الحوارات التي تتحدث عن عصرنا
معرفة التاريخ القريب مع التاريخ الشفهيإعداد: مريم أسدي جعفري
ترجمة: حسن حيدري
2019-12-03
يحتوي كتاب "من الحرب إلى الدفاع المقدس، النص والهوامش" على عشرين مقابلة حول الآثار الاجتماعية للحرب وانعكاساتها على أعمال الفنانين حيث دوّن برعاية الدكتورة مينو خاني مؤخراً (نوفمبر 2019) في 221 صفحة ونشرته دار هما للنشر، والكتاب عبارة عن حوارات مع كل من السيد احمدزاده، عمادالدين افروغ، محمود اكراميفر، داوود اميريان، هدايتالله بهبودي، ابراهيم حاتميكيا، احمدرضا درويش، احمد دهقان، محمدحسن رجبي، محسن رضايي، رضا رئيسي، فرهاد ساساني، حسامالدين سراج، مرتضي سرهنكي، محمدرضا سنكري، ابراهيم فياض، عبدالجبار كاكايي، علي رضا كمري، محمدصادق كوشكي و علياكبر ولايتي .. ستقرأون فيما يلي مقابلة مراسلي موقع التاريخ الشفوي الإيراني مع الكاتبة.
كيف تشكّل محتوى كتاب "من الحرب إلى الدفاع المقدس"؟
يحتوي الكتاب على مقابلات أجريتها من أجل رسالة الدكتوراه. عنوان أطروحتي هو "إنعكاسات الحرب في الرسم الإيراني، بعد عام 1981"، أي بعد بداية الحرب العراقية المفروضة على إيران. كان من المقرر أن أركز في رسالتي علي الرسوم الإيرانية المتأثرة بالحرب، لكن هذا العمل، لديه البنية التحتية اللازمة. اعتقد أستاذي الفرنسي، الدكتور كريستوف بيل، أنني أحتاج إلى إلقاء نظرة اجتماعية على حرب العراق ضد إيران وتحليل اللوحات على أساسها. كان السبب خبرته في إيران لمدة أربع أو خمس سنوات علي نحو فترتين قضّاها فيها. بالإضافة إلى معرفته العميقة بالأدب الإيراني المعاصر، عرف أدب الحرب الإيراني ومكتب الأدب ومجال فن المقاومة وقراءة العديد من أعمال مذكرات الحرب حيث يحتفظ ببعضها في مكتبته. لهذا السبب، اعتقد أنّ الحرب كانت ظاهرة اجتماعية خاصة بالإيرانيين. نقطة أخرى وهي أنه يعتقد بأنّ الفنانين الإيرانيين كانوا على دراية كبيرة بهذا الحرب وهذه الظاهرة الاجتماعية ومثلوها في أعمالهم. لذلك كان على البنية التحتية لنقد ودراسة اللوحات الحربية معالجة هذين المحورين. لذا نصحني بإجراء حوارات مع مجموعة واسعة من الفنانين والكتاب والشعراء والمخرجين وحتى قادة الحرب والذين شاركوا بطريقة ما في الحرب، وطرح هذين السؤالين الأساسيين. حسناً، ذهبت إلى هؤلاء الأشخاص قبل أن أذهب إلى لوحات الحرب. لذا خلال عامي 2009 و 2010، قمت بمعظم هذه المقابلات العشرين. بقيت مقابلة أو مقابلتين للسنوات التالية. على سبيل المثال، أجريت مقابلة مع السيد أحمد رضا درويش في عام 2012.
هل كنت راضياً من النتائج؟
نعم، لأنني كنت أبحث عن أشخاص عملوا بطريقة ما في الحرب وصنعوا الفن بشكل خاص. تمكنت من التحدث إلى أشخاص معروفين، ولأنني أردت الإجابة على سؤالي الثاني، لماذا يتعامل الفنانون مع ظاهرة الحرب؟ ولماذا جعلوا الحرب خاضعة لأعمالهم الفنية؟ لقد تحدثت مع كبار الفنانين والكتاب في هذا المجال. بالطبع، غاب المسارح وفنانو الجرافيك عن هذه السلسلة، لكن أجريت مقابلات مع الشعراء والكتاب والرواة والمخرجين السينمائيين وحتى السيد حسام الدين سراج الذي لم يكن حاضراً بشكل مباشر في الجبهات، ولكن كشخص قام بتكوين موسيقى الحرب في الثمانينيات، كما أجريت مقابلة أيضاً مع السيد محسن نفر. بالإضافة إلى ذلك، أجريت مقابلات مع بعض السياسيين مثل الدكتور علي أكبر ولايتي وعدد من قادة الحرب مثل السيد محسن رضائي أو الدكتور محمد صادق كوشكي، مدرّس العلوم السياسية في الجامعة.
كيف اتخذت قراراً بأن تصبح المقابلات علي شكل كتاب؟
منذ الأيام التي كنت أجري فيها المقابلات، نصحوني أن أنظر بجدية أكبر إلى هذه المقابلات. بعد التخرج، أتيحت لي الفرصة لاتخاذ إجراءات لنشرها. جئت أولاً إلى مؤسستين تتعلقان بفن و أدب الدفاع المقدس الذي رفض بسبب غياب الفنانين المسرحيين والرسامين، لكنني اعتقدت ولازلت أعتقد أنه لا ينبغي إضافة مقابلات جديدة إلى هذه السلسلة من المقابلات. لأنّ هذه المحادثات جرت في عامي 2009 و 2010 ، وإضافة أشخاص جدد إلي هذه المجموعة في الوقت الراهن، ليس عملاً مهنياً، لأنّ الوضع الاجتماعي اليوم مختلف تماماً عن ما هو عليه مقارنة بالعشرة الأعوام التي مضت. لذلك كان الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في مكان مختلف، وكانت المحادثة مختلفة تماماً. بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أنه حتى لو أراد هؤلاء الأشخاص اليوم الإجابة عن الأسئلة نفسها، فربما يكون لديهم بعض الإجابات المختلفة في بعض الحالات. لكن هذه المقابلات، ومن خلال بعض الخبراء الذين استشرتهم، كانت لها خاصية بعد مرورعشر سنوات، ولا تزال هناك حاجة لنشرها، "هذه الكلمات لا تزال جديدة ويمكن أن تكون حديث اليوم". إنها مفيدة ونافعة ونشرها يعتبر أمراً ضرورياً وجيداً. في بعض المقابلات، كانت هناك أشياء لم يقلها المتحدثون من قبل. بمعنى آخر، قاموا بإنشاء النظام الأساسي وفرصة لقول أشياء جديدة لا تزال محدثة.
لقد قلت أنه بالنسبة لرسالة الدكتوراه، شعرت بالحاجة إلى الاستعداد للمقابلة. لماذا المقابلة؟ هل اقترح استاذك استخدام هذا الإطار؟ قد يكون بمقدور الجمهور الإجابة عن أسئلتك كتابةً أو إرسال مقالة خاصة بهم تتعلق بأسئلتك.
إحدى طرق إجراء البحوث هي إجراء المقابلة. في البحث الأكاديمي الفرنسي، يعد البحث الميداني مهماً جداً بمعنى إما إجراء مقابلة أو تقديم استبيان. لأننا نريد إنتاج شيء لم يكن موجوداً من قبل. هذا جانب مهم من العمل البحثي الذي يمكن أن يكون أداة جيدة لتعزيز البحث للوصول إلى مرحلة الإنتاج العلمي. أظهر بحثي أنّ الإجابة على هذين السؤالين هي ما إذا كانت الحرب في إيران أصبحت ظاهرة اجتماعية أم لا. ولماذا يجعل الفنانون الحرب مقدمة لخلق أعمالهم الفنية؟ لم يكن هناك شيء مكتوب في الكتب من قبل. لذلك رأيت حاجة ماسة لدخول هذا الحقل.
رداً على حقيقة أنّ الأفراد قدموا إجابات في شكل مقالات أو مواد موجودة مسبقاً، يجب أن أقول أنه ليس لديهم نص في الموضوع . النقطة الثانية هي أنه ليس كل الأشخاص مؤلفين أو كتّاب. في غضون ذلك، هناك شيء في المقابلة لا يحدث أبداً في النص المكتوب. ربما يكون الشخص المعني قد كتب رأيه بشكل مكتوب، لكنه لم يلبي بالضرورة احتياجاتي البحثية. لذلك كان علي اختيار نموذج المقابلة. خاصة عندما كنت طالبة في الخارج و أتردد بين إيران وفرنسا بشكل مستمر، وكان من غير المحتمل أن أنتظر منهم أن يفعلوا ذلك. لذلك في كل مرة كنت في إيران، أجريت هذه المقابلات و تم استخدام بعضها في أطروحة الدكتوراة كما هو مطلوب، ولكن ليس في شكل محادثة، وبقيت للحصول على فرصة أخرى مثل اليوم.
من ناحية أخرى، نظراً لتاريخي الصحفي، كنت مقتنعةً أنه في البداية، لم يكن من الجيد أن يكتب الناس نصوصاً للإجابة على أسئلتي. ثانياً، إذا أرسلت إليهم سؤالين محوريين يجيبان عليّ في شكل نص، حيث لايمكن أن تشعر بحيويتها علي الإطلاق. لأنهم سيشيرون بالتأكيد إلى أشياء قد تثير أسئلة لي مرة أخرى، نفس الشيء الموجود في المقابلات. أي أنه تم طرح سؤالين محوريين على الجميع، ومع تصميم كل واحد حسب مجال خبرته، تم طرح أسئلة أكثر تحديداً. أي أنّ نموذج المحادثة كان له نتائج أكثر من هذين السؤالين.
على أي أساس حددت الأشخاص العشرين الذين قابلتهم؟
كان سبب اختيارهم خلفيتهم في مجال الدفاع المقدس، مع أي نهج كان. حسناً، نظراً لخلفيتي الصحافية المحدودة في فن مجال الدفاع المقدس، كنت أعرف هؤلاء الفنانين والكتّاب جيداً. لذلك، بدأت مع أفضلهم، وخاصة أولئك الذين لديهم خبرة في الحرب ثم خلق عمل أدبي أو فني حول هذا الموضوع، ولأنّ توصية أستاذي هي تغطيت مجموعة واسعة من الناس، لذلك ذهبت لمقابلة السياسيين والقادة وحتى أساتذة الجامعة. بالمناسبة، لم أكن قد قررت منذ البداية أن أقوم بمقابلة عشرين شخصاً. كان من المفترض أن يتم انتخاب الأشخاص الذين ارتبطوا بطريقة ما بالحرب. لكن في العمل الميداني، علينا الاستمرار حتى نشعر بالإشباع، عندما يبدو أننا حصلنا علي إجابات لأسئلتنا المطروحة. لذلك عندما قابلت عشرين شخصاً، شعرت أن لديّ ما يكفي من الأفكار لمعالجة هاتين المسألتين وعدم مواصلة المقابلات الأخرى. ولعل أحد الأسباب التي تجعل مصممي المسرح والرسوم البيانية غير موجودين في هذه المجموعة هو أنّ الإجابات أصبحت مشبعة.
لقد نجحت في مقابلة أشخاص مهمين حول الموضوع الذي تبحثين عنه ...
نعم. أحياناً حتى التحدث إلى بعض الأشخاص الذين أعرفهم جيداً ليس بالأمر السهل. لأنهم يعتقدون أنهم في سياق المقابلة، يتعرضون للكلمات والأشياء التي قد لا يرغبون بذكرها. لكن استناداً إلى معرفتي السابقة بمعظم هؤلاء الأشخاص وشعورهم بالمسؤولية وانعكاس ما يقولونه بصدق وثقتهم الكبيرة بي، تمكنت من إجراء مقابلات معهم بسهولة. الصدق هو أحد مبادئ تسجيل الذكريات الشفهية وإجراء المقابلات، وأنا أبذل قصارى جهدي حتى لا أتدخل بما يقوله من أجريت معهم المقابلة. لقد فعلت هذا في كل سنوات عملي في الصحافة. حتى أحاول الحفاظ على لهجة خطاب الشخص. وهذا هو نهجي في العمل، كما أنه في هذه السلسلة من المقابلات، يتم الحفاظ على لهجة خطاب كل شخص. على سبيل المثال، لهجة خطاب السيد سرهنكي تختلف تماماً عن لهجة السيد كمري أو السيد درويش، ولقد احتفظت بهذه السمات لهم. لذلك بقيت وفية لذلك وحاولت فقط صياغة النص. النقطة الأخرى هي أنّ رسالتي كانت تجري في جامعة بفرنسا، وكان من دواعي سروري أن يكون لديّ أطروحة دكتوراة عن الحرب من قبل إيراني كان يؤمن بعمله، لذا فقد عملوا جيداً معي. إلى أن يتم إنتاج وثيقة مكتوبة صالحة حول الدفاع المقدس، يمكننا أن نحافظ على جزء صغير مما نقوله داخل أنفسنا وفي إيران، من خلال رسالة الدكتوراه في أماكن أخرى من العالم - حتى لو بقيت في المكتبة. لذلك سهلت طريقي قليلاً. على سبيل المثال، كان من الصعب حقاً إجراء مقابلة مع السيد محسن رضائي والسيد ولايتي بمساعدة الأصدقاء الصحفيين، ولحسن الحظ عندما ذهبت إلى المقابلة، شعرت بمدى انفتاحهم ومقدار مساهمتهم.
يبدو أنّ فئة الكتّاب لها وجود أكبر في هذه المجموعة؟
هذا لأنه حتى في الحرب، كان الكتاب متقدمين على الآخرين. نحن نعلم أنّ الكتاب لديهم مقاربة لإنشاء رمز الدفاع المقدس الذي تم تطبيقه لاحقاً على السينما والفنون البصرية. لذلك كان الأساس لا يزال الأدب والذكريات. كان لدى هؤلاء الأشخاص بعض الكلمات الجيدة جداً، وذلك من خلال التواجد في الجبهات ثم إنشاء العمل، وهو ما كان في رأيي قد ساعد في تحسين الرسالة. لذلك حدث أن نشعر الآن أنّ الكتاب أكثر تواجداً في الكتاب، ولكن النقطة المهمة هي أنهم كانوا كتّاباً محاربين، أي أنّ لديهم العمل الإبداعي للقيام به. الأشخاص الذين تمت مقابلتهم هم أولئك الذين لديهم خبرة في التواجد في الخطوط الأمامية في الجبهات وأصبحوا الآن رواة قصة أو كتّاب أو مخرجين في السينما. يقول إبراهيم حاتمي كيا: "ذهبت للقتال، ورأيت أنني لا أستطيع القتال بالسلاح، لذا أخذت الكاميرا. لذا فإنّ تصميم السؤال الثاني مع هذه الفئة يجيب على هذه الأسئلة حيث أنّ لديهم تجربة التواجد في الحرب وأن تلك التجربة دفعتهم إلى خلق العمل.
تم استخدام هذه المقابلات في رسالة الدكتوراه الخاصة بك، والآن بعد أن قمت بنشرها بشكل مستقل وبكاملها، ما هي المواضيع التي سيقدمها للجمهور؟
كما قلت، كان لدي سؤالان محوريان، لكنني طرحت أيضاً على كل شخص أسئلة أكثر تخصصاً حول مجال عمله. على سبيل المثال، سألت السيد أحمد دهقان لماذا دخل في أدب الحرب؟ سألت السيد عبد الجبار كاكائي لماذا لا يزال يكتب الشعر عن الحرب، وما زال ينشده؟ في عام 2002 أو 2003، تم تشييع جثمان حوالي 500 شهيد من مطار مهراباد إلى ساحة إنقلاب. في تلك المناسبة، كتب السيد كاكائي قصيدة جيدة للغاية، وأتذكر كتبة ملاحظة على أساس تلك القصيدة. إذا تم وضع هذه الأسئلة في سياق البحث وتم طرحها، وبالتأكيد إذا كان أي شخص يريد البحث في شعر الحرب، فإنّ اشعار السيد كاكائي ستساعده في هذه المقابلة. إذا أرادوا العمل في سينما الحرب، فإنّ كلمات السيد حاتمي كيا والسيد درويش ستساعد بالتأكيد. حتى لو أرادوا العمل مع هؤلاء الأشخاص أو إذا أراد شخص ما العمل مع السيد دهقان وعملية كتابته، أعتقد أنّ عمله الذي كان في مجال الحرب سيساعد بالتأكيد باحثاً آخر. بينما انتقل جزء من المحادثة إلى الذاكرة الشفهية، إلا أنه يمكن استخدامه للبحث الأكاديمي ويبقى للمستقبل، للأشخاص الذين يرغبون في معرفة الناس هذه الحقبة ومجتمعنا الحالي.
أي أنهم في المقابلات ذهبوا نحو الذكريات...
لم يقتصر الأمر على ذهابهم، لكنني سألت منهم أيضاً. باستثناء شخص واحد، كان الأشخاص الآخرون الذين تمت مقابلتهم بطريقة ما - حتى في فترة عابرة - حاضرين في الجبهات. على سبيل المثال، السيد حسام الدين سراج، لم يكن في جبهات الحرب، لكنه كان أحد الذين زاروا الجبهات بانتظام. جمعت دائرة الفنون في فترة الحرب الفنانين وجعلت من الممكن زيارة مناطق الحرب. كانوا في ذلك الفضاء ويتأثرون ويخلقون أعمالهم. أو قال السيد جليبا - الذي لم يدخل حواره في هذه المجموعة، لأنّ الرسامين لم تتم مقابلتهم في هذا الكتاب ونوقشوا بالتفصيل في رسالة الدكتوراه - إننا كنا نحضر هذه الزيارات وفي النهاية الباحة الفنية في مكان ما كان ذلك عندما جاء القادة والمقاتلون وتبادلوا ذكرياتهم في مجموعة ودية. قام الفنانون أيضاً بإنشاء أعمال بناءً على ما سمعوه.
هل يمكن القول أنّ جزءاً من كتابك يحتوي على ذكريات الأشخاص العشرين الذين قابلتهم؟
لا ليس جميعهم. لم يتحدث السيد محسن رضائي عن نفسه، لكنه تكلم عن مقاتليه والقادة الذين كانوا معه. أو يشير الدكتور علي أكبر ولايتي إلى المواجهة بين الغرب والموقف الدولي لإيران خلال فترة وجوده في وزارة الخارجية.
هل لهذه المقابلات أي جانب من جوانب التاريخ الشفهي للحرب؟
بالتأكيد يمكن أن يتسموا بهذه الصفات. تارة حول من تمت مقابلتهم وتارة حول من هم في محيطهم. لأنهم أشخاص مهمون في مجال عملهم، فإنّ ما يقولونه بإمكانه أن يصبح تاريخياً.
هكذا هو التاريخ الشفوي. وهذا هو، حيث يتحدث المرء عن موقفه وملاحظاته عن تلك الظاهرة التاريخية. جانب آخر هو الحوار بين الشخصين. فالراوي يصف تحليله وفهمه لتلك الظروف. إلى أي مدى نرى تحليل ودراسة وتصورات الأشخاص العشرين في الكتاب، بصرف النظر عن ملاحظاتهم؟
كان أحد الأسباب وراء تأكيد أساتذتي وأصدقائي على نشر هذه السلسلة، هي هذه السمة المطروحة هنا. قال كل من هؤلاء الفنانين إنّ سبب دخول أدب الشعر والفن في الحرب كان شأناً شخصياً، وهو أمر ربما قيل من قبل، لكن لماذا أصبحت الحرب ظاهرة اجتماعية في إيران وخلق علي إثرها العديد من القضايا الفنية. كيف يؤثر الفن في الحرب على المجتمع؟ هذا هو ما تم تناوله بشكل قليل جداً. هذه الكلمات ليست بالإمكان أن تصبح قديمة. ربما يكون السيد سرهنكي قد قال بالفعل بعض الأشياء المهمة حول أدب الحرب، ولكن في هذا الكتاب ذكر على وجه التحديد أنّ أدب الحرب أو أي تحليل لأبحاث الحرب سيساعد في توضيح وضع ذلك اليوم ويساعدنا ولا يمكننا تجاوز الماضي - على الأقل بالقرب من ماضينا - نفس الشيء الذي حدث في المجتمع الإيراني خلال الثمانينات – حيث يقال الكثيرعنه في هذا الكتاب. هذه الكلمات سوف تساعدنا على النظر بجدية أكبر اليوم. على سبيل المثال، عندما سألت السيد حبيب أحمد زادة لماذا يكتب عن الحرب؟ وقال "أنني ككاتب، يبدو كشخص يحمل شعلة في الألعاب الأولمبية وعلي أن أجري وأسلمها إلى شخص آخر" إذا نقلت تجاربي مع كتاباتي إلى الجيل التالي، فإنّ الأمر يبدو كما لو أنني أعطيت مشعلي لشخص آخر. "تماماً كما يساعد هذا الأدب، أن تطلق رصاصة أقل ويقتل القليل، بتحسين حياتنا اليومية". عندما سألت هذين السؤالين الرئيسيين حول تحويل الحرب إلى ظاهرة اجتماعية وتأثيرها على الفن، ويغطّي كل من تجارب هؤلاء الناس ورؤيتهم لما يحدث في المجتمع. عندما أتحدث عن ظاهرة اجتماعية، أريد أن ينظر إليها الشخص الذي تجري مقابلته من منظور اجتماعي، وليس فقط من منظور شخصي، حيث تحدث الناس عن تجربتهم البيولوجية وتأثيرهم الاجتماعي في هذا الكتاب.
هناك نقطة في بنية المقابلات، وهذا شيء جيد، تشيرين إلي زمان ومكان المحادثة في بداية كل مقابلة. الشيء التالي، ونظراً لأنك صحفية، فإنك تتوقعين عنواناً لكل محادثة لم تقومي بها، ربما لأنك لا تريدين إصدار أي أحكام بشأن المقابلات التي تجرينها. ما عليك سوى ذكر اسم كل من أجريت معه المقابلة. في الواقع ، فإنّ اسم الشخص الذي يجري المقابلة هو بطريقة ما عنوان المقابلة. هذه تعطي المقابلات الخاصة سمة التاريخ الشفهي. لذلك، أثناء قيامك بالتدريس كأستاذة لتاريخ الفن، قمتِ بتعريفك الخاص للتاريخ والتاريخ الشفهي.
تعرف أنني لست منظّرة، لكني أحاول تطبيق ما تعلمته في منهجي الدراسي. قيل لي إنّ "التاريخ هو نور الطريق إلى المستقبل"، حيث قيل ذلك من قبل أيضاً. يساعدنا التاريخ في المضي قدماً اليوم من خلال مسار أفضل وأكثر تقدماً. على عكس أولئك الذين يتحدثون عن التاريخ، أنا لا أنظر إلى التاريخ بعيداً جداً. وأعتقد أنّ التاريخ لا ينبغي أن ينظر إليه من بعيد. أكرر هذا كثيراً في صفوفي التعليمية للتعرف على أنفسنا بالوقت الراهن. لقد قمت بعمل جيد قدر استطاعتي لأعرف نفسي في مجتمع اليوم، لكن معرفة نفسي اليوم ليست بأي حال من الأحوال خروجاً عن الماضي. أريد أن أعرف اليوم في سياقي الاجتماعي والثقافي. من المؤكد أنّ هذا السياق يقودني إلى تاريخ بعيد نسبياً ومن الضروري معرفته. لكنني أعتقد أنه إذا كان عليّ القيام بعملي كمدرس أو صحفي، فأنا بحاجة إلى معرفة التاريخ الذي يكون قريباً مني ومن الحاضر أيضاً. على سبيل المثال، أحتاج إلى معرفة تاريخ مائة أو مائتي سنة الماضية، حيث أنّ التاريخ الشفهي، وبطريقته الخاصة، يساعد في هذا الفهم بشكل كبير.
فمن وجهة نظرك أنّ التاريخ القريب أكثر أهمية...
نعم. في دروس تاريخ الفن وبحث الفن، أحثّ الطلاب على الدراسة مائة عام على الأقل. لأنّ هناك الكثير من الأشياء الخفية المتبقية والكثير لم يتم بحثه. لذلك على الأقل إذا كان الوقت والجهد يجب إنفاقهما، اعمل على التاريخ القريب.
أنت و من أجل التاريخ القريب، حددت موعداً محدداً. علي أساس ذلك ومن وجهة نظرك، فالتاريخ الشفهي يتعلق بالتاريخ القريب...
التاريخ القريب بالتأكيد. ماذا يعني التاريخ الشفوي؟ أود أن أقول لنفسي إنه بالتأكيد يتجاوز التعريف العلمي لأخصائيي التاريخ الشفهي. يساعد التاريخ الشفوي في كتابة الكلمات. بينما كان طالب يعمل على الفكاهة في التصوير الفوتوغرافي للحرب، التفت إلى المصورين الذين كانت صورهم تتسم بقدر من الفكاهة. وهم لم يتحدثوا قط عن صورهم. على الإطلاق، كانوا متحمسين لسؤال أحد الطلاب عن سبب كون هذه الصورة ساخرة. ثم يخبرني الطالب أنّ المصور تحدث عن كلمات لم يتم ذكرها أو نشرها في أي مكان. الذاكرة الشفهية هي في ذهن الشخص الذي عاش تلك التجربة ومعه ستختفي، والتجربة الفردية التي يمكن أن تصبح ذاكرة ومعرفة جماعية. لذلك، ستحافظ الذاكرة الشفهية على ما جرى، سواء كان يتعلق بالحرب أو أي شيء آخر. ما الذي يصنع التاريخ؟ كيف عرفنا عن الفترة الساسانية أو الأخمينية على مر السنين؟ بناء على فنهم وأعمالهم. ساعدت هذه الأعمال على فهم كيف عاشوا. كيف سيكون مستقبلنا معروفا الآن؟ بعد أربعة إلى خمسة عقود، كيف يتم اليوم التعرف على المجتمع الإيراني؟ بعد عقود، يريد المؤرخون الكتابة عن إيران في الثمانينات والتسعينات، ويبحثون عن العمل وخاصة البحث الأكاديمي، وأي واحد يختارونه؟ هل يحلل الباحث مجموعة الأعمال من وجهة نظره الخاصة، هل هو مناسب للمؤرخين المستقبليين في ذلك الوقت، أم هل هو فنان يكتب عن أعماله ويكتب في مكان ما؟ أي مكان تجدر الإشارة إليه؟ بالتأكيد الفنان نفسه تحدث عن عمله. نقطة أخرى مهمة هي أنه في حالة وفاة فنان، فإننا لم نعد نفهم لماذا وكيف ولأي غرض خلق الأعمال وماذا كان في ذهنه. لذلك، ما دام الفنان على قيد الحياة، يجب علينا الذهاب إليه وتسجيل سيرة حياته. على الأقل إذا كنا لا نريد الدخول في حياتها الخاصة، فنحن بحاجة إلى حياتها المهنية. أقول هذا دون الحديث عن الحرب. يساعدنا تتبع تجارب الأشخاص المهمين والمؤثرين، سواء كانوا فنانين أو سياسيين أو غيرهم، وذلك للحصول علي عيش حياة أفضل وترك مصادر موثوقة لمعرفة للمستقبل.
عدد الزوار: 3229
http://oral-history.ir/?page=post&id=8923