ذكريات الطيّار كيومرث حيدريان

هل أنت جاهز لكسر غرور صدام؟

إعداد : سهيلا حيدريان
ترجمة: حسين حيدري

2018-09-21


الطيّار كيومرث حيدريان، وبعد نجاحه في دورة الطيران التابعة للقوات الجويّة ومن أجل إستكمال مدارجه العليا والمهنية، ابتعاث إلي شيبرد في ولاية تكزاس في عهد الحكومة البهلوية. في نهاية الدورة حصل علي أعلي رتبة بين الدول الست المشاركة من أنحاء مختلفة في العالم. خلال الحرب التي فرضها جيش صدام ضد جمهورية إيران الإسلامية، أكمل أكثر من 50 رحلة جوية خارجية و 2000 ساعة من الدوريات المحمولة جواً، و بسبب نجاحه في مهامه، بما في ذلك الإطاحة بثلاثة طائرة عراقية من طراز سوخوي وشبحهم الخاص في  5 أبريل لعام 1965، خلال دورية جوية في الجزء الغربي من البلاد. أصبح واحدا من الطيارين الأكثر شهرة في العالم كما لُقّب بنسر زاجرس من قبل أبناء بني جلدته الكرمانشاهيين . فيما يلي سنقرأ بعضا من ذكرياته.

جائزة صدام وسخريّة الصحفي

منذ بداية الحرب المفروضة، انشرت القوات الجوية للجيش الإيراني بقوة، وواجه الغزو العراقي بكل بسالة عن طريق الضربات الجوية حيث عزز موقفه في الذود عن حياض الوطن. استهدف الطيارون الشجعان مواقع صدام حسين بشجاعة ودون هوادة. لم تمرّ إلّا بضعة أشهر من الحرب حيث أصبحت السماء العراقية حلبة لطياري القوات الجوية الإيرانية.رغم وجود المضادات الجوية المتطورة علي الحدود [1] العراقية، لم يتوان أي من الطيارين تجاه مهامهم و يتسابقون علي التحليق واحد بعد الآخر. لم يكن للمخاوف على الطيارين الإيرانيين معنى ، فقد اجتازوا في الغالب الحاجز الدفاعي العراقي ونفذوا مهمتهم بنجاح.

في تلك الأيام قام أحد طياري القوات الجوية بتفجير مصفاة البصرة و الذي حلّق من القاعدة العسكرية السادسة في بوشهر. بعد الانتهاء من المهمة وفي طريق العودة، اصطدم صاروخان أرضيان هما سام 3 وسام و6 وسقط على الأرض العراقية. الكل كان قلقاً و ينتظر خبراً منه.

كان حوالي الساعة 11 صباحاَ عندما التقينا ببعض أصدقائنا، بما في ذلك الشهيدين علي رضا ياسيني وعباس دوران، كطيارين إلزاميين في قاعة المؤتمرات .لم نتلقّ أي أخبار من البرامج الداخلية. مع العلم أنه في مثل هذه الحالات ، سارعت وسائل الإعلام العراقية، ومن خلال إطلاق حملة دعائية مكثفة وعقد مؤتمرات تلفزيونية، تحاول استعراض قدراتها الجوية، ومن باب القلق الذي ينتابنا، أخذنا نشاهد التلفزيون العراقي، والذي يتم التقاطه في بوشهر بسهولة تامة، على أمل الحصول على معلومات من زميلنا.

كان التلفزيون العراقي يعرض حينها مؤتمراً صحفياً بحضور صدام حيث وجه أحد الصحفيين الأجانب سؤالاً له:« سيدي الرئيس، كيف تدافع عن مواردك الاقتصادية، بما في ذلك محطات الطاقة، بالنظر إلى أنّ الطيارين الإيرانيين يهاجمون معظم المناطق في العراق؟»

غطى وجه صدام شاشة التلفزيون، بينما كان يستمع إلى مترجمه العربي ليعرف ما قاله ذلك الصحفي. كان من الواضح من وجهه الغاضب أنه لا يحب هذا السؤال بشكل كبير. وبنفس الوجه الغاضب والصوت الذي بدا قوياً، تحدث بالعربية حيث ترجم مترجمه كلماته كمايلي: « لقد أبلغني قائد القوات الجوية أنه تم مؤخراً توجيه ضربة قوية من مضاد الطائرات على المدن ومحطات الطاقة حيث لا يمكن لأي غربان إيرانية أن يدخل مناطقنا الاستراتيجية !لكن كل من يتمكن من الدخول إلي مسافة 50 ميل من محطات إنتاج الطاقة، سأمنحه راتب سنة كاملة للقوات الجوية العراقية كجائزة لذلك الطيار».

خلال كلمات المترجم، لا يزال التلفزيون يظهر صورة  صدام الغاضبة، وفي نفس الوقت المغتر بنفسه. في الوقت نفسه، نظرت إلي سيماء ياسيني ودوران، كان حماس الغيرة والشجاعة يتلألئ في عيونهم. بعد لحظات من انتهاء المقابلة، لم يصبر السيد ياسيني طويلاً و التفت نحو السيد دوران قائلاً:« عباس هل أنت جاهز للذهاب كي نكسر غرور صدام؟»

عباس وبذلك الحماس المتلألئ في عينيه قال و بكل اشتياق: «يا علي...نعم سنذهب».كما رافقتهما في هذا المشوار. على الفور تلقينا الإذن اللازم من مساعد العمليات .قام السيد دوران كقائد لعمليات الطيران بتوضيح كيفية القيام بهذه المهمة. بعد الإنتهاء من البريفتينغ [2] ذهب إلي غرفة المعدات و قام بإستلام ما تحتاجه العملية وبعدها أصبحنا علي أتم الإستعداد للتحليق عن طريق طائرتي فانتوم.

الغاية من وراء هذه المهمة والطيران،هو قصف محطة إنتاج الكهرباء في مدينة البصرة. كثيراً ما أقرأ الشهادتين أثناء الرحلة ، كما أفكّر في الأسر و السقوط والإستشهاد، ولكن العقلية التي كانت تهيمن على ذهني ، القيام الصحيح بإجراء العملية و إصابة الأهداف المنشودة و النجاح في الطيران و المهام التي تقع علي عاتقي. إذا قلت أنه لم يكن هناك خوف، فهذا كذباً ، لكن الإحساس بالوطنية قد تغلب على مشاعري الأخرى. بالطبع، لم يكن هناك خوف من الموت، بل كنت أخشى ماذا ستفعله عائلتي بعدي؟.... كان أحد أسباب رغبتي في العودة إلى وطني من المهمة والطيران، هو القيام بمهام لاحقة ورحلات متابعة وتقديم كل ما لديّ لبلدي.

بإرتفاع منخفض وسرعة عالية تخطينا الحدود وبدون أي مشكلة دخلنا الأراضي العراقية. على بعد أميال قليلة من محطة الطاقة، رآنا الدفاع الجوي العراقي وبدأ بإطلاق النار. اطلقت أنواع المدافع المضادة للطائرات نحونا من كل حدب وصوب ، تمت مهاجمتنا بأنواع مختلفة من الصواريخ لكنناعبرنا الحاجز واحداً تلو الآخر. وصلنا الأهداف المنشودة في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهراً. بذلك الإرتفاع المنخفض تمكنا من إصابة الهدف. في الوقت نفسه، كنا نتحرك نحو الحدود من خلال الدوران واستهداف تلك المحطة بشكل كامل. من خلال طائرة خفيفة و دون صواريخ، اتجهنا نحو الحدود حيث لازال القصف و اطلاق الصواريخ يطاردنا بشدة. فيما يتعلق بحجم الأضرار التي ألحقت بمحطة كهرباء البصرة ، كانوا على أي حال يريدون الانتقام منّا لكي  يدعموا صدام. بتوفيق من الله عزوجل و ذكاء و بسالة الطيارين الإيرانيين، لم يتمكنوا من اسقاط الطائرات و هبطوا سالمين غانمين علي أرض الوطن.

الآن، وجه صدام كان منذهلاً، عندما وصلته أنباء تفجير محطة الكهرباء في البصرة ، وبعد 150 دقيقة فقط من مقابلته، نجى طياريون إيرانيون من قصف المواقع التي قيل لهم أنها آمنة.

وفي نفس اليوم، أعلن مراسل ال بي بي سي: «لم أرتب بعد محتويات مقابلة الرئيس العراقي بشأن نفوذ  الطيارين الإيرانيين على الأرض العراقية حيث سمعت أصوات طائرات فانتوم الإيرانية في الأجواء العراقية. من نافذة فندقي، رأيت طياراً إيرانياً على متن الطائرة، وبعد لحظات، قطع التيار الكهربائي. قضينا الليل في ظلام مطلق. حتى في سوق المدينة، فإن المصابيح الكهربائية أصبحت نادرة، وأنا أتساءل كيف سيدفع الرئيس مكافأة الطيارين الإيرانيين!».

بعد بضعة أيام  من تلك الحادثة، أقال صدام  قائد الدفاعات الجوية العراقية نتيجة لعدم الكفاءة وسُجن بعد ذلك.

 

من السقوط حتي الإختلاط في البصر

في إحدى رحلاتي الجوية من قاعدة بوشهر السادسة في السنوات الأولي من الحرب و ورافقت فيها منوجهر محققي، بعد القيام بمهامنا في سماء بغداد،انطلقنا نحو حدودنا. كان السيد منوجهر محققي نموذج الطيارين علي أهبة الإستعداد حيث أثناء التعقاد كان لديه الرقم القياسي العالمي في التحليق خارج الحدود.لكن وللأسف الشديد قليلاً ما ذكر اسم هذا الطيار البارع. بالرغم من أن السيد محققي و أمثاله لم يحاربوا من أجل أسمائهم بل حاربوا من أجل الوطن و الذود عن حياضه و استذوقوا طعم الموت لمرات عديدة أثناء القيام بمهامهم.

وكالعادة  كان حجم الصواريخ والمدافع العراقية المضادة للطائرات عالية جداً و تطلق علينا من كل الجهات. حتى تخطينا الصواريخ والمدافع،لكن و لسوء الحظ، كانت كمية الصواريخ و المدفعيات المضادة للطائرات كبيرة جدا حيث أصبحت الضوضاء (نويز) [3] و ربيتر [4] و جف [5] ليست ذات تأثير. في النهاية، غادرنا الطائرة فانتوم  بتحذير نهائي من قبل مصابح الإنذار وقبل أن يضربها الصاروخ. في تلك الأثناء أصيب السيد محققي بعدة طلقات الرشاش في يده اليسري. في تلك الفترة الزمنية القصيرة التي كنت فيها معلق بين  بين الأرض والسماء، كانت هناك الكثير من الأفكار تدور في رأسي. سيماء زوجتي و أبنائي شاهين وشهرام تجلي لي في تلك اللحظات. ماذا سيفعلون بعدي؟ كما فكرت باجتماعنا في الليلة الماضية حيث قال الطيار شيرآقايي و هو ضاحك :« يا سيد كيومرث، تنبعث منك رائحة الشهادة،لايمكنك أن تعود سالماً هذه المرّة،عليك كتابة وصيتك و...»عندما كنت بين السماء والأرض، ضحكت علي تنبؤ السيد شيرآقايي و شعرت بالجشع في الوقت نفسه، لأن كلامه أصبح عين الواقع.

على الرغم من فتح المظلة،إصطدمت بالأرض بشدة بسبب سرعة قمرة القيادة. لقد سقطت علي الأرض ولم أتمكن من التحرك علي الإطلاق. لقد فقدت الإحساس بقدمي، كما أنني لم أشعر بأي ألم يذكر،كما لم أشعر بيداي أيضاً. كنت أظن أن يديّ قد قطعت . نظرت إلي يدي فوجدتهما في مكانهما المعتاد، لكنني لم أشعر بهما علي الإطلاق. كنت أنظر حوالي و أفكر مع نفسي أنني قد سقطت علي الأراضي الإيرانية أم العراقية في تلك اللحظة؟ حينها، جاء شاب ووقف علي رأسي وقال شيء باللغة العربية، لم أفهمها بشكل صحيح. مع كل الخوف والحزن الذي كان في وجودي بسبب إمكانية الأسر، قلت بحزم: أنا إيراني.

ابتسم الشاب وقال باللغة الفارسية بلهجة خاصة: «يا خال أنني إيراني أيضاً».أجبت إبتسامة ذلك الشاب بإبتسامة أيضاً، في قلبي قلت أنني كنت محظوظاً. يبدو أن الصبي كان راعي مواشي عراقي. فتح الوشاح.الذي كان علي رأسه ،رفع يداي ووضعهما داخل قطعة قماش و شدّ طرفي قطعة القماش علي عنقي. يبدو أن قدمي اليمنى مكسورة. رفعني الصبي على ساقي اليسرى. أحضر دراجته النارية بالقرب مني وقام بطي المظلة ووضعها علي الدراجة حيث جلست عليها بعد ذلك.

لم تطاوعني يدي لأضعها علي خصر ذلك الشاب لحفظ تعادلي. اضطررت لأعض بأسناني علي ملابسه. انطلقت الدراجة النارية. مع كل حركة تمر من خلالها الدراجة النارية من المطبّات، كادت ملابس ذلك الراعي الشاب تفلت من أسناني. مسكت ملابسه باسناني بشدة. كما أنّ أنفي و جبهتي وذقني ملتصقة بملابسه. في نفس الوقت وقعت عيناي علي الطريق الذي كان بجانبنا و قلت لنفسي: يا للعجب! لماذا يأخذني هذا الشاب من هامش هذا النهر الجاف و ذات المطبات الكثيرة.

خطرة في ذهني افكار كثيرة ومختلفة. لربما هذا الشاب يريد تسليمي إلي البعثيين! لربما أيضاً....لكن لا حيلة باليد إلا أن أثق بذلك الشاب العراقي!

وصلنا إلي الحدود الإيرانية بعد عناء كبير. أوقف ذلك الشاب دراجته النارية لكي يرتاح قليلاً. جفّ ريقي وتعبت كثيراً. ابتلت ملابس ذلك الشاب من الخلف إثر الماء الخارج من فمي . عندما كان ذلك الشاب ينزل من دراجته النارية، قلت له وأنا ابتسم :«لماذا لم تأخذنا من الطريق المعبد؟»

قاطع كلامي ذلك الشاب و قال لي بتلك اللهجة الفارسية الخاصة:« كل الطريق كان قد زرع بالألغام، الطريق الذي قطعناه، ولأن النهر جفت مياهه، لم يزرع بالألغام و إلا لم يوجد أي طريق آمن هنا». قام ذلك الراعي الصغير بتسليمي إلي خاله الإيراني. حيث نزل هو من الدراجة وسلمها لخاله و قام الأخير بقيادتها. خاله أيضاً تحرك بي علي متن تلك الدراجة النارية وقطعنا طريقاً مع بعض حتي سلمني لقواتنا.لم تكن لديهم أي شارات أوعلائم للتعرف علي هويتهم أو محل أداء واجباتهم. قاموا بفتح مظلتي خلف سيارة لاندكروز و نمت عليها. علي طول الطريق كانت قذائف العدو تسايرنا. كما كنت أشاهد أصابة قذائف الهاون بالقرب منّا. كان صوتها المهيب يؤذيني بشكل كبير.كانت سيارة اللاندكروز تسير بسرعة فائقة لكي تختفي من عيون الأعداء. كنت نائماً علي ظهري و أنظر إلي السماء. في هذه الأثناء رأيت طايرتنا إف 14 تحلق في السماء. علي الفور رفست بقدمي اليسري زجاجة اللاندكروز. وقفت السيارة و نزل أحد المقاتلين حتي يعرف ما أريده في تلك اللحظة. عندما كنت أشير بيدي إلي طائرة إف 14، قلت بسرعة:«جاءت تلك الطائرة للبحث عني، أخرج جاكيتي البرتقالي الذي ارتديه كطيار لكي يشاهدوننا هنا».

اعتقد المقاتلون أن رأسي أصيب أو جرح في مكان ما و أصبحت مجنوناً. لهذا و بسخرية غير معلنة و في نفس الوقت لأنهم يريدون ألا أنزعج، قاموا بوضع ستري التي تحتوي علي ضوء فوق السيارة. طائرة إف 14 و بعد رؤية ذلك، جاءت بسرعة فائقة نحونا حيث ابتعد المقاتلون بسرعة فائقة من السيارة. الطائرة إف 14 و من خلال هزّ جناحه قامت بإلقاء السلام و تطمئنّا بأنها شاهدنا هناك. بعد ذهاب تلك الطائرة ، أراد المقاتلون الذهاب من تلك المنطقة لكني طلبت منهم البقاء لكي تصلنا المساعدات.كانوا مترددين، لكن بعد أن فهموا أنني لست مجنوناً أو لم يصطدم رأسي في مكان ما، أخذوا يستمعون كلماتي بثقة عالية. بعد بضع دقائق ظهرت مروحية في السماء بمشايعة طائرة إلف 14. هبطت المروحية بالقرب منّا. ركبت علي متنها و حتي ركوبي علي متن المروحية، كانت الطائرة إف 14 تحوم فوق رؤوسنا حيث رافقتنا أثناء عودتنا.أخذوني إلى مستشفى ماهشهر. كلا يداي و رجلي كانت مكسورة. في نفس الوقت، سألت عن حالة منوجهر محققي. اكتشفت أنه بالإضافة إلى إصابته بشظايا في يده اليسرى،انكسرت يده اليمني إثر إصابته ووقوعه علي الأرض، و تمّ نقله إلي مستشفى في الأهواز. في يوم الحادث، عندما كنت في مهمة، جاء بني صدر، رئيس الجمهورية آنذاك إلى بوشهر. في الوقت نفسه كنت رئيس بلدية بوشهر و كان يسأل عنّي. يبلغونه أن رئيس البلدية في مهمة جوية خارجية . بعد مرور بضع ساعات يتفقد أحوال رئيس بلدية بوشهر و يطلعونه علي كل ماحدث لي. هو بدوره أيضاً طلب من زملائي أن يعكسون القضية لأسرتي حتي لا يقلقوا علي سبيل المثال.

في كلّ مرة يستشهد طيار فيها، أقول لزوجتي أن تذهب لمنزله و أن تقول لها أنه راغد في مستشفي الأهواز، و أنه في صحة جيدة، لكن كسرت يداه و قدماه و رويداً رويداً أخبريهم عن نبأ استشهاده. لقد أصبحنا الراعي الكذّاب و الآن في الحقيقة كسرت يداي و قداماي. في ليلة الحادث و بعد أن انقطعت
أخباري ، اتصلت زوجتي بمقرّ الكتيبة و سألت عن أحوالي. قال لها الطيار شيرآقايي لاتقلقي عليه، لقد أصيبت طائرة كيومرث لكن و لحسن الحظ حالته جيدة، كسرت يداه وقدماه والآن راغد في مستشفي ماهشهر، يريدون أن ينقلوه إلي مستشفي في طهران. عندما سمعت زوجتي هذا الخبر أجهشت بالبكاء والعويل والصراخ . سقط الهاتف من يدها و ظنت أنني استشهدت في تلك الحادث.

لقد أوصل السيد شيرآقايي نفسه بسرعة إلي منزلنا . و وفقاً لما نقله، أنه كلما أقسم لزوجتي بأننا لم استشهد وفي حالة جيدة، لم تصدق ذلك علي الإطلاق. و تأكد :«لا. إن كيومرث قد استشهد». حينها غضب شيرآقايي  و يقول لها:«والله أن كيومرث سالماً غانماً و لسوء الحظ لم نتناول حلاوته» بعد سماع زوجتي لكلمات السيد شيرآقايي ، هدأت زوجتي إلي حدّ ما.

وضعوني علي نقالة حتي يتم نقلي بطائرة C130 والتي تعتبر حمل تابعة للقوات الجوية إلي مستشفي القوات الجوية في طهران. كان شخصان يحملان علي متن نقالة نحو الطائرة. عندما اقتربنا منها، سمعنا صفارات الإنذار و بعد ذلك صوت القصف. الشخصان اللذان يحملان النقالة، اتجها خلاف جهة الطائرة بسرعة فائقة.. انطلقوا بسرعة لاتوصف حيث وجدت نفسي للحظة معلقا و وقعت علي وجهي علي الأرض. وضعوا النقالة علي الأرض ثانية و وضعوني فوقها. بعد أن سمعنا صوت الصفارة البيضاء وضعوني داخل الطائرة. كنت أنظر حوالي. كان هناك العديد من الجرحي والمصابين. كما كانت هناك جثامين كثيرة في الجانب الآخر من الطائرة. تعبت نفسياً بشكل كبير. أردت أن أقول أنني لاأريد الذهاب إلي طهران، أنزلوني، حينها سمعت صوتاً مألوفاً. كان طيار تلك الطائرة. جلس علي ركبتيه و قبّلني. عندما اطلع عن حالتي النفسية، أمر بأن يأخذونني إلي قمرة الطيّار.

حالما أنزلوني من الطائرة، ركبت حينها علي متن سيارة إسعاف ملطخة بالدماء. شعرت بتعب نفسي ثانية... هذه المرة، أعطاني خبيرالطوارئ و الإسعافات الأولية مقعداً في مقصورة السائق. كانت شوارع طهران هادئة. ساد الصمت فيها.  لم يكن هناك أي أثر من الصخب المستمر، إلّا  بضع سيارات تتردد في الشوارع فقط . بالقرب من ميدان آزادي سمعت أصواتاً مألوفة. كانت تلك الأصوات تزداد لحظة بعد لحظة. التفت نحوهم. لم أتوقع وجود أبنائي شهرام و شاهين هناك حيث أخرجوا رؤوسهم من نافذة سيارة المطار و يصيحون :«أبي ...أبي...»

وقفت سيارة الإسعاف إلي جانب الشارع. كما وقفت سيارة المطار هناك أيضاً. فتحوا باب سيارة الإسعاف. حينها احتضنني أولادي. عشت واحدة من أفضل لحظات تجارب حياتي بالدموع. تلك السيارات المعدودة التي كانت تتردد في ساحة آزادي،وقفت و كان الناس يشاهدوننا بأعين باكية.

بعد التخدير، عندما دخلت المستشفى شعرت بتدهور في النظر. كنت أري الفتاة البالغة من العمر 15 أو 16 سنة، و التي كانت مبتسمة إثنين. فكرت أنني لم أصب بجراحات في رأسي، لماذا تدهور بصري؟!أصبحت أكثر دقة، رأيت مصباح المستشفي واحداً. ضحكت و قلت للفتاة:«هل أنتما فتاتان؟»

أجابت واحدة منهما:نعم «نحن توأمان» وبينما كانت تأتي بوعاء نحوي، قالت:«أنت قلت إنك تحب الروبيان، لقد أخبرنا أمنا وهي قد قامت بطهي الروبيان وأحضرناه لك».

لم أتذكر حتى رؤية هؤلاء الفتيات. لم أتذكر أي شيء. لم أقل أي شيء حتي لا يشعروا بالضيق، وشكرتهما على لطفهما تجاهي.

في هذه الأثناء أشكر الطيار منوجهر شيرآقايي. كلما مزحنا مع بعضنا البعض،لا يمكنني أن أجابه لسانه، لهذا أقوم و أركله بمزاح. الآن جاء وقت الإنتقام منّي. لقد آذاني و أزعجني بشكل كبير حيث لدرجة أنني لجأت إلى الممرضات لطرده من غرفتي في المستشفى.

 

[1]ـ المنطقة الدفاعية من الدرجة الأولى هي منطقة تستخدم فيها جميع الأسلحة و لها الإختيار التام في إطلاق النار.

[2]ـ أصبحت متدواولة لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت بشكل عقد اجتماعات مكثفة إلى الأشخاص المشاركين في العمليات العسكرية الاستخباراتية.

[3]ـ noise (نوع من الأسلحة الدفاعية  في الفانتوم ضد  مدفعية العدو الجويّة)

[4]ـ Repeater (نوع من الأسلحة الدفاعية في الفانتوم التي تضلل  الدفاع الجوي بإرسال إشارة متكررة.»

[5]ـ Chaff (وهو يتألف من سلاسل صغيرة تعكس إشارات الرادار ، وعندما يتم إطلاقها بكميات كبيرة من الطائرة ، تجعل السحابة تغطي الطائرة بشكل مؤقت من عرض الرادار.)

[6]ـ As light (مصباح ضوئي، إذا ما تم تفعيله، يحذر الطيارين من أن صاروخ العدو مقفل عليك ولن يعود بإمكانك  القيام بأي عمل ما و يجب عليك الهبوط).

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 3904



http://oral-history.ir/?page=post&id=8061