علينا ألاّ نمحي الواقع التاريخي
السيد مرتضي نبوي يروي ذكريات القصرأبوذر مولوي
ترجمة: أحمد حيدري مجد
2015-10-18
يعتبر مرتضى نبوي من السجناء السياسيين قبل الثورة الإسلامية ، و قضى فترة من عقوبته في سجن القصر. نقرأ في هذا الحوار ذكرياته عن هذا السجن، يعمل نبوي حاليا رئيس تحرير صحيفة رسالة و عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام و عضو في الشورى المركزية للمهندسين.
- بأي تهمة قبض عليك و متى دخلت السجن لأول مرة ؟
قبض عليّ في نهاية شهر اكتوبر 1973 بتهمة مساعدة منظمة مجاهدين خلق ماديا، و بعد ستة أشهر قضيتها في اللجنة المشتركة لمحاربة التخريب نقلت الى سجن القصر .
- كم كانت فترة عقوبتك ؟
في المرحلة الأولى ثلاث أعوام و في المرحلة الثانية بعد إعادة النظر في القضية باتت عامين، و لكن و بعد نهاية فترة عقوبتي نقلوني من سجن القصر الى سجن اوين و اصطلح عليها بفترة ( الجذب الوطني ) .
- أي أنك بقيت في السجن دون أي محاكمة أو تهمة جديدة ؟
نعم، كانوا يخافون رجوعي بعد خروجي من السجن الى نشاطاتي الثورية، تركوني عندهم و كما قلت كل ما قاموا به تغيير سجني.
- تهمة الدعم المالي لمنظمة مجاهدين بات عنوانا لسجن الكثير من السجناء السياسيين مثل السيد سنجابي في سجن القصر، هل كان هذا الدعم منظما و مخططا؟
لا ، مثلا كنت متأثرا بأخي الشهيد الدكتور لبافي نجاد من حيث جمع المساعدات المالية لهذا التنظيم. كنا في جلسة و ذكر الحياة السرية لأعضاء هذه المنظمة و وضعها الإقتصادي المتدهور و قمت بدوري حيث جمعت مبالغ مالية من الأصدقاء الذين يعملون أو بعض الأقارب و سلمتها الى صديق قريب مني مرتبط بهم و هو السيد علي يار محمدي. فيما بعد حين أعتقلوا عرفت أن السيد يار محمدي يوصل المعونات لمحمد صحراكار و بدوره يوصلها لمحمد مهر آيين و كان يعرف في تلك الفترة بداوود آبادي و هو مسؤل إتحاد المؤثرين و أستاذ الجودو و الكاراتيه في منظمة المجاهدين. حسنا في تلك الفترة كانت عوائل هؤلاء الشباب في ضائقة و حياتهم السرية سببت الكثير من المشاكل منها، الحصول على منزل و الإيجار و حياتهم اليومية، من الطبيعي أننا و بعض الأصدقاء نتعاطف مع هذا الفريق، فريق يصارع النظام عسكريا و يعترض في بياناته الصادرة بفكرة إسلامية و دينية على الحكومة .
- نعبر الأشهر الستة في اللجنة المشتركة لنصل الى سجن القصر، من كان معك في زنزانة سجن القصر ؟
من أذكرهم السيد عبدالمجيد معادي خاه و السيد بورنجاني و الشهيد تندكويان و عالم دين كبير استشهد فيما بعد في حادثة السابع من شهر (تير) و هو السيد حسيني، و كان نائبا في الدورة الأولى لمدينة زابل، و كان هناك بعض شباب منظمة المجاهدين مثل أبو ذر و رداسبي.
- ماذا كانت برامجك في السجن و مع من كنت تتصل و تتحدث ؟
حين سجنت أحسست أنها فرصة جيدة للقراءة، قضيت قسما من وقتي مع من حُكم معي لأن يار محمدي و صحراكار و مهرآيين أرسلوا أيضا الى سجن القصر، و لكن و لأني كنت أقرب الى يار محمدي قضيت الوقت معه و بدأنا في قراءة تفسير القرآن.
- أي تفسير قرأتما ؟
تفسير المرحوم فيض كاشاني الذي كان متاحا لنا و هو تحت عنوان تفسير ( الصافي) و نص الكتاب باللغة العربية، و إن كنت أعرف هذه اللغة و لكن البداية كانت صعبة، و قرأت غير التفسير كتابين من الشهيد مرتضى مطهري حول مواجهة الماركسية و كانت مساعدة كثيرة .
- ألم يكن الشهيد مطهري في تلك الفترة شخصية معارضة للحكومة؟
صحيح .
- إذن كيف دخلت كتبه الى السجن؟
كان الشهيد مطهري من تلامذة آية الله بروجردي و عبر توصيته دخل الجامعة و تعرف على أدبيات الجامعة و عبر اطلاعه على آخر ما توصل له العلم و النظريات استطاع الرد على الشبهات التي تتعلق بالإسلام و القرآن. إضافة لذلك صفوفه باتت معروفة في كلية الإلهايات، و تطرح نقاشاته في بعض الأندية مثل المركز الإسلامي لمهندسي حركة الحرية و الدينيين مثلنا، و لكني أذكر هناك كتابان منه قرأتهما في السجن و هما ( العدل الإلهي) و ( علل الإتجاهات المادية) ، أعجباني كثيرا لأن فيهما أجوبة قوية على بعض أسئلة و شبهات الماركسيين و المجاهدين، بصورة عامة كتب السيد مطهري لم يرغب بها كل منهما.
- هل كانت لديك حوارات معهم ؟.
لا، لا يدخل الماركسيون في نقاش، كانوا يحثون الشباب على ترك الصلاة و الصيام و القضايا الشرعية ثم سحب أيديهم بصورة كلية من الإسلام. و لا دخل لهم معنا نحن الذين نعرف القليل عن هذه النوعية من الكتب، أردت في مرة التحدث مع جمشيد سبهري و كان قارئا و متعلما جيدا ماركسي، قال لي يا نبوي ليس لدينا ما نتحدث عنه، نقول أن الماركسية أحدثت عدة ثورات في عدة دول و مكنت البعض من الثورة على الرأسمالية، و أنت حين لا تستطيع القيام بثورة مبنية على الدين تعال لنتحاور، أجابني بصورة برغماتية جدا، حسنا تلك الفترة كانت فترة الثورات و كل النظريات تؤدي الى نتائجها و لأن الثورة ظاهرة حديثة لا تتوافق مع الدين المتعلق بالتراث، و على ذلك يجب ألا تكون الثورة دينية و وحدهم الماركسيون يمكنهم السير مع ثورات الشعوب.
- قد يكون الإسلاميون أيضا في تلك الفترة لا يفكرون في ثورة دينية أو تشكيل حكومة دينية ؟
نعم، حين كانوا يعذبوني في اللجنة المشتركة كان المحقق يضحك بصوت عالي و يقول : ( هؤلاء يريدون تشكيل حكومة ) . كانت هذه الفكرة مضحكة لهم، الحقيقة كانت مضحكة لنا أيضا، إسقاط حكومة قوية و ابدالها بحكومة دينية، و لكننا لم نكن مترددين في الأصول و كنا متأكدين أن علينا مواجهة الحكومة الظالمة و لا يمكن مهادنة حكومة مستبدة و ضد الإسلام، و لكن و بما أننا لم نتعرف على نقاشات ولاية الفقيه للإمام لم يكن لدينا بديل.
- علاوة على كتب الشهيد مطهري ما هي الكتب التي كان يحرص السجناء على قراءتها؟
حين كنا خارج السجن قرأنا كتب و نتاجات الدكتور شريعتي، كانت لغته حديثة و تجعلنا متمكنين من الخطاب لنشعر بالهوية أمام الماركسيين، و لكن في السجن إلتفتنا الى أن كتب الدكتور شريعتي ليست بعمق كتب الدكتور مطهري لتعيننا في الرد على خطاب خصومنا، و بالطبع أكثر كتب الدكتور شريعني تتجه جهة علم الإجتماع كتبت بصورة فنية.
- بعيدا عن الخلافات الإيدلوجية كيف كانت علاقتك مع الماركسيين ؟ ألم يكن هناك أي علاقة؟
ليس الأمر أنه لم تكن بيننا أي علاقة، مثلا أحد الماركسيين المثقفين كنا نقرأ سويا المثنوي و لأن مولوي الرومي كانت فيه الكثير من الاحاديث و الروايات العربية كنت أساعده في فهمها، و كل من رآنا يتعجب من جلوس ماركسي و ديني يقرآنا المثنوي و يتحاوران بود .
- كيف تعامل معكم مسؤلو السجن ؟
كان السجن ثقيلا جدا و لا يُتحمل، هناك ضابط واحد فقط تعاطف مع الثوريين لا أذكر اسمه الآن ، و كل مسؤلي السجن كانوا يحدثون المشاكل لنا و يمنعونا خاصة الإسلاميين، مثلا كنا نواجه في فترة مشكلة مع صلاة الصبح، لأن فترة صلاة الصبح قبل ساعة الاستيقاظ الصباحي في السجن و لا يسمحون لنا بالصلاة قبل هذا الوقت، من الذكريات التي أحملها عن الشهيد تندكويان تعود الى قضية صلاة الصبح كان يصر على صلاة الصبح حتى وصل بهم الامر لتعليقه في صالة الزوار على الغضبان و تعذيبه، و في مرة قرأ الشهيد تندكويان قنوت صلاة العيد بصوت عالي لكي يقرأ خلفه البقية فأخذوه مرة أخرى و عذبوه.
- من ترأس السجن في تلك الفترة ؟
أعتقد العقيد زماني .
- كيف يدار السجن؟ و لإدارة العمل داخل السجن الى أي حد كان يتعاون الدينيون مع غير الدينيين؟
الى حدود ما كان هناك تعاون جيد بين الدينيين و غير الدينيين في هذا المضمار، وحدهم تابعو حزب التودة كانوا منعزلين في غرفة صغيرة و لا دخل لهم، لأنهم معارضين للعمل المسلح، و كان مسؤلو السجن يعاملوهم بصورة جيدة، بصورة عامة السجانون يعاملون فريقين بطريقة لينية، حزب التودة و جمعية الحجيتية.
- بعيدا عن هذين الفريقين كيف كنت تتعامل مع بقية السجناء غير الدينيين حول قضايا السجن؟
أصبحت لدينا تجربة إدارة في السجن، كنا بين 200 و 300 شخص و دون إدارة لا يمكن التقدم في أعمال السجن، شكّلنا بصورة سرية شورى إدارة و ننتخب في كل يوم رئيس بلدية و نقسم كل الأعمال، و لا بأس أن تعلم بأن أحد الأعمال الجميلة و الجذابة هو العمل، مثلا حين يحين دورنا كان علينا النهوض صباحا قبل البقية و نعد الشاي على المدفئة، ثم نعد مائدة الطعام ثم نجمعها لغسلها، ثم يحين موعد الغداء و العشاء و نفعل نفس الأمر، يملئ يومنا كله .
- هل كان رئيس البلدية في الأعم منكم أو من الماركسيين ؟
طبعا نسبتهم كانت أكبر، و لكن و بما أن هذه الأعمال كانت نقابية كان التعاون كاملا و لا توجد بيننا مشكلة.
- هل كانت لديك طقوس خاصة في المناسبات الدينية؟ وما هي ردة فعل الماركسيين و مسؤلي السجن؟
كانت لدينا مشكلة حتى في أثناء الصوم، في شهر رمضان المبارك نتسحر بخفية في الأسرة لكي لا يعذبنا مسؤلو السجن، أو لا يسمحون لنا بإقامة صلاة الجماعة، و لكن مرت فترة اتفقنا على أخذ سجاداتنا الى الساحة ، نصلي فرادى ولكن بصورة جماعية، كانت حركة روحية جدا، لم يتصادم معنا اليساريون و لكن لم تكن بالنسبة لهم حركة مفرحة و قال بعض مجاهدين خلق لا تفرقوا صفوفنا، و اعتقد بعض العلماء قالوا هذا الرأي أيضا .
- عادة ما يكون علماء الدين قادة الدينيين في السجن، من كان من العلماء له هذا الدور في سجن القصر؟
حين كنت في سجن القصر كان أكثر علماء الدين الثوريين في سجن أوين، أتذكر حين سجنت في أوين كان الكثير متأثرا بالسيد محمد جواد حجتي كرماني، كان حميما جدا و شجاعا، و أنا نفسي كنت متأثرا بتعامل السيد نور الدين طالقاني ، كان شجاعا جدا و نشطا و لا يهتم لسجانيه ولا للساواك، و لكن في سجن القصر و كما أسلفت كنت مع معاديخاه و حسيني و في بعض القضايا آخذ برأيهما و منها في قراءة العربية.
- هل حدث و أن أصبت بالضعف في السجن؟
في العادة الدينيون أكثر السجناء مقاومة، من تراجع منهم يصابون باليأس، و لكننا و بالإتكاء على القرآن و الأدعية حافظنا على روحيتنا و ما تحمله النصوص من مضامين ساعدتنا كثيرا.
- هل كان في السجن وسائل ترفيه و رياضة ؟
في بعض الأحيان نستغل الفرصة و نتمرن، مثلا في سجن رقم 7 و 8 كنا نلعب أحيانا الكرة الطائرة و كان رفيقي الدائم في اللعب السيد هادي خامنهاي و بعد الثورة استمر لعبنا التراثي لفترة.
- من الآن سوف تتحدد أسئلتي عمّا بعد السجن، الى أي حد أثر التقسيم الداخلي في السجن أو من المحتمل التصادم في السجن أكثر على تصميماتك بعد الخروج من السجن أو بعد الثورة حين كنت مسؤلا؟
في السجن لم يكن لدي تصادم مع شخص محدد لكي تظن أني سأنتقم منه فيما بعد، كلنا كان لدينا عدو مشترك و هو النظام الملكي. مع الأسف بعد الثورة وقف بعض الأفراد أو المنظمات ضد النظام و لم تعد هناك فرصة للتعاون، خاصة مجاهدين خلق إذ يرون أن ثورة الشعب هي ثورة عمياء و لم يقبلوا قيادة الإمام الخميني، بعد الإنتصار قالوا نحن ناضلنا و يجب أن تكون القيادة لنا، مع الأسف هذا النوع من التعامل قلص الكثير من الفرص و سلب إمكانية الاستفادة من قدرات بعضهم.
- و هل أسفت أنت؟
بالتأكيد، الكثير منهم كان مسلما و لم يقفوا ضد النظام، و كان يمكنهم مساعدة الثورة الاسلامية.
- ألم تتسبب ذكرياتك المشتركة في السجن أن تذهب إليهم؟
بذلت جهدي، لم يرغبوا، أضرب لك مثلا، أحدهم و كان معي متهما في ملف واحد و كنا في جامعة واحدة و قد سبقني بعام، كان اسمه ذاكري، حين انتهت فترة سجننا و خرجنا دعاني مرة أخرى الى العمل المسلح و الإنضمام الى المنظمة و لأني تعرفت عليهم في السجن و لم أجد إسلامهم نقيا لم أقبل. و تمّ القبض عليه بعد فاصلة قصيرة، و عن طريقه و لأنه متدين و تعاونا في فترة كنت أمر على عائلته بصورة مستمرة، و كان لديه طفل و إن استدعت الحاجة لتدخلي و بإمكاني تقديمه لن أتوانا، حتى خرج من السجن و رأيت تغيره الكامل و لم يعد يعجبه مرافقتنا. الخلاصة أنهم إختاروا الإنفصال، مثلا أذكر في المظاهرات المليونية يخرجون بلافتات المنجل و المطرقة و يدخلون بين الصف الأول و بينهم حتى يفصلوهم ليأخذوا المتظاهرين و يظهروهم الى جانبهم. مثل هذه البرامج و الخطط برعوا فيها، على أية حال لم يرافقوا الثورة الشعبية و الثورة الإسلامية، و بعد أن هاجموا نفس الثورة الشعبية و دخولهم للسجون أدعوا أنهم أصحاب الحق في الحكم.
- بعيدا عن التنظيميين كان بعض رفقائك الدينيين في السجن اليوم نراهم في فرق و أجنحة سياسية أخرى، هل يمكنك الجلوس الى جانبهم الآن؟
نعم، شكّل الشباب المسلمون قبل الثورة تحت جمعية عنوان ( جمعية السجناء السياسيين قبل الثورة) ، و الآن نحفظ علاقتنا العاطفية مع من لم يقف ضد النظام، و إن كانوا لا يتوافقون معنا سياسيا.
- و لكن رئيس نفس هذه الجمعية كيوان صميمي الآن في السجن.
على فكرة قد جاء قبل هذه الأحداث اليّ في نفس هذا المكتب و لم تنقطع علاقتنا العاطفية.
- سؤالي الأخير هو تحويل سجن القصر الى متحف هناك أسماء مفقودة على الزنزانات ، مثل لطف الله ميثمي، كتب فقط لطف الله .
أنا لا أرجح مثل هذه النظرة و أعتقد يجب ألا تمحى الوقائع التاريخية، في الأخير هناك من لا نقبلهم بات لديهم الآن تاريخ السجن قبل الثورة، ما فائدة كتابة لطف الله ميثمي ك لطف الله ؟!
المصدر : مجلة مهرنامه عدد 27، آذر 1391، ص 108-109
عدد الزوار: 4500
http://oral-history.ir/?page=post&id=5811