بهبودي: لنوقف جولان الكتب الهزيلة حول الثورة بالنقد


2015-11-20


شغل هدايت الله بهبودي، مؤرخ تاريخ الثورة الإسلامية،  لعدة أعوام مكتب أدب الثورة الإسلامية في المركز الفني، و كتب الكثير من الكتب التي تؤرخ للثورة الإسلامية بيد أن كتاب " شرح الاسم" حصل على مكانة مميزة. و تدل أعماله المدونة على جهوده الحثيثة جهة تسجيل تاريخ الثورة الإسلامية. جاء هذا الحوار ضمن فعاليات سلسلة ندوات " الكتاب و الثورة الإسلامية".

 

  • السيد بهبودي بداية ما هو أثر اليوميات السياسية في تسجيل أحداث الثورة الإسلامية؟

اليوميات السياسية لها تاريخ في بلادنا، و لكنها تتعلق أكثر برجال الدولة أكثر من تعلقها بالشعب و هو أمر طبيعي الى حد ما. في الفترات السابقة لم تكن هناك إمكانية كتابة و تسجيل اليوميات من قبل الناس. قد يكون السبب متعلقا بالأمية و هل يمكن للناس التدوين دون حصولهم على التعليم و معرفة الكتابة أم لا؟ ( و أقصد هنا من التعليم المدرسة و الثقافة) و لكن مع التغيرات التي حدثت بعد الثورة الإسلامية لمست مطالبات شعبية في المجتمع و جهود لحفظ ذكرى قام بها الشعب عبر ثورة. يجب أن أشير الى هذه النقطة و فهم هذا المضوع مهم جدا، لماذا أراد الناس حفظ ذلك الحدث الذي خلق على أياديهم؟ أعتقد أنها المرة الأولى في التاريخ المعاصر حدثت ظاهرة الاستقلال و هي محببة لهم و يحاولون جاهدين المحافظة عليها. بصورة كانوا مستعدين لفدائها بالروح. قدمنا لانتصار الثورة الإسلامية منذ العام 1963 و حتى 1978 أكثر من خمسة آلاف شهيد و هو قليل أمام ثورة كبيرة مثل ثورة 78.

لو سألنا عن قتلى بقية الثورات مثل ثورة الجزائر هناك أكثر من مليون قتيل. لو نظرنا الى بعض الثورات في كل الدول حتى من لم ينتصر منها هناك قتلى كثر. خمسة آلاف شهيد للثورة الإسلامية و قد مضى 15 عاما أمر عجيب. و لكن نفس الشعب الذي حافظ على ثورته قدم 220 ألف شهيد في الحرب المفروضة. أؤكد أن الشعب لحفظ الثورة الإسلامية التي رؤوا استقلالهم على مرآتها ، صمموا إضافة الى التضحية بالمال و الروح أن يدخلوا في طرق فرعية أخرى لحفظ هذه الذكرى عبر الحديث عنها و تدوينها. و على الدليل الاول المنصرم بدأ من الوجوه الثورية و من شهد الاحداث بتدوين الذكريات ثم قصدوا الناس و أخذوا بجمع الحوارات و النصوص و هنا جاء إطار مساعد للتاريخ الشفهي . بالطبع المؤسسات البحثية و المراكز المختصة بالقراءات و البحوث التاريخية قامت بذلك و لعبت دورا مهما في توثيق و تسجيل الذكريات الثورية.

علي أي حال أنظر الى هذه النشاطات على أنها نهضة تبلورت بصورة أوضح و أكثر دقة في الحرب المفروضة و في الثورة كانت أقل ، نسبيا، مما كان عليه الحال في الحرب. و هذه النهضة دون ريب هي نهضة كتابة الذكرى واجهناها في العقود الثلاث الماضية و مازالت. كلما تقدمت هذه النهضة زاد عيارها، أي الكتب الصادرة التي نشاهدها في الأعوام الستة الأخيرة تختلف عما كانت عليه في الثمانييات. هذه النتاجات أيضا تسير نحو النمو و التكامل و العمق و الشمولية. هذا الإقبال من حسن الحظ الثورة هي التي دعتنا الى حفظه و تدوين ذكراه. كنا نتألم قبل ذلك من تساؤل لماذا الآخرون ( الاجانب) يكتبون عنا؟ هذه المرة استطعنا كتابة الحدث الذي جاء عبرنا، و هذه نقطة إيجابية جدا.

هذا الموضوع من الأهمية أنه في خارج البلاد ( أمريكا و بعض الدول الاوربية) بدؤوا بكتابة تاريخ الثورة الإسلامية و أيضا داعمي الملكية و الأحزاب، الى جانب تدوين ذكريات أشخاص واجهوا الثورة و أصدروا العديد من الكتب. و لكن من حسن الحظ رغم كل هذه الاعمال لدينا ميزة في تدوين الذكريات لأن صناع الثورة حجمهم لا يقاس بالنسبة الى المعارضين. إضافة الى ذلك يمكننا التوصل الى وثائق و مصادر للحركات المتعلقة بالثورة و تضاف الى الذكريات. لو كنا في السابق ينحصر دورنا في مستهلكين، الآن و بالإتكاء على المصادر المنتجة، بتنا مستهلكي للنتاجات الداخلية و هي نقطة إيجابية جدا و يجب الإعتناء بها. على أي حال الذكريات الى جانب الوثائق أحد المصادر الأساسية للكتابة و الحديث عن الثورة الإسلامية.

  • أشرت في حديثك أن توثيق الذكريات و تاريخ الثورة الشفهي يتقدم يوما بعد يوم و قطع شوطا جيدا، لو أردنا تقييم النتاجات التي صدرت منذ الثمانينات و حتى اللحظة الراهنة التي صدرت من الناحية الكيفية كيف ترى قوة حضور الرؤية المنحازة و الإيدلوجية في الكتب التي صدرت في العقد الذي جاء بعد الثورة و في التسعينات؟

 

أمامنا دورتان في مرحلية تدوين ذكريات الحرب و الثورة. بحجم قربنا من الحدث تزداد الحماسة و الشعاراتية فينا و في نتاجاتنا و كلما فصلنا الزمن عنها التصقت نتاجاتنا و أعمالنا بالعقلانية. وجود هاتين الدورتين أمر طبيعي. إذا رأيت أشخاصا من الدورة الأولى يطلقون عليها الإيدلوجية محاولين عبر هذه التعابير تقليص العمل، لا أقبل ذلك بل أراها دورة طبيعية. تلك الأعمال تحولت الآن الى مصدر و باتت مرجعا و وثيقة و تاريخ، مع اختلاف سردي حيث اللغة التي كتبت فيها قد لا تكون مناسبة لزمننا الراهن. لا أرى في ذلك مشكلة و تلك القصة هي قسم من تاريخ أدبنا له مكانه.

و الذكريات التي كتبت عن الثورة في تلك الدورة لها مثل هذه المميزات. نعم، قد تكون نظرتنا اليوم، حين نعيد قراءتها، نشعر أن هذه النتاجات لها عيوبها و نواقصها و قبل محاولة تبيين الواقع تتقدم احاسيس الكاتب و لكن لا أرى هذا الأمر من العيوب بل جزء من طبيعة تلك الفترة. رغم ذلك هذه الاعمال تشكل جزء من وثائق الثورة الإسلامية و مع تنظيمها يمكننا الرجوع إليها.

مثلا كتاب " ذكرى النهضة الإسلامية حتى 22 بهمن 57 وجه الثورة في إصفهان" الواقع في ثلاث مجلدات، و الذي صدر في بداية الثورة ، حين تتصفح الكتاب ترى مصطلح الايدلوجية من بداية الكتاب حتى نهايته و لكن في الكتاب تدوين لأحداث لا يمكن الحصول عليها في مصادر أخرى. لا نستخدم النصوص الشعاراتية من هذه النوع من الكتب و لكن الأحداث التي جاءت فيه يمكننا الاستناد عليها و تكمل الطريقة التكاملية لأحداث الثورة. في الوقت الحالي تزداد حالة العقلانية في النتاجات و تقل نسبة الشعارات. و يمكن الآن الإشارة الى هذه النقطة في الستعينات يمكن القول أنه لا يوجد كتاب دون بنفس روحية بداية لحظة الثورة.

  • عبر حوار مع أشخاص ناقدين للاعمال التي أنتجت في مجال تاريخ الثورة يطرح هذا النقد، أن الاعمال المنتجة في مجال تاريخ الثورة لا تتمتع بمنهجية تاريخية. كيف تقيم هذا النقد؟

بالطبع هذا النقد موجه. في فترة لم نكن نعتني بالمنهجية في تدوين التاريخ. و لا يمكننا القول أن لدينا كل آليات كتابة التاريخ و على معرفة كاملة بطرقه. أؤكد أننا كنا في فترة انتاج المصادر و ليس فترة كتابة التاريخ. لو قلنا يدنا ملئية، فهي ملئية بالمصادر. هذه المصادر عبارة عن جسور و منصات قوية للكتابة و الارتفاع من سياج التاريخ، قد تكون التسعينات و ما بعدها هي فترة كتابة تاريخ الثورة الإسلامية. الأمر الذي حدث و الامر الذي أعتقد أنه مهم  هو تنوع المصادر الداخلية. من حسن الحظ أننا استطعنا في هذا المجال أن ننتج مصادر لكتابة تاريخ الثورة بصورة كافية. و الآن حان وقت حضور كتاب محترفين و باحثين متبحرين يمكنهم تفسير و تحليل هذه المصادر و اخراج نصوص دقيقة من مصادر متعددة. و إن لم تخلو ايدينا في الوقت الحالي من كتب جيدة في مجال التاريخ العام للثورة ففيها محتوى يستحق التأمل. اليوم نعيش فترة تعدد المصادر و آمل في العقد القادم أن ندخل في دورة تدوين التاريخ.

  • الكتب الصادرة خارج البلاد الى جانب المصادر الصادرة في داخل البلاد الى أي حد يمكنها التأثير في كتابة تاريخ الثورة الإسلامية و لتحليل واقعي لتاريخ الثورة؟  كم هو حجم دخول الآراء المغرضة في محتوى تلك الكتب؟

لا يمكننا غض النظر عن هذه الكتب. لا يمكنهم هم ترك المصادر التي انتجناها و لا يمكننا نحن عدم الاعتناء بكتبهم. على أي حال هناك كلام قيل و لا يقال في كلاهما. يجب الاطلاع على هذه الكتب و من تلفيقها يتاح الاطلاع على الحقيقة و يخرج المؤرخ بما يريده منها. لا يمكننا القول و لأننا لا نودهم إذن يجب عدم رؤية مصادرهم. و هم أيضا لا يمكنهم قول ذلك. لا دخل للعصبية في الأمر. علينا مراجعة أي مصدر عن موضوعنا. من جانب آخر في الفكر الذي دون المصادر خارج البلاد، لسنا وحدنا من ينظر إليها كنصوص مغرضة بل هم أيضا يتهمونا بذلك. رغم ذلك من يريد دخول باحة التاريخ يستخرج مادة فارغة من تلك الاغراض و يضع مواد من كلا النصين الى جانب بعض باحثا عن الحقيقة.

  • برأيك و لإكمال التاريخ الشفهي للثورة هل يمكن مراجعة بعض بيادق النظام البهلوي السابق ؟

لو أتيحت الأرضية فهو أمر جيد. و هو العمل الذي قام به مؤخرا حسين دهباشي و أقدمت المكتبة الوطنية على نشره و هو عمل قيم. سافر دهباشي بصعوبة الى أمريكا و حاور بعض معارف و بيادق النظام البهلوي و أصدرها كحصيلة هذه الحوارات و بالتأكيد أن هذه النتاجات سوف تكمل كتابة التاريخ.

  • حاورت بعض المؤسسات المعتنية بالتاريخ المعاصر أشخاصا من بينهم من كان في النظام السابق و لكن هذه الحوارات و مثل حوارات الثوريين لم نره بصورة كاملة. برأيك لماذا هناك بعض القيود لتبيين الحوادث المنصرمة و لماذا لا تدرج كل مواد التاريخية المعاصرة للطرف الآخر؟

 

المهم هو أن هذه الذكريات دونت و سجلت. قد تكون الظروف الحالية لا تسمح بنشرها كاملة. و لكن على أي حال مضي الوقت سيتيح أرضية لاستخدام كل المواد. كل الخطابات المتوافقة مع القراءة الرسيمة و المخالفة لها ليس من الملزم أنها خائطة أو صحيحة. مع وجود إمكانية أن الضرورة الإجتماعية تقتضي عدم نشر بعض الاحاديث و نشر الآخر منها. في الدول التي اعتمدت طريق التدوين تواجه أيضا مثل هذا الامر. مثلا هناك مادة في بريطانيا أو أمريكا للوثيقة، و هي بعد مرور ثلاثين عام تصدر الوثيقة و لكن رغم صدور الوثائق نرى أيضا أن هناك ما أخفي و رغم ذلك قد صدرت. من ناحيتي حين راجعت أرشيفا أجنبيا لموضوع بحثي رأيت صفحات غطيت بصورة كاملة باللون الأسود و هو أمر رأيته الدولة صاحبة الوثيقة أن بعض الوثائق في هذه الفترة لم يحن نشره! إذن تحديد بعض الوثائق و الحوارات التاريخية أمر لا يختص ببلادنا فقط. هذه القيود موجودة في أكثر الدول بناء على مصالحها.

  • كيف ترى عملية نقد الذكريات السياسية في رفع الكيفية لهذا النوع من الكتب؟

إنها مساعدة كثيرا. و إن كان هذا الكلام مكررا النقد لو كان مشفق و الطرف الآخر يقبله بالتأكيد سيساهم في حالة الإنماء. من حسن الحظ استطعنا في قسم التاريخ الشفوي أن نتقدم في الرؤية، أي كما خطونا بالعمل في المركز الفني في مجال التنظير استطعنا أيضا أن نحصل على مستوى و درجة علمية في حقل التاريخ الشفوي. هذه قضية مهمة جدا و هي مقدمة لتأسيس فرع جامعي في مجال التاريخ الشفوي في الجامعات و هناك من يستطيع تشكيل علم قائم بذاته.

  • لتوثيق الذكريات السياسية الثورية الإسلامية ما هو تأثير وصول المؤرخ الى الوثائق؟

 

للشخص الذي يريد التقدم في حقل التاريخ، المواد الاولية هي الوثائق. لهذه الوثائق أشكال متعددة قد تكون ورقة كتبها أحد الساواكيين أو عقب عليها رجل سياسي، و حفظت في أرشيف الساواك و تعتبر وثيقة. و أيضا لديه ما يقوله عن حدث أو فرد و دوّن حديثه، يعتبر هذا أيضا وثيقة. تقرير صحفي عن حدث هذا أيضا وثيقة. الاحداث التي حدثت في مكان واحد و شهدها أصحاب المحلات و العابرون، أقوالهم تعتبر وثيقة، لأنهم عاشوا الحدث. مثل رصاصة تركت أثرا على الجدار، كل هذه الأمور وثائق لا يمكن للمؤرخ غض الطرف عنها، و عليه قراءتها بدقة. و على ذلك نحن أمام تراكم مواد نطلق عليها وثائق. و لكن اصطلاحا ما نطلق عليه وثيقة هي الورقة المكتوبة.

  • كتبت كتابا عن قائد الثورة تحت عنوان " شرح الاسم" و هو غير بعيد عن موضوعنا الى أي مدى استطعت الوصول الى الوثائق حين كتابته؟

حين كتابة كتاب " شرح الاسم" كنت أمام وثائق كثيرة و حاولت توثيق الأهم منها. كان نموذجان من الوثائق المدونة و الشفوية. ( وثائق كتبت من قبل منظمات مرتبطة بحكومة ملكية و أحاديث موثقة قالها بطل الكتاب بصورة شفوية ) أول الوثائق المدونة كانت من الجيش الملكي و أيضا الاستخبارات و الأمن. من المهم الانتباه أن هذه الوثائق كتبها الطرف الآخر و بالطبع تحتوي على شئ و كانت من رؤيتهم تهمة وليست فضيلة. المصادر الاخرى هي أحاديث و ذكريات السيد الخامنئي. عبر قراءة دقيقة و لعدة مرات انتبهت أن هذه الأحاديث عادة ما يبالغ الراوي فيها و هو أمر طبيعي، كان بعيدا عنها. على أي حال كان متاحا لي الوصول الى كلا النوعين من الوثائق، بالطبع كان هناك من كتب عنه. و لكي أصل الى نوعية ثالثة من الوثائق حاولت و لكني لم أستطع. و على ذلك جاء الكتاب في فضاء خبري و رغم أني ذهبت الى عدة شخصيات للوصول الى النوعية الثالثة من الوثائق، كان خبر كتابة الكتاب قد انتشر و كان هناك الكثيرمن الاحتمالات لعدم اكماله. و على ذلك تمكنت من الحديث مع بعض الاشخاص ، و لأن الكتاب يدور عن الشخصية الأولى في البلاد، لم يكن من الممكن أن يأتي أي شخص للحديث عما يعرفه أو رآه. الجانب الأضعف في الكتاب هو عدم التمكن من لقاء كل الاشخاص الذين حملوا ما يقال عن السيد الخامنئي و يمكنهم الحديث عنه. و لكن في القسمين في بداية الكتاب الذي أشرت له كان لدي الكثير و قد تكمن قوة الكتاب في وفرة الوثائق عن النظام السابق حول القائد. و لوجود هذين المصدرين ( الذكريات و الوثائق) استطاع الكتاب أن يظهر حقيقة بطل النص الى درجة كبيرة.

  • هناك راويان في الكتاب و تلاعب بالافعال، ما هي علة استخدام هذا الاسلوب في كتابة الذكريات السياسية؟

على أي حال التلاعب بالزمان و الافعال لنتمكن من اظهار الأزمنة و أين وقع الحدث . أجبرت ليس على استخدام فعل الماضي بل عدة أفعال. لو دققت في الكتاب أستخدمت أفعال الماضي البعيد و العادي و النقلي و ذلك فقط لأجعل الزمن للقارئ ملموسا. لذلك جاءت الرواية عن الحدث بأفعال و أزمنة متنوعة.

  • قبل كتابة الكتاب الوجه الثقافي للقائد خاصة دوره في ترجمة و تعريف أعمال السيد قطب لم يكن معروفا،  إن كان للكتاب دور لا بد من الاعتراف به و لكن ما هي الأسباب في بقاء الوجه الثقافي غير معروف؟

ما هو مهم حول القائد أنه الى جانب اختياره أي مقاومة النظام البهلوي و المرور بمراحل صعبة تشكل السجن و التعذيب و الهروب و البعاد عن الاهل و لكن اعتنى الكتاب بالجانب الثقافي. لم تكن حياة القائد عادية. مثل هذه الشخصية لا تمر بالحياة بصورة عادية حيث كان بعيدا عن عائلته و المجتمع بيد أنه دائم التفكير بالقبض عليه، و في نفس الوقت هاجسه القضايا الثقافية التي يوليها عناية خاصة. حين يقرأ المتلقي الكتاب يتعجب من مواجهة شخصية تهددها أخطار كثيرة و لكنه يعنى بالنشاطات الثقافية. أهمية هذا الوجه هو شخصيته حين يعين وقتا في أي فرصة متاحة للاهتمام بالقضايا الثقافية. بالطبع عليّ الإشارة الى نقطة الوجه الغالب لتابعي حركة الإمام الخميني هكذا كانت. و لكنها تتجلى فيه أكثر. مازال تفسيره القرآني و تفسير نهج البلاغة لهما أهميتهما. قام سماحته في تلك الفترة بترجمة أعمال مهمة مثل كتاب " صلح الإمام الحسن (ع)" أو ترجمة أعمال السيد قطب. هذا النوع من الفعاليات تتضح جانبها أمام القارئ حتى حين كان في قرى مدينة مشهد، في رحلة الإختباء، هروبا من الأمن و لكي لا يصلوا له قضى وقته في الترجمة. تتضح هذا النوع من المواجهة في أعين القراء.

  • حين انشغلت بترتيب الوثائق هل حصلت على وثائق مخالفة لما كتب. الآن حين نعود الى بعض ذكريات الثوريين نرى بعض الأشخاص لهم تعابير و تفاسير مغايرة. هل واجهت مثل هذا الأمر؟

نعم، كل من يدخل التاريخ المعاصر يواجه هذا الامر هناك عدة رؤى لحدث واحد و كل شخص يبدي رأيه قد تتبدل الى وثيقة أو ذكرى. و هنا تأتي مهارة الباحث عبر استخدام فن يطلق عليه فن معرفة الوثيقة لمعرفة أي الروايات مقرون بالحقيقة. هذه المهارة التي يمكنها تحويل الكتاب الى نص جيد أو سيئ. جهود الباحثين هي التي تقرب الحقيقة الى الحدث، و هو يواجه في سبيل التقرب من الحقيقة عدة تعابير و تفاسير. و في أحيان ليس أمامه حل و لا يمكنه الوصول الى الحقيقة . هنا عليه نقل الرأيين أو وضعهما مقابل بعض و لكن تحديد الوثائق أمر في غاية الأهمية للمؤرخ عليه التسلح به.

  • في كتابك " سفر الى القبلة" الصادر في العام 1991، كتب قائد الثورة في الهامش: " كتاب موجز، كتب بحلاوة و ذكاء " برأيك كيف رأى القائد نثر نص كتاب " شرح الاسم" ؟

بداية و إجابة على السؤال يجب أن أشير الى موضوع كلي و هو لو ظهر اعتناء بالكتاب ( شرح الاسم) فهو أمر قام به آخرون و جهد الكاتب فيه. لو حضرت هذا الكتاب بنفس الاسلوب و السياق و الجهود، لما تمّ الاهتمام به كما هو الحال مع هذا الكتاب. وهذا أمر طبيعي. و على ذلك النصيب الاول أو بمعنى النصيب الأول و الأخير لهذا الكتاب متعلق بشخصية الكتاب، أي الإهتمام الذي يظهورنه الناس للقائد هو سبب الاهتمام بالكتاب. لا أن الكاتب دوّن التاريخ بنكهة أدبية. و كذلك الحال مع كتاب " السفر الى القبلة" هو شرح حال المفارق لبيت الله و يشتاق له و لا يمكنه الوصول له و لا يمكنهم التمتع بحج تتمناه أفئدتهم!قد تكون هذه الحسرة في قلب حضرته حين تورق الكتاب مما أدت الى مدح الكتاب و بالطبع أسلوب الكتاب يدعو الى هذه الحالة. و لكني أعتقد الحسرة التي في قلبه و عدم التمكن من الذهاب الى الحج هي التي أدت الى ردة الفعل هذه.

  • هل أقترح عليك كتابة " شرح الاسم" أم أنت قدمت هذا الاقتراح الى مؤسسة الدراسات و البحوث السياسية؟

 

قدمت هذا الاقتراح لهم. لم أتمكن من تفويت هذه الفرصة. لأن عليّ إما لعب دور المثقف و أرفض، فلا دخل لي مع الحكومة! و أحافظ على المسافة اتخذ طريقة الستينات أو أقبل. بالطبع لم يكن القبول بسبب حصيلة احتمالية من الكتاب، الحصيلة للكاتب عبارة عن اسم و شهرة و حق التأليف تمنح له بعد صدور الكتاب. هو اسمي الذي لم يتغير قبل صدور الكتاب و بعده. و وضعي الاقتصادي لم يكن بصورة يتغير مع صدور الكتاب. قبلت كتابة الكتاب بسبب الحاجة المعنوية التي أكنها للسيد الخامنئي. أردت رد المعروف له عن طريق كتابة الكتاب و أرجو أنني حققت قسما من ذلك.

  • لا نلاحظ صيغ التكلف في كتاب " شرح الاسم"، هل قصدت ادخال سهولة التعبير للارتباط المباشر مع القارئ؟

يعود هذا الأمر الى الإجابة السابقة من سؤالك حين قلت البحوث الستينية إيدلوجية ثم ابتعدنا عن هذه الرؤيا. نحن نعيش الآن فترة أخرى. يختلف متلقونا عن السابق. علينا اختيار لغة و اسلوبا يمكننا من الارتباط مع أكثر أفراد المجتمع و ليس فئة محددة. بالطبع لا أكتب بأسلوب متكلف. من الممكن لو قام شخص آخر بكتابة الكتاب لدونه باسلوب أكثر تكلفا أو أكثر رسمية و لكني لا أستسيغ هذا النوع من الكتابة و لا هو اسلوب ضروري لهذه الفترة.

  • نظرا الى مكانتك في المركز الفني، كيف تتم السيطرة في المؤسسة من ناحية تدوين التاريخ من التكرار؟ في الوقت الحالي و من بين تراكم بحثي عن تاريخ الثورة نرى أعمالا لم تراجع بدقة، و هناك تحليلات مبهمة و سطحية  عن بعض الأحداث؟ ما هي وجهة نظرك عنها؟

 

يمكن النظر الى سؤالك من زاويتين. حين بدأنا العمل و أردنا جمع تاريخنا و كتابته كنا في النقطة صفر. تخيل في الثمانيات، من كان لدينا من المؤرخين المحترفين ليكتب تاريخ الثورة؟ على ذلك منحت الثورة عدة طاقات شابة ليخوضوا تجربة التعلم و الخطأ. لو لم تكن هذه الكتب، التي وصفتها بالنقص و هي كتبت في مرحلة التعلم و الخطأ و هو أمر طبيعي، لما تخطينا تلك المرحلة لنصل ما نحن فيه ، من هذه الناحية الحق معك لماذا تنتج مثل هذه الكتب و لو وقف أمام صدورها لكان أفضل.

و لكن من الناحية الموازية التي اشرت لها لا يمكن القول إن كل المؤسسات تعمل في مجال التاريخ البحثي و يضعون كل برامجهم ليقولوا نحن نقوم الآن بأعمال عن هؤلاء الأشخاص و الحركات و لا تقوموا أنتم بهذه الأعمال لأننا قمنا بها أو نقوم بها. أعتقد أن بعض هذه الأعمال الموازية  لا ضرر منها. رغم وجود أن الكتابة عن شخص أو تيار لا يجب أن تقوم به مؤسسة واحدة. كمثال أشير الى هذه القضية كم من الكتب دونت عن الثورة الدستورية؟ هناك تعدد أفكار و رؤى كتبت عن هذا الموضوع. هذا التنوع و حجم الكتب الصادرة عن موضوع واحد لا ضرر منه. لو أنجزت أعمال في مجال الثورة الإسلامية بصورة موازية لا مشكل فيه بل هو جيد و لكن من جانب ضعف الكتب فالحق معك. في الوقت الحالي إذا انجز كتاب مع المشاكل التي ذكرتها يجب السماح لناقد أن يبدي رأيه. علينا السعي أن نأخذ هذه النوعية من الكتب الى الإحتراف و من ناحية ظاهرة تعدد المؤسسات في اصدار كتاب عن موضوع واحد فلا ضرر من ذلك.

  • حين تتكرر الظاهرة من جانب المؤسسات البحثية التاريخية يحرق الوقت و يمضي و تبقى بعض الشخصات في طابور الانتظار لتدوين ذكرياتهم و في الشروع الأول تمت حوارات مع شخصيات رفيعة المستوى بينما هناك شخصيات مثل علي أكبر برورش توفي و لم تدون ذكرياته، ما العمل ؟

صحيح. على فكرة حين أصدر الإمام (ره) أمرا سلم عمل مركز وثائق الثورة الإسلامية الى السيد حميد روحاني، لو تذكر قال له اتجه الى الشعب و تاريخ الثورة لتأخذه عن ألسنتهم. مازالت أفكار هذا الرجل الكبير سارية. حتى أنه رأى فيما يتعلق بتاريخ الثورة لزوم الذهاب للشعب. في هذا الموضوع أيضا الحق معك. في البداية و لكتابة التاريخ اتجهنا الى الجهات العليا و أخذنا ذكرياتهم و قلما اتجهنا الى الآخرين و الشعب. و القضية حول الحرب بالعكس. تمّ الإهتمام في تدوين التاريخ الحربي بالمقاتلين و من ساهم في الحرب و من أسر. هم من قالوا ذكرياتهم أكثر من القادة و العسكريين. للحرب كان ذلك الاقبال أن يقول المقاتلون ما في صدروهم و لم يحدث ذلك فيما يتعلق بالثورة.

  • عبر حوارات مع المؤرخين أحد المشاكل التي طرحت هي صعوبة الوصول الى الوثائق في المراكز التوثيقية للتاريخ المعاصر. برأيك لو جمعت كل هذه الوثائق في أرشيف وطني ألا تنتهي هذه المشكلة و تتاح كل الوثائق للمؤرخين؟

 

كما أن الحق دائما مع المُراجع هنا أيضا الحق مع الباحث. حين يقولون أن الوصول الى وثائق التاريخ المعاصر مشكلة تأكد أن الحق معهم. لهذه المشكلة عدة أدلة، الأولى أن المؤسسة لم ترفع الحضر عن كل وثائقها أو مثلا الشرطة و الجاندرمة سابقا لم تتح وثائقها. كل المؤسسات على اتصال حول موضوع اتاحة الوثائق مع كل من إدارة الاستخبارت و وزارة الخارجية و وثائق رياسة الجمهورية و السلطة القضائية. و الدليل الثاني هو أن الوثائق التي اتيحت لها تنظيم لا يمكن استخدامه. إفترض أن وزارة الخارجية اتاحت كل وثائق العصر القاجاري فعلى الباحث الذي يريد التحقيق عن العام 1275 قمري أن يواجه غرفة من الوثائق و لا يعرف من أين يبدأ! هذه النواقص بالطبع يجب أن ترفع و لكن الأولوية الآن هي الحفاظ على الوثائق ليس في مركز واحد بل تقديمها الى المؤرخ. و أما هل من المهم أن يقدمها مركز واحد أو عدة مراكز فما الفرق؟ علينا التفكير في سهولة حصول المؤرخ على الوثيقة بسهولة. و إن أشار قانوننا بصراحة الى تمركز الوثائق و هي وظيفة بعض المؤسسات و بعض المؤسسات ترفض ذلك، نفس مركز الوثائق الوطني لا يمكنه تقديم هذه الخدمة. هناك أتلال من الوثائق في الأرشيف الوطني ليس من السهل على المؤرخ الحصول عليها مرتبة.

  • لماذا هناك نظرة غير إيجابية في بعض الدول بالنسبة الى النتاجات التي صدرت؟

برأيي أن نظرة المعارض لا إشكال فيها. علينا الابتعاد عن أنه يجب على الجميع أن يرى النتاج كناتج مرحب به، لكل عمل هناك معارض. حتى نزول الوحي كان له معارضا فما بالك بالأعمال الأرضية. و لكن بالنسبة لمن يريد استخدامها فما الفرق إن كان هناك معارض أم لم يكن.

  • حدثنا عن الأعمال التي تعمل عليها الآن؟

آخر ما قمت به و تحملت الكثير من أجله هو الجزء الخامس من " يوميات التاريخ المعاصر الإيراني" الذي سوف يعرض في معرض طهران للكتاب. الكتاب الآخر الذي أنجزته قبل فترة و صدر هو " رحلة الى الجزيرة المحترقة" تشمل يومياتي في رحلتي الى اليابان. و في الوقت الحالي أعمل على سيرة حياة الإمام الخميني (ره) و أعتقد أنها الأصعب و هل يمكنني انجازها كما اريد أم لا؟. على العمر و القوة و المصادر الموجودة أن تجيب على هذا السؤال. سوف أسعى لانجازه.

  • في النهاية بماذا توصي لرفع مستوى التدوين التاريخي للثورة؟

لا أستطيع أن أوصي في هذا الامر لأني لست مسؤلا فيه، و لكن للإمام الخميني (ره) مقولة تشمل حالنا. قال سماحته: " فليقم كل شخص في أي مكان بدوره." و لو عملنا بدورنا في حقل التاريخ، من الطبيعي أنه سوف يسهم في تقدمه.

 

المصدر الفارسي



 
عدد الزوار: 4628



http://oral-history.ir/?page=post&id=5939