مذكرات آية الله غلام علي نعيم آبادي لعام 1974

كانت خلايايَ هكذا!

محمد مهدي عبد الله زاده
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2017-12-28


ولد آية الله غلام علي نعيم آبادي في العام 1944 في نعيم آباد دامغان. قبض عليه عدة مرات في فترة الحكومة البهلوية بجريمة معارضة النظام مما أدى لسجنه ثمان أشهر في اللجنة المشتركة و30 شهرا في سجن القصر. ويشغل حاليا منصب ممثل بيت القيادة وإمام جمعة محافظة هرمزكان. وفيما يأتي نصّ حواره.

وقد حاوره محمد مهدي عبد الله زاده.

لماذا قبض الساواك عليك في أول مرة؟

مع الاحساس بالتكليف الشرعي، بعد العام 1971 في طهران أينما اعتليتُ المنبر أو في المراسم، آخذ معي رسالة الإمام الخميني (ره) وأجيب أسئلة الناس من رسالته وأعلن عن مرجعية الإمام الراحل وكان في تلك الفترة جريمة.

كنتُ أعتلي المنبر في أماكن مختلفة في طهران، ولكن أهمها منبر مسجد سجر الاسمنت وحارة آية الله غيوري (1). وآية الله غيوري خطيب نفس الحارة، ويأتي لمنبري. في كل ليلة يحتشد الناس. ويأتي أيضا شباب دامغان.

أسلوب عملي أسلوب يغضب جهاز الحكومة. وقد توسع جهاز الساواك الاستخباراتي وتدخل في كل شؤون الناس. حين أدخلوا لإيران الذبائح غير الشرعية، وهو في الحقيقة لحم فاسد. طلبتُ في جلسة بصراحة من الناس محاربةَ فعل النظام. ولذلك قلتُ كما فعل غاندي وحارب الثياب البريطانية وقماشها أنتم أيضا لا تتناولوا هذا اللحم النجس، وفي النهاية النصر لكم.

بعد نهاية خطب  محرم وصفر في نوفمبر 1974 في طهران عدتُ لمدينة قم، بعد أيام وبينما كنتُ أعود من المدرسة للبيت، قال الشيخ عباس شيرازي تعال معي لأوصلك للمنزل. كانت لديه سيارة بيجو المعروفة بموديل الآخوندي. حين وصلنا للبيت، لم يمرّ الكثير من الوقت حتى قُرع الباب. كانوا عدة أشخاص. قالوا: تفضل معنا! عرفتُ أنهم من الساواك عن طريق حركتهم. دخلتُ البيت لأرتدي ثيابي. دخل إثنان منهم لباحة المنزل لمراقبتي. قلت لزوجتي وأمي أنهم من الساواك وجاؤوا من أجلي. لا تخافا وتوكلا على الله.

كان ابني محمد رضا صغيرا. لم تر أمي هذه المشاهد. وإن كانت امرأة قوية، ولكنها لم تستطع اخفاء ارتباكها. وزوجتي أيضا قلقلة. أوقع الساواك الخوف بتعذيبهم واسمهم يخلق القلق. حين خرجتُ، أحاطني ثلاث أشخاص، كان بيتنا في شارع خاك فرج، زقاق رضائي. دخل البعض منهم كل الغرفة الخارجية من البيت.

كانت سياراتهم في الزقاق، وعليهم السير 100 متر للوصول إليها. حين التفتُ وجدتُ زوجتي تمسك يد ابني وتسير خلفي. حين ركبتُ السيارة، جلس بجانبي شخصين واتجهنا مباشرة لطهران.

في الطريق يقولون أشياء أحيانا لاخافتي. مثلا: "السفرة ممدودة ويجب الاستفادة منها. كلما ما ندفعه سنعوض عليه".

أين أخذوك؟

وصلنا لطهران نهارا. اخذوني مباشرة للجنة المشتركة (2). حتى طهران كنتث أرتدي العمامة، ولكن ما إن وصلنا للجنة نزعوا عني كل ثيابي دون أي احترام واعطوني ثياب السجن. حلقوا لحيتي وشاربي. ثم وضعوا كسيا على رأسي حتى لا أرى أين أنا وأخذوني هنا وهناك وفي النهاية رموني في زنزانة. مثل قبر مظلمة.

وكان قبلي شخصين. أحدهما ماركسي والثاني رجل متعصب وحاد يعمل في السوق. لم يكن اعتماد بيننا وكنا متحفظين.

بعد الثورة ذهبتُ لنفس المكان.

حدثني عن الزنزانة؟

مساحة الزنزانة (3) 145 في 320 سانتي متر. بابين حديدين لكي لا يرى السجناء الممر. الممر طوله تقريبا ثلاثين متراً وعرضه متر ونصف. وعلى جانبيه زنزانات.

حين نكون مضطرين نضرب الباب الحديدي أو نصرخ فقد يحنّ قلب الجسّجان علينا  ويفتح لنا منفذ من الباب الحديدي ويسمعنا. أرضية الزنزانة قرميد أصفر. عرض جدار الزنزانة ما يقارب الخمسين سانتيمتر.

لكل سجين كوب بلاستيكي وصحن ويتحول الصحن عند الحاجة لمرافق صحية.

تحوّل السجن الآن إلى متحف. وعُلقت على الجدران آلاف صور المعتقلين سابقا. وأطلق عليها اللجنة المشتركة لأنّ قوات الساواك والشرطة والدرك يعملون سويا فيها! وفي الحققة كي لا يختلفون فيما بينهم على الغنائم.

حدثنا عن سير التحقيق؟

أخذوني في اليوم الثاني للتحقيق. قبل خروجي من الزنزانة شدوا رأسي بقميصي لكي لا أرى. ثم سحبوني أو يدفعوني أو يلكموني.

رائحة غرفة التحقيق مشمئزة. هناك كرسي واحد فيها. على الطاولة سلك. جو مرعب ومخيف وفي أي لحظة قد يحتد.

قال المحقق بعد سكوت طويل: "هذه خزعبلات، ما هذا الهراء الذي قلته؟ لماذا تحثّ الناس على مقاومة النظام؟" لم أجب بشيء خاص. تكرر الامر مراتويختتم الامر بالشيء الوحيد الذي يعرفونه وهو السلك!

ننتظر في كل لحظة ليؤخذونا للتحقيق. يتكرر التحقيق بين يوم وآخر، بأسئلة مكررة وأكثر تعذيب روحي. مثلا حلقوا كل شعر رأسي في مرة وتركوا لي عرفا في المقدمة. يرفسون، يسبون.تغير في هذه الفترة المحققون معي. اعتقد أنّ أسماءهم هي أفشين وحسيني (4).

كانت الضجة في اللجنة امر عادي. ليس للتعذيب وقت محدد. نستيقض منتصف الليل على صراخ التعذيب. العاملون هناك شخصيات معقدة ومريضة. يستمتعون بالاهانة والتعذيب.

كم بقيت في سجن اللجنة المشتركة؟

شهران، زنزانتي صغيرة ومظلمة. غير مسموح بالقراءة حتى القرآن. أقضي الوقت بالتفكير أو اعادة المستحبات. الاعتقال الأول في الحقيقة كان موتا. الاخبار منقطعة عنا. إلا في حالة أن يخبرنا شخص يأتي من الخارج.  انقطع اتصالي مع عائلتي كليا لشهرين.

في نهاية الزنزانات مرافق صحية وحمام (5)، أي نملء إبريق الماء ونرميه على جسدنا. الماء بارد. لا يأخذون شخصين سويا للمرافق. خوفا من تبادل المعلومات. لم أرَ في هذه الفترة سجين آخر، غير من هم معي. أسمع فقط صوت التعذيب. لم أر في هذه الفترة لا السماء ولا الأرض ولا النور ولا جواء طازج. (6)

كان السجانون مختلفين. لا يتكلمون معنا ولا يجيبون أسئلتنا. والقليل منهم يتسامح معنا.

هل خفت مما كان يحدث؟

"تزكية المرأ لنفسه قبيح"، لكنني لم أفقد صبري. كانت ضحكاتي معروفة في السجن. والآن أعيش نفس الحالة. لا أذكر أني خفت. كنت أحتقرهم بالعزة الاسلامية. لو أظهرت ضعفي أي أني قبلت تحقيرهم لي.

حدثنا عن رفقائك في الزنزانة؟

كنا ثلاث في زنزانة واحدة لشهرين. كان معي شخص باسم حبيبي من بوشهر. كان ماركسيا وليس لي علم بما حدث له بعد الثورة. في بداية الثورة حين جاء كريم نامي في التلفاز وأظهر ندامته، كان شريك حبيبي في نفس الملف. كان كريمي يضايقه وينشد شعر سخيف ضده. ورغم أنه كان ماركسيا، لكني لا أدخل معه في نقاش. لأنّ مكان التعذيب ليس محلا للنقاشات. المسكين كان ينتظر ضربه. ورغم كل ذلك تحمل السجن بشهامة. ليس لديّ ذكرى سيئة عنه. كان يقول: "تعلمتُ من المولا علي (ع) أنّ الاعمال على قسمين، إذا كانت قابلة للمعالجة، عالجها، وإلا فاصبر!" مازالت الجذور الدينية في ذهنه. كنتُ راعي حتى الامكان قضايا النجاسة والطهراة، لأني أعرف أنه شيعي وهو مرتد الآن، وعلى ذلك هو نجس. في السجن كان المتدينون على قسمين، قسم لا يراعي نجاسة الماركسيين ويقولون النجاسة شيء آخر وقسم يرى نجاستهم.

رفيق في الزنزانة الآخر كان تاجر في السوق. وبسبب حبه لزوجته وطفله يقول: "أريد التوسل بالسيدة الزهراء (س)" كان يسير من الصبح لليل ويقول: "يا فاطمة يا فاطمة يا فاطمة!" نقبل التوسل، ولكن بهذه الصورة ومن روح ضعيفة، فلا! ليست هذه نقطة قوة، هي نقطة ضعف. قلت له: "يا سيدي، على أية حال عليك التحمل". يقول هو: "ألا يمكن أن يكتب المحقق يطلق لا يطلق سراحه، وتتغير ليطلق سراحه؟!" كنت أشمئز من حالته حتى وانا أذكرها الآن.

كلما تذكرت السجن اذكره هو. لا أريد ذكر اسمه. كان يبكي بشدة. وخارج السجن كان يظهر كثوري، مثلا يركب معه السيد طالقاني في سيارته، ولكن انتهى بسرعة.

بعد مرور شهرين توصلوا لهذه النتيجة أن لا فائدة ترجى مني، قالوا لي: لا تتدخل بعد الآن في السياسة. ولديهم وثيقة ضدي، لديهم تسجيلات من خطبي. حين خرجتُ، كان لدي من المال ما يوصلني فقط للبيت. وذهبتُ مباشرة لأمي. تنقل لي أمي أنها كانت في الأمس حزينة جدا، لأنها فقدت الامل وكنت ملجءها، تقول: توسلت في حرم السيدة معصومة (س). قالت لقلبي سوف يطلق سراح ابنك.

لم تكن الاجواء جيدة تحت تأثير نظام الشاه. يحكمون على بعض النشاطات الثورية ويقولون: "سوف يتحسن! شيخ، قم بعملك، ما دخلك بالحكومة؟" بالطبع البعض من الناس لم يكن تفكيرهم على هذا الشكل ويحترمون الثوريين.

 

 

  1. آية الله سيد علي غيوري من علماء الدين الذي كان له دور كبير في نهضة الإمام وتحمل السجن والنفي. وهو من تلامذى آية الله البروجردي والإمام الخميني (ره). ( سرابندي، محمد رضا، مذكرات آية الله السيد علي غيوري، مركز وثائق الثورة الإسلامية، 1386، ص 25-57)
  2. شكل النظام الظالم في اواسط العام 1971 تشكيلا جديدا تحت اسم اللجنة المشتركة، لمواجهة المعارضة. ( كاظمي، محسن، مذكرات أحمد أحمد، دار سورة مهر، الطبعة الرابعة، 1383، ص 283)
  3. يحيط بالمبنى ذي الشكل الاسطواني غرف التحقيق. وكل زنزانة يمكنها احتواء ثلاث أشخاص، لكن يوضع فيها خمس أشخاص. وهي غير غير صحية وتفتقد أقل ما يلزمها. (حسين بور، قاسم، المعذبون يتحدثون، دار موزه عبرت، الطبعة الرابعة، 1378، ص 56)
  4. محمد علي شعباني المعروف بالدكتور حسيني، محقق ومعذب ولد في العام 1923 في كلبايكان. نقل في العام 1972 مع تشكل اللجنة إليها. بعد انتصار الثورة قتل نفسه حين محاصرة بيته. ( المعذبون يتحدثون، ص 87)
  5. الذهاب للحمام لا يتم إلا بموافقة المحققين وفي الاسبوع مرة  وهناك من له أكثر من أربع أشهر ولا يسمح لهم بالسباحة. (المعذبون يتحدثون، ص 58)
  6. تتعفن الأرجل والأدي إثر المكان الضيق والوسخ والمدمى. ويأخر السجانون الذهاب للمرافق لدرجة التعذيب. ( شهرية شاهد ياران، عدد 39، حوار مع جلال رفيع)

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 3892



http://oral-history.ir/?page=post&id=7558