ليالي الذكريات الثلاثمائة والخامسة عشر- 2

الثور الإسلامية والأعوام الثمان

إلناز درويشي
ترجمة: هادي سالمي

2020-08-07


 

أقيم برناج ليالي الذكريات الثلاثمائة وخمسة عشر، 24 يوليو 2020 على موقع آبارت. وتحدث كلّ من السيد أحمد قميشي والدكتور رضا قنبري وكلاهما كان من أسرى الحرب. وأدار الجلسة داود صالحي.

ولد أول متحدث في أكتوبر 1962 في مدينة الاهواز وقد أُسر في 21 بهمن 1983 وفي عمر العشرين عاما في منطقة عمليات والفجر المقدمات تمّ أسره. وقد قضى 91 شهرا من حياته في معسكرات الأنبار والموصل2. وبعد عودته إلى أرض الوطن أكمل دراسته وحصل على شهادة طب من جامعة طهران ثمّ تخصص في طب الطوارئ. الراوي الثاني لهذه الليلة كان في الخطّ الأمامي لمواجهة الكورونا.

وبدأ الراوي الثاني حديثه قائلا:

شاب بعمر الواحد والعشرين من أهل فلاورجان، قبل اطلاق صراح الأسرى بثلاث أسابيع في معسكر الموصل 2 يتوقف قلبه ويستشهد. وبعد شهرين من أطلاق سراحنا، صممتُ أن أذهب إلى فلاورجان، والتقيت مع عائلة الشهيد. ذهبت إلى اصفهان، أعددتُ المقدمات وذهبنا مع أمي وأختي إلى فلاورجان وهي قرية جبلية بعيدة عن اصفهان. أخذت العنوان من أسير كان معنا. سألت أبا الشهيد محمد صابري كيف علمتم بخبر شهادته. وروى لي كيف وصل لهم الخبر:

"حين بثّ الخبر من الإعلام عن اطلاق صراح الأسرى، في 17 أغسطس 1990 أضأنا القرية بالأضواء الملونة، كان محمد الأسير الوحيد من القرية، كنا ننظف القرية كل يوم لقدومه.منذ يوم 17 كنا نتابع الإذاعة والتلفاز لنعرف أخبار محمد، وصلنا خبر على أنه أسير في معسكر الموصول 2، بدأ تحرير أسرى الموصول 1 وكان في موصول 1 و2 أربع آلاف أسير ويجب اعلان اسم محمد بعد خمس أيام. حين لم يصلنا خبر عن محمد قلقلنا وذهبنا إلى الهلال الأحمر والحرس ومكتب رئاسة الجمهورية. هم أيضا لا يعلمون. ولم يخبر من كان معه من الأسرى بما حدث له، حين جاء يوم وقف في قريتنا حافلة. حين توقفت الحافلة ترجل منها 20 أو 30 شابا أعمارهم بين 30 و20 سنة. وكنت أظنّ أنّ محمد بينهم، اقتربت من الحافلة. حضنتهم واحدا واحدا وحين وصلت إلى المنتصف بكوا. قلت لنفسي لماذا يقدّمون لي العزاء. وبعد أن ذهبوا، عدتُ وطلبت منهم اطفاء كلّ الأضواء والباس القرية السواد لأنّ محمد لن يعود".

حين كان أبو محمد يتحدث، كانت أمي تجلس بجانبي وتبكي. سألت أبا محمد: "أين أمّ محمد؟ لماذا لا تأتي؟" أجابها: "يا حاجة، ماتت أمّ محمد قبل عامين أي بعد عام من شهادة أبني الثاني، ماتت حزنا على شهادته وأسر محمد". استشهد أخو محمد العام 1987. كانت أمّي تبكي حتى وصلنا اصفهان.

وتحدث الدكتور قنبري عن ذكرى شهادة والمراسم التي عقدت في معسكر الموصول 2 لمحمد صابري:

"كان بدية شهر مرداد. جلست مع آخرين في منام الموصول 2 وعقدنا جلسة. وكان أحد الشباب يراقب من النافاذة ليخبرنا إذا وصل البعثيون. فجأة قفز من النافذة وقال: "توقف قلب أحد الشباب في الساحة وأذخوه للمستوصف، يبدو أنه محمد صابري". وركضنا إلى المستوصف. كان مستوصف الموصول 2 عبارة عن غرفة فيها أربع أسرّة. حين وصلنا، علمنا أنهم لا يسمحون بدخول أحد. يريد البعثيون أخذ جثة الشهيد بسرعة من المعسكر، ولكننا قاومنا. قال مسؤل المنام للبعثيين أمهلونا ساعتين حتى نودّع محمد. ووافقوا.

وضعنا شرشفا أبيض على محمد، ولكننا لم نغطي وجهه. ذهب الشباب الواحد تلو الآخر لتوديعه. طال الوداع أكثر من ساعتين. ولد محمد صابري العام 1969.ذهب في صيف العام 1983 وفي سنّ 14 عاما من قرية فلاورجان إلى الجبهة وجُرح في عمليات خيبر ثمّ أُسر وأُخذ إلى معسكر الموصل 2. في نفس المعسكر بتّ زميلاً له في المنام. درس محمد حتى صفّ الثلث المتوسط. شجّعته على اكمال دراسته في صفوف محو الأمية المقامة في المعسكر وكنتُ المشرف عليها. شارك محمد في الصفوف من أول ثانوي حتى الرابع الثانوي. وكانت الكتب قد أحضرت لنا. وقد أنهى الدراسة بدراجات متفوقة.

يقول مسؤل المنام حين عدنا من دفن محمد في الغربة، قال العقيد البعثي الذي كان مسؤل المعسكر الموصول 2 نريد المشاركة في مجلس عزائه.

لم نصدّق أنّ البعثيين سيشاركون في مجلس عزاء شهيد. كانت مثل هذه المراسم ممنوعة ويشدد البعثيون علينا ونقيمها في الخفاء. إذ كان التعذيب سببه مثل هذه المراسل. فماذا الذي حدث الآن ليشارك قائد عسكري بعثي في مراسم شهيد.

أعددنا أنا ومسؤل المنام البرانامج. قارئ قرآن ومنشد وخطيب باللغتين العربية والفارسية، لأنّه كان بيننا ضيوف عرب. أعددا ما نحتاجه للضيافة ووضعنا كلّ ما نملك.

جاء في المراسم فريق كامل من البعثيين جنود وضباط وقادة من معسكرات الموصول الأربع. اخترنا أفضل مكان في المنام. بقي البعثيون حتى نهاية المراسم. قدّمنا للبعثيين الشاي مع التمر. وقرأ قارئ بصوت جميل آية "و من يخرج من بيته مهاجرا ؛لي ‌الله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره علي‌الله..".

قرأ في ذلك اليوم البعثيون القرآن لشهيدنا، استمعوا للخطبتين بالعربي والفارسي، وحين بدأ المنشد علي أكبر بالانشاد بكوا على محمد صابري الذي كان أسيرا لديهم سنوات. نهض في نهاية المراسم الضابط الأعلى رتبة بين البعثيين، تقدّم لصورة الشهيد محمد صابري، رفع يده وأدى التحية العسكرية. لم يستطع امساك نفسه عن البكاء، رأيته وهو يخرج من النام يمسح دموعه.

وتبعه فريق البعثيون في أداء نفس الحركة. لقد انتهت شهادة محمد صابري الأمر، سطع نور ثورتنا على العراق وأنهى محمد أيام أسرنا. كلّ من يريد معرفة سبب استمرار الحرب بعد تحرير خرمشهر يجب أن يقرأ قصة شهادة محمد صابري، لأنّ اليوم هناك شبهة لماذا أكملنا الحرب. كان علينا بعد الهجوم الذي حدث على الثورة أن ننقل رسالة ثورتنا إلى العالم الإسلامي، وقد فعلنا ذلك. وبعد حرب الثمان سنوات حدثت الصحوة الاسلامية وكانت الثورة الاسلامية نموذجا راقي لمحاربة الاستكبار. واليوم استيقظت شعوب العراق وسوريا واليمن وافغانستان ولبنان وباكستان والبحرين مثل الشعب الإيراني. وحسب اعتراق العدو والمجتمع الدولي، كان نظام حزب البعث هو المعتدي وانتصرت إيران. وقف الاستكبار العالمي بكل قوته أمام جبهة الثورة الإسلامية. جلسات متكررة وتخصيص ميزانية، دعم جيش البعث بأحدث أسلحة، كلها للقضاء على الثورة الحديثة في إيران لم ينقض سنتان من عمرها. هكذا أرادوا الوقوف أمام تصدير هذه الثورة. إنهم لا يخافون من الثورة الإسلامية بل من تصدير الثورة الإسلامية ولذلك شنوا هجومهم عليها. إذا لم نكن نفكّر في تصدير الثورة فلا فائدة من ثورتنا. حاولوا الوقوف نفوذ فكر ثورة الجمهورية الإسلامية في المنطقة والعالم، ولكنهم كانوا غافلين عن نقطة وهي الشهادة ونفوذ أثر الشهيد. والآن في العام 2020 حين يعقدون جلسة، يخصصون ميزانية لتبديل الجمهورية الإسلامية إلى نظام آخر ويحيكون خططا. حمقى حين يفرح المرتزقة في الداخل والخارج، يخططون، ولكنها كلها ستندحر. ولكن شهادة شهيد مثل الشهيد الحاج قاسم سليماني دحرت كلّ خططهم. تقدم قادة البعثيين الاحترام للشهيد محمد صابري يعني أنهم تقبّلوا شهادته وفكره وعقائده. أعيد هذه الجملة بأنّ شهداءنا مظلومين. ليرزقنا الله اللحاق بشهداء الثورة الإسلامية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2752



http://oral-history.ir/?page=post&id=9374