لقد تركنا ذكرى خالدة في أذهان أسر داعش عبر الرحمة الإسلامية والأخلاق
الناز درويشي
حسن حيدري
2020-11-07
تم بث برنامج ليالي الذكريات في نسختها الثلاثمائة والثامن عشرعلى الإنترنت عبر موقع آبارات في يوم الخميس الموافق 22 أكتوبر عام 2020م. شارك كل من الدكتور دانشمندي والسيد علي عنابستاني ذكرياتهما في هذا البرنامج وقدّم داود صالحي البرنامج.
كان الراوي الأول لهذه الليلة من ليلة الذكريات الدكتور دانشمندي. حيث كان منذ عام 2013م حتي عام 2018م متواجدا في مناطق مختلفة من سوريا لتقديم الخدمات الطبية.
بدأ الدكتور دانشمندي حديثه بوصف الوضع والأشخاص الموجودين في سوريا قائلاً: في رمضان 2013م أرسلنا إلى سوريا لتقديم الخدمات الطبية للجرحى الذين أرسلوا للدفاع عن حرم الله. بدأنا عملنا في سوريا في نفس الوقت بالمعدات والمرافق المحدودة وسيارتي إسعاف. في سوريا كان هناك جبهة المقاومة، والمقاتلون العراقيون المعروفون بحيدريين، والمقاتلون الأفغان المعروفون بالفاطميين، ومجموعة من المستشارين الإيرانيين وحزب الله حيث يقوم هذا الأخير بتقديم الخدمات الطبية اللازمة، وبقية المجموعات كانت على الجبهات السورية بدعمنا الطبي . كانت عمليتنا الأولى مع نفس المرافق المحدودة وأربعة موظفين طبيين في المنطقة. كانت مساحة كبيرة من الطريق في أيدي القوات المسلحة، وإذا لم تعبر السيارة المتحركة الطريق بالسرعة الكافية فسوف تستهدف بالأسلحة الثقيلة.
بدأت أولى عملياتنا في ريف دمشق بمنطقة فروسية. استغرقت عملية تحرير المنطقة عدة أيام. كنت مسؤولاً عن تقديم الرعاية الطبية. كان هناك شخصان مع سيارة إسعاف وسيارة دعم في مركز الإغاثة الذي أعد مساحة محدودة من مبنى صغير لخدمة الجرحى. كما تم تحديد الموقع للفرق المقاتلة التي كانت في طريقها للعملية، إذا أصيبوا أثناء العملية فسيأتون إلي هذه المراكز الطبية لتلقي العلاج. كما كنا نقدم الخدمات الطبية في منطقة الفروسية للحيدريون أيضاً. كانت إحدى ذكرياتنا الحزينة في هذه المنطقة عندما هاجمت مجموعة من المقاتلين العراقيين (حيدريون) للسيطرة علي ساتر للمعارضة المسلحة، لكنهم لم يعلموا أن خلف الساتر كان ترتيب العدو حيث تعرضوا لكمين. وبالتالي، كانوا في خطر كبير . بدأوا العملية وتقدموا حيث نُصب كميناً لهم. أي تم نصب كمين للمقاتلين العراقيين الستة عشر، ولسوء الحظ استشهد جميع المقاتلين الستة عشر أثناء هذه العملية. جمعت المعارضة، التي كانت في الأصل ضد الحكومة السورية و هم من الوهابيين، جثث الشهداء وأخذت هواتفهم المحمولة من جيوبهم وبدأت في التصوير من أجل الإنتقام منّا. قاموا بإضرام النار في جثث شهداء العراق وقاموا بتصويرها وإرسالها إلى ذويهم في العراق وذلك لإثبات الإرهاب وإثبات همجيتهم لنا ولعائلات شهداء العراق.
كانت الذكري التالية للدكتور دانشمندي تتعلق بعمليات في خان طومان: لقد وقعت هذه المنطقة عدة مرات بيننا وبين المعارضة المسلحة، وفي المرحلة الأخيرة من العملية، التي نفذت بهذه الطريقة، شنوا عملية قوية للغاية بالتعاون مع دول المنطقة، حيث تم تسليم العديد من المدافع والدبابات وناقلات الجند وعدد كبير من الأسلحة الخاصة لهم. وبدأت العملية في يوم صيفي حار قرابة الساعة الواحدة بعد الظهر. لقد أبلغوني لاسلكياً وأنا كنت مسؤول عن مركز الصحة لتلك المنطقة، بأنّ العملية شنها العدو وأنّ خان طومان تعرضت لقصف مدفعي كثيف. الشيء الوحيد الذي كان بإمكاني فعله في ذلك الوقت هو تقوية الاتصال اللاسلكي في مركز خان طومان الطبي والوصول إلى هناك ومواصلة العمل مع الأصدقاء الآخرين في المنطقة.
في حوالي الساعة 2 ظهراً، أضفنا جرّاحاً إلى فريق العلاج وتوجهنا إلى مركز الإغاثة. عندما وصلنا، كان مركز الإغاثة مليئاً بالجرحى. قدمنا الخدمات الأساسية للمصابين، وأوقفنا نزيفهم، ثم نقلناهم بسيارة إسعاف إلى مستشفى ميداني في الحاضر. استمر العمل بنفس الطريقة، وببطء أصبحت الأجواء أكثر برودة واقتربنا من الغرب. كنت قد فتحت المذياع للوقوف على الوضع على الجبهة وعمليات القوات. في غضون ذلك، أُعلن لاسلكياً أنّ خان طومان محاصرة ولن يدخلها أحد بعد الآن. اعلنت: ما زلنا في مركز الاغاثة ونستقبل المصابين وسيارات الاسعاف في طريقها إلينا. قالوا: لم تعد سيارة الإسعاف قادرة على القدوم والطريق مغلق تماماً، كان عليك الخروج من خان طومان. على كل حال تم الإعلان عن إغلاق الطريق وكنا تحت الحصار. نظرت حولي حيث لايوجد أحد باستثناء الفريق الطبي المؤلف من أربع ممرضين إيرانيين وجرّاح سوري وأربعة عمال إغاثة فاطميين. وتم تغطية ثلاثة شهداء واربعة جرحى في المخفر وتناثر عدد من المقاتلين في الشوارع. عندما اكتشفوا أننا في مركز الإغاثة، جاؤوا إلينا للخروج من هذه الفوضى وتنظيم عملنا هناك. وضعنا إحدى الممرضين بجانب المصابين ليعتني به وقررنا أخذ بقية البنادق والاستعداد للدفاع عن أنفسنا. آخر: « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» ويجب : «وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» حتي نري ما سيحدث لنا في قادم اللحظات.
جاء إلينا أحد المحاربين الفاطميين من الزقاق، على مسافة قصيرة منا، بملابس ملطخة بالدماء. عندما وصل سألته ماذا حدث؟ قال: وصلوا إلى آخر الزقاق وأصابوني بوابل من الرصاص. أصابته الرصاصة في ذراعه وجانبه، وسرعان ما أخذناه إلى نقطة الإنقاذ وقمنا بتضميد جروحه وأوقفنا النزيف. أخذنا أسلحتنا وكنا على استعداد، لأنه لم يكن هناك طريق بعيد يفصلنا عن ذلك الزقاق. نظمنا أنفسنا قليلاً وارتدينا الزي العسكري لمنعهم من دخول مركز الإغاثة قدر الإمكان، في هذه المرحلة، اتصلنا آخر اتصال عبر جهاز لاسلكي بقواتنا وودعناهم، وأعلننا أنه يجب علينا محاربة العدو.
حلّ الظلام رويداً رويداً. كنا مستعدين أيضاً. من بعيد رأينا سيارة إسعاف تتجه نحونا. غادرنا المكان الذي لجأنا إليه. اثنان من السائقين الفاطميين الذين لم يلتفتوا للحاجز وعندما سمعوا رسالة وداعنا من خلف اللاسلكي، جاءوا بسرعة وتجاهلوا الطريق الذي كان يتعرض لإطلاق نار مباشر من العدو. سألت يا رفاق كيف أتيتم؟ قالوا: أتينا ولكننا لا نعد بالعودة ولكن يمكننا القتال معكم أو مع أي مهمة تخبرنا بالقيام بها. أستطيع أن أقول بجرأة أنّ معظم القوات الأفغانية (الفاطميين) لديهم قلب أسد ولم أر مثلهم من قبل. التقينا بهذه المجموعة في سوريا. السوّاق الذين عند تشغيل سيارة الإسعاف لم يتوقفوا في أسوأ الظروف الممكنة، وواجهوا الرصاص مباشرة، ونقلوا الجرحى إلى وجهتهم. كان هذان السائقان يمتلكان قلب الأسد أيضاً. قلنا لهما الأولوية هي مع الجرحى والشهداء الذين يجب إعادتهم، والخطوة التالية هي العلاج الجماعي. في سيارة الإسعاف الأولى، أعدنا الشهداء والجرحى، وعندما أعلنا وصولهم إلى المنطقة الآمنة عن طريق اللاسلكي، تم إرسال الإسعاف الثانية مع الطاقم الطبي وباقي القوات، والحمد لله انتهت هذه الحالة بشكل جيد. كانت آخر مجموعة غادرت خان طومان هي المسعفون. ووقع خان طومان في أيدي العدو لفترة طويلة حتى تم تحريرها أواخر العام الماضي.
كانت ذكريات الدكتور دانشمندي التالية حول تسليم جثة الشهيد حججي: كان لابد من نقل عائلات داعش إلى المخيم الآمن لهم. وبالمقابل كان داعش يسلم جثمان شهيدين وكان أحدهما للشهيد حججي. ذهب اثنان من أصدقائنا الإيرانيين لتسليم جثث الشهداء والتعرف عليهم. كانوا مستائين جدا عندما عادا وعندما سألناهم: ماذا حدث؟ قالا: لما ذهبنا إلى هناك كنا نتوقع أن نرى جثة ربما بدون رأس. سألنا ماذا رأيت؟ قالوا: ما من جسد على الإطلاق، إلا عظام. لم يمر أكثر من شهر على استشهاد الشهيد حججي، وكقاعدة عامة، كان يجب أن يبقى جزء من الجسد. لكن ما رأوه كان بضع قطع من العظام لم يتبق منها حتى قطعة من اللحم.
ماذا فعلتم بهذه الأجساد عندما سأل مقاتلي داعش؟ حتى لو لم تكن مسلما فأنت إنسان! لا يوجد إنسان يفعل هذا بجثة! فأجابوا: هذا من عمل دواعش العراق ونحن دواعش سورية. سألهم المقاتلون: ما الذي حدث حتى سلمتم لنا هذا الجسد هكذا؟ قالوا: كان مقاوماً للغاية. في كل مرة سألنا فيها لم يعطِ أي معلومات ويبتسم. لم يطلب منا مرة واحدة السماح له بالعيش. ربما لو طلب منا ذلك، سنقبل ببقائه حياً. بسبب سلوكه ورد فعله على مطالبنا، قطعنا رأسه أولاً، ثم بترنا ذراعيه، وأخيراً تركنا جسده في الصحراء لتتغذى عليه الحيوانات. عندما وضعناه في كيس، تركنا جسده مقطوع الرأس، به بضع قطع فقط من العظام.
قارن الآن هذا بما فعلناه مع عائلاتهم. عندما وصلت أربع حافلات من عائلات داعش إلى معسكرنا وانتظرت لتسليم جثث الشهداء إلينا، كان أول ما فعله مقاتلونا خلال هذا الوقت الذي استمر قرابة 48 ساعة وتأخر تنظيم داعش في تسليم جثث الشهداء هو تقديم الخدمة لهم. والتي تضمنت دورات مياه ومياه شرب وطعام .لكن نحن وبنخوتنا ومشاعرنا الإسلامية، تركنا لهم ذكريات ستبقي عالقة بالأذهان للأبد. قدمنا الخدمات اللازمة لهم حتي يخرجوا من المنطقة بذكريات طيبة، في حال قاموا بتقطيع الجسد إرباً إرباً وهو جثمان الشهيد حججي حيث ندعو الله أن يحشره مع أوليائه الصالحين.
تابع الدكتور دانشمند حديثه بتقديم خدمات أخرى مقدمة لعائلات داعش قائلاً: في تحرير مدينة بوكمال (البوكمال) خصصنا مستشفى لأهالي البوكمال ويعمل هذا المستشفى منذ قرابة 9 أشهر ويقدم الخدمات لأهالي البوكمال. كان السكان هناك من عائلات داعش نفسها. كانت زوجاتهم يأتون إلى هذا المستشفى للولادة، وجلبنا لهم طبيبات من حلب، والتي تبعد مسافة طويلة عن مدينة بوكمال، ليكونوا مرتاحين. عندما وصلوا إلى المستشفى، سألت عن أسمائهم، وكذلك مكان وجود والد الطفل، الذي أجاب: "إنه من عناصر داعش وفي ساحة المعركة". أنجبن أطفالهن في مستشفانا وأعطيناهم حزمة تحتوي على لوازم الأطفال. الأثر الذي تركناه على عوائل داعش بعد تحرير البوكمال هو تأثير دائم. بعد ولادة أطفالهن، سلموهم إلينا حتى نتمكن من نطق الأذان في آذانهم ومنحهم أسماء. قالت لنا عائلات داعش: عندما أراد قادة داعش المغادرة، أخبرونا أنه إذا أتت جماعة المقاومة إلى هنا، فسوف يمرون فوقكم بدبابة ويسوون الأرض، لكن ما رأيناه منكم كان فقط التعاطف والخدمة وتلبية احتياجاتنا. وكان مختلفاً عما قاله قادة داعش، من الأرض إلى السماء. بإذن الله سنكون قادرين على وضع الإسلام المحمدي النقي في المقدمة في جميع أنحاء العالم ونشر الدعوة الإسلامية الخالصة بروحنا الإسلامية والأخلاق الإسلامية والدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدد الزوار: 2476
http://oral-history.ir/?page=post&id=9556