حوار مع أمير محمود كمن

ذكريات عن قائدي

حاوره: خانبان بور
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2018-01-18


ارتدى أمير محمود كمن لفترة طويلة ثياب جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورافق في الجبهات الشهيد الجنرال علي صياد شيرازي واليوم يدرّس تجاربه ويضعها بين يدي طلابه.

أرجو أن تحدثنا عن نفسك.

محمود كمن ولدت في مدينة مشهد ولدي ابنان. حاصل على شهادة من الكلية العسكرية في العام 1969. عملت في الخليج الفارسي وفي كردستان وسنندج، لكني لم أذهب لشرق إيران. كان فرعي الاتصالات. قبل الثورة كنتُ في قسم الاتصالات وتعرفتُ على الشهيد صياد شيرازي في الكلية العسكرية ثم درسنا سوية في أمريكا. أخرجني هو من الاتصالات وسلمني العمل التنفيذي. بعد الثورة بات عملي عملا تنفيذيا. من عملي الذي كان 31 عاما، كنت لفترة 24 عام مديرا وقائدا.

متى بتّ عسكريا؟

كنتُ في الثانوية. في تلك الفترة كان الجيش يدعو للدخول فيه منذ الثانوية، ولكني دخلتُ في سنتي السادسة للثانوية العسكرية. الثانوية تحت نظر القوة البحرية.

ما هي الدروس التي تدرس فيها؟

مثل الدروس التي تدرس في الثانويات الأخرى. اختلافها في بعض التدريبات العسكرية. إضافة لذلك لدخول الكلية العسكرية كان علينا تقديم امتحان الدخول. أتذكر كنا 100 شخص ونجح منا 70 شخصا.

هل كنتَ تحبّ أن تكون عسكريا؟

نعم، لأنّ لي اثنين من إخوتي عسكريين واحدهما طيار. أحببت الزي العسكري وأحب كثيرا القبعة الخضراء. ودخلت فترة تدريب قصيرة للقبعاة الخضراء. تقول أمي دائما: لا عقل في رأسك! أقول لها: لماذا؟ تقول: أخوك يطير بآلة، ولكن أنت في الهواء لا شيء تقف عليه!

حدثنا بذكرى حين كنت ضمن القبعات الخضراء؟

أتذكر أنّ الشاه دعى ملك السعودية لإيران. قبل الثورة كان يوم الجيش في 21 آذر. في نفس اليوم قفزنا بالمظلات. وضعوا منصة كبيرة في طريق كرج السريع والشاه، أحضر ملك السعودية ليريه قوة الجيش الإيراني. هناك قانون في القفز بالمظلات إذا كانت الريح أعلى من 10 ناتيكال، لا يسمح لنا بالقفز، خاصة بالمظلة الأتوماتيكية. لأنه يفتح مباشرة.

في ذلك اليوم تجمعنا الساعة 8 صباحا في المطار. كنتُ برتبة ملازم ثاني. أعتقد كان في العام 1971 أو 1972. أخبرونا صباحا بأننا سنقلع. علينا احكام شدّ المظلات على انفسنا، بقينا نصف ساعة على هذه الحالة، ثم قالوا لنا: ولأنّ الريح شديدة، لن نقلع. من الساعة الثامنة صباحا وحتى الظهر كنا نرتدي المظلات وننزعها عنا. وصل في الساعة الثانية ظهرا ملك السعودية للمنصة وأطلعونا بأنّ علينا القفز. جاء أخي الأكبر وهو ليس عسكري مع أمي ليريا قفزتي. سألت أمي: أين محمود؟ وأشار اخي للسماء وقال: هناك في الأعلى. ثم ردت أمي: ومن أين أعرف أيّ واحد هو فيهم؟ والحقيقة حين نقفز تتغطى السماء بالسواد.ثلاث كتائب أي ما يقارب ثلاث آلاف شخص. كان مشهدا عجيبا ولافتا.ومع شدة الريح وقعنا فوق منزل عجوز. من حسن حظنا علقنا بالاشجار.

حين علقت بشجرة وفتحت قفل المظلة، وقعتُ على سقف منزل العجوز الطيني بشدة، بصورة غطس حذائي في الطين. بدات بجمع مظلتي وانا انظر لباحة البيت. فرأيت العجوز في الباحة. قلتُ: يا أمي من أين انزل؟  رفعت رأسها وقالت: ماذا تفعل عندك في الاعلى؟ قلت: قسما بالله لا أفعل شيئا، الريح قذفت بي هنا! تجمع كل الجيران وخافوا، حتى جاءت السيارة وأخذتني.

كان لدينا ضابط باسم قره غوزلو وكان محترف جدا في القفز وقائد كتيبة. حصل على المركز الأول في فرنسا في القفز الحر، ولكن مع الأسف في ذلك اليوم وبسبب شدة الريح سقط على مدرج الطائرة ووأصيب برأسه. حين عدما مساء للمعسكر، عرفنا أنّ 33 شخصا لقوا حتفهم وأصيبوا بجراح. أعتقد مات ثلاث أشخاص ومنهم الضابط قره غوزلو.

بعد انهاء الكلية العسكرية أين مارست العمل؟

بعد انهاء الدراسة دخلت في الدورات الاحترافية. يقسم الطلاب حسب درجاتهم واختبارت الذكاء. ونجحت في قسم الاتصالات. وبعد انهاء الدراسة ونظرا لاني تخرجت على الدفعة بالمركز الثاني، نقلوني إلى الاركان العامة.

متى أرسلت إلى أمريكا؟

خدمت لفترة في الأركان العامة. كان الجيش يشتري الدورات من أمريكا ويرسل الطلبة ليكملوا دراستهم هناك. مثل الطيارين الذين انهوا فترة تدريبهم في أمريكا. ولا يخفى أنّ أكثر الرتب العالية كانت من نصيب الإيرانين مثل الطيران. وسنحت فرصة في مجال الاتصالات تحت اسم الحفاظ على الالكترونيات.

أنهيتُ كلية اللغة في العام 1974. كان للجيش كلية خاصة للغة. كنا ندرس ستة أشهر اللغة الانجليزية. كان كل الاساتذة أنجليزيين. لا نتحدث اللغة الفارسية في الصف. حين أردتُ المشاركة في الامتحان قالوا لي إن هذه الدورة خاصة بالقوة البرية، عليك الانتقال للقوة البرية. فأرسلت القوة البرية رسالة للأركان بأني نجحتُ وإذا كان عليه أن يدرس في كلية القوة البرية ولن يعود للأركان. فردّت الأركان بأننا نحتاجه وسنشتري هذه الدورة، ولكن الامر طال. إذا مرّ على الامتحان ستة أشهر سيبطل وقد بطلَ. وكان عليّ إعادة الامتحان وشارك فيه أكثر من السابق. رحمه الله امي كان علوية قلتُ لها صباحا: ادعي لي، لأنّ هذه الدورة حقي.

الامتحان على مرحلتين، المرحلة الاولى يقيمها الإيرانيون والثانية الامريكان. كنتُ فاقدا للأمل في النجاح لذلك لم أذهب للبيت ومشيت في الشارع. بعد ساعات اتصلت على المعسكر ورفع السماعة العقيد وقال لي: أين أنت يا رجل! منذ الصباح والى الآن نحن نبحث عنك. فقلتُ له ماذا حدث؟ فقال أنت فقط من نجح بالامتحان. في اليوم الثاني جاء ضابط أمريكي. قال لي متعجبا: شخص واحد فقط؟ قلت: نعم! وبدأ الامتحان. كان الامتحان صعبا جدا. حين سلمت ورقتي قال لي: بعد أيام عدْ مجددا. وقبل أن اخرج قال لي: حضر تذكرتك.

كيف رأيتَ السيد صياد شيرازي في أمريكا؟

في نفس الوقت الذي نجحتُ فيه نجح أيضا صياد شيرازي في دورة تدريب المدفعية وأرسل لأمريكا. كان صياد قبلي بعام في الكلية العسكرية، ولكننا نعرف بعضنا البعض لعامين. نمارس الرياضة سويا. كان صياد رياضيا. أحدثكم عن أيمان الشباب. في الكلية العسكرية حين يحين شهر رمضان، لتسلمونا احصائية الصائمين. كنا في الكلية طوال الاسبوع ما عدى يوم الخميس والجمعة.كان رئيس الكلية ناظم وفي فترة الثورة مسّ الشاه عدة مرات، واقصاه عن الكلية. قال الشاه مخطئ جدا. كان يطلب لنا طعاما طازجا للسحور والافطار. وكان صياد من الصائمين.

حدثنا عن ابتعاثك لأمريكا، في أيّ عام كان؟

أعتقد العام 1975. كنتُ في أمريكا ما يقارب 10 أشهر وانهيتُ فترة تدريبية للحافاظ على الالكترونيات. كنا ثلاث ضباط إيرانيين و22 ضابطا أمريكي وثمان ضباط من تركيا والسعودية وباكستان والفلبين وليبريا ودول اخرى. وبداية كل شهر يذهب الضباط الأجانب لأخذ رواتبهم من دائرة الضرائب. فقط نحن الإيرانيين تصل رواتبنا لبنك سيغنال تاور لكلية الاتصالات الامريكية. لم نكن نقف في الصفوف. كان معنا ضابطان سعوديان أحدهما برتبة عقيد واسمه الحربي والثاني ضابط اسمه الغامدي. القامدي انسان طيب، ولكن الحربي دائما النقاش. كان وهابيا. وكلما فتح الغامدي النقاش يتدخل الحربي قائلا له: كلانا مسلمان ولا حاجة للنقاش. ظهر الجمعة ينتهي صفنا الدراسي، العقيد الحربي كان يسكر حتى يوم السبت. كان علينا ايقاظه باللكم والرفس. واكثر الأوقات تفوته السيارة.

في أيّ ولاية كنتَ؟

غي ولاية جروجيا في مدينة آغوستا وهي مدينة دينية.

متى عدت من أمريكا وأين زاولت عملك؟

في نهاية العام 1975. لم يسمحوا لي بالعودة لعملي السابق وقالوا: عليك أن تدرس. وكنتُ أدرّس حتى بدأ الثورة.

حدثنا عن أحداث الثورة.

كان معسكرنا في منطقة لويزان، شمالا حيث الحرس الملكي. أحدثكم عن الضابط سلامت بخش والجندي عابد. أعتقد أنهما قام بعمل جعل الشاه يهرب من إيران. مسؤلية الحرس الملكي حراسة غرف وقصور عائلة الشاه. وحين حدث حادث في يوم عاشواء توصل الشاه لقرار لم تعد البلاد مناسبة له. وما حدث: كان مركز الحكومة العسكرية في الحرس الملكي، هجم الجندي أميد عابد والضابط سلامت بخش مسلحين على صالة الطعام وبالضبط حين كان عناصر الحكومة العسكرية فيه، أطلقوا النار على الجميع. قتلوا البعض وبالطبع قتل كلاهما. كنا في شمال المعسكر للحرس الملكي. حين حدث الامر، لم يسمحوا لنا بالخروج وحاصروا المعسكر. علم الشاه حينها بتدهور الأمور ووجوب الرحيل. حدث هذا في نوفمبر 1978 ورحل في 16 يناير 1979.

كان هناك شخص باسم كلاهدوز في الحرس الملكي وهو ضابط. وهو ضمن كتبية حراسة الملك وعائلته. في ليلة أخرج ابر مادفع الدبابات، وكانت مجرد هياكل حديدية.

أين كنت في 22 سبتامبر 1980 حيث بدأت الحرب؟

في معسكر لويزان. قصف معسكرنا أيضا. نقلت اثرها إلى جيش 28 كردستان. وبقيتُ هناك حتى العام 1983.

حتى متى كنتَ في سنندج؟

بعد حادثة سقوط طائرة سي 130 جلس خلفي في السيارة شخص وقال: الا تعرفني؟ وعرفتُ صوته كان صياد شيرازي. احتضنا بعض وكان للتو قد أصبح رئيس القوة البرية وكان يختار فريقه واختارني ضمن فريقه.

حدثنا عن صياد شيرازي.

أحدث عن حكاية صياد شيرازي وأبو الحسن بني صدر. أمر صياد بعرض عسكري لجيش سنندج وأخذ الترخيص من مقر القوة الأرضية ورئيس الجمهورية. ولكن بني صدر خالفه وقال: سوف تحدث مواجهة. فقال له: أنا أتحمل المسؤلية. وتمّ العرض العسكري في داخل المدينة بكامل عدتنا وعتادنا.

عصرا وفي نفس اليوم كنت أمشي في مدينة سنندج ورأيت على أبواب السينمات بيانات موزعة كتبوا فيها (مَن خرج اليوم في العرض العسكري، ضباط ضد القوميات، جاؤوا ليظهروا قوتهم. أيها الأكراد الغيارى! أيها الديمقراطيون! يا محاربي الغرب! استعدوا) كان الكثير من هذا الحزب في سنندج وبفضل الله وصياد خرجنا مرفوعين الرأس.

في العام 1983 قبلت مسؤلية الدعم وقبلها بعام طلبوا مني أن أحاضر. وفي اليوم المقرر ذهبتُ حيث مساعدية الطاقة الانسانية في الجيش. وبينما انا جالس في الغرفة سمعتُ صوت انفجار، فسألت العقيد الذي جلستُ في غرفته فقال هذا صوت مضادات الجو. ثم تكرر الصوت فقلت له: هذا ليس صوت اطلاق نار بل انفجار. حين خرجتُ من الغرفة رأيتُ شابا يحمل كلاشنكوف ويصرخ الموت لجيش عدو القوميات! كان اسمه الجندي فرشيد صبري. وكان من المقرر أن يتحدث في نفس المكان صياد. تمّ تهريب الاسلحة وقتل ضباط وعدد كبير آخرين في الحادثة. كل هذا بأوامر من الجندي فرشيد صبري. لأنه كان جندي أحد الرؤساء ولا تفتش سيارته.

طلب مني صياد في ليلة عيد 1983 قائلا: علينا فعل ما فعلناه سباقا في سنندج، ولكن في الجنوب. وذهبت وبتّ رئيس مقر الجنوب حتى العام 1985. كان الشهيد صياد رجلا من حديد، ينام في اليوم ساعتين. حين أكون معه أرهق من قلة النوم. وحين يذهب ليتحدث أجد لي مكانا لأنام.

متى سمعت بخبر شهادته؟

عرفتُ بنفسي. كان طفل يركض قرب بيتنا، سألته: ماذا حدث؟ فقال أصابوا صياد. لأذكر عنه ذكرى حدثت لنا في مدينة دزفول حين وصلنا لها مساء متأخرين طلب مني أن أعد له مكانا ليسبح فيه. فذهبت وطلبت من جندي أن يعد كل ما يلزم. ولكن صياد حين علم بما فعلته مع الجندي غضب كثيرا. حيث ايقظته من نومه ليقوم بالتحضيرات.

لو كان عندك ما تضيفه لحوارنا.

في إحدى المرات اتصلت عليّ زوجتي وهي تشكو من ألم في أسنانها ومن ارتفاع حرارة طفلي. فقلت لها أنا أبعد عنكِ آلاف الكيلومترات أطلبي من أخيك فهو قريب منك أو من أخي إذ يسكن في الطابق يقع تحت شقتنا. ولكنها لم تقبل. حين عدت لصياد لاحظ تغيري وسالني عما حدث. وبعد أن اخبرته رفع سماعة الهاتف وطلب مقر طهران ارسال سيارة وجندي لعنوان بيتي وأخذ زوجتي وطفلاي للمشفى. أحبه من أجل هذه الاعمال التي يقوم بها من أجلنا.

زوجاتنا قامن بعمل كبير. أنقل هنا جملة من السيد سرهنكي مسؤل مكتب أدب وفن المقاومة في المركز الفني قال: صدام، خسر الحرب لنساء والامهات الإيرانية. ما يحدث خلف الجبهة، هو سبب نجاحنا في الخط الامامي.

النصّ الفارسي

 

 



 
عدد الزوار: 3838



http://oral-history.ir/?page=post&id=7595