المذكرات التي لم يُسأل عنها؛ هل هو عدم اعتناء أو عدم معرفة تاريخية للمحاور

نموذج من ضياع الفرص التاريخية

جعفر كلشن روغني
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2020-06-27


تنتج في علم التاريخ أحداث بطرق مختلفة أو تُجمع. ومن أهمّ أساليب الحصول على الأحداث التاريخية واستعادة المشاهدات أو السماعيات في الوقائع والأماكن التاريخية، هي عن طريق الحوار الفعّال، ويمكن اطلاق صفة التاريخ الشفوي عليه. وتأتي أهميته من الحصول على الأحداث التاريخية التي نبحث عنها بصورة مباشرة من وراء ما لم يُقل وذاكرة الشهود. ويمكن جيدا إلى أقصى حدّ ممكن ومسير، كسب تلك الاحداث من ذاكرة شهود العيان واستخراجها. ونظرا لهذه الاهمية، لو قلنا إنّ الحوار مع كل شاهد عن الأزمنة التاريخية هي فرصة استثنائية. إذاً على المحاور أن يستغل بكل قواه الفكرية والذهنية والجسدية النتائج التاريخية القيمة. بعبارة أخرى كل حوار مع شهود عيان أو نشطاء ومؤثرين في الأحداث والوقائع داخل تاريخ إيران المعاصر، هو حدث إبداعي؛ ولذلك من الضروري استغلاله لانتاج قيمة أعلى، ولأنه أيضا قد لا تحدث هذه التجربة مرة أخرى وقد لا يمكن للضيف أن يمتلك قدرة الحديث مرة أخرى، وتدفن معه ذكريات مهمة.

لذلك كلّ حوار تاريخي شفهي من جهتين، حاصل على أهمية؛ من جانب أنّ الضيف يجدف فرصة للحديث عن كنونات صدره ليضيف على كنز التاريخ ويطلع المتلقي المعاصر على أوضاع وأحوال الأمس. والجانب الثاني يحصل المحاور على فرصة الحديث مع شاهد أو صانع تاريخ عن قرب ويستخرج حجما كبيرا من المعلومات لاضافة على التاريخ.

ويجب الحديث عن فهم أهمية هذه الفرصة في مكان آخر وقد قيل الكثير عن هذه الأهمية بالنسبة للمحاور؛ ولكن الهدف من هذه المقالة هو اظهار إحدى الفرص التي لم تستغل. وهي مثال لعب فيها الطرفان المحاور والضيف دور تضييع الفرصة. وإن كان دور المحاور في تضييع هذه الفرصة أكبر بكثير من الضيف. كتاب مذكرات المرحوم زوّاره اي الذي صدر في العام 2011 عن مركز وثائق الثورة الإسلامية ولم يأتِ فيه ذكر على اسم المحاور. ولم تذكر المقدمة زمان الحوار. ويمكن فهم عبر تاريخ رحيل السيد رضا زوّاره اي في العام 2005، أنّ الحوار كان قبل هذا التاريخ. نعرف أنه ولد في 1938 في ورامين قرب طهران. ومنذ الثامنية عشر وبعد حصوله على الديبلوم توظف في وزارة الثقافة كمعلم. وبعد أعوام، أكمل دراسته الجامعية في فرع الحقوق القضائية وأصبح محاميا. أدت نشاطاته المعاضرة للحكومة البهلوية إلى القبض عليه عدّة مرات من قبل الساواك وسجنه. وبعد انتصار الثورة الإسلامية، نصّب مدعي عام في محكمة الثورة وكان له دور كبير في محاكمة مجرمي الحكومة البهلوية. وكان حتى وفاته ممثلا في مجلس الشورى الإسلامي وعضو شورى صيانة الدستور.

كان من شهود ونشطاء أحداث 15 خرداد 1963. وعمل في شبابه، 25 عاما، معلما، وقد تطرق ضمن مذكراته قليلا لتلك الأيام ( صفحة 30 و31) يقول: "صادفت صباح وأنا ذاهب إلى العمل أحد أقاربنا. قال لي: هل سمع خبر القبض على السيد؟ أعتقد سترافقه ضجة". كان في ظهيرة يوم 15 خرداد يدرس في إحدى مدارس منطقة نازي آباد طهران، علم بخبر المظاهرات ولأنه لم يحصل على سيارة لنقله أوصل نفسه مشيا على الأقدام إلى شارع خراسان ومسجد لرزادة أحد معاقل التظاهرات. "ولأنّ سواق الباصات من الخوف، أخذوا كل باصاتهم إلى الموقف". ويصف في مذكراته ذلك اليوم وأول مشهد صادفه: "كانت سيارة تسير في الشارع، أخرج من النافذة ثيابا مغطاة بالدماء وكان الركاب يطلقون شعارات". وحين وصل إلى ميدان خراسان حيث التجمعات، يتحدث كشاهد: "نزع المتظاهرون القضبان المعدنية المحيطة بالميدان ورموها لوقف حركة السيارات ولم يسمحوا للسيارات التي جسلت فيها نساء غير متحجبات بالعبور... حطم الناس كشك تلفون عام ورموا القطع المعدنية على الشارع، ولكن لم يلمسها أحد وقالوا حرام أخذها". ويتحدث زوّاره اي عن اطلاق الشرطة النيران على المتظاهرين ووقوع ضحايا: "جرت في ذلك اليوم دماء الناس في منطقة بازار سيروس الحالي مثل المطر. على كلّ الجدران آثار أيدي حمراء".

من النقاط المهمة في مذكرات زواره اي، ذكر 150 مفردة كانت متداولة في تاريخ الثورة الاسلامية. هذا المقدار القليل من ذلك اليوم العظيم، يطرح عدّة أسئلة.

  1. لماذا اكتفى الراوي بهذا القدر من المعلومات ولم يتطرق لتلك الأحداث؟ هل يتعلق الأمر بالنسيان؟
  2. لماذا لم يسأل المحاور أسئلة أخرى للحصول على معلومات أكثر؟
  3. هل كان المحاور شخص مطلع على زوايا أحداث 15 خرداد وأهمية الحصول على شاهد كان نشط في تك الفترة؟
  4. كيف نظّم المحاور الأسئلة للخروج بأكبر حجم من المعلومات؟
  5. ما الذي حدث في ذلك الحوار لفقد كنزا باسم زوّاره اي؟
  6. هل يمكن الوصول إلى منع فقدان مثل هذه الفرص؟ كيف؟

ولكن هدف هذه المقالة الإجابة على الأسئلة ولكن توضح الخطأ الذي يقع فيه المحاورن في مثل هذه الحوارات. باعتقادي، أنّ زوّراه اي في سن ال25، كان من أهمّ الشهود العيان ورواة التاريخ؛ رجل وصل إلى سنّ تتيح له فهم ما يحدث على المستوى السياسي والاجتماعي والديني والثقافي للبلاد ويعرف جيدا، بحكم عمله كعلم بالأحداث التي تمر بها البلاد. ولأنه كان يدّرس في مدارس طهران، يمكنه توضيح الأجواء الذهنية والفكرية والنفسية للتلامذة؛ خاصة تلامذته وعوائلهم التي رافقت نهضة الإمام الخميني أو مؤيدو الحكومة وبرامجها. من جانب آخر يمكن تقديم معلومات قيّمة عن حجم مشاركة المعلمين أو عدمه في حدث 15 خرداد. ويمكننا معرفة أهمية هذا الحدث إذا علمنا بقتل التلميذ طهراني أبو الحسن خانعلي ومن ثمّ ما حدث لمحمد درخشش الذي انتهى به الأمر إلى وزير الثقافة. وقد شارك الكثير من التلامذة في المظاهرات وسقط الكثير منهم شهداء وجرحى ودخلوا السجن، وكان زواره اي أفضل من يمكن الحديث عن هذا الموضوع. إذافة لذلك، ولأنه كان في مسجد لرزادة، كان يمكن الحديث عن التحضيرات التي حدثت في المسجد وعن إمام الجماعة، أي الشيخ علي أكبر برهان الذي جمع الناس للخروج إلى الشوارع. وكان يمكن سؤال زواره عما رآه حين حركته من ميدان وشارع خراسان إلى ميدان شاه (قيام الحالي) ووصوله إلى مسجد الحاج أبو الفتح في شارع ري. وكان هذا الشارع من أهم شوراع المظاهرات وكان مسجد الحاج أبو الفتح من أهم مراكز وتنسيق المظاهرات. وقد مرّ بأمكان أخرى ورآه عن قرب حتى الوصل إلى بازار طهران. وكان يمكنه الحديث عن تفاصيل تبدأ من الطبقات التي شاركت في المظاهرات حتى الشعارات ومواجهة القوات الأمنية للمتظاهرين.

ويمكن التوصل إلى نتيجة مفادها، ورغم أنّ المحاور لم يُذكر اسمه، كان يمكنه أن يوصل لنا أكثر بكثير مما حصل عليه. كان يمكنه عن طريق نق زمني أن يعيد القراء إلى تلك الأجواء وما حدث فيها.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 2801



http://oral-history.ir/?page=post&id=9304