في ذكرى القادة وعدة عمليات في نهار المذكرات
مريم رجبي
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2017-05-04
خاص موقع التاريخ الشفوي، أقمت "ليالي الذكرات" عصر يوم الخميس 27 ابريل 2017 في صالة سورة للمركز الفني. وتحدث في هذه الفعالية كل من علي محمد أسدي وإحسان رجبي وبهروز إمامي عن ذكرياتهم في الدفاع المقدس.
عُرض في بداية البرنامج كليبا عن المشاركين السابقين في الفعاليات ولم يعودوا الآن على قيد الحياة. ويبث هذا الكليب في بداية كل عام جديد تذكيرا بما كان وشارك. وفي القسم الثاني عرض فيلمان 100 ثانية يتطرقان للدفاع المقدس. وهذه الأفلام من جملة مهرجان أفلام المائة ثانية.
عمليتان لم توثقا في مكان!
جاء الراوي الأول علي محمد أسدي حيث بدأ ذكرياته قائلا: "في فترة الدفاع المقدس هناك ذكريات حلوة ومرة كثيرة إذ البعض منها يمكن قوله وقسم لا يمكن ذكره. كنا في بداية عمليات باسم سيد الشهداء (ع) حيث كنا امام دفاعات العراق المتحرك. ودور جيش 10 سيد الشهداء (ع) في عمليات والفجر 8 هو العبور من الماء في جزيرة أم الرصاص. هذه المهمة، تعتبر مهمة فرعية. قبل العمليات بليلتين، قام غواصو جيش 10 سيد الشهداء (ع) بعمليتهم في تلك الجزيرة وفاجئوا العدو واستطاع بقية الكتائب بدأ عملياتها من آبادان والوصول الى الاهداف المحددة من قبل في منطقة الفاو.
حين انتهت مهمتنا في جيش 10 سيد الشهداء (ع) عدنا الى معسكر دو كوهه. بقيت إحدى كتائبنا في جزرة مجنون مدافعة وذهبت كتيبة لتثيبت الوضع الى منطقة الفاو. كان الشباب سعداء جدا لأنهم حصلوا على إجازات بعد أربعة أشهر ويمكنهم الآن رؤيتهم عوائلهم، ولكن ما إن ارتدوا ثيابهم وحملوا حقائبهم، جاء صوت من سماعات الحسينية أن يصطف الجميع لأنّ قادتهم يحتاجونهم. في تلك الفترة كان لدينا ما يقارب ستة كتائب يذهبون في إجازة، كتيبة علي الأصغر (ع) بقيادة الشهيد حسين اسكندرلو، وكتيبة المهدي (عج) بقيادة الشهيد محمد حسن حسنيان، وكتيبة زينب (س) وكنا نحن فيه ومهمتنا الغوص، كتيبة علي الأكبر (ع)، وكتيبة القاسم (ع) وكتيبة قمر بني هاشم (ع). حين اصطففنا قالوا لنا من المقرر أن يهجم العراق بأربع جيوش من منطقة الفكة ويقطع طريق أهواز خرمشهر، إذا لم نوقفها سوف تتحمل الجمهورية الإسلامية الكثير. الحقيقة كان الأمر عجيبا بعد سماع هذه الجملة لم يبقَ أحد منا لم يسلم ورقة إجازته. كلهم سلموا أوراقهم، حتى الشهيد نادعلي طلعتي الذي كان من المقرر أن يذهب ليرى طفله الذي ولد قبل يومين. أصرّ عليه الأصدقاء ليذهب، ولكنه لم يقبل. قال يخاف من الذهاب وتقع محبة الطفل في قلبه ولا يستطيع العودة ويبتعد عن هدفه الذي حدده. قد يُطرح هنا سؤال هل يحب مَن في ساحات القتال زوجاتهم وأطفالهم؟ يجب أن أقول في الإجابة نعم. كلنا نحبّ والدينا ونحبّ كثيرا أطفالنا وزوجاتنا، ولكن الواجب يجب أن نقوم به. مثلا الشهيد رضا عبدي الذي يضع صورة ابنه على قلبه، كنا نقول له على الأقل ضع الصورة على القسم الأيمن، لا يقبل ويجيبنا هو قلبي. الخلاصة استعد الشباب وذهب القادة لاستطلاع المنطقة. حدث هذا الأمر بسرعة وعلينا الوقوف أمام العدو.
سلّم أحد القادة العسكريين تقريرا للقائد علي فضلي يكشف فيها عن وضع المنطقة ويخبره فيها أن الامر صعب جدا ومستحيل ولا يمكننا الوقوف أمام العراقيين، ولكن الحاج حسين اسكندرلو أجاب هذا العقيد: "يقول العقل ألا نذهب. ولكن الحب يقول تحركوا. حين يطلب مني قائدي بالسير إلى الأمام، لا أعتني بنتائج العمل. على حدّ تعبير الإمام (ره) نحن ملزمون بالواجب، ولا تهمنا النتائج. هل حين نصلي صلاة الصبح نحن موقنون بأنها تقبل؟ لا، واجبنا هو إقامة الصلاة وقبلوها أو رفضها بيد الله." من جانب آخر الشهيد حسنيان، اللاسلكي الذي كان في جيب ذلك العقيد ويستخدمه في توضيح المناطق على الخارطة أخذه منه وقال ضاحكاً لو استطعنا أخذ اللاسلكي من إخوتنا في الجيش فهو عمل كبير.
جاءت الليلة ودخلت كتيبتا المهدي (عج) وعلي الأصغر (ع) في العملية. لأن جيش 10 سيد الشهداء (ع) كان وحده الموجود، أخذت العملية اسم سيد الشهداء (ع). وكلمة بدأ العمليات كانت يا سيد الشهداء (ع). كانت العمليات شبيه بيوم عاشوراء، استغرقت وقتا من الصبح حتى الظهر. استشهد فيها حسين اسكندرلو. وصلت الأمور الى مناطق خطرة واجبرنا على التراجع، ولكن بعد يومين تراجع العراقوبعد ثمان أيام ذهبنا وأخذنا الشهداء. هذه العمليات في ظاهرها أننا هزمنا، ولكن في باطنا كانت مهمة ومصيرية. الحقيقة إذا لم ندخل في تلك الليلة لوضع العدو يده على طريق أهواز خرمشهر ولعادت ما حدث في بداية الحرب.
عمليات سيد الشهداء (ع) وكذلك عمليات الدفاع الممتدة (وأنا متأكد أنّ أكثر الناس، لم يسمعوا باسمها) لم تكتب في أي مكان.حين زرتُ المرحوم حسين اردستاني وهو المسؤل عن تسجيل أحداث الحرب، التفت الى القائد فضلي وقال حتى لم يتوصل عقلي أن أسجل هاتين العمليتين. الحقيقة هو ذنبنا أننا لم نقلها فلم تسجل.
ما هي العمليات الممتدة؟ حين قبلت الجمهورية الإسلامية قانون 598، هجم المنافقون من الغرب وانشغل الناس بغرب البلاد، غافلين عن أنّ كربلاء ثانية تقع في الجنوب. كان في أقصى حرارة خوزستان والناس حيرى هل سيقام السلام أم لا. في تلك الأجواء جاء خبر أنّ العراق يشن هجوما من الأرض والسماء وانهزم الدفاعات ووصل الى طريق أهواز خرمشهر. وحاول العراقيون محاضرة آبادان. كان العراق يسعى الى أخذ حصته مما يحدث. بعد صلاة الصبح تحركنا ولم نفكر أنهم وصلوا الى طريق أهواز آبادان. حتى لم يكن لدينا معدات وعدة بالقدر الكافي وحين وصلنا الى الطريق، واجهنا ضجة كبيرة. في الداية ظننا أنها قوتنا، ولكن حين واجهنا الطائرات، عرفنا أنها قوات عراقية. من منطقة كوشك ومفترق الحسينية بدأت المواجهة. لم يكن لدينا لا السلاح الكافي ولا نعرف المنطقة بل ولا نعرف من أين بدأ العدو وما هو هدفه وأي منطقة يريد أخذها؟ تحرك لواء الزهراء (ع) من جيش 10 سيد الشهداء (ع) الى كوشك، جيش 41 ثار الله بقيادة دلاور والحاج قاسم سليماني تحرك من الجهة اليمنى وذهبنا نحن الى خرمشهر. صباحا بدأت العمليات وفي الظهر غطى دخان الدبابات العراقية المنطقة، واستشهد الكثير من شبابنا في هذه المواجهة.
أنقل هذا الموضوع لتعرفوا أنّ عدونا لا يمكن الثقة فيه. لأنه بعد قبول القرار، هجم العدو بكل قوته. لذلك يقول قائد الثورة العدو، لا يعتمد عليه. كنا نرى جهة من الحدث العدو جاء بكامل عدته وخلفه جيوش كبيرة.
كان لدينا شاحنة فيها ما يقارب 27 شخص، أصيبت الشاحنة بقذيفة واستشهد خمس أشخاص وكلهم سادة علويون. وجُرح البقية، ولكن جروحهم طفيفة. بنيت اليوم مقبرة باسم "الشهداء الخمس السادة" أو "شهداء الكوثر" قرب مكان شهداتهم. بالطبع حدث تحريف وقيل أنّ بعض جنائز الشهداء بقي هناك، ولكن لا صحة لذلك، لأنّ أجسادهم احترقت واستطعنا نقل القليل المتبقي وتسليمه لعوائلهم. من جانب آخر تلك المقابر ليست في المكان الذي أصابه الصاروخ. الشهداء الخمس هم صاحب محمدي وسيد داوود طباطبائي والسيد حسين حسيني وسيد داوود موسوي وسيد علي رضا جوزي. في تلك الفترة لو استطاع أحد الضحك، لتشققت شفتاه، ولكن الشباب دخلوا مدعومين لكلام الإمام حين قال وهل مات شباب الأهواز."
وتحدث عن القائد علي فضلي قائلا: "نتكلم كثيرا عن الشهداء، ولكن لنتحدث عن الاحياء. قال قائد الثورة عن القائد العسكري فضلي قائد جيش 10 سيد الشهداء (ع) في فترة الدفاع المقدس: ذكر اسم فضلي هو فخر. لعدة سنوات كنتُ الى جانبه حتى أني لم أسمع غيبة منه، ولكنه كان يعاقبنا كثيرا. عقاب جسدي ثقيل. والسبب هو لكي لا تسقط الخوذة. وكانت سبب في انقاذ الكثيرين.
لم يكن فضلي يرجع مهمة أبدا. مثلا نفس عمليات سيد الشهداء (ع) لو سلمت لوحدة اخرى، قد لا يقبلها. في عمليات كربلاء خمسة حين تراجعت كل كتائب جيش 10، حين نظرنا خلفنا وجدنا كل الطباخين والخياطين والحلاقين يحملون أسلحة، سألت عما يحدث فأخبروني أنّ فضلي ذهب الى المقر وقال لدي كتيبة أخرى. الحقيقة بنفس الشباب أسس كتيبة في المنطقة، وشكل خطاً دفاعيا. قام جيش 10 سيد الشهداء (ع) في عمليات كربلاء بضرب خطوط العدو خمس مرات ولم يعلن ولو مرة واحدة أنه غير قادر على تنفيذ مهمته. أصيب فضلي في عمليات والفجر ثمانية بجروح شديدة، فقد على إثرها عينه وأصيب بشظية في البطن والرجل، ورغم ذلك لم يبق في المشفى إلا أيام، جاء الى المنطقة ونظّم الجيش، كان في حالة لا يستطيع السير دون شخص يتكئ عليه. وبعد الحرب كان للرجل الكثير من المفاخر للبلاد. حين وقع الزلزال في لوشان وشمال البلاد، حضر جيش 10 سيد الشهداء (ع) بكل عدته هناك بقيادة فضلي وبقوا هناك شهرا يقدمون المساعدات للناس. توفي نائب قائد جيش 10 باسم الحاج أحمد غلامي في سن 60 في حلب ومن اللافتة أن تعلموا أنّ لجيش 10 سيد الشهداء (ع) لجنة تضم 21 موكبا تخدم زوار الحسين في الاربعينية في طريق النجف حتى كربلاء."
بعد هذه الذكرى قدمت فرقة المحراب تواشيحها.
أكثر الصورة سعادة !
المتحدث الثاني هو إحسان رجبي، رفيق الشهيد السيد مرتضى آويني ومن مصوري فترة الدفاع المقدس حيث كان له معرض صور على هامش المراسم. بدأ حديثه قائلا: "كان لدينا في معسكر دوكوهه عربة مقطورة. عملية تغيير مكانها في عمليات والفجر ثمانية مهم جدا. في ليلة الهجوم كانت العربة المقطورة تحت النيران وحاولنا كثيرا لنخرجها من تحت النيران. وتأتي أهمية المقطورة في أنّ فيها نظام صوتي وإنارة وماكنة كهرباء. حين أنقذنا المقطورة، قررنا تركها في معسكر دو كوهه للأعمال الثقافية. ليكون مكانا جيدا لسعيد جان بزركي ومسعود قندي والأصدقاء العاملين في الغرافيك. في هذه المقطورة تمّ الكثير من الاعمال الكاريكتورية والجداريات. ذكرتُ هذا لأطرح اسم سعيد جان بزركي.أذكر أعزاء حاضرين هنا حين تحررت مهران، وقبل عودة المحاربين لمناطق العمليات، كتبوا على كل جدران المدينة كلمات الإمام ونصوصه المنتخبة بألوان إختاروها وغير هذا وجه المدينة وكانت مؤثرة على نفسيات المحاربين."
وأضاف: "استشهد العزيز آويني في العام 1993. سلّم لي السيد همايون فر مهمة لي لأعد برنامجا لأول ذكرى سنوية للشهيد آويني ونشرها في الجامعات. إختار السيد محمد آويني مقالة من مقالات الشهيد آويني تحت عنوان "انفجار المعلومات". كان عليّ التركيز على العمل لاخراج الصور من الأرشيف واعداد فيلم، لكن زوجتي مريضة وكان سببا في انشغال فكري. من جانب آخر ولشدة حبي للشهيد آويني أردت اخراج عمل مغاير. طلبتُ المساعدة من نادر بور ومحمد آويني حتى نصور المقالة. في نفس تلك الفترة المزدحمة، كنتُ نائما في البيت بسبب مرض زوجتي ورأيتُ في المنام قائد الثورة آتيا الى منزلي. قدمت زوجتي له الشاي وكان ابني محمد صالح وعمره في تلك الفترة عامين يركض حوله ويضع السيد أحيانا يده المباركة على رأسه. طلب مني القائد في المنام أن أعطيه ألبوم الصور ليرى الصور. قدمتث لها ألبومين. تبسم السيد مع بعض الصور وغضب من بعضها وكنتُ أفكر أي صورة أغضبته. كانت زوجتي تجلس فس زاوية وتنظر للسيد. حين استيقظت حدثت زوجتي بكل ما جرى. طلبت مني أن أكتب كل ما رأيته قبل أن أنساه، ولكن الحلم منحني شعور أنّ زوجتي ستتحسن وستقوم بعمل المنتاج بأفضل صورة.
مرّ ما يقارب 40 يوما على الحلم وكنتُ منشغلا بالمنتاج الأخير لعمل مرتضى إذ اتصلوا عليّ من بيت القائد وقالوا لي القائد يريد قضاء بعض الوقت مع أدب الدفاع المقدس. ثم أكملوا، نحن نعرف صورك، أحضر معك الصور لنريها للسيد، قلتُ لهم مصورو الدفاع المقدس كُثر لمَ أنا بالذات؟ فأجابوا: صورت الشهيد حاج أميني وهي جزء من ذكرى. كان كل وقتي أقضيه على عمل آويني وقلت ليس لديّ صور حاضرة الآن واعتذت وانتهى حديثنا هنا.
عصراً جاءني مسعود قندي ومرتضى مصطفوي إلة رواية فتح وطلبا مني أن أسلمهما صورة الحاج أميني ليدخلاه في مراسم تشييع جثامين آلاف الشهداء على مستوى البلاد. في نفس اللحظة قلتُ لمسعود أنّ بيت القائد إتصلوا عليّ وطلبوا أن أحضر لهم الصور ليرها السيد وأجبتهم أنه ليس ممكن في الوقت الحالي، لأنّ ليس لدي صورة مطبوعة. تفاجئا وغضبا وسألاني هل أعرف ما فعلت؟ أجبتهما نعم، كنت منشغلا بمنتاج عمل آويني ومن المهم انهاءه في أول ذكرى سنوية له. قال هذا العمل مهم في مكانه، ولكن عليك القيام أيضا بهذا العمل. قال مسعود في المساء سيحضر الى بيتنا ويأخذ الصور مع صور الشهيد الحاج أميني ليطبعها مع رجبي معمار. وفعلا ذلك وأحضرا لي ألبومين الألبوم الأول عن صور الدفاع المقدس والثاني عن البوسنة ولبنان وفلسطين. وطلبا مني أن أتلفن على بيت القائد وأخبرهم عن اعداد الصور.حين اتصلت على بيت القائد طلبت منهم أن أكتب نصا الى جانب الصور. في اليوم الثاني طلبوا مني ارسال الصور مع النص. قالت زوجتي بعد رؤية الألبومين هذا هما نفس الألبومين الذين رأيتهما في الحلم وهذا تفسير حلمك.
بعد عام أو عامين كنتُ مديرا ل19 برنامجا عن حرب ال33 يوم الصهيونية ذهبتُ إلى لبنان لأعد البرامج. وقع على عاتقي إخراج العمل الذي تقوم به ثلاث مجموعات. في النهاية انهيت العمل تحت عنوان "بداية النهاية" لدي مشكلة ربو ووقعت لي مشكلة اثر انفجار قنبلة فسفورية بقربنا ونقلوني الى المشفى. ووصل الأمر الى أخذ أدوية مركزة. في تلك الفترة جاء السيد قدمي للمشفى وأصرّ على أن أحضر في مراسم سيكون فيها القائد والتي تقام لذكرى فترة الدفاع المقدس وعلى الأقل أقرأ الرسالة التي كتبتها للقائد. طلب مني السيد قدمي أن أحضر بأي شكل كان وببركة حضور السيد وأصدقاء الدفاع المقدس أن آخذ شفائي. ذهبتُ الى المراسم رغم وعكتي الصحية ولم أكن أستطيع الحديث. وتحت اصرار الأصدقاء قرأتُ الرسالة التي كتبتها له "حكاية الألبوم الذي بين يديك هي حكاية تعبوي أخذوا منه سلاحه وسلموه كاميرا ليكون أقرب للشاهد من الشهيد والحصيلة هي آلاف الصور التي لم تطبع وهي تهاجر بهدوء متنقلة ويشملها الزمان..." بالطبع لا أذكر تلك العبارات بدقة. ووضحت أنّ الصور التي جاءت إليك اليوم ليست جميلة، بل سعيدة لترى معشوقها. أصدقاء بيت القائد تحدثوا كثيرا عن الألبوم والرسالة وتحت طلبي قلت لهم أن يرجعوا الصور ولتبقى الرسالة. بعد أن إطلع القائد على الصور طلب نشرها وتطبع هذه الصور على مدى أربع سنوات بدعم جميعة مصوري الثورة والدفاع المقدس.
تتداعى الذكريات مع صور الشهيد الحاج أميني وسيارة الحاج بخشي. ولكن هناك صورة في معرض الصور، صورة لرجل أُصيب بيده وظهره. وحين طلب منه المسعف أن ينام على الأرض، لم يقبل ويجلس في مكان ليرى الجبهة. كأنه في تلك اللحظة يشعر بتساؤل لماذا أنا هنا الآن؟ هناك صور أخرى إلتقطتها لها حكاية، ولكن لا يمكن توثيقها ويبقى فقط الصورة."
عرض بعد تسجيل للشهيد صياد شيرازي.
عسكري روحاني
وكان المتحدث الثالث المهندس بهروز إمامي، وهو زوج ابنة الشهيد صياد شيرازي. بدأ ذكرياته قائلا: "حتى شهادته، كنتُ زوجا لابنته لسبع سنوات. قبل شهادته بأربع أيام صادف عيد الغدير وطبق العادة، تذهب العوائل الأصغر للعوائل الأكبر. وذهبنا أنا وزوجتي وإبناي الى منزل صيادي. أخاطبه بالحاج وزوجته بالحاجة. وصلنا لهم الساعة العاشر صباحا. وقفت الحاجة أمام باب البيت. حين تبادلت القبل مع الحاج ودخلنا قالت الحاجة أنّ لديها خبر سعيد والحاج أصبح جنرالاً. حين ذهب الحاج مع مسؤلين آخرين لرؤية السيد القائد، وقع السيد في نفس اللحظة أمر أخذ الجنرالية وقال بعد فترة سوف تقام مراسم التنصيب. ضحكتُ وقلتُ الجنرالية تستحق غداء محترما. ضحكت الحاجة وقالت لم أرَ من هذه القضية إلا غداءها.كان من المقرر أن نذهب من هناك الى منزل والدتي، ولكن الحاج طلب منا البقاء فقد اشترى كبابا وأعدت الحاجة الرز. سألت زوجتي أباها قائلة: "أبي هل أنت سعيد برتبة الجنرال؟ فأجاباها: نعم أنا سعيد، ولكن ليس لأني حصلت عليها. لا يهمني أن كنتُ ضابطا أو عقيدا أو جنرالا، المهم هو رضى القائد عني نيابة عن الإمام صاحب الزمان (عج) ليسلمني هذه الرتبة. ثم ذهب ليشتري الكباب وحين عاد طلب مني أن أمسك طرف المزهرية التي اشتراها. ثم قال للحاجة: هذه الرتبة خاصة بك انت لأنك تحملتي كل هذه السنوات الصعبة. كان الشهيد شيرازي يغسل كل يوم جمعة صباحا درجات منزله ذا الطوابق الثلاث. لو غُسلت أرضية المطبخ في العام مائة مرة، فدون شكّ قد قام الحاج بغسلها 95 مرة. قد يكون أحد أسباب نجاحه، هو إهتمامه بعائلته رغم انشغاله. كان مشغولا بصورة لا ينام إلا ثلاث ساعات في اليوم، كنا ندعو أن يطلب منا عملا لنقضيه له.
أذكر أننا ذهبنا الى معسكر المروحيات في إصفهان. حين خرجنا من الغرفة، رأينا جنديا مشغولا بتنظيف حذاء الحاج. حين بغضب يهزّ يديه عاليا. نظر للجندي وقال وهو رافعا يديه: مَن طلب منكَ أن تنظف حذائي؟ قال الجندي بلهجة: لكن... في هذه اللحظة وصل قائد المعسكر وابتعد الجندي قليلا عنا. قال الحاج للجندي: من يطلب منك أن تنظف حذاء قل له على الجندي أن ينظف حذاءه بنفسه. وفي مرة قال قائد القوات الأرضية أمير حيدري دعني أكمل لك بقية الحكاية: آخر مهمة كانت في الجنوب لصياد شيرازي. كان أستاذي في الكلية العسكرية. كنتُ أحبه كثيرا. قال لدى الجنرال أمر معك. ما إن دخلتُ الغرفة رأيت الوجوه عكرة. سألت: الجنرال له أمر معي؟ رفع يده عاليا وقال: حيدري أنت من شباب حزب الله، رأيت بعض الحركات منك لم تعجبني. تذكر أنّ هذه الرتب ليست رتب السلطة، بل رتب مسؤليات. طلبت منهم أن ينظفوا حذائي. طلبت منهم أن يحملوا ويفتحوا الباب لي لا تدع أحدا يحمل عنك حقيبتك ولا يفتح لك الباب.
الشهيد صياد شيرازي كان في زمن الشاه يدرس في أمريكا ودرس المدفعية البالستية. كان ضابطا قبل الثورة وزوجته ترتدي الشادر. حتى زمن شهادته لم يكن في بيته كنبات. المنزل الذي يعيش فيه بُنيَ على أرض منحت له بأمر من الإمام وعلى هذا، ينفق الشهيد شيرازي قسما من راتبه في الخيرات. وكل هدية يحصل عليها يمنحها للمحتاجين. أذكر في آخر أعوامه، حصل الحاج من وزارة الدفاع على بندقية صيد، أعطاها هدية لعروس. كان يصوم كل اثنين وخميس، إلا إذا كان مسافرا.
قال مرة حجة الإسلام فاطمي نيا صراحة أنّ الشهيد صياد شيرازي ذهب الى بهاء الديني وهو عارف معروف. حين عاد، قال آية الله أنّ هذا العسكري روحاني وفي يوم ما سيستشهد. قال فاطمي نيا كان الأمر بالنسبة لي عجيبا إذ قد انتهت الحرب ومات آية الله، ولكن صياد شيرازي لم يستشهد، قلتُ لنفسي كيف يتحقق كلامه؟ حين سمعتُ خبر اغتيال صياد شيرازي قلتُ: الله أكبر على ذلك الرجل والله أكبر على هذا الرجل.
ويحكي أحد القادة العسريين أنهم كانوا في الساعة 11 مساء في طريق قم. طلب الشهيد صياد شيرازي المرور على منزل آية الله بهاء الديني.فقلتُ له أنّ الوقت متأخر ولكنه أصرّ. وذهبنا الى منزله. كنا خمس أشخاص وحين وصلنا وضع الشهيد صياد يده على الجرس، كان آية الله يقف خلف الباب وفتحه. قال كأنك كنت تنتظرنا؟ أجابه آية الله: نعم، من أوقع في قلبك أن تأتي الى منزلي، أوقع في قلبي أن أنتظرك.
كان أحد أصدقائنا يبحث له عن منزل بقرب منزل الشهيد شيرازي. قدم مكتب العقارات منزله، لأننا طلبنا أن يكون من يسكن البيت من النساء ترتدي الشادر. الخلاصة أصبحت عائلة صديقي مستأجرين عندي شيرازي. بعد فترة قال لي أنّ لديهم فتاة طيبة وتصلي ومتدينة، ولكني لم أرضخ وكان في ذهني أنني من الحرس ولا يمكن لي الاتصال بعائلة من الجيش. في النهاية وتحت اصرار صديقي قبلت وطلبتُ من أخي، الذي يسكن قم وهو عالم دين أن يستخير. ذهب الى آية الله بهجت وكانت الاستخارة وقال جيدة جدا. حين تقدمت للزواج، تقدم لها أيضا أحد المسؤلين الكبار في البلاد ليخطبها لابنه. في أول لقاء سألني كم قضتُ من الوقت في الجبهة. فأجبته كنت في الجبهة منذ كان عمري 17 عاما ولدي تقريبا 27 شهرا في التعبئة. قال: إذاً الآن نكمل حديثنا. لأنّ رأيه أنّ من عمره يلتقي مع الذهاب الى الجبهة، لديه كرامة دينية ووطنية ويناسب ابنته. في النهاية قبِل بي في العام 1988 وكنت طالب في الجامعة، وأبي اسكافي ويقع بيتي في طريق أفسريه ورفض الشاب الثاني الذي يحمل الدكتوراة وأبوه من كبار القوم."
وكانت آخر ذكرى لبهروز إمامي عن الشهيد صياد شيرازي كتالي: "حدثني الشهيد صياد عن عمليات بيت المقدس لم يكن مقررا تحرير خرمشهر، كان المقرر محاصرتها وأن نحررها في عملية ثانية. وقالوا لقادة الجيش والحرس أن نبدأ عمليات بيت المقدس بعد الفتح المبين لتكتمل المحاصرة لتكون بعدها عملية تحرير المدينة. منذ بداية العمليات، الى ما يقارب 72 ساعة لم ينم أحد منا، لا يكتمل الحصار ولا أحد يعلم ما الذي علينا فعله. كان الظروف صعبة. وتحت إصرار الشهيد خرازي بدأت العمليات من خرمشهر. قلتُ له: لا تفعل هذا. فأجباني: أريد أن أنهيها، هذه فرصة استثنائية. قال السيد رضائي: يا سيد صياد دعه يذهب. إلتفت الى خرازي وقلت: لدينا قوات نسلمها لك، احذر، لأن ليس هناك المزيد من القوات للدعم، على الأقل سر بطريقة عسكرية. من كان في الحرب يعرف أنّ لخرمشهر ثلاث منفاذ برية لدخولها. قال الشهيد صياد: بدأت العمليات ولم يستطيعوا الدخل لخرمشهر وكسر الحصار. كانت الظروف صعبة والجميع قلق ومضطرب. لم يعد الامر بيدي، بداتُ بالصلاة. وكأني بعد الصلاة رأتُ حلما أنّ شخصا نورانيا يدخل علينا. عباءته سوداء وعمامة خضراء. أحسست أني لا أستطيع تحريك جسدي. سألني: "يا صياد ماذا يحدث؟ هل أنت تعب؟" قلت: "تعب جدا يا سيدي، ثلاث أيام تنقضي لم ينم أي منا، توقفت كل الأمور،ماذا أفعل؟" قال: "سوف يتحسن كل شئ، عليك أن تتوكل." قال هذا وحضنني، وضع رأسي على قلبه، انهضني وسار جهة باب الخندق. حين وصلنا باب الخندق استيقظت من نومي ورأيت كأن الجميع مخدر على الأرض. الشهيد خرازي يصرخ في اللاسلكي: "لقد كسرنا خط العدو، لقد دخلنا خرمشهر." صرخت: "الله أكبر، الله أكبر، انهضوا، لقد كسرنا خط العدو."
عدد الزوار: 5098
http://oral-history.ir/?page=post&id=7012