محاصرة كتيبة التدمير
موقع تاريخ إيران الشفوي
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2020-10-19
أقيمت ليالي الذكريات الثلاثمائة وسبعة عشر يوم الخميس 28/9/2020 بصورة مجازية على موقع آبارت. وشارك كلّ من الجنرال أسد الله مير محمدي والسردار جعفر جهروتي زادة وقدّمهما داود صالحي.
وتحدث الراوي الثاني، السردار جعفر جهروتي زادة المولود في مدينة قم العام 1961. كان أبوه فلاحا. كان يدرس ويعمل منذ الابتدائية. وحين عاد الإمام بعد 15 عاما، كان ضمن لجنة الاستقبال. في سنّ ال17 ذهب إلى الجبهة. وفي نهاية شهر بهمن العام 1981، حين كان الحاج أحمد متوسليان يعدّ لاطلاق فيلق محمد رسول الله في معسكر دوكوهه، كتب أمام اسم كتيبة التدمير، اسمه؛ جعفر جهروتي زادة. وبعد الحرب ذهب إلى سورية وشارك كمستشار. ضيف البرنامج أصيب في الحرب بجراح وتلقى علاج إثر إصابته بالكيمياوي وأخ لشهيد. وقد جُرح على الأقل طوال الحرب 16 مرة. ومن رفاقه القادة نذكر الشهيد الحاج أحمد متوسليان والشهيد رضى جراغي والشهيد محمد إبراهيم همت والشهيد عباس كريمي والشهيد محمد رضا دستواره ومنصور حاج أميني والشهيد علي محمود وند. ويبدأ السردار جهروتي زادة ذكرياته قائلا: كنت قبل الدفاع المقدس في مناطق كردستان. جئنا في اليوم الأول إلى كرمانشاه. ولأننا كنا هناك فترة طويلة وحُرمنا حتى من الاستحمام وكان وضعنا سيئا، فقد أعدنا تحسين وضعنا. أعلنت الإذاعة أنه في منطقة قصر شرين قد أخبر راعي غنم بأنّ جيش البعث يريد عبور الحدود. وانتبهنا للأمر. مرت أيام. من كان معنا من الأصدقاء، ذهبوا في جهة ونحن لجهة أخرى. وحين باتت هجمات نظام البعث جدّية، تنازمت مع الهجوم على خرمشهر. وأخذونا من هناك إلى خرمشهر. جاء الجيش العراقي خلف الكرخة وهجموا على الطريق المؤدي إلى أنديمشك. جاءت حافلة وركبناها. وكان معنا محاربون من أماكن أخرى. كان طريقا ترابيا وسارت فيه الحافلة. بعد ساعات وصلنا الأهواز. وحين ترجلنا من الحافلة كان التراب يغطينا إلى درجة لم نتعرف على بعضنا. وأخذونا من هناك إلى آبادان ثمّ إلى خرمشهر. وحين وصلنا إلى خرمشهر، كانت قواتنا مشتبكة مع العراقيين في جمارك خرمشهر. الجميع يواجههم حتى الناس بأسلحة صيد. كنا 25 شخصا مرسلين والبقية من أهل المنطقة وأماكن أخرى. وقعنا في فخّ العدو وحاصرونا وعتادنا نفد. والفريق الذي انفصلنا عنا وقع في أسر العدو. أصيب أحد الإخوة برجله. واستطعنا بصعوبة الخروج من حصار العدو وأخذ الجريح معنا. لم تكن لدينا تجربة كافية. أحيانا نرفع اللاسلكي، ونقول جملا لإيجاد حرب نفسية، نقول مثلا لقد أتت المروحيات... حتى أنّ اللاسلكي ليس فيه بطارية. ولكن العدو كان قريبا منا ويسمعنا. الوحيد الذي معه ذخيرة كان أنا وهي رصاصتان. ويبعد عنا النهر 200 مترا. وفي أعلى النهر تقع مرتفعات الغابة الكبيرة، وبين أشجارها خنادق اسمنتية وهي مقرهم ومنها يقصفونا. رأيت شاحنات تدخل النهر. معنا ما يقارب 16 قذيفة 60 متر. رمينا القذائف في النهر حيث تتجه الشاحنات. أصبنا الجميع. نجونا من الحصار وخرجنا. ووصلنا إلى القوات المرسلة ولكنها لم تأتِ لانقاذنا. بعد سبع أيام، عقدت جلسة مع الشهيد محمد بروجردي. قال لي فيها، جاءت سيارة ويطلبونك. رأيت سيارة حمل وترجل سائقها منها وهو يبكي. أبعدت الغطاء عن مؤخرة السيارة ووجدت جثث الشباب الذي قبض عليهم. ما الذي فعلوه بالشباب دعونا عنه. هذه إحدى خيانات بني صدر الواضحة فلو جاء لمساعدتنا وسلمنا عتاد، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. ذهبنا إلى الأهواز إلى مركز حرب الشوارع للشهيد جمران. قدّمونا إلى عضو من الجيش؛ كان برتبة عقيد نعرفه باسم داود. خُصص بيت يدربنا فيه. بالطبع كنت قد دخلت دورة تدريب في التدمير ل45 يوما في معسكر منجيل، ولكن الآن هي دورة تدريب احترافية. كانت صواريخ خارج الخدمة. وقد دربنا عليها. وكنا نطلقها على العدو ليلا. هكذا كنا نشغل العراقيين، لكي لا يتقدموا. رحمه الله كان شاب من الأهواز عمره 16 عاما؛ الشيهد مجيد خياط؛ كنا نصف الصواريخ لنطلقها، وبينما كان يضع الموقت عليها أخطأ وانفجر. كان دليلنا الوحيد في المنطقة. كانت اكثر عملياتنا في دوب حران ومناطق أخرى في عمليات صغيرة. ثمّ اخذونا خلف كارون. وإذا لم أخطأ كانت جبهة فارسيات أو إسماعيلية. كنا قلّة قليلة ولكن علينا المحافظة على كيلومترات. حين كنت في كتيبة التدمير، ينضم أشخاص خاصيين. لا يدخل الكتيبة أيّ شخص. مثلا في معسكر دوكوهه، يأتينا دفعة واحدة أربع آلاف متدرب، كنا نتحدث لهم؛ يتطوع منهم 50 شخصا للدخول في الكتيبة. أي حين ننظر في وجوههم، وكانهم يستشهدون في نفس اللحظة؛ يريدون اثبات شهادتهم في عملية من العمليات. في عمليات والفجر 1، يبدأ عمق حقل الألغام في بعض الأماكن من ألف متر، بل ويصل إلى 2000 مترا. لم نفطن أثناء العمليات لهذا الأمر. رحم الله الشهيد علي محمودوند، كان حينها قائد مراقبة جيش 27 الرسول الاكرم، قال حين ذهبنا في والفجر 1 للبحث عن الشهداء، للتو فطنا إلى عمق حقل الألغام، كم كان كبيرا! رحم الله الشهيد سعيد مهتدي؛ تحدثنا في مرة عن عمليات والفجر 1، قال كنت قائد فيلق كميل جيش 27، عبرنا من عرض حقل الألغام، التي نظفوه الشباب، تعبنا. لو تحركنا ببطئ ويبدأ العدو باطلاق النار، سيتوزع الشباب داخل الأرض ولاستشهد منهم الكثير. كما حدث في عمليات رمضان. كنا ننتظر خلف حلق الالغام. كان معنا تعبوي حافظا للقرآن. لم يتجاوز عمره السابعة عشر. كان صوته جميلا. انتظرنا في تلك الليلة أن يُفتح الطريق لنعبره سريعا. لم نكن نخاف نار العدو؛ خفنا من الطلقات المضيئة. كان العدو فوق المرتفعات. وكنا في منطقة 143. ووسط هذا الموقف لاحظت اطلاق النار. وقبلها رأيت الشاب يقرأ القرآن. وسألته هل يمكن قراءة القرآن في الظلمة. ذكر حديثا لا أذكره بأنّ النظر في القرآن فيه ثواب. كنا مرتبكين أثناء العبور. حين أطلقت الأضوء في السماء دخلت وسط الحقل. وعجّلت من حركة الشباب. كانت طلقة الضوء قد عبرت من فوق نفس الشاب. تقدمنا ومنعنا حواجز العدو؛ وكان العبور من الأسلاك الشائكة صعب. وقد حمل الشباب معهم متفجرات. حين نضعها وسط الأسلاك الشائكة تنفجر ويُفتح لنا طريق. كان معنا متفجرات ولكن ليس معنا فتائل. رحم الله الشهيد علي كفائي منش، كان قائد إحدى الكتائب الأربع. وجد ألا طريق أمامنا؛ والعدو يطلق النيران وقد تحدث مذبحة. وخلف الشباب حقول ألغام. لو عاد الشباب، لاستشهد أكثرهم في حقل الألغام. من المحال الوصول إلى طريق سليم وسط ذلك الظلام. قفز الشهيد علي كفائي منش داخل قناة، وضع المتفجرات وسط الأسلاك الشائكة. نزع زر الأمان عن قنبلة يدوية، وحدث الانفجار واستشهد هو. عبر الشباب. وتقدمت الكتائب. ولكنهم لم يستطيعوا التقدم اكثر وانتهى الامر. ما يقارب 93 جريحا. وأمرت الشباب أن يأخذوا فقط الجرحى. كنا ننتظر؛ كان الشهيد شه بسند يقترب منا مع قواته. نقلنا الجميع للخلف؛ ولكن بقي جريح واحد. لا يمكننا حمل بالايدي. جلسنا فوق تلّ وكان على يميني الشهيد أسد الله بازوكي. وأخي على يساري. ووقف خلف حامل اللاسلكي. فجأة وقعت قذيفة بيننا. وقع حامل اللاسلكي شهيدا. وقُطعت يد الشهيد أسد الله بازوكي وأصبيت رجله. نهض. وجدت أنه يمكنه السير، ولكن صدى الانفجار أثر عليه ولا يميز الاتجاهات. تراجع للخلف عبر الاشارات التي كنت أرسمها له. وجدت أخي ينظر لي. قلت: "محسن! هل تساعدني لأضع رجلي في مكانها؟" ما إن سمعني قرأ زيارة عاشوراء: "السلام عليك يا أبا عبد الله... إلى آخ" سلّم على أبي عبد الله ووقع على رجلي. كلّ من حولي استشهد. وكان بيننا الاخ زواره اي؛ ومازل على قيد الحياة. أُصيب في ذقنه وفمه. أخذته للخف.وأصبت انا في البطن والصدر والرجل. وصل لنا الشهيد شه بسند ولم يعرفني. أخرجت ورقتي من جيبي. أحضروا بسرعة حمالة مكسورة حملونا. وعدت للجبهة وأنا أسير على عصى. وضعوا في رجلي جهاز لم يكن موجودا في تلك الفترة في إيران. سألت عن حافظ القرآن. فقالوا لقد رمى نفسه على شعلة الضوء لكي لا ننكشف واستشهد. لا أعرف بالدقة درجة حرارة الشعلة؛ لكنها كبيرة جدا. يقول البعض أكثر من 800 درجة وتذيب الحديد. يقولون حين ذهبوا لجمع الجثث، لم يبق من هذا الشهيد سوى رأسه مع حذائه. حتى أنه وضع كوفيته في فمه حتى لا يعلم العدو بنا؛ إنه الشهيد السيد محمد حسيني، على روحه وأرواح الشهداء الطيبة صوات الله.
عدد الزوار: 2545
http://oral-history.ir/?page=post&id=9514