صور خارج إطار الكتاب
محمد هاشم أكبرياني*
ترجمة: احمد حيدري مجد
2015-10-18
على الآخرين الحديث عن كتاب (شمس لنكرودي) الصادر من مجموعة التاريخ الشفوي لأدب إيران المعاصر، من إليه ينظر من الخارج. و على هذا و في هذا المجال قيل الكثير و سوف يقال. و فيما يخص كتب التاريخ الشفوي هناك تأسف على عدم القدرة في كتابة او شرح بعض خصوصيات و خصائص من جلسنا معهم و حاورناهم. مثلا لا تجد في أي مكان من كتاب عمران صلاحي (الذي صدر من نفس هذه السلسلة) تلك الملامح الصادقة و الصافية له. أو في نفس هذا الكتاب، لا ترى صورة عن التواضع و الصوت الطيب و المحبب. إذا لم يجلس الانسان عن قرب مع عمران و يتحدث معه لا يمكنه لمس الصدق و المحبة و الخجل فيه. و كما لم نستطع وضع هذه الخصائص بين يدي القارئ، كذلك حدث مع كتاب (شمس لنكرودي) لم نستطع وضع تواضعه و رؤيته الإنسانية للإنسان. يجب رؤيته عن قرب، أن تتحدث معه، أن تناقشه، أن تسلم يدك له و تتبادل معه التحية و ترى ابتسامته لتدرك انسانيته. لا أريد الادعاء أني صديقه المقرب، و لكن الوقت القليل الذي قضيته معه رأيت المحبة و العطف الكامن فيه الذي بحثت عنه في كتاب ( شمس لنكرودي) و لم أجده. هذا نقص كبير ليس في هذا الكتاب فقط بل في بقية الكتب أيضا. هناك أمور يجب تجربتها و الحياة معها لتتعرف عليها. هذه النقطة الاولى التي أحببت ذكرها عن شمس لنكرودي و من حسن الحظ جاءت هذه الفرصة هنا. و لكن هناك نقطتان خارج هذا الوادي و هي عصية بطبيعتها و معجونة ب (الاستدلال) و (الدليل) و (التبرير).
النقطة الأولى حول كتاب "شمس لنكرودي" سمعت هنا و هناك أن الأسئلة المطروحة غير مناسبة و لا حاجة لها و استوجب كتابة توضيح في المقدمة حول نوعية الأسئلة و " و لماذا طرحت" . و لكن ما يمكنني كتابته هنا هو أنه يمكن عبر النظرة الاولى نلمس أن بعض الأسئلة لا مكان لها أو غير مناسبة و لكن و حسب تعريف التاريخ الشفوي الأدبي المعاصر في البداية كانت لدي اهداف عينتها تصبح فيها الأسئلة ضرروية. مثلا الأسئلة المتعلقة بعلاقة الأب و الأم و وجود الثقافة الأبوية أو الاموية في العائلة، لا يمكن إبعاد مثلها عن الطرح. طرح مثل هذه الموضوعات مهمة في التاريخ الشفوي للأدب المعاصر لمعرفة كيف قضى القاص أو الشاعر فترة طفولته مع عائلته. و لا شك أن هذا الموضوع له تأثيره في تشكيل شخصية الفرد و أفكاره و أحساسه. و أهم من ذلك هو تأثير هذه الأفكار و الإحساسات في النص الشعري أو القصصي للكتاب. بعبارة أخرى التقرب من العائلة يمنحنا معرفة أفضل من الشخصية الأدبية.
و على هذا يجب رؤية ترتيب الأسئلة في الإطار الكلي لإطروحة التاريخ الشفوي للأدب المعاصر الإيراني و ليس بعيدا عنه و عبر سؤال بين عشرات الأسئلة. تقريبا كل الأسئلة جاءت لهذا الهدف. و ليت الأصدقاء الذين تحدثوا عن عدم تناسب الأسئلة و مازالوا يتحدثون لو يذكرون نموذجا لايضاح الموضوع.
رغم كل ذلك، لا يؤخذ هذا الكلام على أن التاريخ الشفوي للأدب الإيراني المعاصر و أسئلته يخلو من العيوب و النقد. يطرح التاريخ الشفوي للأدب الإيراني المعاصر، و بهذا الحجم، لأول مرة في بلادنا، و ليس عبر مؤسسة أو وزارة أو مركز داعم و بدعم مالي كبير. و على هذا أولا في هذا المجال لم تكن هناك تجربة سابقة لنستفيد منها و من الطبيعي أن ترافق الخطوة الأولى نقائصها و بالطبع إحداها متعلق بالأسئلة. ثانيا من ناحية أن مثل هذه المشاريع تحتاج الى دعم مالي و إمكانيات كبيرة حتى نستطيع الاخذ بعين الإعتبار الآراء المقدمة من الأساتذة و الخبراء المحترمين، و لكي يرتاح بال القائمين على الاطروحة، و لذلك من الطبيعي أن تفعيل هذه الأطروحة بشكل نموذجي ضرب من الخيال، ففي مثل مجتمعنا و مشاكل الطباعة فيه أن يعرب ناشر عن استعداده لتقبل العمل هو أمر يستحق الشكر. و على ذلك، وجود قصور في مثل هذه الاطروحة أمر طبيعي و لا يمكن الفرار منه، و أذكر هنا نقطة اخرى لو لم يكن تعاون الشخصيات الادبية و تفاعلها لما وصلنا الى ما نحن فيه الآن. مثلا كتاب (شمس لنكرودي) هو راجعه بنفسه و صححه و دقق فيه و رتب موضوعاته، و جلس لوضع الصور و اختيارها و إلخ...
متأكد لو لم تكن كل هذه الدقة و الحساسية من جانب الشاعر شمس لما خرج هذا الكتاب للقارئ بهذه الصورة، و أذكر أمرا أيضا لا يعني كلامي هذا عدم الاخذ جهود الأصدقاء الذين حاوروا و أخرجوا الحوارات بهذا الشكل. لقد قام السيد كيوان باجن بجهود كبيرة لإخراج هذا الحوار. و إضافة الى ذلك و بعد الإصلاحات التي قمت بها أنا قام السيد شمس بتدقيق آخر ليخرج الكتاب بأفضل صورة.
السيد شمس لنكرودي مثل كل الشخصيات الأدبية التي حاورناها، قالوا مرات عدة متأسفين مع الأسف لا يمكن طرح بعض القضايا. و قالوا الحقيقة، لنضع انفسنا مكانهم لو طُلب منا الحديث عن كل ما نعرفه عن شعراء و كتاب نعرفهم و ننقل رأينا بما فيه لترددنا في قول كل ما نعرفه و مع الأسف ينبع هذا من شروط راهنة نعيش فيها. و لكن فيما يتعلق بلنكرودي و سوف تقرؤوه أنه سعى الى ذكر ما يمكن ذكره. و أحيانا يبقى يفكر يوما كاملا في مقطع أو جملة هل يبقيه أم يحذفه. لم يود إذا كان حدث مهم أو مؤثر أن يحذف أو يقتطع دون دليل. و لكن النقطة المهمة هو ما قاله، الصدق و الصراحة في حواره. ما قاله هو وصف صادق عن نفسه و عن الآخرين و عن الحركات و المجموعات و حتى الأحداث المتعددة. و على ذلك كتاب (شمس لنكرودي) في سلسلة تحليل الأدب الإيراني المعاصر يمكنه أن يكون كتابا يستحق الإعتناء به و هذا أمر ليس بالقليل. النقطة الاخيرة هي علاقتي مع فصول من الكتاب، و قلت في السابق أن الحديث عن قيمة الكتاب يجب أن ندعها للآخرين و لكني أعتقد أن لي الحق في وصف علاقتي بالكتاب أو على الأقل علاقتي مع قسم منه. في مكان من الكتاب وصف السيد لنكرودي حالته حين سجن و أشار الى رؤيته للعالم. هناك يجد لصوت الثلج معنى آخر، كلما وصلت الى هذا القسم من الكتاب أبكي دون شعور. قبل ليلة من عرض الكتاب قررنا اختيار مقاطع لقرائتها في يوم العرض و اتفقنا على عدم اختيار نفس هذا القسم من الكتاب لأن إبكاء الحضور لا يليق بيوم العرض. و في نفس الوقت تحسرت على عدم قراءة هذا القسم و استبعاده، وعدتُ نفسي ألا أبكي أمام الحضور، حين وصلت لحظة قراءة النص و حين كنتُ أكرر (عليك ألا تبكي) لنفسي قرأت و قلت لنفسي (عليك ألا تبكي)، على كل و عبر الضغط على نفسي لم أبكِ، لا أعرف قد يكون المقطع ليس مؤثرا الى ذلك الحد و كنت أتعاطف معه أكثر من اللازم، على كل لم أبك في لحظة عرض الكتاب، و لكن أكثر الاوقات حين أقرأ هذا القسم من الكتاب مازلت أبكي و قلت هذا لشمس.
*مسؤل مجموعة التاريخ الشفوي للأدب الإيراني المعاصر
عدد الزوار: 4509
http://oral-history.ir/?page=post&id=5775