أن تصبج رجلا في الطفولة
إلهام صالح
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2016-05-11
حملت الحرب المفروضة على إيران، العديد من المفاجئات. طوال سنوات الحرب، تحمل الإيرانيون الكثير. أرسل الآباء أبناءهم الى الجبهة، و هم أيضا ذهبوا لها. تجد في الجبهة كل الفئات العمرية، من الطاعن في السن حتى المراهق. لم يكونوا قلة هم المراهقون الذي دخلوا مرحلة الشباب خلف السواتر. و بدل الراحة و هدوء المدن و القرى، كانت أرجلهم على الألغام و عيونهم معلقة على الأجساد المجروحة. حديثهم كان عن الحرب من رؤيتهم. و كانوا في وضع آخر حيث تركوا الدراسة و المدرسة. كتاب " البلوغ خلف الساتر" *هو فرد من هؤلاء.
قصة حقيقية
الكتاب منذ الجملة الأولى يخطف القارئ. يبدأ " البلوغ خلف الساتر" بموت الراوي في طفولته: " ألقى الطبيب باطمئنان، على الأب و الأم، اللذان لا يعرفان ما يفعلاه في تلك اللحظة، و قال: لقد مات، لا يمكن حقنه، و لا معالجته. هل تران إنه لا يتنفس." إتكأت أمي على الجدار و لم تعد رجلا أبي تتحملان حمله فجلس على الأرض. كان رأسي بين يدي أمي و أبي ينظر لي. أمي تدعو ... من الممكن لو في تلك اللحظة لو لم أكن طفلا و فهمت كل هذه الاحداث، لأخرجت أمي من قلقها، لمتُ مرة اخرى."
في هذا الفصل يسرد الراوي قصة حياته. و في هذا الفصل يتعرف الراوي على مفهوم المقاومة، يتعرف على الأسلحة التي يحضرها أخوه الى البيت، الكلاشنكوف و اليوزي و الج 3. و تدخل الحرب في الفصل الأول و أول معانيها الخوف: " خفتُ، خوف طفولي من الحرب. كنت أستطيع تمييز أن الحرب قتل."
الخوف يأتي مرة، و يرحل. قصة أخذ الترخيص، و يبدأ شوق الذهاب الى الجبهة، قلق الأب و الام. يرسل الراوي الى خط مهران، يحرس في الليل، ظروف المنطقة العصبة و الحر، هي من موضوعات الكتاب التي يتطرق لها: " كان حر مهران مؤذي الى حدّ أنك لا تستطيع النظر الى الامام. كانت السلاح يغلي. الماء في الترمس أكثر حرارة من الحديد. مجبرون على شرب هذا الماء. حين نستلم فترة الحراسة، من شدة التعب كانت قبعاتنا الحديدة في أيدينا و نجرّ البندقية و مخازنها على الأرض عائدين الى الخندق."
يقع الكتاب في 10 فصول، عن فضوليات المراهقة و أجواء الجبهة و القصف الكميائي و المعارك. يرويها مراهق.
النص الساحر
قراءة الواقع المرّ باسم الحرب، له سحره الخاص. حيث راوي الكتاب ذهب الى الجبهة في سن الرابعة عشر. ليس هذا فقط. المراهق المحارب ل " البلوغ خلف الساتر" يعكس فضولياته في الكتاب التي تناسب سنه. و تدخل في الكتاب اللهجة المحلية، و شرحت في الهامش.
و يطرح القارئ سؤال: ماذا عن أحواله بعد الحرب و بعد مرور 28 عاما على نهاية الحرب، لكن الكتاب يخلو من ذلك.
و من ضمن ما يفقده الكتاب الفهرست، لكن هناك مقدمة كتبها إيمان كفايي مهر راوي الكتاب. جاء في المقدمة: " الحرب، أقذر ظاهرة في العالم، و لكن داخلها مملؤ بالقبح و الجمال، السيئ و الجيد، الخير و الشر، كلها تجتمع سويا. يمكنك رؤية الإثنين في زمن واحد. الحرب أوصلتنا الى الرجولة قبل وقتنا!"
الصور الحاكية
تعرف الصور الحديث جيدا، و لا تترك مكانا للكلام. يكفي أن تتصفحها، ستتعجب بداية. بالتأكيد ستقول " كم هو صغير!" و كان كذلك. و إن كان الراوي في سن الرابعة عشر، و لكن قسم من دفاع السنوات الثمان حملها هؤلاء المراهقين. و الصور تقص ذلك. قصة فصل المراهقة و تستمر حتى الموت.
ذكرى، السائق غير موافق!
بأي صورة كانت، يأخذ موافقة الأب و الأم. في الدقيقة التسعين يؤخذ الى الجبهة، و لكن حين يصعد الباص، يغضبه تصرف السائق:
" ركبنا الباصات حتى نتجه الى المنطقة. أول ما لفت انتباهي نظرة السائق. حين تحركت الباصات وقف أحدهم حتى يفتح نافذة السقف و يقلل من حرارة الباص. زجره السائق: " يا ...! لا تفتحها! كل مصائبنا منكم!.." تفاجئنا. كان كلام ثقيل علينا كلنا. سيطر الصمت، صمت مخيف. كان مع شابين مسلحين. وقف أحدهم و ذخر سلاحه و وجهه الى السائق. قال: " قسما بفاطمة الزهراء، لو قلت كلمة أخرى، سوف أمزقك! هؤلاء يحاربون من أجلك أنت! عن شرفك يذهبون الى ..."
لا مجال للهدوء. لقد رمى علينا سمه. و لكن لماذا؟ نحن من تركنا والدينا، و تحملنا كل هذه المشاكل و كنا نذهب الى حتفنا، من أجل الناس، من أجل أمثال هذا السائق، من أجل... من أجل ماذا؟ و تعمق ألف سؤال حارق تحت جلدنا!"
*" البلوغ خلف الساتر" مذكرات إيمان كفايي مهر، حوار و تدوين: حسين شير دل، حسن شير دل، 278 صفحة، الطبعة الأولى 1394. مكتب الدراسات المقاومة المركز الفني مازندران و دار سورة مهر.
عدد الزوار: 4225
http://oral-history.ir/?page=post&id=6340