هاجس التاريخ الشفوي الراهن؛ خلأ التنظير
حاورته: عطية محمدي
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2020-09-01
يتطرق الدكتور على ططري، أستاذ التاريخ وهضو هيئة مركز التاريخ الشفوي الإيراني ةرئيس مركز وقائق مكتبة مجلس الشورى السابق، إلى علل التنظير في حقل التاريخ الشفوي ومكانته في الجامعات.
كيف تعرّف التاريخ الشفوي؟
التاريخ الشفوي بلغة بسيطة، هو أساليب لانتاج الوثيقة.
هل تنظر له كأسلوب أو علم؟ أين يقع التاريخ الشفوي بين وثائق التاريخ الأخرى؟
كما أراه، التاريخ الشفوي هو أسلوب في بحث الوقائع التاريخية. في الواقع رؤية فرد، من باحث أو مؤرخ أو طالب أو أي شخص يبحث عن الحقيقة في موضوع وإبهام تاريخي.
لو كان موضوع البحث تفصله عنا فترة زمنية وليس هناك شخص على قيد الحياة من تلك الفترة، فيجب وضع التاريخ الشفوي جانبا؛ إمّا إذا كان الموضوع في أجواء تاريخية يمكن دخول حوار حوله وتوثيقه، يمكن اعتبار التاريخ الشفوي كوثيقة بحثية. بالطبع مكانة المصادر والملاحظات الأخرى المتعلقة بالموضوع لها أهميتها.
الهدف هو مثلا حول مضوع انقلاب 28 مرداد 1332، هناك الكثير من الوقائق الداخلية والخارجية، مطبوعات وكذلك مذكرات وكتب بحثية. وعلى هذا يتضح من النظرة الأولى أنّ المصادر والوثائق حول هذا الموضوع قد وصل إلى حدّ مقبول، إذاً يمكن استخدام التاريخ الشفوي كأسلوب بموازاة المصادر الأخرى لتغطية البحث وأحيانا سدّ الثغرات المعلوماتية.
من جانب آخر، يقدّم التاريخ الشفوي هنا كوثيقة من الدرجة الثانية، أي الوثائق والتقارير والمذكرات والمصادر هي من الدرجة الأولى مثل المطبوعات التي صدرت في نفس يوم الحدث ويمكن الوصول إليها وتروي ما حدث، ويدخل التاريخ الشفوي مكملا لهاز
بيد أنّ البحث في موضوع تاريخي لا يمتلك وثائق كثيرة، تأتي حوارات التاريخ الشفوي كوثائق من الدرجة الأولى. بعبارة ثانية، إنّ التاريخ الشفوي هو المصدر الوحيد للموضوع. وعلى هذا، يقع أهمية التاريخ الشفوي على اساس الوقائع أو الحقائق والحركات التاريخية وحجم الوثائق والمصادر التي يمكن الوصول إليها.
هذا العلم أو حسب تعبيرك الأسلوب ما هو موقعه في موضوع التنظير في داخل البلاد وخارجه؟ ما هي التطورات التي حصلت فيه؟
لو قبلنا أنّ التاريخ الشفوي أسلوب جديد في انتاج الوثيقة وهو فرع من التاريخ، يُطرح سؤال هل لدينا في فرع التاريخ مكانة مناسبة لتقديم نظرية؟ الجواب لا! بمعنى أنّ فرع التاريخ كأول الفروع التي درّست في جامعات ومراكز إيران ضعيفة في التظير؛ حتى أننا لم نقدّم في فرع التاريخ نظرية مقبولة ومتقنة. أساليب البحث التي ندرسها الآن في الجامعات، معظمها منسوخ من مؤسات أكادمية غربية وأوربية وامريكية. وجاء التاريخ الشفوي أيضا من هناك ونمى بعد الثورة الإسلامية.
وعلى هذا، انعدام التنظير هي إحدى المشاكل الجادة لتقدم التاريخ الشفوي. أنا وأصدقائي في "مؤسسة التاريخ الشفوي الإيراني" أكدّنا في المؤتمرات السنوية للتاريخ الشفوية، على موضوعات التنظير؛ منها في المؤتمر السابع للتاريخ الشفوي تحت عنوان "التدوين في التاريخ الشفوي" التي أقيمت في مكتبة المجلس. الحقية أنّ الخلأ كان منذ سنوات وكان محل عناية مؤسسة التاريخ الشفوي الإيراني منذ تأسيسها.
نعتقد أنّ الإيرانيين لم يقوموا بالتنظير في التاريخ الشفوي، ولكن من جهة اخرى علينا القبول أنّ أحد أساليب الوصول إلى التنظير هو ذات التاريخ الشفوي. نفس الحوارات التي توثق التاريخ الشفوي، قد تؤدي إلى تنظير. الجيل القادم من تيارات وطلاب وأساتذة هم من يصححون تلك النظرية الأولى، ولكن مع الأسف لم نمر بعد بتلك المرحلة.
هل الخلأ متعلق بماهية التاريخ الشفوي أو بكلّ فروع العلوم الانسانية مثل التاريخ؟
لماذا لم تصل فروعنا في العلوم الانسانية إلى التنظير، هو موضوع طويل. على أية حال يجب البحث فيها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية:
الدلائل السياسية: مع الأسف القرارات السياسية تأثر على ثقافتنا، في حال يجب أن تبقى المؤسسات الثقافية والعملية بعيدة عن السياسة. هذه المشكلة أثرت حتى على الجامعات بصورة مباشرة. نختلف عن الغرب هنا في هذا الموضوع. تحيط الحركات السياسية بصورة كاملة على الاجواء العملية والثقافية للبلاد وهي مؤثرة جدا.
في الواقع مع صعود تيارات سياسية، أحدثت تسونامي عجيب في الأجواء العلمية للبلاد. تضع هذه التيارات كوادرها في المناصب العملية والثقافية للوصول إلى خطابهم وتغليبه. من الأضرار التي أُصيبت بها المراكز العلمية والثقافية، اصرار مجموعات سياسية على تغليب خطابهم على المراكز الثقافية؛ في حال أنّ العالم كله متفق على أنّ الخطاب الثقافي وخاصة الخطاب العلمي ولغة العلم، مستقل عن السياسة.
الدلائل الاقتصادية: من الأضرار الكبيرة الأخرى، العامل الاقتصادي. مرت البلاد في العقود الأربع بأزمات اقتصادية كثيرة خاصة الخرب والحصار وقد أثّر كثيرا على الاجواء الثقافية. من أول الدلائل يمكن الاشارة إلى قطع أو تحديد حجم الاعتبارات البحثية والدراسية الثقافية والاجتماعية؛ وهو ما يدعو السياسيين إلى التفكير بتعويض مالي، إثر تقليل ميزانية الثقافة! قد يكونون على حقّ، لأنّ الاولوية لحياة الناس ورواتب الموظفين، وهنا نهمش القضايا الثقافية.
الدلائل الاجتماعية: ما يُرى اليوم في الاجواء الاجتماعية، هو العلاقة غير المتجانسة بين الفروع الجامعية والدخل والعمل؛ ويمكن اعتباره مشكلة اجتماعية كبيرة. الجيل الجامعي غير مستعد للدخول في فروع العلوم الانسانية، لأنهم غير واثقين من تأمين عمل مستقبلي.
نرى في اعلانات العمل الصادرة كلّ عام من قبل الحكومة، ما هو حجم العمل المتاح لفرع التاريخ؟ وحتى لو كانت الكثير من المؤسسات تحتاج إلى فروع مثل التاريخ، يوظفون أشخاصا خارج فرع التاريخ أو على الأقصى خريجي العلوم الاجتماعية. من جهة أخرى، أضعف فرص التوظيف نجدها مع خريجي العلوم الانسانية. النتيجة، قسم مهم من خريجي الفروع الانسانية خاصة فرع التاريخ إذ يتخرجون فاقدي الأمل من التوظيف.
هل هناك احتمال بإجاد فرع تحت عنوان التاريخ الشفوي في الجامعات ليدخل ضمن الاطار الاكاديمي والتنظير؟
منذ عقد كانت جهودنا في مؤسسة التاريخ الشفوي الإيراني أن نوجد فرعا مستقلا في الماجستير تحت عنوان "التاريخ الشفوي". واختيرت جامعة اصفهان. بسبب أنّ أساتذة التاريخ في جامعة اصفهان خاصة أساتذة مثل الدكتور نورايي والدكتور دهقان نجاد والدكتور منتظ قائم الاكثر نشاطا بين المجموعات التاريخية. قاموا بجهود كبيرة لارساء مكانة للتاريخ الشفوي في الاطار الاكاديمي وتتلمذ على أيديهم الكثير من الطلاب. قاموا كخطوة أولى، بتأسيس فروع للماجستير والدكتوراة للتاريخ الشفوي. وكانهم حصلوا على ترخيص للتاريخ الشفوي في جامعة اصفهان، ولكن ليس لديّ معلومة دقيقة حول استقبال الطلاب.
في موضوع التاريخ الشفوي، هناك الكثير من المؤسسات التي تتولى الأمر؛ هل ترى تعدد هذه المؤسسات فرصة أو ضرر؟
يقترن الموضوع بالوثائق والأراشيف. حين تقرر وضع كل وثائق البلاد في المكتبة الوطنية، ولكني كمنتقد لهذه الاطروحة أرى كلما توزعت مراكز التوثيق فهو في صالح التاريخ والهوية والثقافة. يمكن لمس هذه التجربة في روسيا والصين وألمنايا والولايات المتحدة الأمريكية. مثلا في ألمانيا هناك ألف متحف وروسيا يُطلق عليها بلاد الأراشيف. تدل هذه التجارب العالمية على أنه كلما توزعت مركز التوثيق والأرشفة، خاصة من الناحية الامنية (استهداف مركز توثيق من قبل العدو أو عامل يبعث اشعال النيران) فسنوفق في الحفاظ عليها.
المشكلة الأخرى، عدم تعادل الوضع الاقتصادي في تعين ميزانية للثقافة. في العام 2008 وحتى العام 2013 لأسباب اقتصادية منحت السلطة المقننة ميزانية جيدة لمكتبة مجلس الشورى الاسلامي واستطعنا شراء آلاف الوثائق والصور. لذلك قمنا بعملنا كمكتبة وطنية في تلك الأعوام. كلما زاد عدد المراكز، يوظف عدد أكبر من فروع المكتبيات والتاريخ والأرشفة؛ النتيجة، تفتح أبواب جديدة للعمل في المستقبل؛ تنتج بحوث ورسائل جامعية اكثر وتقوى المراكز الجامعية.
هذا موضوع أساس، بيد أنّ موضوع مراكز التاريخ الشفوي بعد الثورة فهو موضوع آخر. وإن كان عملها في المجال العلمي دقيق، فجب بحث النظرة الإيدلوجية وما شابهها، ولكن عددها مفيد.
هل مركز الوثائق الوطنية يمكنها القيام بحجم عمل قسم تاريخ محافظة قدس الشفوي- الدكتور حسن آبادي وزملاءه-؟ أو هل يمكن مقايسة عمل جامعة اصفهان في جعل التاريخ الشفوي أكاديمي مع بقية المراكز؟ إذاً تعدد مراكز التاريخ الشفوي ليست دون اشكال. من أهداف مؤسسة التاريخ الشفوي الإيراني هو إقامة مؤتمرات اختصاصية، أن ننتج أسلوب بحثي؛ عبر مقالات تقدم في المؤتمرات، أن تعد أساليب جديدة للمراكز. دعونا المراكز زالباحثين لاغناء هذه المؤتمرات. وتقرر في الواقع أن تكون المؤسسة نقطة الثقل والتواصل مع بقية المراكز العاملة في التاريخ الشفوي.
أين وصل هذا العمل؟
لقد نجحنا في بعض مهماتنا وأهدافنا وفي البعض الآخر لم نوفق. والسبب هو أنّ نظامنا الاقتصادي والثقافي ليس ثابتا في البرامج طويلة الأمد وأكثر البرامج قصيرة المدى. كمثال تدعمنا طوال عام مؤسسة ماديا ونقيم مؤتمرا ثم يليه عام لا داعم لنا. الموضوع الثاني هناك بعض المدراء لا يعترفون بالتاريخ الشفوي وليس ضمن أولويتهم.
شكرا لك.
عدد الزوار: 2609
http://oral-history.ir/?page=post&id=9420