدن لننهي مراحل ميدان الرماية. في ذلك الوقت، بالإضافة إلى الجيش العراقي، كان المنافقون يقاتلون على الحدود كمتسللين على أمتنا المظلومة. كان الذهاب إلى بعض المدن مصحوبين بالخوف ونصحونا بعدم تجاهل المنافقين.

كيف كان استقبال النساء للتدريب العسكري؟

كان الاستقبال التدريبات العسكرية رائعاً لدرجة أننا تناوبنا على الذهاب إلى جميع المساجد. حتى النساء المسنات والأميات يأتين بفارغ الصبر من أجل التعليم. بعد التدريب، جاء دور ميدان الرماية. في بعض الأحيان، من الصباح إلى المساء، وتحت أشعة الشمس الحارقة، وبدون أي مرافق وإمكانيات، كنا نعمل جميعاً معاً في انسجام تام، وفي نهاية العمل في ميدان الرماية، نقوم بتفجير بالديناميت أو التي إن تي للجمهور في الميدان.

هل واجهتك أية مشاكل مع أسرتك في تنفيذ أنشطة الإغاثة ودعم الحرب؟

على الرغم من أنّ العائلات كانت قلقة بشأن التفجيرات وكان من الصعب على الآباء ألا يحدث شيء لأطفالهم، إلا أنهم لم يعارضوا أنشطتنا أبداً وشجعونا علي المضيي قدماً في عملنا. عائلتنا تمر بأوقات عصيبة جداً. توفي والدي في يوليو 1981 عن عمر يناهز 35 عاماً بسبب مرض السرطان. لدي أخت وثلاثة أشقاء. كنت البنت الأولي في الأسرة وكنت في الصف الثاني من المدرسة الإعدادية عندما توفي والدي وكانت أختي الصغرى تبلغ من العمر عشرين يوماً. غادر والدي وتركنا وحدنا في مدينة مزقتها الحرب مع عالم من الصعوبات ونعيش ظروف خاصة وجديدة. كان إخوتي وأخواتي صغاراً، ولم يكن من السهل النزوح إلى الجبال والوديان تحت الخيام في البرد القارس والحرارة الشديدة. كانت والدتي تؤمن برأفة وحنان السيدة رازي، وكانت تؤمن أنه عندما نعمل معها، فإنها ستحمينا كأم. في بعض الأحيان كنا نتدرب من الصباح حتى الليل، وكنا نتجمع في الليل، ونصنع الكمامات حتى وقت متأخر. حتى أننا أخذنا عائلاتنا إلى المنزل لصنع المزيد من الكمامات.

ما هي أحوال مدينة إيلام خلال سنوات الحرب؟

تعرضت إيلام للقصف أكثر من سبعين مرة، ولجأ الناس إلى الغابات المحيطة بها لفترة. خلال ثماني سنوات من الحرب، أحياناً عندما يهدأ القصف، يعود الناس إلى المدينة. كانت العودة إلى المدينة أشبه بمتنفس للمواطنين، حيث اشتد القصف مرة أخرى ولجأنا مراراً وتكراراً إلى الغابة يوماً بعد يوم. في الثلج والجليد والفيضانات، عاشوا في برد الشتاء دون أي تدفئة أو مرافق صرف صحي، وفي حرارة الصيف الحارقة، كان الناس ينتظرون وصول صهريج المياه. باختصار، في خضم هذه المشاكل، لم نتردد يوماً في تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين. أعتقد أنّ جميع سكان مناطق الحرب كانوا مقاتلين. في ظل غياب الأبناء والأزواج، تولت الأمهات والزوجات رعاية الأسرة في ظل أعنف القصف. أهالي إيلام لم يغادروا قط. كانت المسافة من المدينة إلى الخيام التي عشنا فيها أحياناً سبعة كيلومترات. كنا نخبز الخبز ونعدّ الطعام بالحطب ونغسل الأطفال بوعاء من الماء الساخن تحت الخيمة، ولم تكن هناك مرافق غير مصابيح الطبخ بالنفط. يعيش معظم النساء والأطفال في الخيام، وكان معظم الرجال في الأسرة في الخطوط الأمامية للجبهات.

كيف كان وضع الدراسة في هذه الحالة؟

كلما اشتد القصف كنا نخرج تحت الخيام والمدارس متحركة وكنا جميعاً ندرس تحت الخيام. عندما لجأنا إلى غابات البلوط تحت الخيام من القصف، كنا نسير أحياناً لأميال للوصول إلى مدرسة القرية، لأنه لم تكن هناك مدرسة في أي مكان.

في 12 فبراير 1987م، كنا أمام شرطة مرور تحت خيمة في الفصل عندما وصلت الطائرات فجأة. بالقرب من مستشفى الإمام الخميني الراحل، على بعد أمتار قليلة، تعرضنا للقصف. رأينا القنابل تتساقط من المقاتلات العراقية علي ملعب كرة القدم، والصوت الرهيب للقنبلة ينفجر وصافرة الطائرة هزت المكان والزمان معاً. منذ اللحظة التي حلقت فيها الطائرات حتى سقوط القنابل على ملعب كرة القدم، حدقنا في دهشة وتشهدنا. في تلك اللحظة، كان الشباب والمراهقون يلعبون في ملعب كرة القدم، وراح ضحية ذلك القصف الكثير منهم، ولا يمكن لأحد فعل أي شيء حيال ذلك. لم يكن جوار بعيداً عن إيلام، لكن الناس لم يعتقدوا أنه سيتم قصفها من قبل الطائرات العراقية. كان الجميع ينظرون إلى السماء فقط، ولم يكن هناك مكان يلجأون إليه. حالما غادرت الطائرات، اندفع سكان جوار والقرى المجاورة للعثور على أحبائهم. تم إغلاق المدرسة علي الفور. انطلقت صفارة الإنذار لسيارات الإسعاف. خلف قضبان الطوارئ، رأيت جثة أم وطفلها نائم على صدرها وكلاهما ينامان كالملائكة. وكان معظم الشهداء من عائلتي وعشيرتي، ومازالت ذكرى أحبائنا عالقة في ذاكرتنا حتى لحظة الموت.

كيف تديرون خططكم؟

بالإضافة إلى عملي في الباسيج، كنت مدرساً في حركة محو الأمية وحصلت على راتب شهري قدره 1000 تومان، مما ساعد أيضاً على اقتصاد الأسرة. كما أقامت السيدة ارازي دورة في حشد الأخوات لأسر المحاربين من فئة منظمة محو الأمية وكنت  مدرسة فيها. كنت في المدرسة حتى الظهر وكنا في خدمة الباسيج من الظهر حتى الليل. عندما كنت مدرسة، كانت لدي دروس في الليل. في بعض الأحيان نشتري شطيرة في الطريق ونذهب مباشرة إلى مقر الباسيج. اعتدنا النوم في القاعدة ليلاً عندما كان هناك الكثير من العمل في الباسيج وكان من المقرر إقامة المعرض أو كان هناك الكثير من المساعدة خلف الخطوط الأمامية لإرسالها إلى الجبهات. بالطبع، تركت المدرسة الثانوية أولاً وحصلت على الدبلوم بعد بضع سنوات. في الصيف، كنا نذهب إلى العمل من الصباح حتى الليل كموظفات رسمية ونفعل كل ما قيل لنا. بالنسبة للطاقات المتواجدة من الصباح حتى الليل، أحضروا غداء أو عشاءاً مختصراً، لكن السيدة رازي اعتقدت أنه ليس من الصواب تناول طعام بيت المال في زمن الحرب، وفي معظم الأوقات كنا نشتري السندويشات علي نفاقاتا الخاصة.

لم يكن هناك تعب. رؤية الشباب وهم يستشهدون كالزهور دفاعاً عن الإسلام والوطن جعلتنا نسأل أنفسنا، ما هو واجبنا الآن بعد أن ضحى أحباؤنا بحياتهم؟ قد لا يكون قابلاً للفهم لجيل اليوم، لكن المال والأشياء المادية والرواتب ليس لها معنى علي الإطلاق. لم يمنع التعب والجوع والبرد والحرارة النشاط. لم يكن هناك إحباط، فقط حب الوطن يجوب في شراييننا. وبنصيحة الإمام الراحل كنا نزدهر يوماً بعد يوم لا يزال الموقف والموقع والرتبة بلا معنى ولا رئيس أو مرؤوس. على الرغم من أنّ السيدة رازي كانت مسؤولة، إلا أنها لم تبرز ذلك وكانت بمثابة أم لنا. كل نشاطاتنا في التعبئة كانت تطوعية ولم يكن هناك راتب. أردنا فقط أن يكون لنا نصيب في الدفاع المقدس. خدمنا بحب كبير وصدق وقوة وبروح قوية. حتى عائلاتنا لم تحتج علي تواجدنا. جُندت في الحرس الثوري عام 1988.

نشكركم لإتاحة الوقت لنا في موقع تاريخ إيران الشفوي لإجراء هذه المقابلة.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2880



http://oral-history.ir/?page=post&id=9802