حوار مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية الأسبق في بغداد، مهدي بشارت

ما لم يقل عن محاصرة ال 40 شهرا في السفارة

القسم الأول

ترجمة: أحمد حيدري مجد

2016-01-10


 

صباح يوم عطلة! إستقبل فريق مجلة " تدبير آبنده" بلهجة يزدية واضحة!

مهدي بشارت الذي أخذه القدر من صفوف الثانوية الأدبية لإيرانشهر الى عالم الدبلوماسية، لديه قصص و أحداث تُقال، أحداث تعبر ستارة من ستائر التي لم تزح عن الثورة و الحرب المفروضة.

يتولى اليوم إدارة المعلومات السياسية – الإقتصادية المرتبطة بمؤسسة اطلاعات. وافق بصعوبة على أن نحاوره و كان يؤكد على ما يدون و يحذف! في النهاية ما ستقرؤونه هو حوار أربع ساعات معه:

  • السيد بشارت، حدثنا بداية عن نفسك؟

أنا، مهدي بشارت، ولدت في يزد في سبتامبر 1943 و كبرت في أجواء هي الى حد كبير بعيدة عن الحياة التقليدية الحاكمة في تلك الفترة. منذ الطفولة ارسلت الى روضة رشيد، عودوني على استماع القصص و متابعتها في المجلات  و كذلك الشعر و منذ الصف الأول الثانوي أرسلوني الى صف الموسيقى.

أنهيت الفترة الإبتدائية في مدرسة سعدي و المدرسة النموذجية للمعلمين و سنوات الثانوية الأولى كانت في ثانوية أمير كبير. ثم ذهبت الى ثانوية إيرانشهر و ركنيه و في يونيو 1963 حصلت على الدبلوم في الأدب. إختيار دراسة الأدب له حكاية. و إن كانت درجاتي في الشهادات عالية في دروس الرياضيات، و لكن تعلق قلبي بالشعر و الأدب أكثر مما تعلق بالحساب و الهندسة و الجبر.

كانت أجواء العائلة و طريقة التعامل و وصايا أبي سببا في أن أبتعد عن أهل الأعداد و الأرقام و الحساب. كان التقليد أن التلامذة الذي يصطلح عليهم ب " الأذكياء" أن يدخلوا فرع الرياضيات أو الفرع الطبيعي حتى يتخرجون في المستقبل مهندسين و أطباء و يقومون بعمل " مشرف"، و خلافا لتوجهي الداخلي سجلت في فرع الرياضيات.

و لكن مع بقاء يومين على بداية السنة الدراسية، جاء أحد أفضل أصدقائي، كاظم صالحي و كان يدرس في فرع الأدب و قال كلمة غيرت كل حياتي. قال لي يا رجل أنت تكره فروع الطب و الهندسة، لماذا لا تتبع ما تحب و تسجل اسمك في الفرع الأدبي؟ في اليوم الثاني اتجهت الى ثانوية أمير كبير حتى استلم ملفي و آخذه الى ثانوية إيرانشهر.

إمتنع رئيس الثانوية السيد برورش عن اعطائي الملف و اتصل بأبي هاتفيا سائلا إياها هل طرح الموضوع عليك؟ لم يطرح علي الموضوع  و لكن سلم له الملف حتى يختار الفرع الذي يحبه. ذهبت الى ثانوية إيرانشهر و لكني واجهت مشكلة كبيرة.

قالوا لي أن عدد الطلاب المسجلين في فرع الأدب قليلين و على هذا في السنة الدراسية الحالية لن يكون هذا الفرع ضمن المنهج. كان هناك آخرون مثلي. في النهاية لمعت في أذهاننا أن نطلب ممن سقط في الفصل السابق أن يسجلوا أسماءهم من أجل رضاية الله.

على أي حال و إذا لم أكن مخطأ، شكّل الصف ب 12 طالبا و في العام التالي، و مع تخصص الثانويات، انتقلت الى ثانوية ركنيه. كانت فترة رائعة، و كان أساتذة مهمين مثل السيد محمد نواب رضوي و شكوهي و مصحفي و سيد أحمد آية اللهي و سيد علي آية اللهي و مرشديان و مشروطة ...

إسمحوا لي هنا أن أذكر بعض من رافقني في الدراسة مرحلة الثانوية و كانوا من أفضل أصدقائي و لم يفارقوا هذه الحياة بعد و ليطل عمرهم: محمد علي كذشتي، أكبر بسران، مهدي آسايي، أصغر خضري يزدان، محمد علي صالحي، سعيد مير عمادي، محمد تقي علومي، جمال علومي، أكبر قلمسياه، صادقي حسيني، علي قلمسياه، سجادي، هاديان، وهاب زاده، حسين صبا، دادرس، حسين حجت، فرنام و ...

في يونيو 1963 حصلت على الشهادة و بعدها شاركت في امتحان دخول الجامعة في خمس فروع القانون و الأدب الفارسي و الفلسفة و اللغة الانجليزية و فرع الآثار و نجحت و اخترت فرع القانون مباشرة و ذهبت الى كلية القانون و العلوم السياسية في طهران، و رغم مرور خمسين عاما حذرت نفسي عدة مرات من الدخول في عالم الآثار.

في تلك الفترة الجامعة الوحيدة المتاحة هي جامعة طهران و التي تقبل طلاب القانون و العلوم السياسية و على هذا يدرس فيها أقوى الأساتذة في هذين المجالين، و هم كبار مثل الدكتور حسن إمامي و العلامة شهابي و العلامة سنكلجي و العلامة مشكاه و الدكتور علي أكبر شهابي و الدكتور محسن عزيزي و الدكتور حسن أفشار و الدكتور محمد علي هدايتي و الدكتور باهري و الدكتور مصباح زاده و الدكتور منوجهر كنجي و الدكتور علي أكبر بينا و الدكتور ديبا و الدكتور سرداري و الدكتور معتمد نجاد و ....

خرجت في يونيو 1967 من كلية القانون حاصل على بكلريوس في العلوم السياسية و لأني الذكر الوحيد في العائلة لم تشملني الخدمة العسكرية. مرت سنة على تأسيس مركز الدراسات العالية المتعلق بكلية القانون و أعلنت عن قبلوها ثمان طلاب في فروع القانون الدولي و العالقات الدولية و الاقتصاد الدولي و شاركت في الامتحان و نجحت فيه.

و تزامنا مع ما ذكرت أقيم امتحان وزارة الخارجية و هو امتحان توظيفي يقام كل سنتين مرة و بعد قطع المراحل المعينة نجحت فيه. أذكر جيدا أن عدد المشاركين في الامتحان كان ستمائة شخص و ثمان منهم فقط من نجح ليقطع الفرع السياسي في وزارة الخارجية.

دعونا عن الامتحانات النصية و الشفهية، كانت هناك حوارات مع خبراء علم النفس و تحاليل طبية. كانت الحساسية كبيرة جدا بالنسبة لمن هم حاصلين على شهادة في العلوم السياسية قد لا يتوقعها أحد الآن. كمثال، كان اسم أحد الناجحين في الامتحان عجيب و غريب و غير مستساغ و لذلك قال له رئيس التوظيف في الوزارة، بهذا الاسم القبيح كيف ستمثلنا غدا كسفير أو وزير؟ إما أن تغير اسمك و اسم العائلة أو مكانك ليس هنا. و أجبر على تغيير اسمه الى اسم لا يتطابق أبدا مع ملامحه. لا تنحصر هذه الحساسية فقط على الحاصلين على شهادات سياسية بل على زوجاتهم أيضا رعاية أصول و بروكوتالات الوزارة من ارتداء الثياب حتى طريقة المشي.

كانت بداية العمل في وزارة الخارجية في العام 1968 و في الدائرة السياسية الخامسة براتب قدره 720 تومان. و حسب القانون الداخلي لوزارة الخارجية، على المقبولين في مرحلة التوظيف أن يعملوا لعام واحد كموظفين تجربيين في عدة إدارات لكي يتم قبولهم نهائيا، و يصلون الى المواقع المحددة لهم سياسيا.

و عادة ما يرسل الموظفين التجربين الى إدارات لا أهمية لها مثل الأرشيف المتوقف و المكاتب الوزارية، و لكن كان مكان عملي ( و ذلك بسبب معدلي العالي في امتحان الدخول) هو الدائرة السياسية الخامسة و يتعلق بتركيا و إسرائيل و قبرص و افغانستان و باكستان و سريلانكا و الهند.

بعيدا عن كل ذلك، كان الحظ حليفي لأني كنت مع شخصيات دبلوماسية نشطة مثل الدكتور صادق صدرية المسؤل و الدكتور حسن اعتصامي المساعد. تعلمت منهما الكثير رحمهما الله. كان الدكتور صدرية انسانا واسع الثقافة، نزيه و شجاع على خلاف من يرأسه، كان يدعم بقوة الموظفين الشباب و لا يتوانا عن فعل أي شئ لهم. قضيت 18 شهرا في دائرة القسم السياسي الخامس و حصلت من هناك على منصب سياسي.

  • ما هو الفرق بين المنصب و المقام؟

حسب القانون الداخلي لوزارة الخارجية، المنصب و المقام لكل منهما معنى و هما في نفس الوقت مترابطان. بهذا المعنى المقام يدل على مكانة الموظف السياسي في سلسلة المراتب الإدارية و المنصب بمعنى العمل الذي ينشغل فيه و بين هذين الاثنين هناك ترابط.

كمثال، من يستطيع أن يرأس دائرة يجب أن يكون في السابق سفيرا و من لديه مقام أقل من السفير، فهو عمليا لا يسمح له بأن يرأس دائرة. و يجب أيضا أن تراعى هذه القاعدة خارج البلاد أي من الناحية القانونية لا يمكن لشخص أن يصبح سفيرا و هو ملحق من الدرجة الثالثة أو  مستشارا.

كل موظف سياسي عليه من البداية قطع سبع درجات للوصول الى مقام السفير و فاصلة كل درجة ثلاث سنوات، و عادة بعد الوصول الى آخر درجة أي المستشار الأول عليه البقاء في منصبه فترة طويلة منتظرا الرحمة من الوزير أو من يرأس الوزير. و لكن مع الأسف منذ فترة لم يعد يعمل بهذا القانون .

أتذكر حين كنت أعمل لأعوام في وزارة الخارجية، في مكتب الدراسات السياسية الدولية، تمّ اختياري لقراءة و دراسة رسائل ترفيع الموظفين السياسيين، كنت أصادف نماذج محيرة. كان هناك أشخاص بعد قضائهم عدة سنوات خارج البلاد كسفراء، للتو حصلوا على رسالة ترفيع من سكرتير ثالث الى ثاني أو أول . و دعونا عن شهاداتهم و فروعهم و كيف دخلوا الى وزارة الخارجية . أدعو لمن يحب التوسع في معرفة هذه الأحداث أن يقرأ كتاب " ثقافة رجال الدبلوماسية الإيرانية" الذي صدر قبل سنتين ليعرفوا ما اتحدث عنه.

نعود للموضوع الأصلي. بقيت حتى سبتامبر 1969 في الدائرة الخامسة السياسية و أمضيت فترة صعبة. كنت أبقى حتى الساعة الثانية ظهرا في الوزارة و من بعد العمل أذهب الى صفوف الماجستير ثم أعود الى الوزارة لاكمال العمل الذي راكمه الدكتور صدرية عليّ و أبقى ساعات هناك.

لاأخفي عليكم أن الدكتور صدرية بنفسه يبقى أحيانا للفجر. على أي حال كنت شابا و مندفعا و أنظر للمستقبل بثقة و استطيع المرور من المعاصب، و لكن يوما بعد يوم تضيق علي المساحة. كنت على الظاهر مسؤل مكتب الهند، و لكن عمليا و لقلة الموظفين، كان علي القيام بأعمال تتعلق بدولتين أخريتين. في هذه الأثناء، كان موضوع عودة فرس الهند و نقل ثرواتهم الى إيران و هو موضوع يتابع بقوة من الدولة و عينت كممثل للدائرة الخامسة السياسية في اللجان المتعلقة بالموضوع، الوقت كان قليلا، لأن كل الرسائل و الاتصالات تتمركز على الدائرة الخامسة و تكتب التقارير هناك.

و تحضير رسالة الماجستير يحتاج الى راحة بال و الوقت الكافي. من جانب آخر، ليس غروري فقط لا يسمح لي، بل قبل ذلك أنا مديون لرئيسي و لا يمكنني تركه وحيدا لانتقل الى دائرة أخرى. و اصبت بتساقط الشعر و حدد الأطباء السبب بأنه قلة النوم و الضغط النفسي.

على أيّ حال، إتخذت قرار القيام بعمل لا يعترض عليه أحد، و إن كان بنظر كثر أو من الممكن الجميع أنه عمل جنوني. ذهبت الى دائرة التجنيد و أعلنت عن تراجعي عن قبول التسريح من الخدمة العسكرية. شكوا بما قمت به. لذلك طلبوا مني رسالة من وزارة الخارجية و موافقة أبي و بعد الحصول عليها، أرسلوني في أول سبتامبر 1969 الى معسكر فرح آباد طهران.

أنهيت فترة التدريب في طهران ثم الدورة الاحترافية في الجيش أرسلوني الى المركز في شيراز و لأني حصلت على المركز الأول في الدورة استطعت استغلال حصة الكلية العسكرية في طهران و أن اصبح ضمن الكادر العلمي للجامعة، و أدرس القانون. كانت فترة جيدة و هادئة و لا أقوم بشئ غير التدريس لساعتين و القيام بما حوّل لي.

بعد سنتين ، في سبتامبر 1971 عدت الى وزارة الخارجية و اتجهت الى دائرة التوظيف. كان الدكتور قرائي مساعد الدائرة. رفع سماعة الهاتف و تحدث مع عدة رؤساء من الدوائر السياسية عني. ثم سألني عن عدد الدوائر التي عملت بها؟ لأنه أينما اتصل بدائرة لا يقبلوني. فقلت له عملت فقط في الدائرة الخامسة السياسية مع الدكتور صدرية و الدكتور فريدون ديبا المدير العام السياسي.

فقال أعتقد أنهم ظنوا أنك موظف آخر يحمل نفس الاسم و دخل معهم في عدة شجارات.

بعد ذلك اتصل بالدكتور صدرية. قال دكتور صدرية أريد السفر الى رومانيا و لكن ارسلوه الى دائرة جيدة، و بالطبع لم يقوموا بذلك و أصدروا أمرا لأذهب الى دائرة الاتصالات و الرموز و قلة من الموظفين من يقبل بالعمل هناك. ذهبت و أنا غاضب الى تلك الدائرة و لكن خلافا لتصوري، وجدت هناك جوا متحركا و زملاء محبوبيين. رأيت هناك صديقي المثقف و القيم إبراهيم مكلاّ للمرة الأولى. هو الوحيد الموظف في دائرة الرمز و يلعب دور مساعد الدائرة. كنا نقسم العمل بيننا، يبقى واحد منا من الساعة الثامنة صباحا حتى الثانية ظهرا و الآخر من الساعة الثانية ظهرا حتى الساعة الثامنة مساء.

كان عملنا قراءة و تصحيح التقارير الواصلة عن طريق التلغراف السري و غير السري و هي ترسل من ممثلينا ثم ارسال الأجوبة بسرعة من الرؤساء الى المراكز. لذلك كنا من الأشخاص الذي يعلمون بالقرارات المتخذة منذ بدايتها و هذه ميزة صعب الحصول عليها. 

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4829



http://oral-history.ir/?page=post&id=6086