أصدقاء الخميس

محمد تقوي
ترجمة: أحمد حيدري مجد

2015-10-18


كأن عنوان هذه المقالة يجب أن يكون تركيبي مثل هوشنك كلشيري و ورشة القصة و هي ليست رائجة، و الدليل هو أن العمل الجماعي كان مهما جدا بالنسبة له لأشكل منه تركيبا عاديا.

لو دققنا في حياة كلشيري الأدبية لاستطعنا الحصول على عدة حركات ذات شكل أمواج مازال يصلنا مدها حتى اليوم و تاثر فينا. إذن من الأفضل أن يكون عنوان هذه المقالة: الكاتب كلشيري مشكل الحركات.

يمكننا متابعة العمل الجماعي في حياة هوشنك كلشيري بصورة خاصة، لا يؤمن كلشيري بالرأي السائد ك (النابغة) و (الخلوة و الانزواء)، كان يتقرب من الحركات الادبية أو المراكز التي يشتركون معه في القلق و يربطهم ببعض، أول و أشهر حركة أدبية التي قام بها كلشيري و هو من أركانها حلقة اصفهان.

درس هوشنك كلشيري في كلية الآداب في العام 1959، و منذ العام 1960 تردد على مركز صائب الادبي، فيما بعد تشكلت حلقة اصفهان عن طريق مثل هذه المراكز الادبية، كان مركز صائب محفلا للشباب الحداثيين و لم يرتده الأدباء المعروفون في تلك الفترة و لكن فيما بعد باتت حلقة اصفهان تجتذب الأدباء الكبار مثل أبو الحسن نجفي الذي درس في فرنسا، و كان يعرف المدارس النقدية الحديثة و اللغويات.

تشكلت جلسات حلقة اصفهان بين أعوام 1960 و 1971، إعتاد المشاركون في الجلسة و بعد قراءة النص أن يدخلوا في نقاشات حوله، تلتفتون أن النقاش يدور على نفس النص و ليس الدخول في نقاشات إعلانية إجتماعية و تعيينه في أي طبقة، كانت تلك الفترة فترة الأدب الملتزم و يريد النقاد من الادب أن يؤدي دوره الإجتماعي لا غير. تعتبر تلك الفترة و بصوة مؤلمة فترة التطرق الى المعرفة الجمالية للنتاج الادبي الراقي،إذن قد نكون مديونيين لهذه الحلقة في بداية كسر التعصب المضر و ترك الصنم.

حين ننظر من هنا اليوم حيث نقف، نجد بصورة واضحة أن حلقة اصفهان لم تكن مجرد جلسات بل حركة أدبية ذكية و مؤثرة.

تعين في الجلسة الحجم الكمي و الكيفي للنتاج و في نفس المكان تحدد معالمه، بعبارة أخرى بصورة آلية في نهاية الجلسة يحدد النتاج المستعد للنشر و النتاج الذي يحتاج الى كتابة ثانية. و حسب ما قاله كلشيري أن أصحاب حلقة اصفهان لا يصممون على تصويت بل لاغناء الحضور.

بات اليوم التطرق الى شكل النتاج الادبي من البديهيات لنا و لكن الحقيقة أن الكثير من الانجازات النقدية المعاصرة هي نتيجة تجربة حلقة اصفهان: الإهتمام بنفس النص هو بمثابة كائن عضوي مستقل يتطلب النقد و البحث المستقل. عرض و صناعة الحدث بدل تقديم تقرير، و الوصف بدل الرواية، كلها خلقت موجة آخرى منذ تلك اللحظة أخذت بالقفز و مازالت حتى الآن تصلنا موجة بعد موجة.

نشر هوشنك كلشيري مجموعته القصصية (كما هي دائما) في العام 1968. و لكن أغلب القصص طبعت سابقا في الحلقة، في الواقع طرحت واحدة بعد الأخرى في جلسات الحلقة، نقدت و أعيد كتابتها حتى وصلت الى الصقل النهائي في المدينة المعروفة فنيا بالفنون الدقيقة.

نصل هنا الى الدور الذي يمكن لأعضاء الورشة و المركز أن يلعبوه و هو دور المتلقي، المتلقي المثقف و النشط و هو بمثابة إكسير يعيد الحياة و يشفيها للفنان،  هو بنفسه قال إن بعض القصص من الممكن قد قرأها لخمس أشخاص، و بمساعدة نفس المتلقين المذكورين استطاع كلشيري أن يخطو خطوات طويلة في أدبنا المعاصر و يخلق نتاجا لم يتواجه معه قراءه أبدا، في نفس شبيه هذه الحلقة كتبت (كريستن و كيد). القصة الغريبة التي تقرأ جلسة بعد جلسة للمتلقين أحيانا يكونون هم شخصيات قصصية، الكثير من قصص كلشيري لم تسبق، مثل (المعصوم الخامس) أو (خمسة ابن محمود الراوي) كانت لا تتحمل لنقاد تلك الفترة.

مجموعة الكتب التي قرأها كلشيري كانت تتراكم و لكن وقع تحت طائلة النقد اللاذع عدة مرات. وصفوه بأنه كاتب صعب و لا يهتم للناس و لكن كلشيري ربى متلقيه بكل هدوء.

إذن قد يكون صعود عدد القراء الذين يشكّلون اليوم متابعين للقصة المعاصرة موجة ً أخرى جاءت من زمن هذا الكاتب، نعم، الحصول على بضعة آلاف من القراء لم يكن أمرا سهلا.

كان كلشيري كاتبا صانع حركة، أثبت أن المتلقي العام يتغير في معادلة الخلق الأدبي في حال أن النتاج الأدبي من ثوابت المعادلة و المعادلة الفنية يمكنها الإجابة بعد عدة صباحات، ليس في المدى البعيد، قد يكون الغد. كان كلشيري كاتبا صانع حركة. لأن تجاربه باتت تجارب للقادمين وصلت إلينا عبر أمواج.

كان هوشنك كلشيري قبل كل شئ كاتب و لكن فيما بعد بات معلما مستداما، درَّس لأعوام في كل مقطع تتخيلونه، من الإبتدائي حتى الثانوية و الجامعة، و علم القصة لكُثر، قراءة القصة و كتابتها و فهمها و نقدها و كل ما يتعلق بالقصة و كتابتها، نعم كان كائنا قصصيا، في جرابه الكثير من التلامذة الصغار و الكبار، قال مرارا أنه لا يؤمن بالنابغة المولود في ليلة و ضحاها و الخلق الفني نتيجة العلم و العمل و الأهم الالتزام. إهتمامه الخاص بالتعليم و التدريس في الجامعة و صفوف الأدب القصصي كسر مفهوم الغريزة الكتابية، مازالت عالقة أذهاننا حين قال الكتابة لست عبر التعليم و يجب أن تكون في دم الكاتب، كأن الكتابة منحصرة في أصحاب العظمة الإلهية.

اليوم أكثر من السابق يصر على تعلم فنون كتابة القصة و على فهم و هضم النصوص النقدية و الادب القديم مرة اخرى، و هو موج آخر وصل إلينا، كان كلشيري كاتبا صانع حركة.

مع انتقال كلشيري الى طهران استمرت الجلسات بين العام 1974 و 1977، في العام 77 إقيمت أمسيات شعر انستيتو غوته و هي أمسيات أردنا ام لم نرد كانت ذات وجهة إجتماعية و سياسية أكثر من السابقات، عاد في نهاية العام 78 الى اصفهان و في العام 79 عمل في (مكتب الدراسات الأدبية) في مجال التدريس، التدريس الأدبي، و في العام 80 عاد الى طهران و درس في كلية الفنون الجميلة الرواية و القصة القصيرة و الأدب القديم.

في الجامعة حين يصاب بفقدان الامل من النقد المعاصر مع الجامعيين، يدرس المراجع و يقرأ نتاجات موبسان و ادغار آلن بو و هيمنغواي و اشتناين بك و جويس و بالزاك و داستافسكي. حين تكون الأسس قوية يصبح إدارك ضرورة النقد  الأدبي لنصوصنا سهلا، فيما بعد استمر كلشيري بهذا الاسلوب و قرأنا في فترة مهمة مع كلشيري في كالري كسرى قمم الادب العالمي و أدبنا المعاصر، أعتقد أن تدريس المفردة ثم الأخرى، و كشف الانحنائات الخفيفة في النتاج و تحليل أجزاء القصة و عناصرها و تفكيك مفاهيم مثل النثر و الغة و الموسيقى كانت حركة أعتقد أنها أحدثت موجة في بركة أدبنا وصلتنا و ستصل بعدنا الى الجيل القادم.

في تاريخ نشاطات كلشيري الجماعية كانت جلسات الخميس هي الأهم، كانت تقام الجلسات منذ العام 1983 و حتى العام 1989 كل اسبوع في بيت احد الأعضاء، كانت جلسات الخميس من بين جلسات عدة لكلشيري و كانت أشبه بورشة قصصية و ناتج هذه الجلسات في الأكثر العمل الخلاق و خلق نصوص قصصية و قليلا ما تتحول الى أخبار تعليمية، الشكل الأساس لهذه الجلسات قراءة القصص، يطرح دائما في هذه الجلسات النقد للنتاج بيد أن الآراء تتجه الى النقاط الصغيرة الفنية، في الحقيقة كل الكتاب يتعاونون في كشف النص مرة أخرى حيث كانوا يبحثون عنه.

أول مولود لهذه الجلسات كانت مجموعة (سبع كتب) و أعتقد أنها لامعة جدا في فنها، و خرجت مجموعتان أخريان من جلسة الخميس و لكن لم يسمح لها بالصدور. (الخادم و عشرة قصص) و (البالكون الثالث) .

كان أعضاء هذه الجلسات إما قصصي أو شاعر و الكثير منهم أصدر كتابا و من لم يكن له كتاب أصدر فيما بعد كتبه و باتوا من القاصين المعروفين.

تنتظر ورشة القصص دائما لحظة الخلق و تطرح دائما قضية النشر بعد ذلك، على هذا القصة التي تطرح في الجلسة هي قصة غير منتهية. هي قصة في يد صاحبها تتمرن و تتغير و قد تتغير في الورشة و تاخذ طريقا آخر. يمكن للورشة القصصية عبر نقل العلم و التجربة المشتركة أن تساعد الكاتب ليتغلب على تشتته، تختلف ورشة القصص عن كل مجموعة، ورشة القصص هي أرض القصص غير المنتهية، حدود ورشة القصص هي الخلق، قد يمكن القول أن كلشيري دائم الحضور في الورشة، لأنه كان دائما في حالة خلق، إذن السر الأساس يكمن في هذه النقطة، الخلق المستدام الفني.

في العام 1990 و بعد رحلة الى أوروبا استأجر كلشيري صالة في كالري كسرى، عمل هذه المرة مستقلا و بنى ورشة قصصية محددة الإسم و القوانين و بدأ جلسات الأربعاء، بالطبع كانت تقام جلسات السبت و الإثنين أيضا، لم يبدأ العمل هذه المرة مع الأصدقاء، يريد كلشيري تحقيق حلمه الذي لم يتحقق بسبب قلة السبل المتاحة، بدأ هذه المرة بميزانيته القليلة دون دعم اقتصادي أو غير اقتصادي، على المشاركين تسجيل أسمائهم و الحضور في الوقت المحدد للمشاركة في الصفوف. خصص أيام السبت لتدريس أدبنا المعاصر و أيام الإثنين الادب الأجنبي و أيام الاربعاء كما ذكر ورشة القصص، بالطبع لم تسجل الأسماء لورشة القصة، يعرف كلشيري منذ البداية ماذا يفعل، لا تحتسب جلسات يوم الأربعاء فصول دراسية، هي ورشة، ينتخب كلشيري أعضاء جلسات الأربعاء، كل من يود المشاركة في جلسات الورشة عليه تقديم قصة لكلشيري، و هو من يحدد من بامكانه المشاركة في الورشة، تبدأ الجلسات بحضور سبع أشخاص، تتحول بسرعة قراءة كل قصة جديدة الى جزء من خلق كتابة القصة و من هذه اللحظة تمر كل قصص الأعضاء المشاركين –و منهم كلشيري- عبر مصفاة هذه الجلسات.

يقول كلشيري في مقدمة حديقة في الحديقة أن هذه الفترة من أكثر الجلسات لمعانا في تلك الأعوام. لم تستمر جلسات و صفوف الكالري باسباب معلومة و غير معلومة إلا سنتان و توقف الكالري و بقيت الجلسات لأعوام في المنازل، قُرأت في هذه الجلسات الكثير من النصوص القديمة مثل (حي بني يقظان) و (غناء جبريل) الى (الفرج بعد الشدة) و (تاريخ البيهقي) و الكثير من قصص الشاهنامه و القصص القديمة مثل (سمك عيار). كانت قراءات عميقة لمفهوم الرمزية التي تدخل في الكثير من الأعمال القصصية، و كانت مراجعة عميقة للأدب السردي المعاصر من جمال زاده و حتى اللحظة الراهنة، مع قراءة قمم الأدب العالمي من قصص حتى الروايات المهمة مع مناقشة الترجمات المتعددة و طرح طرق النقد الحديث.

مع صدور مجلة (زنده رود) خصصت اعداد منها لنتاجات تلك الاعوام، و نشرت الكثير من القصص و المقالات للمشاركين في الجلسة و نشروا فيما بعد قصصهم و رواياتهم و تحولوا الى كتاب العقد ال70 و ال 80 ، و لكن أركان هذه الجلسات إحدى عشر عددا لمجلة كارنامه بمساعدة أصدقاء في المطبعة، كتب كلشيري أكثر مقالته النقدية و التنظيرية في هذه الفترة و كان مسؤلا في المجلة، حساسية الاجواء الجماعية أوقعت كل الحاضرين في تلاطم، و ذلك بسبب أن فترة مطبوعات كلشيري كانت حية و جديدة و تبحث عن إجابات لزمنها، مازال يمكن الحصول في كل مكتبة على اعداد و كتب مجلدة (مفيد) و (نقد آكاه) و (زنده رود) و (كارنامه). قام كلشيري في كل هذه الاعمال ما كان يقوم به دائما، كان مستعدا أن يجلس في زاوية و يغلق عينيه و يعد ذهنه و سمعه ليقول لك: إقرأ.

فعل كلشيري ما كان يفعله دوما، يعد كل ورشة قصصية و جامعة و مطبوعة لإعداد المشهد للواقعة، و في الواقع الآخرون كانوا أكبر منه هم الذين يجتمعون حوله، لذلك لم يكن شخصية تدفع فقط و قد يكون المستفيد الاول هو نفسه، كأن هناك سحر تشبه دوائر الزار في رمزيتها، و الآن غاب الممثلون الأساسيون من المشهد و بقيت أسالبيهم، إطمئنوا لو رجعتهم الى من شارك في هذه الجلسات و قرأ قصة لكلشيري و تقول له لدي قصة و أريد رأيك فيها، سيبحث عن زاوية معزولة ثم يحاول تهدئتك ثم يطلب منك: إقرأ! و يبدأ كل شئ من البداية، هذه حركة لا نهاية لها.

المصدرالفارسي



 
عدد الزوار: 4836



http://oral-history.ir/?page=post&id=5774