"مهناز فتاحي" تكشف تفاصيل كتاب "ملجئ اللا لجوء"

تحشيد مدينة من أجل سرد حدث

فائزة ساساني خاه
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2017-03-03


صدر مؤخراً لكاتبة "عروسات الحرب" و "فرنجيس" كتاب "ملجئ اللا لجوء". يتطرق الكتاب الى القصف الصاروخي على مدينة كرمانشاه من قبل جيش صدام الذي أدّى إلى جرح وقتل 300 شخص. عُرض الكتاب حيث حدث الأمر وفي نفس الملجئ. وكان فرصة ليلتقي موقع التاريخ الشفوي الإيراني بكاتبة النص مهناز فتاحي والتحدث معها عن كتابها الجديد.

  • بداية حدثينا عن حفل توقيع الكتاب وعن المكان الذي خُصص له؟

أقيم الحفل أمام الملجئ من الساعة الرابعة حتى السادسة عصرا. في الحقيقة هذا المكان رُمم وهو قسم من الدفاع المقدس. وكان استقبالا جيدا. جاء رواة الكتاب. النقطة اللافتة هي، تواجد الإطفائيين، إذ بين رواة الكتاب كان الإطفائيون. وبُث صوت أحد الرواة، وكانت لديّ كلمة أعتقد أنها كانت مؤثرة.

وعُرض مقطع عن الملجئ. ونشيد للأطفال عنه أيضا، أطفال يشبهون أولئك الأطفال، ارتدوا ثيابا جديدة للعيد وتجمعوا في المجلئ وأنشدوا فيه.

وحضر في حفل التوقيع كل من مؤسس مكتب أدب وفن المقاومة مرتضى سرهنكي، ومدير العلاقات العامة في دار سورة مهر حيدر أيمني، ومدير دار سوره مهر عبد الحميد قره داغي، ومدير المكتب الثقافي والدراسات الملتزمة محمد قاسمي بور. وقدمَ مرتضى سرهنكي ومحمد قاسمي بور كلمة في هذا الحفل.

وتكلم قاسمي بور عن الكتاب قائلا. يتحدث الرواة في الكتاب عن صعوبة العمل. وتحدث السيد سرهنكي عن الدورات التدريبية للمتطوعين وقال إن العمل الجيد يحتاج الى دعمه ودعم كاتبه. وقال سرهنكي أيضا أنّ الأدب الحربي في بعض الدول مثل روسية يؤخذ بجدية كبيرة ووضعوا له قيمة. وفي البوسنة والهرسك أسسوا مركزا يتعلق بالحرب.

يجب على بلادنا وع وجود كل هذه الاستعدادات أن تعمل أكثر في مجال الدفاع المقدس. لدينا خمس محافظات يمكن العمل عليها ومنها كرمانشاه. ويجب أن نتطرق في أدب الدفاع المقدس الى جانب القضايا العسكرية، للجانب الإنساني. مثل مذكرات الأسرى العراقيين في إيران وطريقة تعامل المسؤليين معهم وكنتُ شاهدا عن قرب على ذلك. كانوا يلتقون مع عوائلهم ويمكن لعائلته البقاء معه لعدة أيام. يقدم لهم طعام جيدا. يجب نقل هذه اللحظات للمتلقي. وكذلك أشار سرهنكي الى وجوب دعم المسؤلين كتاب الدفاع المقدس ماليا حتى يتفرغون للكتابة. ويجب دعم الكتاب في كرمانشاه من المسؤلين.

وأقيم معرض صور وأكثرها صور لشهداء الملجئ من الأطفال. وبعد نهاية المراسم زار الملجئ بعض الزوار. كانت الزيارة مع أدلاء يروون ما حدث في الداخل. قال أحدهم كان مكاني هنا، ويقول الآخر هنا حدثت الحادثة كانت تتداعى الأحداث الماضية.

حين ذهبتُ خلف المنصة لم أود أن تكون كلمة فقط. خاطبتُ بعض من تواجد في الصالة وكأنني أروي حكاياتهم. مثلا قلتُ السيد ملك نكار العزيز الذي جلس هناك هل رأيت في النهاية طُبعت صور زوجتك في كتاب وهذا ما كنتَ تريده وحصل! ماتَ أحد الرواة وبثثنا صوتها وكان صوتي معها وتأثر كثيرا من حضر، وقد قدمت سبع شهداء. استشهد أربع أحفاد لها وبنتان وزوج ابنتها. حدثتها: سيدة قرباني كنتِ تودين أن يبث صوتك هنا.

  • إختيار حادثة والتطرق لها، هو نوع من دخول التاريخ الشفوي. هل عرفتِ من البداية أنك تعملين في مجال التاريخ الشفوي أو هو مجرد تطرق لذكريات الدفاع المقدس في كرمانشاه، ما هو الموضوع الذي شغلك؟

أردتُ رواية ما جرى. هذا الحدث، لم يكن حدث لشخص، هو قصة مكان. كانت نظرتي منذ البداية هي أن أبدأ مع راوي أو راويين وأخرج بما يشبه مذكرات أو سيرة قصصية. ولكن منذ بداية العمل ووصولي الى الدوائر والمؤسسات أو حتى الأشخاص لأختار منهم، رأيت ألا طريقة أخرى غير دخول التاريخ الشفوي، أي أُجربت على تحديد الأشخاص عبر مشروع ونظرا لعدم وجود مصادر كاملة عن الملجئ أجبرت على الدخول بحذر. لذلك، هذا الكتاب جاء من رؤية التاريخ الشفوي والمذكرات. أي قسم منه يتطرق لأصل الحدث وقسم آخر للمذكرات. الحقيقة لم تكن رؤيتي في البداية هذه ولكن أخترتُ العمل بعناية مع أول شخصية حاورتها.

  • كم ابتنى الأسلوب على الذكريات وكم ابتنى على التاريخ الشفوي؟

لقد فصلت بينهما، أي عملتُ على قسم كتاريخ شفوي نظرا للوثائق في الكتاب. كانت لدي رؤية عامة وبحثية على عملي وفصلت قسم المذكرات. القسم الكلي هو التاريخ الشفوي. وأذكر هذا الأمر هنا أنا لا أعرف الفرق بين الذكرى والترايخ الشفوي. تلك الروايات والوثائق التي لديّ القسم الاعظم منها بشر تحدثتُ معهم، مختار المحلة، الهلال الأحمر، المطافئ و... وهم كلهم وثائق. مَن كان حاضر من الناس هناك وذكروا ذكرياتهم ولمسوا الواقع هم قسم من المشروع.

  • كيف وجدتِ شخصيات الحوار؟

بصعوبة. ليس هناك دائرة أو مكان لديه احصائية يعتمد عليها، لا أسماء موثقة، حتى الدوائر التي تُعنى بهذا الأمر ليس لديها مصادر يعتمد عليها. قد لا تصدقين، عبر زيارة بيت بيت ودائرة دائرة توصلت للشخصيات والحقيقة ساعدني أبناء كرمانشاه كثيرا. حين ذهبتُ إليهم كانوا مثل سواعد وقدموا لي أشخاصا لم أكن اعرفهم.

  • هل كانت حواراتك هادفة أو يسير حسب ما يطرحونه من ذكريات؟

كانت هادفة. أردتُ عكس رؤيتهم عن كيفية بناء الملجئ، الحياة فيه، يوم القصف وكيف دخلوا فيه وحكايات بعد القصف. كانت لديهم احاديث متبعثرة عن الحدث، ونظّمتها. كأنهم عرفوا أنّ الحديث يجب انهاءه في مكان ما.

  • وضّحي لنا عن أسلوب جمع المعلومات. هل كنتِ تأخذينهم الى مكان الحدث أو عبر عرض الصور لهم أو عبر حوار جماعي؟

عملت بأسلوب مغاير. لم أستخدم أسلوبا واحدا مع الجميع. مثلا كان ملك نكار صاحب دكان، ولكن ولأنه لم يتعاون، كنتُ أذهب إليه وأجلس امام باب دكانه للفواكه وأتحدث معه عن الحدث. أي أُجبرت لمحاورة الكثير منهم أن أذهب لهم في اماكن عملهم.

هناك زقاق فيه عدة شهداء، وأل بيت وجدته وساعدني أهله، نفس السيدة، تحضر نساء أخريات الى بيتها للتنسيق والحديث. وننسق مع بعض الأشخاص للحضور في المكتب الفني أو الدوائر الحكومية. والبعض منهم لا يمكنهم لظروفهم الذهاب الى منازلهم، تعرفين بعضهم في وضع متردي.

أجبرتُ على البحث عن الوثائق. مثلا وجدتُ صور الملجئ قبل القصف أو حين قصف، بحثتُ لثلاث أيام في أرشيف إذاعة وتلفزيون كرمانشاه. واجبرت مع بعضهم الذهاب الى مكان عملهم لأنسق معهم، مثل الرواة في المطافئ، أو مشفى 520 للجيش أو الهلال الاحمر، ذهبتُ لهم في اماكن عملهم. بالطبع كان في بعض الاماكن سؤال من قبل جهات أمنية لماذا بعد ثلاثين عام نتابع هذه القضية ويطرحون مثل هذه الأسئلة، لماذا تدورون حول الملجئ؟

كانت المشاكل والموانع كثيرة، مثل عدم تعاون العوائل، ذهبتُ الى الكثير من عوائل الشهداء ولكنهم لم يتعاونوا. ولكن على أية حال كان أسلوب البحث هكذا عبر رسالة من المركز الفني، أو مراجعة الدائرة أو عبر لقاءات مباشرة والذهاب من بيت الى آخر. ساعدني إثنان من أبناء المدينة، حتى أن أحد دكاكينهم تحول الى مجلس للحوارات. ولأنه يعرف أهمية العمل تعاون معنا.

أنا كاتبة مذكرات. كنتُ أكتبُ ذكرياتي منذ صغري، وكتبتُ ذكريات الحرب، ولكن من المحال أن أكتب كتاباً دون حمل خطة. لكل كتاب عملت مشروعا. مثلا لكتاب فرنجيس، تحدثتُ مع 30 شخصا. قرأتُ تاريخ تلك الأرض، عرفت عادات وتقاليد المدينة، سمعتُ تنويمات الناس حتى أفهم واتعلم، أي بحثتُ وحققتُ حتى أتعرف على الاجواء وأكتب عنها. ومن أجل مذكراتي بالطبع أقرأ تاريخ الحرب، أريد خلف كل عمل أن تكون هناك أرضية معرفية لأتقدم.

  • حسب ما رأيتُ أنّ الرواة عندك ينقسمون الى قسمين، أحدهم شعبي كانوا في الملجئ والقسم الثاني من ساعدهم، صحيح؟

بالتحديد. ذهبتُ الى الهلال الأحمر والمطافئ من أجل هذا. حين بدات العمل لم أود أن يكون مع من كان في داخل الملجئ. قد أكون أردتُ الامر مثل الكاميرا العالمة بكل شئ وترى كل الزوايا، من كان في المجلئ، من كان في بيته قرب الملجئ، أصحاب المحلات وأول من علم بالقصف. كيف دخلوا، كيف أنقذوا الجرحى، ماذا حدث في مشفى 520 وكيف تقبلوا 300 شخص؟

الى كم قسم تقسم من كان في المجلئ؟ الملجئ كان فيه ثلاث فرق، قسم كان في الحطام، وفي جانب هناك منفذ استطاع الناس اخراجهم وفي قسم كان منفذ هوائي تدخل منه الصواريخ فذاب الناس فيه. كيف رأت النساء الحدث؟ والرجال؟ ماذا يذكر الأطفال عنه؟ كيف كان الملجئ قبل القصف؟ هل كان فيه ألعاب للأطفال ولعبوا فيه؟ إشتروا ثياب العيد، وحملوا زرعة العيد، وتحاوروا. كأنه فيلم يبدأ مع لحظة ولادة الملجئ وكيف بُنيَ. هذه الرواية جاءت أيضا على لسان الناس وماذا أحدث الملجئ حتى يوم القصف وبعده؟

  • على الظاهر لم يكن لديك مصدر ليكون الكتاب على خطاه، كيف كانت أول خطوة؟

بحثتُ في الانترنت. زرتُ مكتب حفظ نتاجات الدفاع المقدس الذس يقع في الملجئ. أي المكان الذي كان سابقا ملجئا ورُمم وفي الطابق الاعلى يقع مكتب الدائرة لكرمانشاه. حتى زيراتي لذلك المكان لم يخلف نتيجة ولم يكن لديهم صورة عن الملجئ قبل القصف. ليس لديهم إحصائية دقيقة عن عدد الشهداء. ومازالت الاذاعة والتلفزيون أو أي جهة إعلامية أخرى تتصل بي إذا كان لديهم موضوع عن الملجئ لأخذ أرقام بعض الشخصيات! ورغم أنّ كتابي لم يوزع جيدا ولكن هناك أفلام تعمل على قصته.

  • كيف فككتِ المعلوامت التي حصلت عليها؟ هل كان يمكن استخدامها كلها؟

نعم. تجدين في الكتاب 35 راوي، ولكني تحدثت مع ما يقارب 100 شخص أو سجلت أصواتهم. حتى حين كنتُ أركب السيارة أتحدث معهم عن الموضوع ويعرفونني عن فلان أو فلانة. بصورة أخرى الكثير من أبناء المدينة هم الرواة. أردتُ أن أعرف هل ما أدوّنه من رؤيتهم صحيح؟ وأرى أنه يتوافق مع كلامهم. جمعتُ الكثير من الصور ولكن لا يمكن عرضها أو مكررة.

  • هل كانت رواية النساء أكثر، هل هناك سبب خاص؟

كان الأكثرية في الملجئ النساء والأطفال، وفيه الرجال، ولكن النساء والأطفال أكثر، ولكن في تلك الأجواء الخاصة وفي الصباح وحين قصف الملجئ، كانوا يمنعون الرجال، حتى أنّ أحد الرواة حين اراد الدخول لم يسمحوا له مخبرينه أنّ المكان مزدحم. يتشاجر معهم قائلا: "لماذا لا تسمحون لي بالدخول؟" يجيبونه: "ألا تستحي من النساء اللاتي في داخل الملجئ؟ هل أنت رجل!" ونفس هذا الرجل بقي على قيد الحياة لأنه لم يدخل وتضررت أذنه وفقد سمعه.

  • ما هو مكانة هذا الكتاب في التاريخ الشفوي للدفاع المقدس؟ وماذا تتوقعين بعد صدور الكتاب؟

هذا الكتاب ليس مجرد مذكرات شخص واحد، هو تحشيد مدينة لرواية حدث كبير. حدث القصف في 6 مارس 1988، أي بالتحديد بعد يوم من قصف حلبجه. كنتُ أسأل نفسي لماذا لا يوجد كتاب يتطرق الى هذه القضية؟

احد الأسباب هو حجم كارثية حلبجه، الكارثة التي تكررت بعد يوم في كرمانشاه يخف انعكاسها. قال الكثير من مراسلون المدينة تجمعنا للتقديم العون لحلبجه وعاش أبناء كرمانشاه 33 سنة في الظلم. أعتقد أنّ مكانة هذا الكتاب عالية وكان يجب التطرق الى مأساة وطنية قبل هذا الزمان.

الملجئ غير العسكري وطبق القوانين الدولية لا يمكن قصفه ويحسب جريمة. لم ينعكس هذا الموضوع في زمن الحرب. لا أعرف كم هو حجم الامم المتحدة بمعرفة هذا الموضوع ويجب معرفة ذلك فيما بعد. سقط 300 شهيد وجريح في الملجئ وليس هذا بالعديد القليل.

يقع هذا المكان في قلوب أبناء المدينة واستقبلوا العملوسعدوا بصدور الكتاب. هذا الكتاب، ليس كتابي، كتاب مدينة، هناك رواية سيدة قدمت 7 شهداء. آمل أن يجد الكتابة مكانة تليق به.

  • كتابكِ "عروسات الحرب" ليس فيه راوي واحد ويدور عن نساء وبنات متزوجات حديثا. كم يتشابه الكتابان؟

خرج كتاب "ملجئ اللاملجئ" بصورة بحث، ولكن الآخر مذكرات. اخترنا ثمانية عروسات، ولكن هناك ثلاث رؤى مختلفة للحرب، العروس التي استشهد زوجها، العروس التي فقدت زوجها ومازالت تنتظره والعروس التي أسر زوجها وعاد. لذلك الرؤية تختلف.

  • هل لديك عمل جديد؟

أكتب مذكراتي، لمكتب أدب وفن المقاومة. منذ ولادتي حتى نهاية مراهقتي، أي نهاية الحرب. نظرة طفولية. فتاة تعيش في حدود حربية. تبدأ الحرب وتبدأ المشاكل مع الفتاة. تدخل في المساعدة ويصل الامر بها الى حمل السلاح، الكتاب هو شخصيتي.

  • كيف تقيمين وضع المذكرات والتاريخ الشفهي للدفاع المقدس في كرمانشاه؟

ساعد السيد سرهنكي كثيرا، ولكن لم يتم العمل على كرمانشاه كما يجب. بدات الحرب من محافظتنا وانتهت بعمليات المرصاد في محافظتنا. هناك مجال لا حدود له للعمل في موضوعات التاريخ الشفوي والسير والمذكرات، ولكن مع فقد الميزانية والجهود لم تخرج اعمال مهمة. يحاول البعض الآن العمل ولكن الامر مثل قطار يحاول السير للتو. قد يتعلم جيل جديد ويبدأ العمل.

النصّ الفارسي



 
عدد الزوار: 4791



http://oral-history.ir/?page=post&id=6898